مع اقتراب افتتاح المدارس في سوريا، امتلأت الأسواق بالألوان الزاهية “الزهرية منها والكحلية”، متواجدة بقوة وتنوع في النماذج لجميع أنواع اللباس المدرسي، والحقائب وحتى الأقلام من مختلف الأنواع، لتعطي الأسواق جمالياتها في الشكل، ولكن، المضمون له قصة أخرى تتفرع بين القدرة الشرائية للمواطن، وإمكانية اقتحام تلك الأسواق، وما تحمله الأسعار فيها من غصات خانقة للكثير من المتسوقين، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 75 بالمئة، مقارنة بالعام الماضي.

واللباس المدرسي بالرغم من تقارب الألوان، إلا أن الأشكال المختلفة توحي باختلاف كبير في أسعاره، وهو ما يندرج تحت مسمى النموذج أو التصميم، وبذلك يجسد التفاوت الطبقي في المدارس، ويحرج أبناء الأسر ذات الدخل المحدود، الذي يشكل معظم السوريين اليوم.

“أسعار كاوية”

سيجد المتسوق في أسواق جميع المحافظات السورية المشهد نفسه وهو تشكيلة واسعة من الملابس المدرسية التي حرص أصحاب المحلات على إبرازها، والتركيز على ما يسمى بالقَصة الجديدة لهذا العام والتي ستكون بلا شك تبريرا لرفع سعر القطعة بآلاف إضافية، والأمر ينطبق أيضا على الحقيبة المدرسية، حيث تبدأ الأسعار من 20 ألف ليرة سورية، وتصل إلى 30 ألفا في المناطق الشعبية، وفق ما نقلته صحيفة “البعث” المحلية، يوم الإثنين.

في حين تصل في بعض الأسواق إلى 80 ألف ليرة لبعض الحقائب، كما أن القرطاسية المدرسية طالتها هي الأخرى ارتفاع الأسعار بشكل لافت، حيث بلغ سعر الدفتر ما بين ألفي ليرة، حتى 7 آلاف ليرة لكل (100 طبق)، أما (200 طبق) فيبدأ سعره من 8 آلاف، حتى 10 آلاف ليرة، وتراوح سعر قلم الرصاص حسب النوعية من 500 حتى 1500 ليرة، وقلم الحبر من ألف حتى 5 آلاف.

أما البنطال، فيتراوح سعره بين 25-60 ألف ليرة، وكذلك القميص، لتتجاوز أقل تكلفة للباس المدرسي مع الحذاء 150 ألفا، وتصل إلى 300 ألف، وتختلف الأسعار بين الصعود والهبوط تبعا للأسواق، وتصنيفها إما شعبية أو غير شعبية، إضافة إلى المولات والماركات، وفق التقرير المحلي.

في المقابل، يرى فريد، أن السعر يعتمد على ذمة التاجر، داعيا إلى تعديل آلية التعامل مع اللباس المدرسي من خلال وضع مواصفات محددة، لافتا إلى أن هناك بضائع متوسطة ومكلفة لكن المشكلة تكمن في أن الفرصة متاحة لكل تاجر لتحديد السعر المناسب له، حيث تصل البضاعة من دمشق مختومة باسم المصنع، ويمكن تغيير سعر الملصق القابل للإزالة ببساطة، وكتابة السعر الذي يراه التاجر مناسبا ويحقق له أرباحا كبيرة، حسبما أوردته الصحيفة المحلية.

الأطفال يعملون لتأمين المستلزمات!

بين الشهيق والصفير، تنوعت ردود فعل الأهالي المجبرين على تأمين اللباس المدرسي، وهم يشعرون بالإحراج أمام أبنائهم الذين يشترطون شكلا معينا للقميص أو البنطال، وحقيبة تنسجم مع الموديل نفسه، ما جعل الأهالي بين فكي كماشة.

