بينما بدأ مرض “الكوليرا”، بالانتشار في محافظات سورية عديدة بما في ذلك محافظة اللاذقية، يخيم الخوف والحذر على أسواق محافظة حلب، بعد أن اعترفت وزارة الصحة السورية، بانتشار “الكوليرا” في المدينة، وتسجيل حالتي وفاة على الأقل حتى اللحظة.

في غضون ذلك، دعت “الأمم المتحدة”، إلى تمويل عاجل لاحتواء تفشي وباء “الكوليرا” في سوريا، مشيرة إلى أن مصدر العدوى مرتبط بشرب المياه غير الآمنة من نهر الفرات.

إصابات جديدة

السبت الماضي، أعلنت وزارة الصحة السورية عن وجود إصابات لوباء “الكوليرا” في محافظة حلب، فيما أعلنت، أمس الإثنين، أن عدد الحالات المثبتة بلغت 26 حالة، 20 منها في محافظة حلب، وأربع في اللاذقية، وحالتان في دمشق.

أما عدد الوفيات فأكدت وزارة الصحة، أن هناك حالتي وفاة في محافظة حلب، مشيرة إلى أنهما بسبب تأخر طلب المشورة الطبية ووجود أمراض مزمنة مرافقة، وفق ما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الثلاثاء.

وزارة الصحة، نفت ما يتم تداوله في بعض “وسائل الإعلام” عن وجود وفيات ناجمة عن مرض “الكوليرا” في العاصمة دمشق، مشيرة إلى أنها ستقوم بإصدار تحديث عن الوضع الوبائي يتم نشره عبر منصاتها الرسمية حول “الكوليرا”، كل ٤٨ ساعة لتسهيل الحصول على المعلومة من مصدرها المؤكد والحصري.

من جهته، قال مدير مؤسسة المياه في حلب، أحمد نور الناصر، أن المديرية تراقب بشكل مستمر المياه الموزعة في الخزانات وخطوط الأحياء، وتعمد إلى تعقيمها بالكلور “ضمن الحد الأعلى للتركيز المسموح به”، إضافة إلى أخذ عينات من مياه الشرب من المحطات ومن المصادر لتحليلها بشكل دائم، وشدد على أنه “لا يوجد أي حالة تلوث أو بكتيريا مسببة لأي مرض”، على حد وصفه للصحيفة المحلية.

قد يهمك: “بسبب المياه الملوثة”.. انتشار مرض الكوليرا شمال شرقي سوريا

مناشدة أممية

في المقابل، أعرب المنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في سوريا، عمران رضا، عن قلقه الشديد إزاء تفشي “الكوليرا”، المستمر في سوريا، مؤكدا على ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة وعاجلة لمنع مزيد من الإصابات والوفيات.

قال بيان لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الأممي “أوتشا”، إنه بناء على تقييم سريع أجرته “السلطات الصحية والشركاء، يُعتقد أن مصدر العدوى مرتبط بشرب الأشخاص مياه غير آمنة من نهر الفرات، واستخدام المياه الملوثة لري المحاصيل، مما يؤدي إلى تلوث الغذاء”.

البيان أوضح، أن تفشي المرض “مؤشر على النقص الحاد في المياه في جميع أرجاء سوريا”، مشيرا إلى أنه ترافق مع استمرار انخفاض مستويات نهر الفرات، وظروف الجفاف وتدمير البنية التحتية للمياه”.

بيان “أوتشا”، أشار إلى أن “كثيرا من الفئات الضعيفة من السكان في سوريا، يعتمدون على مصادر المياه غير المؤمّنة، والتي قد تؤدي إلى انتشار أمراض خطيرة تنتقل بالماء، خاصة بين الأطفال”، لافتا إلى أن “نقص المياه يجبر الأُسر على اللجوء إلى آليات التكيف السلبية، مثل تغيير ممارسات النظافة، أو زيادة ديون الأسرة لتحمل تكاليف المياه”.

وكانت هيئة الصحة، التابعة لـ”الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا، قد أعلنت عن انتشار “الكوليرا” بكثرة في الرقة، والريف الغربي لدير الزور، وأشارت إلى تسجيل 3 وفيات بسبب الوباء.

