“كانت في العام 2013 آخر مرة زرت فيها عيادة الطبيب“، لا يقصد محمود باشا (أب في أسرة مكونة من خمسة أفراد يعيش في مدينة حلب) هنا، أنه لم يتعرض هو أو أحد من أفراد عائلته لمرض أو تعب شديد يستدعي زيارة الطبيب، لكن الارتفاع الهائل في تعرفة الأطباء، في ظل الوضع الاقتصادي المتردي حرمت العائلة من الاستفادة من الكثير من الخدمات الطبية في البلاد.

التوجه للطب الشعبي

كشفية الأطباء، أصبحت من القضايا الشائكة في سوريا، لا سيما مع انهيار قيمة العملة المحلية، وضعف القدرة الشرائية للأهالي، ففي حين يرى المواطنون أن التعرفة مرتفعة، يعتقد الأطباء أن أجورهم منخفضة للغاية، ذلك ما جعل قسم كبير منهم يفكر بالهجرة والعمل خارج سوريا.

ويؤكد باشا، أن الارتفاع الكبير في أسعار الطبابة في سوريا، دفعه للتوجه إلى مراكز العطارة الشعبية، وهي مراكز كانت قد اندثرت بشكل كبير في وقت سابق، لكنها عادت مؤخرا، ويعتمد عليها أصحاب الدخل المحدود في البلاد

ويقول باشا في حديثه لـ“الحل نت“: “كشفية الأطباء أصبحت مرتفعة للغاية، في العام الماضي، تعرضت لكسر في يدي، وعندما سألت عن كشفية الأطباء كانت الأرقام تتراوح بين 10 إلى 15 ألف، فتوجهت إلى مجبّر شعبي لتجبير يدي، ولم أتكلف سوى ثلاثة آلاف ليرة سورية“.

ويضيف باشا، شارحا معاناته في الحصول على خدمات الطبابة: “في معظم الاختصاصات، أتوجه إلى العطارين للحصول على بعض الأعشاب كدواء للأمراض، حتى عندما يتعلق الأمر بالأطفال، ففضلا عن غلاء كشفية الأطباء، هناك قضية الحصول على الأدوية التي أصبحت أسعارها غير معقولة فعلا“.

بدورها أشارت مصادر طبية، إلى أن التوجه إلى طب الأعشاب القديم، قد يكون له آثار سلبية على المريض في بعض الأحيان، خاصة أن العاملين بهذا المجال لا يمتلكون الخبرة الطبية الكافية، لوصف الأدوية المناسبة لكل مريض.

زيارة الطبيب في سوريا باتت تثقل كاهل المرضى، بعد أن لجأ معظم الأطباء في سوريا إلى رفع بدلات الفحص الطبي للضعف خلال العام الجاري، وذلك لتعويض كلفة رفع الدعم الحكومي عن البنزين عنهم من جيوب المرضى، فضلا عن الانهيار المتواصل لقيمة العملة المحلية.

في مطلع تموز/يوليو الفائت، أعلنت نقابة الأطباء في سوريا، أن التعرفة الجديدة للأطباء ستتراوح بين 8 و16 ألف ليرة، مشيرة إلى أن التعرفة ستكون متفاوتة حسب عدد سنوات المزاولة لكل طبيب، فالطبيب الذي لم تمضِ على مزاولته للمهنة 10 سنوات، ستكون تعرفته أقل من الطبيب الذي مضت 10 سنوات، على مزاولته للمهنة.

قد يهمك: العودة إلى المدارس في سوريا.. “العين بصيرة والإيد قصيرة”

إلا أنه على أرض الواقع، وبعد أن تم استبعاد نحو 8 آلاف طبيب، من الدعم من أصل نحو 27 ألف طبيب، الذين مضى أكثر من 10 سنوات على مزاولتهم للمهنة، ولديهم عيادات خاصة، وصلت أجور المعاينات لدى الأطباء إلى 20 ألف ليرة سورية.

الصيدلي حل بديل

لمى عرب، تؤكد هي الأخرى، أنها عادة عندما تصاب بمرض ما، فليس من ضمن خياراتها الأولى التوجه إلى عيادات الأطباء الأخصائيين، لكنها تؤكد في الوقت نفسه أنها تستعين بخبرات الصيادلة لإعطائها الدواء المناسب دون الحاجة لمختص.

وتقول في حديثها لـ“الحل نت“: “عندما يصاب أحد أطفالي بمرض ما، أتوجه للصيدلي في منطقتنا، إنه يساعدنا في تحديد الدواء المناسب، لتوفير كشفية الطبيب التي أصبحت مرتفعة للغاية ولا يمكننا دفعها، في ظل توجه الدخل للاحتياجات الأساسية كالغذاء وإيجار المنزل“.

وتضيف: “حتى الأدوية أحيانا نجد صعوبة في الحصول عليها بسبب ندرتها، حتى المشافي الحكومية لا تقدم جميع الأدوية، الدعم الحكومي تراجع كثير في القطاع الطبي، الذي يعتبر من أساسيات البنى التحتية“.

