الأرقام المرتفعة التي وصلت إليها أسعار إيجارات المنازل مؤخرا في سوريا، لا تزال تسجل زيادات مستمرة، ما يضاعف من الأعباء التي تثقل كاهل المواطنين. فقد وصل إيجار الشقق في أحد أحياء دمشق إلى 5 ملايين ليرة سورية، أي نحو 1150 دولارا أميركيا، بينما لا يتجاوز راتب الموظف الحكومي عتبة الـ 165 ألفا، أي حوالي 35 دولارا.

أسعار الإيجارات

“لم نعد نستطيع التحمّل”، عبارة يرددها الكثير من المستأجرين الذين أثقلت كاهلهم الإيجارات واستنفدت مدخراتهم، وأصبحوا أقرب إلى التشرد، إذ أن موجة ارتفاع الأسعار التي شهدتها جميع الأسواق مصحوبة بارتفاعات متتالية في الإيجارات في طريقة تواكب المتغيرات السعرية الضاربة بقوة في الواقع المعيشي.

من جانبهم، أكد أصحاب المكاتب العقارية أن أسعار الإيجارات تتفاوت من منطقة إلى أخرى حسب تصنيف هذه المنطقة وقربها من وسط المدينة أو في الضواحي، فتراوح إيجار الشقة المكسية في منطقة كفرسوسة من 5 ملايين إلى 10 ملايين ليرة شهريا للمنزل الذي لا يتجاوز 70 م2، وفق ما أوردته صحيفة “البعث” المحلية، يوم أمس الأحد.

ونقلت الصحيفة المحلية عن أصحاب المكاتب العقارية قولهم أنه “في منطقة مشروع دمر فقد وصلت أسعار الإيجارات إلى أرقام فلكية للشقة المفروشة وهناك من يسكن على العظم كما يقال وبأسعار تفوق كل التوقعات مقارنة بوضع البناء الخالي من أي مقومات سكنية”.

ووفق التقرير المحلي، فضل الكثير من المستأجرين العودة إلى مناطقهم والعيش في منازلهم، بغض النظر عن واقعها الخدمي السكني، حيث أن الإيجارات استنزفتهم ولم تعد الظروف تسمح لهم بالاستمرار، خاصة مع الارتفاع المستمر في قيمة الإيجارات، بالإضافة إلى قصر فترة الإيجار لمدة ثلاثة أشهر، وذلك لحرص المؤجر على مواكبة الواقع المعيشي وارتفاع الأسعار.

قد يهمك: أسعار العقارات في دمشق أغلى من لندن.. ما القصة؟

ارتفاع قريب؟

ضمن السياق ذاته، يؤكد خبراء العقارات أن الأيام المقبلة ستشهد ارتفاعا كبيرا في سوق الإيجارات لارتباطه الوثيق بالواقع المعيشي وارتفاع الأسعار ومحاولة تعويض أصحاب البيوت الفجوة المعيشية من خلال زيادة متكررة للإيجارات.

ومع قلة الخيارات المتاحة أمام الناس، تكون المقايضة من مرتبة “أحلاهما مرّ”، فإما الرضوخ لرغبة المؤجر ودفع ما يطلبه من إيجار تحت عنوان ارتفاع الأسعار، حيث يعتبر المالك هذا الاستثمار مصدر رزقه لمواجهة أعباء المعيشة الصعبة وسط ارتفاع “جنوني” في أسعار المواد المختلفة ومعدلات التضخم الهائلة في البلاد، أو ترك المنزل والبدء برحلة البحث عن مأوى آخر، الذي يصعب العثور عليه في الوقت الحالي.

وفي المقابل، تشهد الإيجارات ارتفاعا تصاعديا، لا سيما في عدد من أحياء دمشق، فيما تتناقص تدريجيا حسب المنطقة وبُعدها عن المركز، حيث يتجاوز بعضها 8 ملايين ليرة شهريا، ولا تقل عن 200 ألف ليرة في المناطق النائية.

قد يهمك: أسعار فلكية للعقارات في اللاذقية.. الشقة الواحدة تقارب المليار

أسعار البيوت

في تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، مؤخرا، اعتبرت جميع المكاتب العقارية، أن الأوضاع الحالية للصناعات السكنية والعقارية تتسم بالركود وتراجع الربحية.