خلال 25 آب/أغسطس الماضي و10 أيلول/سبتمبر الجاري، أبلغت بيانات المراقبة الأممية، عن ما مجموعه 936 حالة إسهال مائي حاد، في مناطق مختلفة من سوريا، معظمها في محافظة حلب.

قد يهمك: انتشار “الكوليرا” في سوريا.. ما حقيقة ذلك؟

خطة الاستجابة لوباء “الكوليرا”

في إطار خطة الاستجابة لتفشي “الكوليرا” في سوريا، أكد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، على أن استجابة “منسقة وعن كثب” في مجال مياه الصرف الصحي، والنظافة الصحية، تجري بقيادة وزارة الصحة السورية، بدعم من منظمتي “الصحة العالمية” و”اليونيسيف”، وتعمل مع شبكة واسعة من الشركاء على الأرض للاستجابة لتفشي وباء “الكوليرا”.

المكتب الأممي، أشار إلى أن الشركاء الصحيون للأمم المتحدة، منذ أواخر آب/أغسطس الماضي، يعملون “بنشاط على تعزيز القدرة على التأهب والاستجابة لتفشي الأمراض المحتملة في جميع المحافظات المتضررة”.

كما وتم تكثيف مراقبة الإنذار المبكر في المناطق التي تم الإبلاغ عن تفشي المرض فيها، وفي مناطق أخرى شديدة الخطورة، بما في ذلك في المخيمات التي تستضيف النازحين السوريين.

بحسب بيان “أوتشا”، فقد سلّمت وكالات الأمم المتحدة في سوريا أربعة آلاف اختبار تشخيصي سريع، لدعم عمل فرق الاستجابة السريعة المنتشرة للتحقيق في الحالات المشتبه فيها، كما تم إيصال السوائل الوريدية، وأملاح معالجة الجفاف عن طريق الفم إلى المرافق الصحية حيث يتم قبول المرضى المؤكدين.

ونوّه البيان، إن شركاء الأمم المتحدة قاموا بتعبئة الإمدادات الصحية، والمياه، والصرف الصحي، والنظافة الصحية في المحافظات المتضررة، كما يتم توسيع أنشطة المعالجة بالكلور لتطهير المياه، وزيادة معدلات الجرعات في المجتمعات الهشة والمعرضة بشدة للحد من انتشار المرض. بالإضافة إلى تقديم معلومات حول مكان تحديد موقع أقرب محطة ضخ مياه الشرب للمجتمعات المتضررة دون الوصول المستدام إلى مياه الشرب.

وذكر البيان، أنه تمت دعوة القادة الدينيين، ووجهاء المجتمعات المحلية، والمتطوعين المحليين لتشجيع ممارسات النظافة الجيدة والمساعدة في إحالة الحالات المشتبه بها إلى المرافق الصحية، فيما تعقد الوكالات الأممية وشركاؤها جلسات توعوية مع العاملين في مجال الرعاية الصحية، والزيارات المنزلية، والحوارات المجتمعية، كجزء من جهود التوعية المجتمعية، لتزويد العائلات بمعلومات دقيقة ولتحسين الإبلاغ عن الأعراض وطلب العلاج.

إلى ذلك، دعت الأمم المتحدة، الدول المانحة إلى تقديم تمويل إضافي عاجل لاحتواء تفشي المرض ومنع انتشاره في سوريا، كما دعا دول جوار سوريا، إلى “الإسراع بالموافقات اللازمة لضمان تسليم الأدوية والإمدادات الطبية المنقذة للحياة في الوقت المناسب”.

وشدد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا على أن تفشي المرض يمثل “تهديدا خطيرا” للناس في سوريا والمنطقة، مؤكدا على ضرورة الحاجة لاتخاذ إجراءات سريعة وعاجلة لمنع مزيد من انتشار المرض والوفاة”.

قد يهمك: من “كورونا” إلى “الكوليرا”.. أزمات صحية تحاصر سوريا

التبعات على الأسواق السورية

بعد ثبوت تسجيل إصابات، ووفاة شخصين في حلب، الأمر الذي انعكس بشكل كبير وملحوظ على واقع الحال في المدينة وأسواقها، وخاصة منها المطاعم، ومحال بيع السندويش، والوجبات السريعة.

