مع تصاعد الغزو الروسي لأوكرانيا، في الأيام الأخيرة لم تعد القوات الروسية، تفرق في استهدافها بين ما هو مدني، وما هو عسكري، حيث طال القصف الروسي العديد من المنشآت المدنية، خاصة في مدينة ماريوبول في جنوب شرق أوكرانيا، حيث يُحاصر آلاف الأشخاص منذ أيام.

وفي هذا السياق، طال قصف القوات الروسية، مسجد “السلطان سليمان وزوجته روكسولانا” في ماريوبول، حسب وزارة الخارجية الأوكرانية، التي أكدت أن “أكثر من 80 بينهم أطفال كانوا يحتمون هناك، ومن بينهم مواطنون أتراك”، دون أن تُحدد متى وقع القصف، فيما لم يصدر أي تعليق رسمي تركي حول الحادثة، بحسب تقارير صحفية.

ما هي الحسابات التركية؟

تعتبر الحسابات التركية، المتعلقة بالغزو الروسي لأوكرانيا هي الأصعب بين الأطراف الدولية، فتركيا عضو في “الناتو”، لكنها لم تفرض عقوبات على روسيا أسوة بأعضاء الحلف، وهي تحتفظ بعلاقات جيدة واستراتيجية مع روسيا في عدد من المجالات أبرزها الطاقة والسياحة والتبادل التجاري، كما تحتفظ بذات الوقت بعلاقات جيدة واستراتيجية مع أوكرانيا، في مجالات أبرزها التبادل التجاري والتصنيع العسكري.

الباحث في الشأن الروسي، سامر الياس، يرى خلال حديثه لموقع “الحل نت”، أن هناك صعوبة لدى تركيا في الاستمرار بسياستها البراغماتية، والجمع بين العلاقات بين كل من روسيا وأوكرانيا في الوقت ذاته، ولكن اصطفاف تركيا في أي طرف سيؤدي إلى خسائر اقتصادية و جيوستراتيجية. أي في حال اصطفت إلى جانب طرف دون آخر.

لذلك، وحسب الياس، تسعى تركيا للقول أنها على الحياد، ومحاولة العمل على إيجاد تسوية سياسية لهذه الحرب، رغم أنها بشكل عام ترفع حدة تصريحاتها الإعلامية بدعم أوكرانيا، إلا أنها غير جاهزة واقعيا للتخلي عن علاقاتها مع روسيا، نظرا لوجود ملفات خلافية متعددة بين الطرفين، حيث يمكن لروسيا التأثير على تركيا بملفات كسوريا وجنوب القوقاز وليبيا وغيرها، لذلك فكل من روسيا وتركيا يسعيان لمواصلة العلاقات رغم تضارب المصالح بينهما.

من جهته، قال الباحث في الشأن التركي، فراس رضوان أوغلو، لموقع “الحل نت”، إن الحسابات التركية الحالية تعتمد على استراتيجية أن المصالح التركية مع روسيا مختلفة عن المصالح مع أوكرانيا، فالمصالح مع روسيا تعتمد على تبادل تجاري كبير جدا، بينما تعتمد المصالح مع أوكرانيا على التوازن الإقليمي الذي إذا تعرض لأي خلل، فسيشكل خللا في توازن منطقة “البحر الأسود” بالكامل، وهذا ليس في صالح تركيا.

لذلك تقوم الاستراتيجية التركية على وجود الدولتين معا، روسيا وأوكرانيا، وهناك مصالح مع كل منهما، على الرغم من معارضة تركيا لضم روسيا لشبه جزيرة القرم وما تزال، في حين أنها تدعم أوكرانيا بطائرات “بيرقدار” التي تعتبر أوكرانيا شريكا في تصنيع بعض محركاتها.

قد يهمك:“الأرض المحروقة” من سوريا إلى أوكرانيا.. هل تكررها روسيا؟

العلاقات التركية إلى أين؟

تركيا هي الخاسر الأكبر من استمرار هذه الحرب، لذلك حسابات علاقاتها صعبة جدا، وعليه فإن أقل الخسائر بالنسبة لها هو إيقاف هذه الحرب، وجلوس الطرفين إلى طاولة المفاوضات.

ويرى رضوان أوغلو، أن هناك 3 نقاط مهمة بالنسبة لتركيا، الأولى، أن تأخذ مسار المصالحة بين الطرفين، لذلك يجب أن تكون شبه حيادية وهذا مستحيل، والثانية، أنه على روسيا أن تدرك أنها من بدأت بالغزو، أي هي من أخطأت وعليها تحمل تبعات ذلك قانونيا وسياسيا. والثالثة، أن تركيا تسعى لاعتراف الغرب بحقوق روسيا من الناحية الأمنية، ولكن في ذات الوقت وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا تعتقد تركيا أنه يجب الضغط على روسيا لإيقاف الغزو، ولا تعارض من حيث المبدأ إمداد أوكرانيا بالسلاح من قبل الغرب.

أما سامر الياس، فيعتقد أن تركيا ستواصل سياسة النأي بالنفس قدر الإمكان عن هذه الحرب، مع استمرار دعمها إعلاميا لأوكرانيا في عدد من القضايا، خاصة أن هناك تاريخا طويلا من الحروب بينها وبين روسيا، أما قيامها بدعم أوكرانيا عسكريا أو سياسيا فيعتبر بمثابة إعلان حرب على روسيا.

وأضاف الياس، يجب عدم إهمال ناحية مهمة، أن منطقة دونباس، وشبه جزيرة القرم، كانتا تاريخيا ساحات للصراع بين روسيا وتركيا، لذلك تريد تركيا الإبقاء على بعض التوازن في منطقة “البحر الأسود”، فهي لا تريد أن ترى روسيا قوة مسيطرة ومهيمنة على هذه المنطقة، كما لا تريد أن ترى انتهاء أوكرانيا، ولكنها لا يمكن أن تذهب بعلاقات أكبر مع أوكرانيا ضد روسيا.

إقرأ:خصومة تركية روسية في سوريا بسبب أوكرانيا؟

تعاني تركيا من موقف صعب تسبب به الغزو الروسي لأوكرانيا، فهناك العديد من المعايير التي تحكم الموقف التركي من الغزو، فالتوازن في البحر الأسود مهم جدا، والأوراق في يد روسيا ضد تركيا في سوريا والقوقاز مهمة أيضا، لذلك لا يمكن لتركيا إلا أن تبقى على الحياد، ومحاولة إيجاد حل لإيقاف هذا الغزو.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.