على الرغم من الهدوء الذي ساد جلسات المجموعات المصغرة في اللجنة الدستورية السورية – 15 ممثلا عن الحكومة السورية، و15 من المعارضة، و15 من ممثلي المجتمع المحلي المعروفين باسم “الثلث الأوسط” – خلال الأيام الأربعة الماضية في جنيف، لم تشهد الجولة الثامنة من اجتماعات اللجنة الدستورية أي خرق حقيقي للمشهد القائم، وفقا لمسار الحل المدعوم من الأمم المتحدة في سوريا.

ما اتفقت عليه المجموعة بالإجماع تقريبا، هو تحديد موعد انعقاد الدورة المقبلة في الربع الأخير من شهر تموز/يوليو، فضلا عن العمل على تحويل الجلسات إلى شهرية، دون إجماع أو تقدم في وضع أرضية حقيقة يبنى عليها لحل الأزمة السورية سياسيا، وبات أمرا بعيد المنال في ظل التسخين المتواصل لميادين الصراع في البلاد، ما يعني أن اللجنة الدستورية باتت تدور في حلقة مفرغة.

لجنة متوفية منذ أعوام

منذ تأسيسها عام 2019، اجتمعت اللجنة الدستورية السورية ثمان مرات فقط، كانت تتألف في الأصل من 150 عضوا موزعين بالتساوي بين الحكومة وهيئة المفاوضات السورية المعارضة ومجموعات المجتمع المدني، تم تكليف هيئة أصغر مكونة من 15 عضوا باقتراح مسودات دستورية لمناقشتها واعتمادها من قبل الأعضاء الأكبر، كان ثلاثون بالمئة من الأعضاء من النساء، لكن بحلول عام 2020، شهد قسم المعارضة السورية انقسامات وخلافات لم تؤثر على تماسكها فحسب، بل أثرت أيضا على فعالية مقترحاتها.

ووفقا لحديث العضو السابق بإدارة التواصل العالمي في الأمم المتحدة،  الدكتور عمر الهواري، فإنه تم تشكيل اللجنة بناء على اقتراح قدمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفي ذلك الوقت أعتقد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن روسيا مهتمة بالفعل بعملية سياسية من شأنها أن تشمل تعديل الدستور السوري.

ويضيف الهوراي، في حديثه لـ”الحل نت”، “بعد كل شيء، أصبحت روسيا في ذلك الوقت اللاعب الأكثر أهمية في سوريا بعد تدخلها العسكري القوي في عام 2015، وهكذا أيد غوتيريش الفكرة وعرض أن تكون جنيف مكانا لاجتماعات اللجنة التي كان يأمل أن تساعد في تنفيذ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، القرار 2254 لسنة 2015”.

ويشير الهواري، إلى أنه مثل غوتيرتش، كان المبعوث الأممي السابق لسوريا، ستافان دي ميستورا، يعتقد أيضا أن روسيا جادة في إيجاد حل للصراع السوري، ومع ذلك، لم يكن قادرا على تحريك القرار إلى الأمام واستقال في تشرين الأول/أكتوبر 2018، وعند توليه منصبه، أعتقد غير بيدرسن، أن اللجنة الدستورية هي الأمل الأخير؛ لكن نجاحه اقتصر على جلب مندوبين من الحكومة والمعارضة إلى جنيف حيث التقوا ثمان مرات لكنهم لم يتمكنوا من رأب الصدع الكبير الذي يفصل بين مواقفهم.

وأوضح الهوراي، أن “ممثلو اللجنة الدستورية في جنيف ضيعوا الوقت في مناقشات لا داعي لها حول قضايا هامشية، ومع وصول عمل اللجنة الدستورية إلى طريق مسدود، فإن الحل السياسي الذي يأخذ مطالب المعارضة في الاعتبار هو مجرد خيال في هذه المرحلة”.

التفاهمات الدولية غير مستقرة

في ختام الجولة الثامنة، قال المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، إن الجولة الثامنة من المحادثات بشأن دستور جديد لسوريا اختتمت أمس الجمعة، ولم تحرز الأطراف المتنافسة تقدما يذكر، لكن الدبلوماسي النرويجي، ذكر أن الوفود أحرزت تقدما ضئيلا.

وناقشت المحادثات المبادئ الدستورية، بما في ذلك الحفاظ على مؤسسات الدولة وتعزيزها، وسيادة الدستور، وتسلسل الاتفاقيات الدولية، والعدالة الانتقالية، وتم قضاء يوم واحد في مناقشة مسودات النصوص الدستورية الخاصة بكل مبدأ والتي قدمها أحد الوفود.

وفي اليوم الخامس، قدمت الوفود مراجعات للنصوص بعد مناقشات الأسبوع، وقال مكتب بيدرسن في بيان، “في بعضها، ظلت الخلافات كبيرة، وفي البعض الآخر، كانت هناك نقاط مشتركة، وفي الوقت نفسه، حدد المبعوث الخاص بطء وتيرة العمل، واستمرار عدم القدرة على تحديد وإبرام المجالات الملموسة للاتفاق المؤقت، باعتبارها مجالات يوجد فيها مجال كبير للتحسين”.

عضو اللجنة الدستورية السورية، الدبلوماسي السابق، بشار حاج علي، قال لـ”الحل نت”، “ربما حالة من الهدوء النسبي، يعني أن السوريون قادرون أن يقبلوا ببعض، وأن يتحاورا إذا أخذوا الوقت والظرف المناسبين، وإذا وضعوا المصلحة الوطنية وإنهاء المعاناة الإنسانية هي الهدف والغاية، وليس انتصارا خلبيا”، على حد وصفه.

وتابع حاج علي، “نحن بحاجة لدعم دولي لتطبيق الحل السياسي، وقضيتنا مرتهنة للصراع الدولي شئنا أم أبينا، ولن تنتج اللجنة الدستورية إلا إذا تم الاتفاق السياسي، وعدم تقدمها هو مؤشر على استمرار الانسداد في الأفق، وفي ظل التفاهمات الدولية وحالة هذه التفاهمات غير المستقرة، يفسر التصعيدات السياسية من حين لآخر، وهذا يجعل من التوازنات السياسية متطورة ومتغيرة، ولا يمكن الجزم بأن الحلول قريبة أو بعيد المنال”.

وأوضح عضو اللجنة الدستورية، أن الأرضية الحقيقية للحل السياسي القابل للاستدامة، يقوم على حصول السوريين والسوريات على حقوقهم وحقوقهن في العيش الكريم، في ظل دولة ذات دستور يثبت المساواة بين جميع أبنائها، و هذا ما نص عليه بيان جنيف و القرارات الأممية لاسيما 2118 و2245.

الجدير ذكره، أن آراء الشارع السوري، تصب في أن مسار الحل السياسي في سوريا، بدأ يواجه خطر النسيان على الصعيد الدولي، وذلك تزامنا مع الفشل المستمر لمسار اللجنة الدستورية السورية، التي برأيهم أنها تساهم في زيادة استعصاء مسار الحل السياسي، بعدما فشلت جميع جولاتها في تقديم رؤية توافقية عن الحل السياسي في البلاد، أو رؤية مشتركة للخروج بدستور جديد، في وقت لم يتم فيه التوجه الجاد نحو البدء بتفعيل خطوات فاعلة وملموسة نحو انتقال سياسي حقيقي في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.