وهذا الجنون بالأسعار دفع الأهالي للبحث عن حلول بديلة تخفف المعاناة، فأم تيسير لديها أربع بنات في المدرسة، تقول إنها استفادت من لباس السنة الماضية ودفاتر بناتها القديمة لتأمين جزء من حاجات البنات الأصغر سنا، حيث تقوم بإفراغ الأوراق المكتوب عليها من دفاتر الفصل الثاني للعام الدراسي السابق، وتبقي الصفحات البيضاء، وهكذا حتى تصل إلى البنت الكبرى، فتشتري لها ما تحتاجه من مستلزمات مدرسية من دكاكين المدينة، وليس من شوارعها الرئيسية ذات الأسعار الكاوية، وإن كان هذا الإجراء سيضع أولادها في خانة الحرج، ولكنه ضروري في سبيل التقيد باللباس المدرسي.

وبحسب التقرير المحلي، فإن حالة أم تيسير، تشبه حالة الكثيرين من السوريين، حتى لو كانت طريقة العلاج مختلفة، فالطفل محمد، وهو نازح من إحدى المحافظات السورية، وناجح إلى الصف الخامس، وجد في بيع الجوارب منفذا لتأمين سعر الحقيبة المدرسية، في حين أن اللباس المدرسي من العام الماضي، وفي السوق ذاته يوجد عشرات الأطفال يسعون للهدف ذاته.

قد يهمك: الفساد في الجامعات السورية.. ابتزاز جنسي ورشاوى وانتهاكات

لـ”حفظ ماء الوجه”

تحت مسمى التدخل الإيجابي، أعلنت صالات “السورية للتجارة” افتتاح معارض للمستلزمات المدرسية، والهدف بيع تلك المستلزمات بسعر أقل من الأسواق بنسب تصل إلى 30 بالمئة، ولكن في مقارنة بسيطة يبدو أن الأسعار هي ذاتها إذا ما أخذنا جودة اللباس مقياسا لتحديد الأسعار، فبعض الأسواق الشعبية توجد فيها مستلزمات أقل سعرا من أسعار المؤسسة، وفق تقرير الصحيفة المحلية.

بدوره، مدير فرع المؤسسة السورية للتجارة في السويداء، ربيع غانم، أكد أن المستلزمات المدرسية موجودة في عدد من صالات “السورية للتجارة” في المحافظات، مشيرا إلى أن الشريحة المستهدفة من التقسيط، هي العاملون الدائمون في الدولة، والعاملون بعقود سنوية غير منتهية خلال فترة التقسيط.

وعن أسعار المستلزمات المدرسية في صالات السورية للتجارة، يصر غانم، على أن الأسعار أقل من السوق بنسبة لا تقل عن 35 بالمئة، وكل المواد الموجودة ذات جودة ونوعية ممتازة تلبي جميع طلبات واحتياجات الأهالي وأبنائهم.

لكن، وقبل أيام معدودة، انتقد الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “دمشق”، الدكتور شفيق عربش، البضائع والمواد الموجودة في الصالات الحكومية، واصفا المؤسسة السورية للتجارة بأنها “كذبة كبيرة”، مضيفا أن “هذه المؤسسة غير قادرة على تنمية السوق، ولم يتحقق منه شيء على أرض الواقع”.

وحول أنواع الألبسة المدرسية في هذه الصالات، أوضح عربش، أن معظم هذه البضائع من ماركات قليلة الطلب، ولم يعتد عليها المستهلك السوري، مضيفا، ”إن معيار الجودة غائب عن الفكر الحكومي، فتكتفي بتأمين السلع مهما كان نوعها، ومعظمها تكون ذات جودة رديئة من الأصناف الثالثة والرابعة، أي إنها تنظر للشعب كمتسولين بالنسبة لها”.

