لعل مسألة زواج القاصرات ليست جديدة في سوريا، لكنها نمت وازدادت باطراد وبشكل كبير خلال سنوات الحرب، وغالبا السبب الرئيسي لهذه الظاهرة مرتبط بالأعراف المجتمعية السائدة في المجتمعات المنغلقة على نفسها والمتحجرة والمأخوذة بعباءة العادات والتقاليد، فضلا لتردي الأحوال المعيشية أحيانا.

شهادات من العاصمة دمشق

موقع “المشهد” المحلي، نشر اليوم الثلاثاء، تحقيقا حول ارتفاع نسبة زواج القاصرات في سوريا، وتروي “سعاد”، عن قصة زواجها: “كنت أريد أن أكمل تعليمي، إلا أن والدي فرض علي الزواج برجل يكبرني بـ 15 سنة، لم أعلم بأنني سأكون أمام مسؤولية كبيرة، فقد حملت طفلي الأول بسن الـ 15سنة، وتعرضت للإجهاض، ومن ثم حملت مرة أخرى وتعرضت أيضا للإجهاض، وكذلك الأمر في الحمل الثالث والرابع وبات جسدي لا يتحمل، ومن ثم حملت وأنجبت طفلا وأنا في عمر الـ 17 سنة”.

أما شهادة “سلمى”، حول تزويجها في سن مبكر، إذ تزوجت بعمر الـ 12 سنة مع بداية الحرب، أجهضت أكثر من مرة، فكانت النتيجة إصابتها بكتل سرطانية. هي اليوم بعمر الـ 24 سنة لديها ولدين، وتقول “سلمى”: “أنا نادمة على الزواج، لكن الأمر لم يكن بيدي أنا الطفلة آنذاك، فقد أراد والدي أن يتخلص من لقمة عيشي فقام بتزويجي من رجل يكبرني بسبع سنوات”.

من جهتها “مريم” أم لبنت تبلغ من العمر18 عاما تزوجت بعمر الـ 15سنة، ومن ثم تم انفصالها عن زوجها بعد ثمان أشهر، لتتزوج بعد أقل من عام من رجل متزوج ولديه 3 أولاد.تقول “مريم” لموقع “المشهد” المحلي: “زوجت ابنتي لعدم قدرتي على تأمين لقمة عيشها، فأنا ارملة وليس لدي من معيل، لكن ابنتي طلقت مرة أخرى وحاليا تعيش معي بظروف صعبة، والآن هناك ضغوط من قبل أعمامها لتزويجها كون العادات والموروث المجتمعي يرفض بقاء الفتاة بدون زواج، حاولت اقناعها بأن تكمل دراستها، خاصة وأنني تزوجت بعمر أصغر من عمرها وأحصد حاليا نتائج هذا الزواج، لكن ابنتي ليس لديها الرغبة في التعلم”.

الآثار الصحية والنفسية

الطبيبة النسائية، عبير، تشرح الآثار الصحية للزواج المبكر على حياة القاصرات، خلال حديثها لموقع “المشهد” المحلي، وذلك استنادا إلى الحالات التي تعرض عليها فتقول: إن الحالات التي تأتي إلى المشافي، خاصة من الأرياف، هي حالات تمزق جماعي عقب الليلة الأولى من الزواج لفتيات بأعمار تحت سن الـ 18 سنة. إضافة إلى الأذيات الأخرى نتيجة هذا النوع من الزواج، والذي يؤثر على المثانة ويسبب السلس البولي وأعراض أخرى، وذلك كله يسبب خطرا على صحة هذه الفتيات القصّر مستقبلا.

 أما على الصعيد النفسي، فتقول المرشدة النفسية رانيا مهنا، التي تحدثت للموقع الإعلامي، عن حالات كثيرة تراجعها نتيجة زواج لقاصرات تحت سن الـ 15 سنة، وتتم متابعتها وتشخيص حالتها منذ زواجها لحين حملها وإنجابها، قائلة: “إن أكثر الأعراض تكون حالات اكتئاب جسيم، نتيجة تلك الضغوط، والتي تسبب للفتاة حالة قلق معمم حيث تتوقع دائما وقوع كارثة مع مرافقة ذلك بصدمات نفسية جراء حالات العنف التي تمارس معها.

