منذ 2003 وحتى الآن، طالما مثلت الاستقلالية في العراق حالة شبه معدمة، وهذا الحديث على صعيد السياسة والتدرج في مناصب الدولة، وبالرغم من أن الحزبية هي نشاط سياسي طبيعي عموما، إلا أنها تحولت إلى نقمة في بلاد الرافدين، وصار المواطنون يحلمون بالخلاص من هيمنتها، ورؤية حكومة مستقلة تدير بلادهم.

وخلاف ذلك، ونتيجة لغضب الشارع العراقي الذي خرج في أواخر 2019 إلى الشوارع في تظاهرات عارمة، طالبت بإنهاء نفوذ الأحزاب وإدارتها السيئة، من خلال إجراء انتخابات مبكرة نزيهة وجملة مطالبات آخرى، انتهت بمشهد جديد أفضى إلى صعود 48 نائبا مستقلا جديدا إلى البرلمان العراقي، بالتوازي مع خسارة الأحزاب التقليدية لجزء كبير من حظوظها، تحديدا الموالية لإيران منها.

أقرأ/ي المزيد: 3 سيناريوهات قد يشهدها العراق بسبب الانسداد السياسي

لماذا المستقلون؟

خسارة الأحزاب التقليدية وصعود أخرى، إلى جانب عدد المستقلين الأول من نوعه على مدى نحو عقدين، إذ لم تشهد العملية السياسية في العراق وجود مستقلين بهدذا الحجم، حيث لم تتجاوز حظوظهم في الدورات النيابية الأربعة السابقة أكثر من 5 أعضاء، وهذا ما انعكس على طبيعة التوازنات في عملية تشكيل الحكومة التي ما تزال تواجه تحديات في اتمامها منذ قرابة 7 أشهر على الانتخابات التشريعية.

اختلاف التوازنات الذي حدث، وتمسك زعيم “التيار الصدري”، مقتدى الصدر وحلفائه من السنة والأكراد، بمشروع تشكيل حكومة “أغلبية”، واستمرار تحالف “الإطار التنسيقي” الذي يضم قوى شيعية مقربة من إيران، وحلفائهم في حزب “الاتحاد الوطني الكردستاني”، وعدد من النواب السنة، بمشروع تشكيل حكومة توافقية يشترك الحميع فيها، أدى إلى تأزم المشهد السياسي وتعطيل تشكيل الحكومة.

إذ كان “التيار الصدري” صاحب الحظ الأوفر بالانتخابات الأخيرة، حيث ازدات حظوظه إلى 73 مقعدا بعدما كانوا 54 مقعد، ثم يليه تحالف “تقدم الوطني”، التابع لرئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي بـ37 مقعدا، وصعود حظوظ كتلة دولة القانون بزعامة نوري المالكي، من 25 مقعد إلى 37، ليتبعهم الحزب “الديمقراطي الكردستاني” من 25 مقعد إلى 31، وتراجع مقاعد القوى الموالية لإيران والتي تمتلك فصائل مسلحة من 48 مقعدا إلى 17.

استمرار الصراع بين تحالف “إنقاذ وطن”، الذي يضم “التيار الصدري”، و”الديمقراطي الكردستاني”، وتحالف “السيادة”، الذي يضم معظم القوى السنية باستثناء 17 عضوا، وبين تحالف “الإطار التنسيقي”، اللذان فشل كل منهما في المضي بتشكيل الحكومة، وعدم التوصل إلى تفاهمات فيما بينها، دفع الطرفين إلى رمي الكرة في ساحة النواب المستقلين، الذين يمثلون بيضة القبان في البرلمان الحالي.

حيث بادر الصدر بداية إلى دعوتهم في الحضور لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية، والتي فشل تحالفه في اتمام نصابها القانوني لجلستين متتاليتن، إثر لجوء الإطار التنسيقي لتعطيلها من خلال حشده “الثلث المعطل” من النواب، وفق ما يقضي به الدستوري العراقي في جلسة انتخاب الرئيس بحضور ثلثي أعضاء المجلس-220 نائبا من أصل 329.

ليعود “الأطار التنسيقي” لرمي الكرة بملعب المستقلين مرة أخرى بإطلاق مبادرة تضمنت 9 نقاط تحدثت عن حكومة توافقية يتم تشكيلها من قبل المستقلين، وهذا ما رد عليه مقتدى الصدر بمبادر جديدة، تضمنت منح فرصة تشكيل الحكومة للنواب المستقلين خلال 15 يوما، ويصوت تحالفه “إنقاذ وطن” على مرشح المستقلين وحكومتهم، مع عدم أخذ “الكتلة الصدرية” لأي حقيبة وزارية.

