لا يزال تنظيم “داعش” الإرهابي، يعيث فسادا في الصحراء السورية، بعد التغلب عليه من قبل “التحالف الدولي” و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) منتصف عام 2019، فعلى ما يبدو أن الحملات التي تشنها ضده القوات الحكومية السورية إلى جانب حلفائهم الروس والميليشيات ذات النفوذ الإيراني، لا تخرج عن إطار “البروباغندا” الروسية التي تصب ضمن إدعاءات محاربة الإرهاب، إلا أن أي من حملاتها خلال الفترة الماضية لم تؤدي إلى أية نتائج حقيقية تدل على إضعاف التنظيم.

لا وجود لقوة حقيقية لدى تنظيم “داعش” الإرهابي، إلا أن “المحاربة الإعلامية” له من قبل موسكو ودمشق هي التي قد توحي بقدرته على المقاومة والاستمرار، ما يدفع للتساؤل حول إمكانات تدخل “التحالف الدولي” في الفترة المقبلة رغم عدم توفر العوامل اللوجستية المناسبة.

تنظيم “داعش” بات الهدف الأبرز للقوى المختلفة، في العالم والمنطقة، وخاصة في سوريا، على الرغم من تقهقره في العام 2019، حيث تستمر المواجهات بشكل خاص بين القوات الحكومية السورية، والميليشيات المتحالفة معها، وروسيا في بعض الأحيان، وبين التنظيم، دون أن تتمكن هذه الأطراف من حسم المواجهات.

فمن جهة بينت النتائج أن عملياتهم دون نتائج إيجابية، ومن جهة ثانية استفاد التنظيم من بادية واسعة تمكنه من الاختفاء، حيث لم يعد يشكل أي قوة حقيقية كما يحاول البعض إظهاره، وعدم الحسم هذا يثير التساؤل حول إمكانية تحول “التحالف الدولي” لمحاربة التنظيم في البادية.

إقرأ:مهام دولية جديدة لمحاربة “داعش”

هل يتدخل “التحالف الدولي” في البادية؟

الباحث الأردني في الجماعات الجهادية، حسن أبو هنية، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن دخول “التحالف الدولي”، أو فصائل تتبع له كفصيل مغاوير الثورة، لمواجهة تنظيم داعش، أمر غير ممكن، فذلك يحتاج لعمل غير متوافر حاليا، حتى لو رغب التحالف بذلك، فأعداد قوات التحالف محدودة، ومحددة بنطاق معين، والبادية شاسعة جدا، وتتطلب قوات وموارد كبيرة”.

من جهته، فراس فحام، الباحث السياسي السوري، لا يعتقد أن “التحالف الدولي” قد يدخل على خط المواجهات مع تنظيم “داعش”، على اعتبار أن روسيا وإيران تتناوبان على قيادة العمليات ضد التنظيم في البادية منذ العام 2020، بالإضافة إلى التنسيق بين واشنطن وموسكو حاليا الذي هو في أدنى مستوياته على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا.

أما المكتب الإعلامي لفصيل “مغاوير الثورة” المدعوم أميركيا، فقال في حديث لـ”الحل نت”، إن مهمة الفصيل هي حماية منطقة الـ55 كم، والمدنيين الذين يسكنون فيها، وليس له مهام خارجها، مضيفا أن المنطقة آمنة من الهجمات الإرهابية، في إشارة منه إلى عدم وجود نية للتدخل من قبل الفصيل في البادية السورية.

قد يهمك:لماذا يستمر “داعش” في البادية السورية؟

لا تدخل للتحالف لدعم إيران

في أيار/مايو الماضي، وفي اجتماع لوزراء “التحالف الدولي” لهزيمة “داعش”، والذي عقد في مدينة مراكش المغربية، قال الوزراء في بيان لهم، إن ضمان الهزيمة الدائمة لـ”داعش” في العراق وسوريا يظل الأولوية الأولى لهزيمة داعش، مشيرين إلى أنه على الرغم من الانتكاسات الكبيرة التي عانت منها قيادة التنظيم خلال الماضي القريب، فإن التنظيم يواصل شن هجمات في العراق وسوريا ويمثل تهديدا مستمرا، كما يتضح من الهجوم الواسع على معتقل الصناعة في شمال شرق سوريا في كانون الثاني/يناير 2022.