على الرغم من التصريحات الرسمية التي نفت كل الشائعات المتداولة عن تسجيل مئات الإصابات بـ “الكوليرا” في حلب، ووصول الأمر إلى مرحلة التفشي، إلا أن حالة القلق والخوف ساد بين الأهالي في المدينة، وبات حديث الأهالي فيما بينهم يتركز على عودة الوباء مجددا إلى مدينتهم، والتحذير من الإصابة بالمرض.

ويبدو أن أول المتضررين من الإجراءات الاحترازية للأهالي في حلب، هي محال بيع الخضراوات والفواكه، إذ أحجم الناس عن شراء الحشائش “بقلة-نعناع-بقدونس-فجل”، كونها من النواقل الأساسية للمرض، بسبب سقايتها بمياه غير صالحة للشرب وغالبا ما تكون من مجارير الصرف الصحي، وفق ما نقله موقع “أثر برس“، يوم أمس الإثنين.

سوق الخالدية في حلب “إنترنت”

من جانبهم، أصحاب المحال استجابوا بالتوقف عن شراء الحشائش، ما تسبب بتكدسها في سوق “الهال”، وبدورهم تجار السوق توقفوا عن استجلاب الحشائش من الأساس، موضحين أن تجارتها باتت خاسرة.

مما زاد الضغط على سوق الحشائش، هو تحذير مديرية الشؤون الصحية في حلب، لمطاعم بيع السندويش، من استخدام الحشائش في هذه الفترة، الأمر الذي سيتسبب بخسائر للباعة والتجار.

وعلى الرغم من استجابة المطاعم، ومحال السندويش وخاصة الشهيرة منها للتحذيرات، فإن حالة الخوف والقلق من “الكوليرا”، أرخت بظلالها القاتمة لناحية حركة الإقبال على الشراء، ولوحظ في اليومين الماضيين، حالة من الكساد الكبير وقلة حركة الطلب على المأكولات الجاهزة، مع بعض الاستثناءات على صعيد محال بيع الفروج “المشوي أو البروستد”، كونها تعد أكثر أمنا ولأنها لا تحتوي على الخضار.

ازدياد الفجوة

كل ذلك يأتي في وقت تنحسر فيه أهم الأنهار في سوريا؛ نهر الفرات الذي حبست تركيا حصة سوريا منه، متجاهلة المعاهدات الدولية ببناء السدود والقنوات وإنشاء بحيرات صناعية، مما أدى إلى جفاف وزيادة التصحر وتغير بيئي في طبيعة الشمال السوري، وما خلق في أوقات سابقة من أزمات صحية محلية.

كذلك، فإن هناك سياسات حكومية جائرة تمثلت خلال السنوات الماضية بقطع المياه لأيام طويلة في مختلف المحافظات، ما دفع المواطنين إلى شراء المياه من الصهاريج، مجهولة المصدر، والتي أدت إلى وقوع حالات تسمم والتهاب كبد وبائي “أ”، فضلا عن غياب الإشراف والرقابة على معامل صنع الثلج، والتي غالبا ما تستخدم فيها المياه غير المعقّمة.

ما زاد من فجوة الضعف في القطاع الصحي بشكل عام، هو انقطاع الأدوية وارتفاع أسعارها، وغياب الدعم من قبل الحكومة السورية، فضلا عن هجرة الأطباء من مختلف التخصصات، بالإضافة إلى إغلاق المعابر الحدودية الإنسانية، نتيجة الفيتو الصيني-الروسي، مما أدى إلى اقتصار تمرير المساعدات عبر حكومة دمشق. ولأجل ذلك، يتوقع انتشار مرض “الكوليرا” إلى مختلف المحافظات السورية، الأمر الذي يُنذر بكارثة “إنسانية”، يهدد حياة الملايين من السوريين.

قد يهمك: وفيات وإصابات بالعشرات.. تحذيرات من تفشي “الكوليرا” بسوريا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.