“أم الكربلاءات”.. هكذا وصفت الشاعرة العراقية أمل الجبوري، المأساة الإيزيدية في أحد نصوقها الشعرية، ويبدو أن ذلك الوصف هو الأمثل لجرح سنجار الذي لم يندمل حتى مع حلول الذكزى الثامنة للإبادة الإيزيدية، فمتى سيلتئم الجرح؟

يحيي الإيزيديون والعديد من المنظمات المحلية والدولية هذا اليوم 3 آب/ أغسطس من كل عام بمؤتمرات وندوات لاستذكار المأساة الإيزيدية، والتشديد على إعادة الحياة لسنجار وإرجاع النازحين إلى بيوتهم وتوفير الخدمات لهم وإعمار القضاء.

الإيزيدية هي أقلية ديتية عراقية قديمة، اتخذت من قضاء سنجار في محافظة نينوى شمالي العراق، موطنا لها، ويوجد في تلك المدينة “معبد لالش”، أقدس المعابد للإيزيديين في كل العالم.

في 3 آب/ أغسطس 2014، ارتكب تنظيم “داعش” إبادة جماعية، كما وصفتها “الأمم المتحدة” بحق أبناء الأقلية الإيزيدية في العراق، بعد أن هاجم التنظيم قضاء سنجار، وارتكب جرائم عديدة بحق الإيزيديين.

4 جهات أمنية

“داعش” ذبح 1298 إيزيديا في اليوم الأول فقط من اجتياحه لسنجار”،وفق “مؤسسة يزدا” المعنية بشؤون الأقليات، كما “اغتصب واستعبد” مئات الإيزيديات، واختطف الآلاف من الرجال والنساء والأطفال، ودمّر 68 مرقدا ومزارا دينيا. وخلّف 82 مقبرة جماعية للإيزيديين، دفن العديد منهم بها وهم أحياء، ناهيك عن عشرات المقابر الفردية للعديد من الضحايا.

في الذكرى الثامنة للإبادة الإيزيدية وبعد مرور 7 سنوات على تحرير سنجار من “داعش”، لا تزال النتائج كارثية بحق أبناء تلك الأقلية الدينية وبحق موطن هذه الديانة، فكيف هو الوضع اليوم وما الذي تحتاجه سنجار والأقلية الإيزيدية لإنهاء المعاناة؟

يقول الصحفي والكاتب الإيزيدي نصر حاجي، إن سنجار يعاني من كل النواحي، أمنيا وسياسيا واقتصاديا وخدميا، ولا وجود لبوادر تنهي مأساة سنجار والإيزيديين؛ لأن المشاكل جمة.

حاجي يضيف لـ “الحل نت”، أن عشرات الآلاف من الإيزيديين لم يعودوا بعد إلى سنجار، لخشيتهم من الوضع الأمني غير المستقر في القضاء؛ بسبب انتشار عدة جهات أمنية في المدينة، وهو ما يربك الوضع في شنگال.

ويردف، أن القضاء يشهد انتشار 4 جهات هي “الحشد الشعبي” والجيش والشرطة وقوات تابعة لـ “حزب العمال الكردستاني”، ولا وجود لأي تنسيق بين كل تلك الجهات، بل أن بعضها تتصارع فيما بينها، ما يؤثر على أمن القضاء، ويمنع الناس من العودة.

أرقام

في آخر إحصائية لمكتب “إنقاذ المختطفين الإيزيديين” المعتمدة من قبل الأمم اامتحدة التي صدرت بالتزامن مع الذكرى الثامنة للإبادة الإيزيدية، فإن عدد الإيزيديبن كان قبل مجزرة “داعش”، يبلغ 550 ألف نسمة، فيما بلغ عدد النازحين بعد المجزرة 360 ألفا.

وبلغ عدد الذين هاجروا إلى خارج العراق 100 ألف إيزيدي وإيزيدية. أما عدد المختطفين من التنظيم، فهو 6417 شخصا من الرجال والنساء والأطفال. وبلغ عدد الناجين والناجيات 3554 شخصا، بينما بلغ عدد الباقين والباقيات أسرى لدى “داعش”، 2717 شخصا، 1273 أنثى، و1444 رجلا.

نصر حاجي، يبين أن سنجار يفتقد لأدنى مقومات الخدمات اليوم، لا كهرباء جيدة ولا ماء صالح للشرب ولا وجود لجامعات ومستشفيات قليلة ورديئة الخدمة، والإعمار فيه شحيح للغاية، وهو أمر آخر يصعب مأمورية عودة النازحين الإيزيديين للقضاء.

يبلغ عدد النازحين الإيزيديين الموجودين حالياً في مخيمات إقليم كردستان العراق، 135.860 نازحا، أما عدد النازحين الموجودين في المناطق المتفرقة بالإقليم، فيبلغ 189.337 نازحا.

من بين ما يجعل العديد من العوائل الإيزيدية ترفض العودة إلى سنجار، هو شبه انعدام المورد الاقتصادي فيه، فالقضاء بالإضافة لكونه منطقة جبلية، مناطقه السكنية صحراوية، ويعتمد أهله على الزراعة، واليوم يعاني سنجار مثل عموم البلاد من شحة المياه، وفق نصر حاجي.

سنجار يخسر أهله؟

حاجي يوضح، أن الكثير من النازحين وجدوا لهم فرص عمل في إقليم كردستان، وهو ما يدفعهم لعدم العودة إلى موطنهم الأصلي؛ لأن العودة ستفقدهم فرص عملهم، ولا وجود لمورد اقتصادي في سنجار يشجعهم على العودة له.

ويلفت إلى، أن ما يمكن أن يغير الوضع في سنجار ويعيد أبناء القضاء له، هو تطبيق “اتفاقية سنجار” المبرمة بين بعداد وأربيل؛ لأنها تنظم الانتسار الأمني فيها، كما تعطي آلاف فرص العمل للإيزيديين للتطوع بالسلك الأمني لحماية القضاء، وبالتالي فتح أبواب رزق لهم.

غير أن الواقع يؤكد شبه استحالة تطبيق الاتفاقية، وفق حاجي؛ لأن الصراع بين المركز والإقليم والقوى السياسية للسيطرة على سنجار، يجعل الكل يطمح بفرض قبضته على القضاء، دون إيلاء أي أهمية للإيزيديين، وهو ما يهدد بخسارة الإيزيديين لموطنهم الأصلي وفقدان سنجار لهويته الإيزيدية.

في أيار/ مايو 2021، أعلن فريق التحقيق الأممي عن جرائم “داعش”، تورط 1444 عنصرا من تنظيم “داعش” بارتكاب جرائم ضد الإيزيديين بسنجار، من بينهم 469 عنصرا تم تحديد أماكنهم، وطالب بإنشاء محكمة دولية خاصة بهم.

أخيرا، وبعد 8 سنوات على الإبادة الإيزيدية، و7 سنوات على تحرير سنجار، عادت 20 ألف عائلة إيزيدية نازحة فقط إلى القضاء، والبقية معظمها بالمخيمات وخارج العراق، وفق تصريح سابق أدلى به قائمقام سنجار، محما خليل لـ “الحل نت”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.