منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا امتدت آثاره إلى سوريا على عدة مستويات، إذ لا تنفك روسيا في ابتزاز الغرب باستخدام الملف السوري، نتيجة الضغوط التي تتعرض لها من الغرب بسبب غزوها لأوكرانيا منذ عدة أشهر، حيث لم تتردد موسكو في استخدام كل الأوراق السورية من أجل ثقل النفوذ، وترجيح الكفة لصالحها قليلا، وفي ضوء ذلك علقت حكومة دمشق مشاركتها في محادثات جولة اللجنة الدستورية السورية التاسعة في جنيف، مشترطة استجابة المطالب الروسية أولا، وهذا التعليق قوبل بانتقادات حادة للجانبين الروسي والسوري، وآخرها طلب “الأمم المتحدة”، الجمعة، بتحييد عمل اللجنة الدستورية السورية عن الصراعات الخارجية (الحرب الأوكرانية)، والتي يبدو أن موسكو تعتبر أن سويسرا لم تعد حيادية منذ الحرب في أوكرانيا.

من هنا تنبعث عدة تساؤلات، حول مدى تأثير الصراع في أوكرانيا على أعمال اللجنة الدستورية السورية، وفيما إذا كانت الأزمة الأوكرانية ستودي بملف اللجنة الدستورية والقضاء عليه نهائيا.

استخدام كل الأوراق الاستراتيجية

كان من المقرر عقد الجولة التاسعة من المحادثات خلال شهر تموز/يوليو الجاري في جنيف إلا أن حكومة دمشق أبلغت المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون، أن وفده لن يكون مستعدا للمشاركة فيها “إلا بعد تلبية طلبات روسيا”.

على إثره، طلبت “الأمم المتحدة”، يوم أمس الجمعة، بتحييد اجتماعات اللجنة الدستورية وألا تؤثر النزاعات على عمل اللجنة الدستورية السورية في جنيف، التي توقفت قسرا من قبل روسيا التي يبدو أنها تعتبر أن سويسرا لم تعد محايدة منذ الحرب في أوكرانيا.

وقالت المتحدثة باسم بيدرسون، جنيفر فينتون، للصحافيين في جنيف، إن الجانب السوري “أبلغ السيد بيدرسون أن وفده لن يكون مستعدا للمشاركة في الدورة التاسعة إلا بعد.. تلبية طلبات موسكو”، ولم تذكر بالتفصيل ما هي المطالب الروسية.

وفي ختام الجولة الثامنة من المحادثات في مطلع يونيو الماضي، أعلن بيدرسون أن المحادثات لم تُحرز سوى تقدم ضئيل و”ظلت الاختلافات كبيرة حول بعض النصوص”.

وضمن سياق مدى تأثير الصراع في أوكرانيا على أعمال اللجنة الدستورية السورية، يرى الديبلوماسي السوري السابق بشار الحاج علي، وعضو اللجنة الدستورية، أنه “عمليا وفعليا في العلاقات الدولية لا يمكن عزل الملفات السياسية ذات الطابع الدولي عن بعضها، ومن البديهي أن تتأثر بالتفاعلات والتناقضات التي تكمن في جنباتها”.

ووفق الحاج علي، الذي تحدث لـ”الحل نت”، فإن هذا التداخل يعني بالنسبة للقوى الدولية ذات المصالح، أن تستخدم كل أوراق الضغط والتأثير لتحقيق أعلى المكاسب والمصالح، خاصة في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية.

وأردف الحاج علي، “حقيقة تأثير الغزو الروسي لأوكرانيا ليست بحاجة للإثبات، يكفي طلب روسيا نقل اجتماعات اللجنة الدستورية من جنيف ليؤكد أنها أثرت بشكل كبير على الحل السياسي في سوريا”.

فبالإضافة للانسداد لأسباب عدة، يأتي التدخل الروسي في سوريا بالإضافة لأوكرانيا ودعمها للأسد في مواجهة الغرب عموما والولايات المتحدة الأميركية، ودول الاتحاد الاوروبي التي تدعم القرارات الأممية ذات الصلة وتقف ضد إعادة التطبيع والعلاقات مع (نظام الأسد) لتصبح المواجهة مضاعفة، لأهمية أوكرانيا لأوروبا خصوصا والغرب عموما، على حد تعبير الحاج علي.

من جانبه، يقول الأكاديمي والباحث السياسي، زكريا ملاحفجي، أن “النظام السوري دائما ما يتكلم عن سيادة الدولة السورية، إلى جانب أنه دستور سوري ونقاشه يجب أن يتم بين الأطراف السورية فقط، لكن تفضيله المطالب الروسية هنا، يؤكد عدم جدية دمشق في مفاوضاتها، واشتراطه على مطالب روسيا (دولة خارجية)، شيء لا يجب أن يكون في منطق أي دولة ذات سيادة”.

