بعد شهور من الأزمة السياسية بين البرلمان والحكومة في الكويت التي أدت إلى استقالة الحكومة التي كان يرأسها الشيخ صباح الخالد، صدر أمس الأحد، مرسوم أميري بدعوة الناخبين الكويتيين لاختيار أعضاء مجلس الأمة -البرلمان- في 29 من أيلول/سبتمبر المقبل.

المرسوم الأميري الذي نشر بالجريدة الرسمية للبلاد، والموقع من قبل ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح، يأتي بهدف حل الأزمة التي احتدمت بين الحكومة والبرلمان وعطلت الإصلاحات الاقتصادية والمالية الضرورية في البلاد.

في أعقاب ذلك، ومن جهته أعلن مركز التواصل الحكومي بالكويت، عبر حسابه بـ “تويتر” وتابعه موقع “الحل نت“، أن “إدارة شؤون الانتخابات ستستقبل الراغبين في الترشح لانتخابات مجلس الأمة بدءا من غد الاثنين لمدة 10 أيام“.

ومجلس الأمة -البرلمان- هو السلطة التشريعية في الكويت ويختص بالتشريع والرقابة على تنفيذ السلطة التنفيذية للقوانين، ويتألف من 50 عضوا ينتخبهم الشعب بطريقة الانتخاب العام السري المباشر، ولا يصدر قانون إلا إذا أقره مجلس الأمة وصدق عليه أمير البلاد.

ويأتي قرار تحديد موعد الانتخابات البرلمانية وفتح باب الترشح بعد أسابيع من مرسوم أصدره ولي العهد الكويتي، في 2 آب/أغسطس الجاري بحل مجلس الأمة بهدف “تصحيح المشهد السياسي“.

وكان ولي العهد الكويتي المفوض بمعظم الصلاحيات من قبل أمير البلاد، أعلن في خطاب في 22 حزيران/ يونيو الماضي حل مجلس الأمة ودعا إلى انتخابات عامة، وقال حينها “قررنا مضطرين ونزولاً عند رغبة الشعب واحتراماً لإرادته، الاحتكام إلى الدستور العهد الذي ارتضيناه، واستناداً إلى حقنا الدستوري المنصوص عليه في المادة (107) من الدستور، أن نحلّ مجلس الأمة حلاً دستورياً، والدعوة إلى انتخابات عامة، وفقاً للإجراءات والمواعيد والضوابط الدستورية والقانونية“.

اقرأ/ي أيضا: بعد سداد ديون الكويت: ما الذي سيجنيه العراق اقتصاديا؟

الكويت وصلاحيات الدستور

تمنح المادة 107 من الدستور الكويتي لأمير الكويت الحق بأن “يحل مجلس الأمة بمرسوم تبين فيه أسباب الحل، على أنه لا يجوز حل المجلس للأسباب ذاتها مرة أخرى“، وأن تُجرى الانتخابات للمجلس الجديد في “ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل“، وإلا “يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية، ويجتمع فوراً كأن الحل لم يكن، ويستمر في أعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد“.

سيناريو مهد لتشكيل حكومة كويتية جديدة في الأول من آب/أغسطس الجاري، برئاسة الشيخ أحمد نواف الصباح نجل أمير البلاد، دون تغييرات كبيرة في الوزارات الرئيسية، وبعد ذلك بيوم صدر مرسوم أميري بحل مجلس الأمة رسميا.

وعاشت الحكومة السابقة، والبرلمان أشهر أزمة سياسية، إثر رفض الأولى لتوالي استخدام الاستجوابات واعتبارها “تعطيلا” للسلطة التنفيذية، وتلاها استقالتها في 5 نيسان/أبريل الماضي عشية استجواب ضدها.

ولم يعقد مجلس الأمة جلساته العادية منذ جلسة مناقشة استجواب رئيس مجلس الوزراء المستقيل، الشيخ صباح الخالد الصباح، في 29 مارس/آذار الماضي، والتي أعقبها إعلان 26 نائبا عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، ما يعني الإطاحة بالحكومة.

