الملف السوري، ومنذ التدخل الروسي العسكري في سوريا أواخر عام 2015، يمر بمنعطفات خطيرة للغاية، أدت خلال السنوات الماضية لإفساد معظم الحلول المقترحة للأزمة السورية، فلجأت موسكو إلى ابتداع مسار أستانا، للالتفاف على رؤية المجتمع الدولي للحل، ثم عقد مؤتمر الحوار الوطني الذي أفضى إلى اللجنة الدستورية حيث تم القفز على تراتبية الحل السياسي كما أقره القرار الدولي 2254، وانتهاء بما يسمى باتفاقات التسوية في مناطق عدة من سوريا، وهذا ما أدى إلى جمود الحل السياسي خلال السنوات الماضية.

لماذا تريد روسيا نقل الملف السوري من جنيف؟

في مؤتمر صحفي، في العاصمة الكازاخية، نور سلطان، صباح اليوم الأربعاء، قال مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، والذي وصل لكازخستان للمشاركة في اجتماعات “أستانا 18″، أن بلاده “ترى أنه من الضروري اختيار مكان جديد لاجتماعات اللجنة الدستورية السورية بدلا من مدينة جنيف”، معتبرا أنها “فقدت وضعها المحايد”.

هذه التصريحات الروسية الجديدة تؤكد بما لا يدع مجال للشك أن روسيا ماضية نحو مسعى جديد وخطير يضر بآمال الحل السياسي في سوريا، فبعد اللجنة الدستورية وانعقاد أعمالها في جنيف، لا يوجد أي أفق مناسب لتطوير المسار السياسي في سوريا، ما يعني انقضاض روسي كامل على هذه العملية، وتسييرها بشكل تام وفق واستراتيجيتها ومصالحها الخاصة.

الخبير في الشأن الروسي، سامر الياس، يرى في حديثه لـ”الحل نت”، أن هذا التصريح يؤكد على أن روسيا تنظر إلى مسار “أستانا” على أنه المسار الوحيد الذي أدى إلى إنجازات سياسية وفق تصورها، وهي في هذا تتوافق مع تصريحات الأسد الأخيرة لتلفزيون “روسيا اليوم”، حول اللجنة الدستورية وعدم جدواها.

وأضاف الياس، أنه في تشرين الأول/أكتوبر 2019، طالبت منصة موسكو التي ابتكرتها روسيا للسيطرة على حصة إضافية من منصات المعارضة، بنقل اجتماعات اللجنة الدستورية إلى دمشق، وذلك رغبة بالتخريب والتشويش على عمل اللجنة الدستورية، علما أن هذه اللجنة ليست هي الأولوية للسوريين، ولكنها تبقى آخر مسار أممي للحل في سوريا.

من جهته يرى الديبلوماسي السوري السابق بشار الحاج علي، وهو عضو اللجنة الدستورية، في حديثه لـ”الحل نت”، أن تصريحات لافرنتييف، تهديد مباشر للعملية السياسية في سوريا، والتي هي بطبيعة الحال ليست بحاجة إلى تعطيل، فهي غير منتجة حتى الآن.

وأضاف الحاج علي، بأن روسيا وغيرها من الدول الفاعلة، لا تزال تتخذ من سوريا صندوقا للبريد لإيصال رسائل سياسية لا تتعلق فقط بسوريا، بل بالملفات الأخرى التي تنخرط بها، فهذه التصريحات رسالة للغرب ولسويسرا التي ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي، ولكنها مقر للعديد من منظمات الأمم المتحدة.

سامر الياس، أشار أيضا إلى أن روسيا تهدف إلى اتخاذ موقف مضاد للموقف السويسري من موضوع الغزو الروسي لأوكرانيا.

إقرأ:هل أطلق الأسد الرصاصة الأخيرة على اللجنة الدستورية؟

هل وصل الحل في سوريا لنهايته؟

لافرينتييف، ادعى خلال مؤتمره الصحفي، اليوم، أن طرح مسألة اختيار مكان آخر محايد لاجتماعات الدورة المقبلة للجنة الدستورية، ما هو إلا نتيجة للصعوبات اللوجستية القائمة، وفقدان جنيف وضعها المحايد، مشيرا إلى أن الوفد الروسي في جنيف يمر بأوقات عصيبة لحضور الاجتماعات، بحسب تعبيره.