وأضاف ملاحفجي أثناء حديثه لـ”الحل نت”، أنه نتيجة للمواقف الدولية من الحرب في أوكرانيا، فالأمور ليست جيدة ومتوترة بين موسكو وجنيف، وأن مسألة تأخير الفيز للروس في المفاوضات أدت إلى رفض روسي لإجراء المفاوضات في جنيف مجددا، وفق المعطيات المتوفرة.

وبحسب تقدير ملاحفجي، فإن “وروسيا في بداية طرح مفاوضات اللجنة الدستورية، طلبت بأن تكون المحادثات في دمشق وبالطبع هذا الأمر قوبل بالرفض المطلق، ومن ثم جاء اختيار جنيف مقرا للمفاوضات.

وأطلع بيدرسون، مجلس الأمن الدولي، الخميس الفائت، على الوضع. وأشار إلى أن تأجيل الاجتماع في جنيف “مؤسف ومحبط، وخصوصا أنه ناجم عن قضايا لا علاقة لها بالملف السوري”، بحسب فينتون.

وأضافت أنه “حث جميع الأطراف على وضع جدار حماية يصون العملية السورية من تأثير النزاعات التي تجري في أماكن أخرى من العالم، ويضع مصلحة السوريين في المقام الأول”.

ولفتت فينتون، إلى أنه عند اقتراح إنشاء اللجنة الدستورية في 2018، كان أحد شروطها أن “تعقد اجتماعاتها في جنيف بدون تدخل خارجي”.

قد يهمك: ماذا بعد تأجيل الجولة التاسعة من اللجنة الدستورية السورية؟

مجالا “للمناكفات” الدولية

في إطار ما إذا كانت الأزمة الأوكرانية ستنهي أعمال اللجنة الدستورية، يرى الدبلوماسي السوري السابق بشار الحاج علي وعضو اللجنة الدستورية، أن “ملف اللجنة الدستورية السورية لن يغلق”. ولن ينهي هذا المسار السياسي الهزيل والعديم الجدوى، والذي يحتاجه الجميع كحد أدنى لإدارة الصراع في المنطقة والعالم، وفق اعتقاد الحاج علي.

ويرجح الحاج علي أن ملف اللجنة الدستورية، سيكون مجالا للمناكفات تخضع للتصعيد والهدوء بحسب الظروف الدولية، ودون اعتبار للمأساة الإنسانية السورية، على حد تعبيره لـ”الحل نت”.

وأشار الحاج علي، إلى ضرورة قيام المجتمع الدولي و”الأمم المتحدة” بإيجاد طريقة لإنهاء معاناة الشعب السوري من خلال إحالة الملف إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث يمكن تجنب أي فيتو وإصدار قرار ملزم لتنفيذ الانتقال السياسي وفقا لبيان جنيف.

من جهة اعتقاد الأكاديمي والباحث السياسي زكريا ملاحفجي، فإن ملف اللجنة الدستورية أصبح ملفا غير فاعل وغير مجدي، كما أن نتائجه معروفة للجميع، إذ لا يوجد جدية من جانب دمشق أو حليفتها روسيا، وبالتالي فإن العودة إلى مفاوضات اللجنة الدستورية ضئيل وقد يكون هناك بديل لاحقا.

وختم ملاحفجي، حديثه لـ “الحل نت” بالقول: “طبعا روسيا تدخل أو تقحم الملف الأوكراني في كل القضايا، حتى ملف تمديد آلية المساعدات الإنسانية عبر الحدود لم تقصر في الابتزاز والمراوغة فيه، ويمكن تسمية ذلك بمواجهة غير مباشرة مع الغرب، بمعنى أن الساحة السورية، هي ساحة نزاع تفاوضي بين روسيا والغرب نتيجة للحرب الأوكرانية.

وعليه، ما دامت دمشق تابعة للجانب الروسي على جميع المستويات، وفي ظل عرقلة أي حل للملف السوري، أو أي آلية حقيقية لفرض حل سياسي على أساس قرارات “الأمم المتحدة” الدولية، وخاصة قرار مجلس الأمن 2254، الذي يبرهن أن دمشق وروسيا ليستا جادتين في التوصل إلى أي حل سياسي لمستقبل سوريا، وهذا الأمر حتى بات واضحا بشكل كبير للشارع السوري، الذي يبدو بدوره قد طوى صفحة الحلول لأي مسار سياسي للبلاد، حيث أن دمشق ليست مستعدة للتحرك بجدية نحو البدء بتفعيل خطوات حقيقية وفعالة وملموسة نحو انتقال سياسي حقيقي، لكنها جاهزة في نفس الوقت لاتخاذ قرارات لصالح روسيا وأطماعها، يبدو ذلك، مقابل “البقاء في دفة الحكم”.

قد يهمك: بيدرسون وروسيا.. هل يطلقون “رصاصة الرحمة” على اللجنة الدستورية السورية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة