مع محاولات التهدئة السياسية في العراق، وجهود التقارب بين الفرقاء السياسيين للتوصل لتفاهمات تفضي إلى تشكيل حكومة جديدة بعد نحو عام على انتهاء الانتخابات المبكرة التي أجريت في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وعلى الرغم من الهدوء النسبي الذي أعقب جولة من المماحكات التي تحولت لصدامات مسلحة، يظل السؤال قائما حول سلوك تحالف “الإطار التنسيقي”.

إذ تعمد أطراف “الإطار” الذي يضم قوى شيعية مقربة من إيران، والذي يمثل أحد أطراف الأزمة السياسية العراقية بمواجهة غريمه الشيعي “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، إلى خفض حدة الخطاب تارة، وتأجيجها في مرة أخرى، أخرها أمس الجمعة، حيث لوح قيس الخزعلي زعيم حركة “عصائب أهل الحق” المنخرطة في “الإطار”، إلى التلويح بسحب مرشحهم من لرئاسة الحكومة.

تلويحات الخزعلي استقبلها البعض بأنها إشارة إلى استعداد “الإطار” بالتوصل إلى تفاهم مع “التيار الصدري” لتشكيل الحكومة، لاسيما وإن إعلان “الإطار” ترشيح محمد شياع السوداني في أواخر تموز/يوليو الماضي كان قد مثل نقطة التحول بمسار الصراع مع “التيار” الذي سرعان ما نزل أنصاره إلى الشارع بتظاهرات حاشدة واقتحام البرلمان وتعطيل أعماله بالاعتصام لمدى شهر كامل داخل المنطقة الخضراء – معقل الحكومة، قبل أن يتحول المشهد إلى مواجهات مسلحة. 

غير أن، تصريحات الخزعلي تتقاطع مع تصريحات رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وزعيم “ائتلاف دولة القانون” المنخرط هو الآخر في تحالف “الإطار”، والذي كان أحد أسباب التصعيد ما بين طرفي الصراع، بعد أن عاد ليصعد حدة الخطاب ضد “التيار الصدري”، في الوقت الذي تسعى فيه الأطراف السياسية وضع حد للأزمة.

المالكي كان قد دعا في بيان قبل أكثر من أسبوع إلى المضي بتشكيل الحكومة الجديدة، واستئناف عمل البرلمان، معتبرا أنه لم يعد هناك داعٍ للحديث عن حله، بعدما رفضت المحكمة الاتحادية الأسبوع الماضي، النظر بالشكوى، التي اعتبرتها خارج إطار صلاحيتها الدستورية، وهذا ما يتنافى مع جهود اقناع الصدر للعودة إلى الحوار لاسيما بعد إعلانه اعتزال العمل السياسي نهائيا في نهاية آب/أغسطس الماضي.

اقرأ/ي أيضا: “الإطار التنسيقي” يلمح لانسحاب مرشحه لرئاسة الحكومة العراقية.. بوادر انفراج للأزمة؟

“الإطار التنسيقي” يناور بمواجهة الصدر 

في حين يصر الصدر الذي فازت كتلته أولا في الانتخابات بـ 73 مقعدا نيابيا، على أن الحل الوحيد إلى الخروج من الأزمة هو حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة جديدة، والإبقاء على رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي لقيادة المرحلة مع رئيس الجمهورية برهم صالح.

بدوره موقع “الحل نت”، حاول تفسير التباين بين مواقف “الإطار التنسيقي”، وتحدث للمهتم في الشأن السياسي عادل العنزي، وقال إن “مواقف الإطار المتضاربة هي جزء من المناورات السياسية التي تسعى من خلاله الأطراف السياسية في الحفاظ على مكتسباتها”.

العنزي أوضح، أن “الإطار يعمد إلى الضغط على زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مرة، والتلويح له مرة أخرى بأنهم مستعدين للتفاهم لكن وفق ما يحفظ حقوق جميع الأطراف، على العكس من الصدر الذي يصر على أن يكون المخرج للأزمة وفق شروطه”.

كما يعتقد أن “تلك المحاولات لن تجدي نفعا مع الصدر، لاسيما بعد تطور المشهد إلى صدام مسلح وسقوط قتلى وجرحى بين أنصاره، وهناك جماعات مسلحة موالية للإطار متهمة في ذلك، إذ أن الصدر سيتمسك بكل خيارته ويناور في الوقت”.

بالتالي أن “استمرار الوضع على ما هو عليه وبقاء الكاظمي على رئاسة الحكومة، يعد ليس في صالح الإطار، خاصة وأنها تعتقد أنه جزءا من تأزم المشهد وتضع خيار استبداله على رأس الشروط، كما أن الذهاب إلى إقناع الصدر لن ينفع إذا ما وافق الإطار على شروطه، وهكذا أن الصدر يعي جيدا أنه في جميع الخيارات الحالية هو الكاسب لذلك لن يغير من شروطه”، بحسب العنزي.

وأمس الجمعة، قال الخزعلي في تصريحات صحفية، إن “المشكلة في البلاد الآن لا تتعلق بشكل خاص بمرشح قوى الإطار التنسيقي”، مضيفا أن “السوداني هو مرشح قوى الإطار بشكل واضح، وفي حال قدم الآخرون اعتراضا معتبرا على السوداني، وأن الحلول ستكون باعتذاره، فإن السوداني سينسحب”.

اقرأ/ي أيضا: العراق.. 3 خيارات للصدر أمام حكومة “الإطار” المقبلة

تباين مواقف “الإطار التنسيقي”

الحزعلي أكد أن “الإطار منفتح تماما على ما يريده التيار ولا يريد إقصاء الطرف الآخر ومستعد للاستجابة مع جميع المطالب المنطقية”، مبينا أن “التيار بقرارهم اعتزلوا البرلمان ومن الطبيعي أن اعتزال البرلمان يعني عدم التمثيل بالحكومة”، مشيرا إلى أنه “لا يمكن إعادة عقارب الساعة في إعادة نواب الكتلة الصدرية إلى البرلمان ومن أجل عودة نواب الكتلة الصدرية لا يوجد حل غير الانتخابات المبكرة”.

واشتدّت وتيرة الأزمة السياسية العراقية، في 30 تموز/ يوليو الماضي، عندما اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

العاصمة العراقية بغداد، شهدت في 29 آب/ أغسطس الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام أنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الميليشيات “الولائية” هاجمت أنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخل فصيل “سرايا السلام” التابع للصدر للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، واندلعت مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل 29 آب/ أغسطس، وحتى ظهر 30 آب/ أغسطس، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

جراء العنف المسلح، سقط 40 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الجمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

سياق الأزمة بين “الإطار التنسيقي” و”التيار”

الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيرلن، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

“إنقاذ وطن”، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الآخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

اقرأ/ي أيضا: تفكّك “الإطار التنسيقي” في العراق؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.