مبادرة الصدر الأخيرة جاءت بعد أن منح مهلة إلى “الإطار”، قوامها 39 يوما تبدأ من اليوم الأول في شهر رمضان، لتشكيل الحكومة، أيضا من دون اشتراك “الكتلة الصدرية” فيها، وهذا ما أثار التكهنات حول ذلك.

إذ تأتي تلك الفرصتين في توقيت يبحث فيه العراقيين عن حكومة مستقلة بعيدة عن تأثير الأحزاب، لاسيما وأن هناك من بين المستقلين من انبثقوا من داخل ساحات التظاهر، فضلا عما يمكن أن تسهم به من انتقالة في طبيعة العملية السياسية بالعراق من توفير فسحة معقولة للعمل المستقل، مقابل قلق كبير من أن تكون منزلق ينحدر فيه بظل تحديات المشهد العراقي الذي يعتمد فيه العمل السياسي لوجود دعامات حزبية متينة.

وفي محاول لفهم طبيعة تلك الفرص للمستقلين، تحدث موقع “الحل نت”، إلى المحلل السياسي علي البيدر، وقال إن “منح فرصة تشكيل الحكومة للمستقلين، هي مناورات سياسية للهروب من المسؤولية الملقاة على عاتق “التيار الصدري” و”الإطار التنسيقي”، وهي عملية تحايل على الواقع”.

أقرأ/ي المزيد: المستقلون في العراق: هل سيحسمون معركة رئاسة الجمهورية؟

سيناريو مكرر

البيدر أضاف، أن “الحكومة التي تتشكل يجب أن تكون مسنودة برلمانيا من نفسها، لا أن تكون بلا سند، وبالتالي فإن شكل المستقلون الحكومة فسيتكرر معهم سيناريو حكومة عادل عبد المهدي الذي كان من دون كتلة سياسية تقف خلفه”.

بالتالي أن، السيناريو المتوقع هو إما أن يفشل المستقلون بمساعي تشكيل الحكومة المقبلة، أو ينجحون بتشكيل حكومة تكون تحت تأثير ونفوذ القوى السياسية الكبرى، وبذلك ستكون حكومة شبه ميتة، وفقا للبيدر.

بالمقابل، ترى الصحفية المختصة في الشأن العراقي سؤدد الصالحي، أن كلتا المبادرتين المطروحتين لكسر الإنسداد السياسي، تهدفان إلى توريط النواب المستقلين والتلاعب بهم”.

ولفتت الصالحي في تدوينة على جداريتها في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، إلى أن “عدم مشاركة الصدريين في أي حكومة مقترحة، هي ورطة كبرى وفخ لن يفلح أكبر الدهاة في الإفلات من شراكه”.

من جهته، يرى الباحث والمحلل السياسي علاء مصطفى أن “موضوع التصارع على المستقلين ما بين التيار والإطار واضح وصريح، وأن في المبادرة الصدرية مغريات أكثر من مبادرة الإطار”.

لكن مصطفى تسائل، حول إمكانية تطبيق ذلك العرض الذي وصفه بالمغري من قبل الصدرين، ولفت إلى أنه، في الحقيقة ليس هناك من المستقلين حقا إلا نزر يسير، لا يزيدون على أصابع اليد الواحدة والأغلب منهم مؤدلج ما بين هذا العسكر وذاك.

وأوضح أن، هذه الأدلجة تمت حتى ما قبل الانتخابات، إذ أن الكتل السياسية وعت جيدا لرغبة الشارع العراقي بالمستقلين، بالتالي زجت بشخصيات مقربة منها في الانتخابات لتستغل هذا الميدان.

بالتالي أن، الجدوى من مبادرة الصدر في ظل هذا المشهد، فأنها تلخصت في أنها نزهت التيار الصدري من الاتهامات التي تقول أن التيار الصدري يريد الاستحواذ على السلطة، بدليل أن المبادرة ألزمت موضوع الأتيان برئيس وزراء مستقل هو بشرط عدم الاشتراك في الحكومة، لتوضح لرأي العام أن التيار ليس لديه رغبة في الاستحواذ على السلطة، من وجهة نظر مصطفى.

ويرى استاذ العلاقات الدولية في جامعة بغداد، أنه من الصعوبة تحقق تلك المبادرة، وكل ما يمكن الاستفادة منه هو فترة الـ15 يوما التي منحها الصدر للمستقلين في التكتل في 40 نائبا والمجيء بمرشح لرئاسة الحكومة، وفي حال عدم تحقق ذلك سيصار إلى حراك آخر، مؤكدا أن. الانسداد السياسي مستمر وبعد فترة الاسبوعين من الممكن سنشهد مبادرات وحلول أخرى، وإن لم تطرح فأن الانسداد يبقى مستمر.

أقرأ/ي المزيد: 4 أنواع من النواب المستقلين في العراق 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.