تتسارع الأحداث في العراق، فبعد أربعة أيام من اعتصام أنصار “التيار الصدري” داخل البرلمان العراقي، وجملة خطابات يمكن وصفها بالرنانة من قبل زعيم التيار مقتدى الصدر، لاسيما فيما يتعلق بدعوته لتغيير النظام والدستور، عاد اليوم الثلاثاء ليوجه أنصاره بإخلاء البرلمان وتحويل مكان الاعتصام.

الصدر وعبر ما يعرف بوزيره “صالح محمد العراقي” وهي شخصية افتراضية تنشط على مواقع التواصل الاجتماعي وتعمل على توجيه أنصار التيار وإيصال رسائل الصدر لهم، وجه أنصاره بإخلاء البرلمان وتحويل مكان الاعتصام إلى محيط البرلمان.

وقال محمد صالح العراقي في تغريدة له على موقع “تويتر” تابعها موقع “الحل نت“، إن “بعد تحرير مجلس النواب وتحوله إلى مجلس للشعب تقرر إخلاء مبنى البرلمان وتحول الاعتصام أمام البرلمان وحوله خلال مدة أقصاها 72 ساعة من تاريخ هذا المنشور“.

كما أشار أيضا، إلى أن “كانت هناك أماكن أخرى ينبغي الاعتصام أمامها فستأتيكم التعليمات تباعا“، وطالب العراقي بـ “ديمومة الاعتصام مهمة جدا لتتحقق مطالبكم، لذا يجب تنظيم الاعتصام على شكل دفعات، مع بقاء زخم الأعداد في أوقات محددة“.

العراقي لفت إلى أن “إقامة صلاة الجمعة الموحدة لصوات جمع بغداد وبابل والكوت وكربلاء والنجف في ساحة الاحتفالات في نهاية هذا الأسبوع“، مبينا: “نحن في طور تشكيل لجنة من قبل المحتجين لإدارة الاحتجاجات وتنظيمها والاهتمام بكل ما يلزم“.

اقرأ/ي أيضا: مظاهرات العراق.. دعوات للحوار وفرنسا وبريطانيا تشجعان

وجهة نظر

عن هذا التطور في الموقف وأبعاده، تحدث موقع “الحل نت” مع الصحافي العراقي والمهتم في الشأن السياسي سامان نوح وقال إن “التيار الصدري الذي حرمهم الإطاريون عبر السياسة واستغلال تأثيرهم في القضاء من حقهم في تشكيل الحكومة، لجؤوا إلى الحراك الشعبي لتعطيل محاولة الإطارين تشكيل الحكومة“.

وبين أنه “واقعا هذا حقهم وربما لا مشكلة في ذلك، رغم أنه كان من الأفضل للبلد أن يجري حراكهم في إطار اللعبة السياسية والبرلمانية، وربما من حق الصدريين في إطار الاحتجاج الشعبي ومعركة فرض الإرادات، تطويق البرلمان وعرقلة وصول النواب إليه، أو حتى تعطيل عمله بشكل كامل“.

لكن “السيطرة على البرلمان، ودخول أروقته بالمشاهد التي تنقلها الكاميرات إلى كل العالم، وتحويل باحاته إلى مطابخ، وقاعاته إلى موائد للأكل والتدخين، وممراته إلى مواقع للتنزه، وزواياه إلى محال للترزق، لا يحقق إصلاحا ولا يبني دولة، ويزيد الشكوك في نواياهم الإصلاحية، ويدمر ما بقي من هيبة المؤسسات“، كما يرى نوح.

ويستدرك أن “السيطرة على البرلمان وإطلاق المواكب الحسينية فيه، يحمل عشرات الرسائل المقلقة للكرد والسنة، وطبيعة وجودهم وشراكتهم في العراق، ومن قوة تقول بأنها جاءت لإنهاء الحكومات التوافقية لفاسدي الطوائف“، كما أن “السيطرة على البرلمان وتهديد القضاء وترك الحكومة دون حتى إشارة عتب، يطلق رسائل واضحة لغالبية الشعب العراقي، أن الموضوع لا يتعلق لا بالحرب على الفساد ولا بإصلاح أحوال العباد والبلاد، وأنه مجرد صراع سياسي، فغالبية الفساد يكمن في الجهاز التنفيذي“.

نوح أوضح أيضا، أن “السيطرة على البرلمان، ودون أي برنامج عمل واضح ومعلن من التيار -المشارك في كل حكومات الفساد السابقة- والاكتفاء فقط بشعار فضفاض ثورة إصلاح وبكصكوصات حماسية، دون أي رؤية محددة لكيفية تحقيق الإصلاح، يعطي رسائل للمحتجين التشرينيين ولجل العراقيين أن ما يحصل مجرد صراع للاستحواذ على السلطة، يلجأ فيه كل طرف لكل الأدوات المتاحة لضرب الآخر على هياكل بقايا سلطة الدولة“.