ما أدى إلى استقالة الحكومة، وأصدر أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد في 10 أيار/ مايو الماضي، أمرا أميريا بقبول استقالة الحكومة، وتكليفها تصريف العاجل من الأمور.

وتمنح المادة 102 من الدستور الكويتي أمير البلاد، في حال أعلن مجلس الأمة بأغلبية الأعضاء عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، بعد رفع الأمر إليه، إما “أن يعفي رئيس مجلس الوزراء” ويعين وزارة جديدة، أو “أن يحل مجلس الأمة“.

اقرأ/ي أيضا: العراق يتجاوز “أكبر الحماقات البعثية” بإغلاق ملف ديون الكويت 

جذور الأزمة في الكويت

تعود جذور الأزمة السياسية الحالية بين مجلس الأمة والحكومة، والتي انتهت الأربعاء بالإعلان عن حل البرلمان، إلى انتخابات مجلس الأمة التي جرت في 5 كانون الأول/ديسمبر 2020، وتحقيق المعارضة انتصارا ساحقا في نتائجها.

فوز المعارضة أسفر عن اجتماع موسع لها تم خلاله الاتفاق على عدم إعادة ترشيح رئيس مجلس الأمة المقرب من الحكومة مرزوق الغانم، وترشيح النائب بدر الحميدي بدلا عنه، إضافة إلى إدراج “قانون العفو الشامل عن المحكومين بقضايا سياسية” على رأس الأولويات.

لكن الجلسة الافتتاحية الأولى في 15 كانون الأول/ديسمبر 2020، شهدت فوز مرزوق الغانم بمقعد رئيس مجلس الأمة بخلاف ما خططت له المعارضة، وحصوله على أصوات الحكومة، بالإضافة إلى 9 أعضاء من أصل 37 تعهدوا بعدم التصويت له.

ما أدى إلى توجيه ضربة كبيرة للمعارضة في بداية المجلس، وكردة فعل سريعة أعلن ثلاثة نواب من المعارضة في 5 كانون الثاني/يناير 2021، استجواب رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد، ليلقى ذلك تأييد 36 عضوا.

حملة الاستجواب دفعت رئيس مجلس الوزراء إلى رفع استقالة الحكومة إلى أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح، والذي قبلها بدوره وأعاد تكليف الشيخ صباح الخالد ليشكّل الحكومة الثانية له بعد الانتخابات، وأصدر أمير الكويت في منتصف شباط/فبراير 2021 مرسوما أميريا بتأجيل انعقاد جلسات مجلس الأمة لمدة شهر، استناداً إلى المادة 106 من الدستور الكويتي لتهدئة التأزيم السياسي في البلاد.

بعد ذلك، وفي 14 آذار/مارس 2021، تعرضت المعارضة لضربات متتالية، حيث أعلنت المحكمة الدستورية إبطال عضوية زعيم المعارضة آنذاك النائب السابق بدر الداهوم، وفق قانون “منع المسيء للذات الأميرية” من الترشح لانتخابات مجلس الأمة، لترد المعارضة على ذلك بمقاطعة جلسة أداء الحكومة اليمين الدستورية في 30 آذار.

ضرب وحدة المعارضة

لكن الحكومة استطاعت تأمين الـ 33 عضوا في البرلمان بمن فيهم الوزراء اللازمين لعقد الجلسة، واستغلت غياب المعارضة لتقديم طلب تأجيل “الاستجوابات المزمع تقديمها إلى رئيس الحكومة“، وصوت عليه المجلس بالموافقة، وهو ما شكل صدمة كبيرة للمعارضة.

غير أنه بعد ذلك، تمكنت المعارضة من تعطيل انعقاد الجلسات، عبر جلوسها على مقاعد الوزراء في الصفوف الأمامية، وهو ما اعتبرته الحكومة “مخالفا للأعراف البرلمانية“، كما حققت نصرا تاريخيا في الانتخابات التكميلية التي جرت على مقعد بدر الداهوم، بحصول مرشحها أستاذ القانون عبيد الوسمي على أكثر من 43 ألف صوت، والذي وصفه الوسمي بأنه “استفتاء شعبي” على أداء الحكومة.