وصل الحال بلمى، كما غيرها من ملايين السوريين إلى اعتبار أن خدمة الحصول على كشفية، هو “احتياج غير أساسي“، فالتوجه للمشافي والعيادات الخاصة، يحتاج ربما لراتب موظف حكومي كامل لتغطية نفقات هذه الخدمات“.

لكن بعض المرضى ممكن تكون حالتهم صعبة، يضطرون للذهاب للطبيب، لكنهم يؤكدون أنهم يعانون كثيرا في تأمين كشفية الطبيب، التي تسبب لهم معاناة وألم إضافيين، عما يعانوه بسبب المرض.

أحمد صباغ (طالب جامعي يدرس في جامعة دمشق)، أكد أنه عانى الشهر الفائت من ألم في عينه، ورغم أنه تجاهل الألم بداية، بسبب علمه المسبق أن كشفية طبيب العيون قد تتجاوز عشرين ألف، إلا أنه اضطر أخيرا للذهاب إلى عيادة مختصة.

ويقول صباغ، في اتصال هاتفي مع “الحل نت“: “طبيب العيون طلب بداية 25 ألف، ودفعت له 20 فقط، هذا المبلغ يمثل 15 بالمئة من دخلي الشهري، الأطباء هم الآخرون يفكرون بالهجرة بسبب تدني الأجور، لكن هذه الأجور تعتبر مرتفعة أيضا إذا ما قارناها بدخل معظم سكان سوريا“.

ونتيجة لانهيار الوضع الاقتصادي، وغياب التدخل الحكومي الإيجابي في أزمة القطاع الطبي، يسعى معظم الأطباء والعاملين في المجال الطبي، للبحث عن فرصة للهجرة، والعمل بأجور أفضل خارج سوريا.

تضييق مشافي الحكومة

تقارير إعلامية تحدثت من معاناة الكوادر الطبية، لا سيما العاملين في قطاع المشافي الحكومية، ففضلا عن ضعف الرواتب، حيث يعاني الأطباء من ضغط كبير في العمل والمناوبات، والتي تصل في بعض المشافي إلى أربع أو خمس مرات أسبوعيا، ما يعني أن الطبيب محروم من ممارسة أي عمل آخر.

عشرات الأطباء المقيمين في المشافي، اشتكوا إلزامهم من قبل إدارات المشافي، بالعمل لأيام متواصلة، وسط ظروف سيئة تعيشها الكوادر الطبية في المشافي، فضلا عن ضعف الدخل والرواتب.

الطبيب السوري عمرو الخطيب، أكد في تصريحات صحيفة سابقة، إن الأطباء المقيمين في المشافي بدمشق، يعيشون ظروفا قاسية خلال إقامتهم في المشافي لأيام متتالية، وذلك في ظل غياب المستلزمات الأساسية للطبيب المقيم، وأبرزها مكانا للإقامة والنوم.

ويشهد القطاع الطبي حالة من النزيف للكوادر الطبية، حيث هاجر نحو 50 ألف طبيب، من أصل 70 ألف، كانوا موجودين في سوريا، بحسب ما أكد نقيب الأطباء السابق كمال عامر، في شباط/فبراير من العام 2021.

الهجرة وصلت للممرضين

مسؤول السلامة المهنية في مشفى “الباسل” بدمشق، سعد الدين الكردي، أكد أن الهجرة في القطاع الطبي، طالت مؤخرا الممرضين، إلى بلدان أخرى كالعراق ولبنان، لافتا إلى أن بعض المشافي فقدت ما يقارب 50 بالمئة، من موظفيها خلال العشر سنوات الماضية.

وأوضح الكردي، في تصريحات سابقة، أن “الكوادر الطبية لا تحصل على الأجور والتعويضات اللازمة“، ما دفع العاملين في القطاع الطبي إلى البحث عن أي فرصة للهجرة والعمل في دول أخرى. ونتيجة لهجرة الممرضين لفت الكردي، إلى أن بعض المشافي شهدت تأدية المستخدمين، أو أشخاص غير مؤهلين ليقوموا بعمل الممرضين بسبب النقص، وحول أجور الممرضين اعتبر، أن “الممرض عليه أن يعمل ثلاثة أيام حتى يشتري وجبة طعام“.

وفي هذا السياق، تُعد هجرة الأطباء بمختلف اختصاصاتهم من الملفات المهمة التي تحتاج إلى حلول بعد تزايدها خلال الآونة الأخيرة، والمؤسف أن نزيف الهجرة لم يتوقف حتى الآن، بل تضاعف، ولم تعد هجرة الأطباء مقتصرة على الدول العربية، ولا على كبار الأطباء، بل بدأت الهجرة إلى بلدان أوروبية في ظل العديد من الإغراءات العلمية والمادية، حسب صفحة “صاحبة الجلالة” المحلية.

قد يهمك: بين الإندومي والفروج.. السوري ممنوع من الأكل؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.