ولكن في مقابل ذلك، وفي منطقة البادية السورية بشكل خاص، فإن إيران وميليشياتها، والقوات النظامية السورية، تتعرض بشكل مستمر لهجمات معظمها على شكل كمائن في البادية من قبل “داعش”، وهي غير قادرة على حسم المواجهات مع التنظيم في هذه المنطقة.

وبحسب فراس فحام، فإن إيران هي من تدير العمليات العسكرية حاليا ضد التنظيم في البادية، وليس هناك أي مصلحة لـ”التحالف الدولي” في دعم جهود إيران وميليشياتها، التي أخذت في التوسع منذ شباط/فبراير الماضي، لأن تمددها محاولة لفرض أمر واقع، ولم يتم بالتنسيق مع القوى الدولية بموجب تفاهمات تحقق مصالح مختلف الأطراف.

إقرأ:عمليات داعش بالبادية السورية: كيف يستمر التنظيم في الجغرافيا الأصعب بالمنطقة؟

لماذا يقاتل التنظيم في البادية؟

حسن أبو هنية، أشار إلى أن منطقة البادية السورية، هي منطقة فراغ أمني واسعة، انكفأ التنظيم إليها بعد هزيمته الكبرى في الباغوز (ريف دير الزور عام 2019)، وقد استغل التنظيم انخفاض مستوى عمليات مكافحة الإرهاب خلال جائحة “كورونا”، ليتخذ منها منطلقا لهجماته وبأشكال مختلفة.

العقيد فايز الأسمر، وفي حديث سابق لـ”الحل نت”، أكد أن التنظيم لم ينته بشكل كامل، ومازال مستمرا في المنطقة، وعملياته بالبادية السورية دليل على ذلك، مضيفا أنه عندما فقد التنظيم السيطرة المكانية على كثير من المناطق، بفضل الحرب التي شنها “التحالف الدولي” و”قسد” ضده، استمر بطرق أخرى في البادية الشامية، وبادية الجزيرة، وما زال قادرا على شن عمليات استنزافية ضد القوات النظامية و”قسد” والميليشيات الإيرانية، بل حتى القوات الروسية، ما جعل البادية منطقة صراع مفتوح بين التنظيم وخصومه.

من جهته، الصحفي بشير العباد، قال في وقت سابق لـ”الحل نت”، أنه لم يعد لدى تنظيم “داعش” تلك القوة كما في السابق، من حيث وجود قوات كبيرة ومركزة في مناطق محددة، إنما بات يعتمد على الخلايا المكونة من مجموعات صغيرة سهلة الحركة، ومن بعض الخلايا النائمة التي تتولى في بعض العمليات مهمات لوجستية أبرزها مراقبة الطرق والمعابر.

وأوضح العباد، أن التنظيم حاليا ينقسم إلى قسمين رئيسيين، الأول قوات مركزية رئيسية وهذه تتواجد في البادية السورية، حيث التضاريس تسمح لها بالتواجد بكثافة كبيرة، والثاني خلايا متفرقة في منطقة الجزيرة السورية، وتعمل هذه الخلايا بشكل مستقل عبر تلقيها أوامرها من قادتها المعروفين باسم “أمراء المجموعات”.

قد يهمك:“داعش” في وضع مأزم.. هكذا سينتهي التنظيم الإرهابي

استنزاف مستمر بين “داعش” المفكك كتنظيم من الناحية البشرية والعسكرية، وبين الميليشيات الإيرانية، في ظل عدم وجود نية من قبل “التحالف الدولي” للتدخل فيها، فهي حرب لا يبدو أن نهاية قريبة لها تلوح في الأفق، في الوقت الذي يشكل فيها الطرفان المتقاتلان خصما للسوريين، الذين يرون أن الخلاص منهما أبرز عوامل الاستقرار المستقبلي لسوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.