بعد قرابة شهرين من إعلان تركيا عزمها شن عملية عسكرية في شمال سوريا، وتحديدا في منطقتي منبج وتل رفعت، الأمر الذي أدى إلى رفض وتحذيرات من أميركا وروسيا وإيران، وهذا الرفض حتى وإن كان غير رسمي، إلا أنه وبالفعل لم تحصل تركيا بعد على الضوء المزدوج الأميركي-الروسي. لكن روسيا، التي تسير الآن في مستنقع الحرب بأوكرانيا، والتي تعاني من جملة من الضغوط، تريد كسب نقطة استراتيجية لصالحها ضد أميركا وعلى الأراضي السورية، وهي كسب “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) لصالحها، بدفعها عبر إحداث اتفاقية ما، مع حكومة دمشق وبالتالي تخلي “قسد” عن حليفتها أميركا. ولأن شروط اتفاق رسمي بين “قسد” ودمشق لم يتم التوصل إليها حتى الآن، نجد أن روسيا تحاول ابتزاز واستغلال “قسد” من خلال السماح لتركيا بتنفيذ تهديداتها، سواء من خلال التصريحات الرسمية، أو عبر تحشيد القوات العسكرية على خطوط التماس، وضرب القرى المحيطة هناك في كل من منبج وتل رفعت.

نتيجة لاستمرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في توجيه تهديدات ضد شمال سوريا، حث القائد العام لقوات “قسد”، مظلوم عبدي، الجمعة، موسكو وطهران على منع أنقرة من تنفيذ تهديداتها بشن هجوم جديد في شمال سوريا، وذلك قبل أيام من قمة رئاسية تركية روسية إيرانية لبحث الملف السوري.

كما وأعلن عبدي أنه في ضوء مباحثات مع روسيا، انتشرت قوات حكومية سورية إضافية في مناطق تتعرض للتهديدات، في خطوة تكررت خلال هجمات تركية سابقة ضد “قسد”.

وقال عبدي بشكل لافت “لن نكون وحدنا في هذه المعركة، بل سيشارك فيها جميع الشعب السوري، وإن شنت تركيا هذه المرة فردنا سيكون مختلفا والمعركة ستدوم طويلا”.

ومن بين ما قاله ويعكس محددات مغايرة في الصراع المتوقع “اليوم ليس مثل عام 2018 و2019، اليوم نحن أقوى من السابق، واتخذنا تدابيرنا ضد الطائرات أيضا”.

من هنا تنبعث جملة من التساؤلات، حول إدلاء تصريحات عبدي، بخصوص مطالبته روسيا بتنفيذ اتفاقية “سوتشي”، وفيما إذا كان هناك اتفاق غير معلن مع الحكومة السورية، ولكنه يحتاج إلى قيام روسيا بدورها الفعال ضمن هذا الإطار، وليس فقط رفض شكلي، وإذا ما كان الهجوم التركي على الشمال السوري مرتبط بالاجتماع الثلاثي المرتقب في 19 تموز/يوليو الجاري، وحول أن قوات “قسد” اليوم ليس كما عام 2018 و2019 حينما اجتاحت تركيا كل من عفرين ورأس العين/سري كانيه، وتل أبيض/ كري سبي، وأنه تم أخذ تدابير ضد الطائرات.

رفض مزدوج مستمر

في مؤتمر صحافي وردا على سؤال عن القمة المرتقبة، قال عبدي: “أعطينا الأذن لقوات حكومة دمشق بالانتشار في مناطقنا وهي تملك أسلحة نوعية وثقيلة، ومن واجبها الدفاع عن الأراضي السورية”.

هناك رفض من قبل القوتين الرئيسيتين المسؤولتين عن الملف السوري، أميركا وروسيا، بعدم إعطاء الضوء الأخضر لتركيا، لشن عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا، على غرار ما حدث في عفرين عام 2018، رأس العين/سري كانيه وتل أبيض/كري سبي 2019، وهذا الأمر مؤكد ولكن بشكل غير رسمي، حسبما يرى الأكاديمي والباحث السياسي في جامعة “كوفنتري” ببريطانيا، زارا صالح.

وأردف صالح، المقيم في بريطانيا، في حديثه لـ”الحل نت” إن سبب هذا الرفض من قبل هاتين الدولتين، هو أن أميركا ترفض هذه العملية بالمطلق، لأن مدينة منبج، هي منطقة نفوذ أميركية، وثانيا، ليس لروسيا مصلحة في دخول القوات التركية والسيطرة على مناطق جديدة في سوريا، لأن عين روسيا على هذه المناطق، خاصة وأن تل رفعت منطقة نفوذ روسية، وتتواجد فيها قوات الحكومة السورية، كما أن روسيا ترغب بالاستحواذ على مناطق أخرى خاضعة لسيطرة تركيا، تحت بند “المصالح السياسية”.

ضرورة الالتزام باتفاقية “سوتشي”

عقب العملية العسكرية التركية على الشمال الشرقي السوري في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، توصلت تركيا وروسيا، إلى اتفاق جديد حول شمالي سوريا، وتم الإعلان عنه من قبل وزيري خارجية البلدين، بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان في مدينة سوتشي.

وبالعودة إلى تصريحات، عبدي، قائد “قسد”، خلال المؤتمر الصحفي، الجمعة، فقد دعا عبدي، روسيا بالالتزام باتفاق “سوتشي” عام 2019، مضيفا: “ننظر بأهمية للاجتماع الثلاثي بين تركيا وروسيا وإيران في 19 تموز/يوليو الجاري، ونعتقد أن الأطراف الأخرى لن تسمح للقوات التركية بتنفيذ هجماتها على مناطقنا”.