وفي سياق متّصل، اعتبر عربش، أثناء حديثه للصحيفة المحلية، مؤخرا، أن تقصير الحكومة يتمثل في عدة جوانب، إحداها، أنها تصدر قراراتها التي تمس معيشة المواطن وفق ما يرفع لها من تقارير غالبا تبيّن لها أن الوضع بخير. وأردف عربش، أن الحكومة “ضائعة بين أن تعمل كحكومة تدير ملفات الشعب، أو أن تعمل كتاجر”.

ووفق تقدير عربش، فإن المطلوب من الحكومة في المرحلة الحالية أن تنسحب من هذا الدور، وأن توجِد المناخات والقوانين الاقتصادية السليمة، وخلق منافسة في السوق ما يدفع الأسعار للتوازن.

بيع اللباس المستعملة

في إطار ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، ونظرا لتدني مستوى الرواتب والمداخيل في البلاد، بدأت صفحات التواصل الاجتماعي بنشر أخبار عن بيع الملابس المدرسية المستعملة، حيث تلقى رواجا كبيرا لانخفاض أسعارها عن الجديدة المتواجدة في الأسواق.

وليد الحمود، من مكتب التنمية البشرية في محافظة السويداء، أكد أن دعم العملية التعليمية أولوية بالنسبة للمجتمع المحلي في المحافظة، مشيرا إلى وجود العديد من أصحاب الأيادي البيضاء من المغتربين، ومن الموجودين داخل البلد الذين يقدمون المساعدات العينية، والمادية للطلاب في المدارس والجامعات.

وخلصت الصحيفة المحلية تقريرها بالقول: “ليس من المستحيل لو تم التفكير جديا بموضوع توزيع اللباس المدرسي مجانا على الطلاب، أو على الأقل بسعر رمزي، والبحث عن منافذ لتمويل المشروع من خلال غرف التجارة، والصناعة، والجمعيات الأهلية، والمنظمات الدولية، وغيرها من الفعاليات التي تقدم مبادرات، ويبقى المهم توحيد جهود هذه الفعاليات لتنعكس أثرا ملموسا وإيجابيا، والأهم إخراج اللباس المدرسي من دائرة الربح والخسارة، لذا لابد من ناظم يضع الهدف التنموي التعليمي”. وهذا الأمر مطلوب بالدرجة الأولى من الحكومة السورية.

وعليه، يبدو أن تأمين مستلزمات المدارس، بات يشكّل عبئا ثقيلا على الأهالي، وجعلهم في حيرة من أمرهم تجاه تدبّر احتياجات أبنائهم منها، وخاصة أن الأسرة الواحدة لديها أكثر من فرد في المدرسة، حيث أوضح عدد من الأهالي أن شراء المستلزمات المدرسية لن يكون دفعة واحدة بالنسبة للدفاتر والأقلام؛ بل “أولا بأول وللضروري فقط”، وفق تقارير محلية.

من جهة ثانية، سيعتمد الكثيرون على تدوير ما أمكن من الدفاتر القديمة (سلك) بإعادة تجميع الأوراق الفارغة منها، وكذلك من الحقائب بإعادة إصلاحها، واستغربوا تأخر منافذ “المؤسسة السورية للتجارة”، عن افتتاح معارض للقرطاسية لهذا العام، بينما أبدوا استحسانهم للمعرض الذي أقامه اتحاد عمال محافظة درعا لكونه طرح تشكيلة متنوعة من القرطاسية وبأسعار أقل قياسا بالسوق.

وفي ظل ارتفاع أسعار اللباس المدرسي، والقرطاسية بمعدلات تراوحت بين 50-75 بالمئة، عن العام الماضي، خاصة في المحلات والمكتبات. لجأ الكثير من السوريين إلى الشراء من الأكشاك والبسطات في الأسواق الشعبية، كونها أرخص، وأنسب لجيوبهم ورواتبهم الهزيلة.

قد يهمك: سوريا.. مستلزمات الطالب المدرسي الواحد يحتاج إلى ثلاثة رواتب

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.