ولكن وحسب الحاج علي، فإن ما ترمي إليه روسيا غير ما صرح به لافرينتييف، حيث تسعى روسيا لتغيير المسار السياسي الذي يمر عبر الأمم المتحدة، وهذا يعطي مؤشرا على عدم بقاء هذا المسار حيا، أي مسار اللجنة الدستورية، وما تقوم به روسيا ما هو إلا تهديد واضح بالتملص من كافة التفاهمات التي كانت تنظم الوجود المشترك للقوى الفاعلة في سوريا، وما سيجري أن المنطقة ستتعرض لزعزعة في استقرارها ككل.

الأسد كان قد صرح خلال مقابلته على قناة “روسيا اليوم” حول اللجنة الدستورية السورية، بالقول “المهم هو الأطراف السورية، في موضوع اللجنة الدستورية نحن نتحدث عن طرفين: الأول تم اقتراحه من قبل الحكومة السورية، وهو لا يمثل الحكومة السورية وليس موظفا فيها وبالتالي هم ليسوا موظفين دبلوماسيين، ولكن موافَق عليهم، أو يمثل وجهة نظر الحكومة السورية، وهناك طرف آخر عُيّن من قبل تركيا. فالسؤال المنطقي كيف يستقيم أن يكون هناك حوار سوري – سوري بطرف سوري وطرف تركي؟ هنا تكمن المشكلة، لذلك لا نصل لشيء، لأن الطرف الأول يعبّر عن تطلعات الشعب السوري، أما الطرف الآخر فهو يعبّر عن تطلعات الحكومة التركية، بكل بساطة”.

ووفق الحاج علي، فإنه ليس من مصلحة روسيا إنهاء الحل السياسي في سوريا، فما حققته من خلال التفاهمات حول هذا الملف مع الغرب ومع تركيا، يعزز وجودها في المسرح الدولي.

من جهته، سامر الياس، يرى أن تصريحات الأسد الأخيرة، نسفت أي إمكانية لأن يكون هناك أمل بإنجاز دستور سوري في وقت قريب، مضيفا أنه الآن يتم الانتقال لمرحلة أخيرة وهي تدمير مسار اللجنة الدستورية والحل السياسي من قبل روسيا وحكومة دمشق، بعد أن تم إفراغ القرار الأممي 2254، من مضمونه في عهد المبعوث الأممي السابق ستيفان ديمستورا، عبر تقسيم القرار إلى 4 سلال، ولاحقا تم تقديم موضوع الدستور ليكون الأساس، على الرغم من عدم أهميته بالنسبة للقرار نفسه، ولكن تم اختيار سلة الدستور للقضاء على القضايا الأخرى وإنهائها.

وأكد الياس، أن روسيا الآن تعلن بشكل عملي إنهاء المسار المتعلق بالقرار 2254، بعد أن قامت بإفراغ بيان جنيف من محتواه في السابق، من خلال الجدل في تفسيرات هذا القرار المتعلقة بإقامة هيئة حكم انتقالية، وهذا القرار يعتبر أهم وثيقة تم التوصل إليها في عهد المبعوث الأممي الأول إلى سوريا كوفي عنان.

وختم الياس حديثه بالقول “روسيا تذهب اليوم باتجاه نسف أي جهد حقيقي ولو كان تأثيره ضعيفا على إيجاد حل سياسي في سوريا”، مؤكدا أن روسيا تريد أخذ سوريا رهينة وورقة لها في الغزو الروسي لأوكرانيا.

قد يهمك:اللجنة الدستورية السورية.. دوران في حلقات مفرغة

الحل السياسي في سوريا، بات يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد التصريحات الروسية التي تعني في الحقيقة الاستئثار بهذا الملف، وإيجاد حل سياسي يناسب مقاس الروس وحكومة دمشق، دون النظر إلى أي تعاون مع الأمم المتحدة والأطراف الدولية الأخرى لإيجاد حل حقيقي وشامل يرضي جميع السوريين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.