وفي هذا السياق يرى الأكاديمي والباحث السياسي، زارا صالح، أن “كلام عبدي بخصوص تنفيذ اتفاقية سوتشي يشير على أن تقوم روسيا بالالتزام بتنفيذ بنود هذه الاتفاقية، والتي تنص على انسحاب قوات سوريا الديمقراطية بعمق 30 مترا، وهذا ما نفذته “قسد” بالفعل، لكن تركيا لم تلتزم به، لذا فيطالب عبدي روسيا بالضغط على تركيا لتنفيذ بنود هذه الاتفاقية”.

أما موضوع انتشار قوات الحكومة السورية على الحدود السورية التركية، بحسب صالح، فهي منتشرة في أكثر من نقطة، منذ اتفاق “سوتشي” عام 2019، وتحديدا في تل رفعت، حيث أن روسيا تحاول السيطرة على تلك المناطق بشكل شبه كامل عن طريق نشر قوات الحكومة السورية، وهناك أيضا اتفاق غير معلن بين “قسد” ودمشق برعاية روسية، على زيادة وجود قوات دمشق في تلك المناطق.

وبتقدير صالح، فإن المسألة ليست فقط أن روسيا لن تسمح بعملية عسكرية تركية جديدة في شمال سوريا، لكنها في نفس الوقت تغض الطرف عن الهجمات التركية على خطوط التماس، من أجل ابتزاز “قسد”، وبالتالي الضغط عليها للعودة للمحادثات، والتفاهم مع دمشق والتخلي عن حليفتها أميركا، وهذا هو الهدف الاستراتيجي لروسيا، ولهذا تحاول أن تتخذ مثل هكذا خطوات، وعلى طرف آخر تحاول عدم الضغط على تركيا، لأن لها مصالح مع الأخيرة، في حربها ضد أوكرانية.

وبحسب اعتقاد صالح، فإن الاجتماع الثلاثي المقبل بين روسيا وإيران وتركيا، الضامنين لـ “سوتشي” و”أستانا”، لا يحدد أو يتعلق بشكل أساسي بالعملية العسكرية التركية على الشمال السوري، لأن هذه الأطراف عقدت اجتماعا منذ مدة ليست ببعيدة، حيث كان تصريح روسيا واضحاً بشأن تحذير تركيا من القيام بأي عملية عسكرية على شمال سوريا، كما أن تصريحات إيران كانت قوية بشأن ذلك.

وأردف صالح بالقول: “كما نعلم، فإن إيران بدورها تحاول السيطرة على أكثر من منطقة وخاصة الشمال الشرقي. أيضا، في حال الهجوم التركي فستتعرض بلدتي نبل والزهراء المواليتان لإيران للخطر، وستكون مهددة بشكل مستمر من قبل فصائل “الجيش الوطني” المدعومة من أنقرة، وهذا ما ترفضه إيران بالمطلق، وبالتالي لن يكون هناك ضوء أخضر لتركيا في الاجتماع القادم في التاسع عشر من الشهر الجاري، (إن حصل الحديث عنه مجددا).

قد يهمك: موقف أميركي متجدد من العملية العسكرية التركية في شمال سوريا

استغلال الظروف الراهنة

ضمن إطار تصريحات عبدي الأخيرة، لا يعتقد الأكاديمي والباحث السياسي، زارا صالح، أن قوات “قسد” لديها القدرة على مواجهة قوة دولية مثل تركيا، التي تعد القوة الثانية في حلف “الناتو”، وتأتي تصريحات عبدي ضمن الإطار المعنوي، وإطار دعوة روسيا ودمشق من أجل مواجهة التهديدات التركية، خاصة أنه ذكر أن دمشق لديها أسلحة ثقيلة ومتطورة، وفي تقدير صالح، فإن كل تصريحات عبدي تندرج ضمن دعوة روسيا للالتزام باتفاقية “سوتشي” 2019.

واختتم صالح في حديثه الخاص لـ”الحل نت”، أن “تركيا لن تشن عملية عسكرية جديدة على شمال سوريا، لأن كل من أميركا وروسيا ترفضان ذلك، وتصريحات أردوغان والتهويل لهكذا عملية، ما هي إلا رسائل للداخل التركي، علماً أن تركيا ستشهد الصيف المقبل انتخابات رئاسية، وإن الوضع الاقتصادي والمعيشي في تركيا صعب ولهذا السبب فقدَ أردوغان نسبة كبيرة من الأصوات التركية، لذا فهو يحاول الآن الاستفادة من الظروف الراهنة، ويحاول أيضا كسب معركته ضد المعارضة التركية، باستخدام بطاقة اللاجئين السوريين من جهة، ومن ثم الاستحواذ على مناطق جديدة تابعة للأكراد في شمال سوريا”.

ويلتقي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أردوغان، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الثلاثاء المقبل، في طهران في قمة ستتناول الملف السوري، وتتخللها محادثات ثنائية روسية تركية.

وتجري الدول الثلاث منذ سنوات محادثات بشأن سوريا في إطار مسار “أستانا” الرامية لإنهاء الصراع المستمر منذ أكثر من 11 عاما في سوريا.

قد يهمك: العملية العسكرية التركية في سوريا غير قابلة للتنفيذ.. لهذه الأسباب

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.