على النقيض من الحضارات الغربية، حيث يتمتعون بالحماية بموجب التشريعات التي تمكنهم من الزواج، فإن “مجتمع المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية” في سوريا والمجتمعات العربية عموما لا يزال مقيدا وضيقا، وانضمت سوريا بعد حديث بشار الأسد، عن مجتمع “الميم” لدول عربية وخليجية في مصادرة أي قطعة ملونة تحت مسمى “ترويج المثلية الجنسية”، خصوصا ألعاب الأطفال.

قوس قزح ممنوع في حماة

في وقت كانت وسائل الإعلام العربية تمارس حملة ضد أي قطع ملونة (على شكل قوس قزح- ألوان الرينبو التي تعبر عن المثليين) مطالبة بمصادرتها، في دول عربية وخليجية مثل الكويت، احتفلت صفحات التواصل الاجتماعي في سوريا بمصادرة إدارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في محافظة حماة وسط البلاد، لطائرات ورقية ملونة بتهمة إثارة “الشذوذ الجنسي”، على الرغم من أن الطائرات الورقية كانت تلّون بهذه الألوان منذ عقود.

وفي بيان لها، ذكرت مديرية حماية المستهلك في حماة، أنها ضبطت ما يقرب من 600 قطعة من لعب الأطفال التي تشير إلى المثلية الجنسية، من خلال وضع “شعار” يمثل هذا.

وقال مدير التجارة الداخلية في حماة، رياض زيود، إن “الدوريات ضبطت حيازة وعرض ألعاب الأطفال مع شعار مثليي الجنس”، حسب وصفه، في أحد محلات حماه، ورتبت عملية ضبط بحق صاحب البضاعة.

الحادثة أثارت سخرية واسعة، لأن الأمر لا يستحق كل هذه الضجة، إلا أن مجموعة واسعة أبدت تأييدها لهذا العمل، والأسوأ من ذلك أن هناك فئة وجهت انتقادها للغرب لأنه يشوه معنى “قوس قزح” في نظر العالم.

الأسد والليبرالية الحديثة

منذ أواخر عام 2020، عندما ألقى الرئيس السوري خطابا من مسجد في دمشق، كانت مؤسسات الدولة تنفذ حملة بحث ومحاكمة للمثليين جنسيا في سوريا، وكانت وسائل الإعلام تضخ دعايات حول حماية البلاد من “خطر الليبرالية الحديثة وقيم المثلية الجنسية الغربية”.

بشار الأسد، ألقى باللائمة على “الليبرالية الحديثة” في الترويج للمثلية، وترويج فكرة أن الطفل لا يختار دينه، وإضفاء الشرعية على استخدام بعض أنواع المخدرات، وذلك خلال الاجتماع الدوري الموسع الذي عقدته وزارة الأوقاف للعلماء في مسجد العثمان بدمشق في كانون الأول/ديسمبر 2020.

وقال الأسد حينها، إن “الليبرالية الحديثة، التي بدأت تتطور منذ حوالي الخمسة عقود بشكل تدريجي وخبيث على مبدأ السرطان، تشبه الآن الحديث عن تسويق الديمقراطية بالنسبة لأمريكا، يستخدمون الديمقراطية من أجل الهيمنة على الشعوب ويستخدمون حقوق الإنسان من أجل شن الحروب”.

وأضاف الأسد، “ندرك أيضا أن مجتمعاتنا عقائدية وستبقى عقائدية لآلاف السنين، ففصل الدين عن الدولة بالشكل الذي يطرح يعني فصل الدولة عن المجتمع”، فيما اعتبرها متابعون آنذاك أنها محاولة من الأسد لاسترضاء المؤسسة الدينية.

مجتمع “الميم” في سوريا

في عام 2009، أطلق بعض المثليين السوريين موقعا على شبكة الإنترنت تحت عنوان “أنا مثلي مثلك”، نشروا من خلاله بيانا يطالب بحقوق كاملة وإلغاء المادة 520 التي تعاقب على ميول جنسية لم يختاروها، ودعوا في بيانهم المجتمع لكي يتقبلهم ويبادلهم الاحترام.

خلال الأحداث السياسية في مطلع الثمانينيات بسوريا، تعرض مجتمع المثليين، مثل المجتمع السوري ككل، إلى قيود كبيرة على الحركة والأحزاب المنظمة وغير ذلك من الأنشطة، فضلا عن التدقيق الأمني في هويات الأشخاص، والاعتقالات التعسفية، وتم القبض على مؤلف أول عائلة فنية “أمين رزق” المشهور بـ “زوزو” وكان يعد أشهر مثليي دمشق، ومنذ ذلك الحين لم تظهر أنباء عنه.

وعلى الرغم من وجود عدد من المراهقين المعتقلين، لم يسجل في تاريخ سوريا أي حملات أمنية كبيرة ضد النشاط الجنسي غير العلني، باستثناء حادثة وقعت في محافظة حمص عام 2009، عندما اقتحم أحد الأفرع الأمنية مزرعة في منطقة الأوراس واعتقل تسعة من المثليين وتم تصويرهم في لقطات ساخرة بإساءات لفظية وجسدية، ثم أفرج عنهم بعد ذلك بوعد من عائلاتهم بعدم تكرار مثل هذه اللقاءات.

وتنصّ المادة 520 من قانون العقوبات السوري، على أن “كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس حتى ثلاث سنوات”، ولكن لا يوجد توثيق لعدد حالات محاكمة المثليين بموجب هذه المادة، التي لا تشير بوضوح إلى ما هو المقصود بعبارة “بخلاف الطبيعة”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.