وقال مجد، وهو أحد مالكي مكاتب العقارات في جرمانا، إن الإجراءات التي اتخذت في ما يتعلق بعمليات الشراء والبيع (قانون بيع العقارات)، أثرت بشكل كبير على سوق العقارات بسبب أوضاع التحويلات المالية والمصرفية والموافقات الأمنية واللجان التي أنشئت لتحديد متوسط أسعار المنازل في كل منطقة.

فبالإضافة إلى مواد البناء الباهظة الثمن والكسوة التي قد تصل تكلفة الإكساء إلى 600 ألف ليرة للمتر المربع، يفضل المغتربون شراء المنازل في مناطق إقامتهم، بعد مقارنة الأسعار ببلاد الاغتراب فيجد أن السعر ذاته، وعليه فقد تأثر هذا السوق بسبب عزوف بعض المغتربين عن الشراء نهائيا.

ووفقا لتقرير الصحيفة، فإن أسعار العقارات لم تزد إلا بنسبة لا تتجاوز 5 بالمئة منذ بداية العام الجاري، ولكن في عامي 2020 و2021، أي بعد تفشي وباء فيروس “كورونا”، ارتفعت الأسعار بنحو 50 بالمئة.

وبحسب مالك المكتب، فإن سعر أي منزل بأسوأ منطقة في جرمانا يتجاوز الـ 100 مليون ليرة، أما المناطق الجيدة فيتراوح سعر المنزل فيها بين 300 – 600 مليون ليرة، وينخفض السعر إلى نحو 60 مليون ليرة في مناطق الغوطة.

وأشار إلى أن سعر المتر في العاصمة يصل إلى 20 مليون ليرة، أي إن سعر الشقة التي تبلغ مساحتها 100 متر في منطقة كفرسوسة يتراوح بين 2-3 مليارات ليرة، أما سعر ذات الشقة في ضاحية قدسيا فيصل إلى 500 مليون ليرة أي إن سعر المتر الواحد يبلغ 5 ملايين ليرة.

الأسباب

أسعار العقارات في سوريا، تشهد ارتفاعا مستمرا منذ عدة سنوات، وذلك لعدة أسباب، من بينها زيادة أسعار مواد البناء، وانخفاض قيمة الليرة مع بقاء الانخفاض في الدخل، وأخيرا أسباب تتعلق بتصرفات حكومية خاطئة، رافق ذلك ركود في السوق.

من جهته، أوضح الخبير الهندسي، الدكتور محمد الجلالي، أن التجارة الداخلية حاليا في حالة ركود بسبب تراجع القدرة الشرائية لليرة السورية وتقلبها المستمر، مضيفا: “أما الذين يلجأون حاليا إلى بيع منازلهم للمتاجرة بها واستئجار منزل آخر للسكن. وهو يفعل هذا لأن تكاليف العقارات مرتفعة نسبة إلى الدخل، الأمر الذي يجعل الإيجار أقل أشكال الاستثمار تكلفة. ونتيجة لذلك، قد يساعد شراء وبيع المساكن الشخص على زيادة قيمة مضافة”.

واعتبر الجلالي أن الارتفاع في أسعار العقارات أمر طبيعي وخاصة أمام التضخم الجامح، الذي تعيشه البلاد؛ وبعبارة أخرى، فمع ارتفاع الأسعار بشكل عام مقارنة بما كانت عليه قبل عام 2011، انخفضت أسعار العقارات، حسب تعبيره.

ونوّه الجلالي في تصريحات صحفية سابقة، إلى تأثير أزمة المحروقات على أسعار الإسمنت، وأضاف: “ما بين 60 و70 بالمئة من تكاليف إنتاج الإسمنت هي مازوت وفيول، إذ إن عملية تكسير الصخر وحرقه من أجل صناعة الإسمنت تحتاج إلى الطاقة ومع ارتفاع أسعار الطاقة عالميا نجد أن تكاليف الإنتاج باتت مرتفعة“.

هذا ويعاني الأهالي من ارتفاع الأسعار وضعف القوة الشرائية، الأمر الذي زاد الطين بلة مع الارتفاع الأخير في أسعار المحروقات والمواد الأولية الأخرى، في ظل انهيار الليرة السورية أمام النقد الأجنبي وتلاشي قيمتها الشرائية مع تدني الرواتب في القطاعين العام والخاص.

قد يهمك: ركود في سوق العقارات السورية.. البائع مضطر والشاري مغترب!

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.