اقرأ/ي أيضا: وسط أزمة العراق السياسية.. ما هو مصير الدورة البرلمانية الحالية؟

اضطرار صدري

بالتالي علينا أن “نتذكر أن التيار الصدري كان يملك أقل من ربع مقاعد البرلمان 73 مقعدا من أصل 329، كما حصل على أقل من 10 بالمئة من أصوات الناخبين، وفي حال لجوئه إلى تعطيل طويل بقوة ذراعه الشعبية وإلى انقلاب كامل على المنظومة السياسية القائمة، فأنه سيجد نفسه محاطا بشكوك ومخاوف الأخرين في بلد تتقاطع فيه شبكات المصالح الإقليمية والدولية وفيه مصائب كبرى ومليشيات مختلفة الولاءات ورؤوس متعددة للقرار“.

لذلك أن “التيار سيضطر لإجراءات جديدة وتعديلات في تصريحاته ومواقفه فالشعارات الكبرى مثل ثورة وتغيير كامل للنظام، لن تترك أحدا إلى جانبه في ميدان السلطة موزعة فيه على مكونات وعدة أطراف وعلى عدة مستويات، وعليه أن التيار مضطر لذلك إذا أراد أن يحقق مكاسب في الهدف الذي يسعى إليه وهو السلطة والكلمة العليا“.

وكان أنصار زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر اقتحموا المنطقة الخضراء-شديدة التحصين-، التي تضم مباني حكومية ومقار بعثات دبلوماسية وسط العاصمة العراقية بغداد منذ صباح السبت الماضي، وللمرة الثانية بظرف 72 ساعة، احتجاجا على ترشيح “الإطار التنسيقي” لمحمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء.

المتظاهرون، الذين احتشدوا منذ مساء يوم الجمعة بدعوة من الصدر والتيار الصدري، أزالوا حواجز خرسانية كانت القوات الأمنية قد أنشأت منها حواجز أمنية على الجسر الجمهوري المؤدي للمنطقة الخضراء، ودخلوا المنطقة متجهين إلى البرلمان العراقي، حيث أعلنوا بدء اعتصام داخل البرلمان.

وأعلن أنصار “التيار الصدري” بدء اعتصام مفتوح داخل مبنى البرلمان، وذلك بعدما كانوا قد توجهوا إلى مبنى مجلس القضاء الأعلى معبرين عن غضبهم اتجاهه، لما يعتبرونه انحيازا من قبله لصالح تحالف “الإطار“، والسبب الرئيس في فشل مشروع قائدهم الذي كانت كتلته قد حققت أكبر حضور نيابي في الانتخابات المبكرة التي أجريت في تشرين الأول/أكتوبر.

اقرأ/ي أيضا:  قرع طبول الحرب الأهلية الشيعية في العراق؟

دعوات مضادة وتوترات

مقابل ذلك، دعا “الإطار التنسيقي” المقرب من إيران، أنصاره للنزول إلى الشارع بتظاهرات مضادة لأنصار “التيار الصدري“، ودفاعا عن الدولة وشرعيتها من انقلاب مشبوه على حد تعبيرهم.

تظاهر أنصار “الإطار” يوم أمس الاثنين على أسوار المنطقة الخضراء وسط أجواء مشحونة بين الطرفين، في حين لم تدم تظاهراتهم أكثر من ساعتين إذ وجهت اللجنة التنظيمية أنصارهم بالانسحاب.

وتأتي تلك الأحداث نتيجة لصراع سياسي دام لنحو 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة، بين الطرفين وبعد وقوف “الإطار التنسيقي“، بوجه مشروع “التيار الصدري“، الذي كان يدعو إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية.

بعد الانتخابات ذهب “التيار الصدري” صاحب الحظ الأوفر في الانتخابات، لتشكيل تحالفا ثلاثيا مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، واسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

أصر “إنقاذ وطن” بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة بعض أطراف “الإطار التنسيقي” الذي استمر بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك الجميع فيها، وهذا ما لم يقتنع به زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

سبب الفشل

الفشل في تمرير مشروع الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصاب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في ثلاث مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة.

والفشل سببه كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية، البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعدها، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في الثاني عشر من حزيران/يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث، حيث وجه الصدر أنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة.

اقرأ/ي أيضا: تظاهرات خجولة تدفع “الإطار” لسحب أنصاره من الخضراء ببغداد

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.