وتضيف المرشدة النفسية حالات أخرى، للموقع المحلي، تأتينا أحيانا حالات تسمى بالنكوص لسيدات تجاوزنا عمر الـ 33 سنة بعد زواجهن بعمر الـ 13 سنة، تريد أن تعيد مراهقتها وترفض الواقع وتقيم علاقات غير شرعية.

هذا ورغم وجود حالات كثيرة لفتيات قاصرات تزوجن، ومن ثم عدن لبيوت ذويهن مطلقات ومعهن أولادهن، الأمر الذي يزيد من عبء الحالة الاقتصادية وتفاقم الوضع أكثر سوءا، فإن نسبة زواج القاصرات في ازدياد.

قد يهمك: حقوق المرأة وحمايتها في المواثيق الدولية

الجانب القانوني

القاضي الشرعي في مدينة التل بريف دمشق، محمد بكر سالم، حمل المسؤولية للأب ولي الأمر بخصوص تزويج ابنته القاصر. وعزا السبب لعوامل عديدة منها: الحرب، الأعباء المادية، وحالات النزوح أثناء الحرب ليتخلص الأب من لقمة عيشها وقال إن حالات زواج القاصر زادت خلال فترة الحرب بنسبة كبيرة، ولا يوجد إحصائية دقيقة حول ذلك في منطقة الغوطة وغيرها، وفقا لتحقيق الموقع المحلي.

وأوضح أن تعديلات قانون الأحوال الشخصية لعام 2019 وبحسب المادة 16 تقول: “تكمل أهلية الزواج في الفتى والفتاة ببلوغ الثامنة عشرة من العمر، في حين أن المادة 18 تقول “إذا ادعى المراهق أو المراهقة البلوغ بعد إكمال الخامسة عشرة، وطلبا الزواج يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما ومعرفتهما بالحقوق الزوجية.

أما بالنسبة للعقوبات التي أوردها القانون، فإن قانون العقوبات وتعديلاته في المادة 569 تقول: “يعاقب بالحبس من شهر لستة أشهر ومن خمسين إلى مئة ألف ليرة سورية كل من يعقد زواج قاصر بكر خارج المحكمة المختصة من دون موافقة من له الولاية على القاصر.

ويعاقب بالغرامة من خمسة وعشرين ألفا إلى خمسين ألف ليرة سورية كل من يعقد زواج قاصر خارج المحكمة المختصة إذا تم عقد الزواج بموافقة الولي. أما بالنسبة إلى تطبيق القانون فعليا، فقال القاضي بأنه “قليل جدا”، ويسقط بالتقادم وهناك صعوبة لضبط هذه الحالات.

بدوره، قال القاضي الشرعي الأول بدمشق مازن قطيفاني، لموقع “المشهد” المحلي، أن “العقوبات بسيطة لا نلجأ لها بالحياة المجتمعية، وهناك حالات نادرة تحولت للقضاء الجزائي.

بيانات وزارة العدل السورية، تظهر أن عدد معاملات الزواج للقاصرات لعام 2019 بدمشق كانت حوالي 1640 معاملة، انخفضت في العام التالي لتصل إلى 1297 معاملة، ثم عاودت الارتفاع قليلا لتبلغ في العام 2021 حوالي 1557 معاملة من أصل 20 ألف معاملة زواج سنويا. وفي العام الحالي ولتاريخه كان هناك 247 حالة زواج قاصر. وبحسب بيانات وزارة العدل فإن نسبة زواج القاصرات ارتفع من 7 بالمئة عام 2011 حتى 14 بالمئة عام 2018.

قد يهمك: ماذا يعني أن نكون نسويات/نسويين؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.