لكن الحكومة نجحت في 22 حزيران/يونيو 2021، من تمرير الموازنة العامة رغم استمرار المعارضة بالجلوس على مقاعدها، بالتصويت عند مدخل القاعة وانسحابها بعد ذلك على الفور، وفض دور الانعقاد الأول – لمجلس الأمة وسط أزمة خانقة بين المجلس والحكومة.

وخلال العطلة الصيفية تمكنت الحكومة من تفكيك وحدة المعارضة، عبر مد جسور تفاوض مع أطراف من داخلها، وكان عبيد الوسمي أبرز طرف تفاوضت معه الحكومة، لتنتهي المفاوضات السرية بإعلان أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح الدعوة إلى “حوار وطني” بين الحكومة والبرلمان في أيلول/سبتمبر 2021.

أسفر ذلك عن إصدار عفو أميري عن المتهمين في قضية دخول مجلس الأمة، والتي صدرت بها أحكام على رموز من المعارضة، على رأسهم النواب السابقون مسلم البراك، وفيصل المسلم، وجمعان الحربش، في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، وتقديم الحكومة استقالتها وتكليف الشيخ صباح الخالد مجددا بتشكيل الحكومة الثالثة له منذ الانتخابات، لكن هذه المرة بإشراك ثلاثة نواب من كتلة المعارضة في الكابينة الحكومي.

اقرأ/ي أيضا: مقترح لاستثمار تعويضات الكويت لمصلحة الشباب العراقي – الحل نت

نصر من بعيد

وعلى الرغم من تلك التحولات، وتفكك كتلة المعارضة إلى ثلاث أقطاب داخل البرلمان، استمرت الكتلة التي يتزعمها النائب السابق فيصل المسلم بالتصعيد، ورفعت شعار “رحيل الرئيسين“، في إشارة إلى رئيسي مجلس الأمة والحكومة، واعتبرت أن العفو الذي صدر بحق عدد من السياسيين ليس سوى “ابتزاز سياسي لبقائهما“.

تمكن أعضاؤها من استمالة الأعضاء المترددين، وذلك بثلاثة استجوابات متتالية، منذ أدائها اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة في مطلع العام الجاري في 4 كانون الثاني/يناير الماضي، بمعدل استجواب كل شهر تقريبا، استهدفت وزراء في الحكومة، فشلت المعارضة خلالها الإطاحة بهم، ونجحت الحكومة بتجاوز سحب الثقة من الوزراء بشق الأنفس.

في غضون ذلك، تقدم كل من وزير الدفاع السابق الشيخ حمد جابر العلي، ووزير الداخلية السابق الشيخ أحمد المنصور، بالاستقالة من منصبيهما في 16 شباط/فبراير الماضي، احتجاجا على ما وصفاه بـ “تعسف النواب باستخدام أداة الاستجواب“، حسب ما جاء في بيان الاستقالة.

ولكن استمرار استنزاف الحكومة بالاستجوابات من المعارضة، وتراكم سخط الشارع الكويتي، أديا إلى عدم تمكنها أخيرا من تحصيل العدد اللازم لحماية رئيس الحكومة الشيخ صباح الخالد الصباح، بعد ارتفاع عدد أعضاء مجلس الأمة المؤيدين لطلب عدم التعاون معه إلى 26 نائبا، وذلك عقب مناقشة الاستجواب المقدم إليه من المعارضة في 29 آذار/مارس الماضي، ما أدى إلى تقديمه استقالة الحكومة في 5 نيسان/أبريل الماضي، وقبل يوم واحد من موعد التصويت على طلب عدم التعاون معه.

اقرأ/ي أيضا: العراق يُسلّم الكويت رفات مواطنين كويتيين قُتِلوا خلال الغزو العراقي

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.