الوضع الاقتصادي المتدهور في سوريا بات ينعكس على مختلف جوانب حياة السوريين، ما دفعهم للتفكير وفق منطق الأولويات، وأولها الاستمرار في العيش، أما بقية تفاصيل الحياة فأصبح معظمها بمثابة رفاهية يبتعد عنها الكثيرون، وفي سياق هذه التأثيرات يعاني الجيل السوري الشاب من عوائق كثيرة، أبرزها ندرة فرص العمل، والدخل المنخفض، وهذا ما أثر بشكل سلبي على قراراتهم في الإقدام على الزواج كخطوة أساسية في الحياة لتكوين أسرهم الخاصة.

رفض كبير للزواج

إذاعة “ميلودي إف إم” المحلية، نقلت يوم أمس عن خبراء في علم الاجتماع، أن 60 بالمئة من الشباب السوريين عازفون عن الزواج، بسبب الخوف من المستقبل، بالإضافة إلى الدخل المتدني، فضلا عن عدم وضوح مستقبلهم الذين يواجهون الغموض وعدة عوامل أخرى مثل، عدم وجود مهنة محددة، دخل مستقل، العمل، وهذا ما يؤجل الزواج لأجل غير محدد.

وبحسب الإذاعة، فإنه وفي تجمعات المدن الرئيسية تصل نسبة العزوف لأربعين بالمئة، بينما تنخفض في التجمعات التي لا زالت تحافظ على الروابط المختلفة فيما بينها والتي تخفف بدورها من الأعباء المترتبة على الزواج، حيث أن الضغوط المادية لها دور في العزوف، لكن العامل الأساسي هو التفكك الاجتماعي وتحول الحياة إلى فردية، حيث يواجه الفرد المشاكل لوحده، مشيرة إلى ارتفاع نسبة العنوسة نتيجة العزوف عن الزواج.

قد يهمك:رقم صادم.. المهر في سوريا بـ 10 ليرات فقط

فجوة سكانية

الإذاعة نقلت عن خبراء، أن نسبة العنوسة بلغت 70 بالمئة وأن هناك عزوف عن الزواج بسبب التكاليف، محذرين من من حدوث فجوة خطيرة بالهرم السكاني السوري وعدم تجدد المواليد ليتحول بعدها المجتمع السوري إلى مجتمع كهل، نظرا لعدم الإقبال على الزواج وارتفاع حالات الطلاق والتفكك الأسري وحوادث الموت والفقدان و الهجرة.

وبحسب الخبراء، فإن الزواج أصبح حلما نظرا لارتفاع التكاليف ما يؤدي إلى اتجاه الفرد لخيارات غير عقلانية، وهذا ما رفع نسبة العنوسة إلى 70 بالمئة، معتبرين أن أقل تكلفة زواج ضمن أقل التكاليف تصل لنحو 17 مليون ليرة، وضمن متوسط الأجور للشريحة الأكبر من السوريين فالأمر مستحيل.

إقرأ:ازدياد حالات الزواج الثاني في سوريا.. أعلى مهر 15 ألف ليرة ذهبية

المهر والذهب من عوائق الزواج

صور “المهر” تختلف من مجتمع إلى آخر. ففي المجتمع السوري عادة ما يشترط أن يكون “المهر” على شكل شراء كمية من الذهب للعروس، وتختلف كميته حسب قدرة الشاب المادية، وهذه العادة تختلف من محافظة إلى أخرى في سوريا، وفي بعض المحافظات، يُشترط أن يكون “المهر” على شكل مبالغ مالية محددة سلفا، وغالبا ما تتعلق بالحالة الاجتماعية والوجاهة العائلية لأسرة العروس.

ولكن يبدو أن ارتفاع سعر الذهب إلى أعلى المستويات، وهو ما يفوق قدرة نسبة كبيرة من الشباب في البلاد اليوم، دفع العديد من الأسر مؤخرا إلى تزويج بناتها بتكاليف أقل نتيجة لسوء الأوضاع المعيشية، فضلا عن وجود آراء تشجع على إلغاء مسألة “المهر” وحصره في شراء “المحابس” فقط للمقبلين على الزواج، نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية لمعظم السوريين في الداخل وتوخيا لتخفيف أعباء الزواج، وأن لا يكون “المهر” عائقا أمام الزواج، بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”.

ومؤخرا اكتفت العديد من المقبلين على الخطوبة والزواج في العديد من المحافظات في سوريا باليسير من الذهب لا يتجاوز في أحيان كثيرة خاتم الخطوبة فقط.

وحول قضية المهور التي تشغل الشباب، أشار القاضي الشرعي الثالث في دمشق خالد جندية، في وقت سابق، إلى أن القانون لم يحدد للمهر حدا أعلى أو أدنى، وأعلى قيمة مهر سُجلت منذ عدة أشهر بلغت 15 ألف ليرة ذهبية، لافتا إلى أن الرقم الوسطي للمهور يتراوح بين مليون إلى خمسة ملايين ليرة سورية.

قد يهمك:تخفيفاً لأعباء الزواج.. هل يختفي “المهر” من المجتمع السوري؟

تقارب نسب الزواج والطلاق

القاضي جندية، حسب تقرير سابق لـ”الحل نت”، أوضح أن نسب الطلاق والزواج متقاربة في السنوات الأخيرة، ولكن هناك ازدياد بنسب الطلاق عما كانت سابقا، وذلك لعدة أسباب منها الوضع الاقتصادي المعيشي الحالي، حيث حالة الفقر تؤدي لوقوع الخلافات وبالتالي ينتهي الأمر بالطلاق، إلى جانب أسباب شخصية أخرى تتعلق بفارق العمر بين الزوجين، أو التقارب العمري، أو قلة الانسجام والتفاهم.

ومن جهة ثانية، لوحظ ارتفاع نسبة تعدد الزوجات في سوريا، حيث كانت تشكل 30 بالمئة، من مجمل عقود الزواج، ولكن بسبب الحرب وهجرة الشباب وقلتهم، أصبحت بعض النساء تتقبل فكرة الزواج الثاني.

إقرأ:ظاهرة زواج القاصرات ترتفع إلى الضعف في سوريا

من الجدير بالذكر، أن مسألة الزواج تختلف الآن عما كانت عليه في السابق، فالمرأة في السابق كانت تعتمد على إعالة الرجل لها. بينما الآن تعمل وتكسب قوتها بنفسها وتعيل أسرتها وتشارك الرجل في أعباء الحياة المادية، كما ويتأثر مفهوم المهر والزواج والعلاقات بثقافة الشركاء ومستوى وعيهم وتطورهم الفكري. بالتوازي مع التغيير والحداثة في زمن حقوق الإنسان والمطالبة بالمساواة والعدالة بين الجنسين، ما يتطلب من المجتمعات أن تكون أكثر انفتاحا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.