لا يبدو أن “الإطار التنسيقي” سيلتزم التعطيل تجاه رغبته بالمضي نحو تشكيل حكومة عراقية جديدة، من أجل انتظار مباركة من قبل زعيم “التيار الصدري”، مقتدى الصدر من عدمها، ولذا فإنه يسير نحو التشكيل بلا تردد.

السير نحو تشكيل حكومة إطارية وفق نهج المحاصصة والتوافق المعتمد منذ عراق ما بعد 2003 وإلى اليوم، يضع الصدر، أمام خيارات مرّة؛ لأن اليد الواحدة لا تصفق، وسعيه لإنهاء المحاصصة بات شبه إعجازي، فحتى الحلفاء من الكرد والسنة تخلوا عنه.

المرشح الإطاري لرئاسة حكومة جديدة، محمد شياع السوداني، أخذ الضوء الأخضر من قوى “الإطار” بشكل رسمي، فتحرك أول أمس الثلاثاء، واجتمع مع 60 نائبا في كافتريا البرلمان العراقي، لمناقشة برنامجه الحكومي، قائلا إن النتائج كانت مثمرة.

الأسبوع المقبل، سيتكرر اجتماع السوداني بالبرلمانيين، وهذه المرة بعدد أكبر من الذين حضروا الاجتماع الأول، وفق الترجيحات، لينطلق بعدها نحو التشكيل، وبالتالي سيكون زعيم “الكتلة الصدرية”، مقتدى الصدر، أمام الواقع، فكيف سيتصرف؟

توافق وتقليم أظافر

واقع الحال، يقول إن الصدر أمام 3 خيارات، أحلاها مر، بحسب الباحث السياسي، نزار حيدر، الذي يبين أن أول الخيارات، يتمثل بموافقة زعيم “التيار” على حكومة “الإطار” المقبلة، ومباركته لها، على أن يضمن منها تنفيذ مطلبه بتحديد موعد مبكر لانتخابات جديدة.

من لقاء شياع السوداني بعدد من البرلمانيين

هذا الخيار إن حصل، سيجعل زعيم الحنّانة يخسر الكثير من قاعدته الشعبية، ليست الصدرية وحدها، بل الكثير من العراقيين الذين تعاطفوا معه وأيدوا خطوته لكسر المحاصصة وإنهاء حكومات التوافق؛ كونه سيشترك مع المتوافقين ضمنيا بمباركته لحكومتهم، كما يقول حيدر.

سبق وأن طرح مقتدى الصدر فكرته برفضه لحكومة توافقية وسعيه لحكومة أغلبية في عام 2018، لكنه تراجع لاحقا وقام بتشكيل حكومة محاصصة، قائلا في لقاء متلفز حينها، إنه تم تهديده من قبل جهة خارجية بحرق العراق، في حال ذهابه بحكومة أغلبية دون إشراك القوى الشيعية الأحرى بها.

فيما يخص الخيار الثاني، يبيّن الباحث السياسي نزار حيدر لـ “الحل نت”، أنه قد يترك الصدر الجمل بما حمل ويلجأ إلى المعارضة الصامتة ولا يتدخل أو يعترض حول الحكومة الجديدة، ويلتزم المراقبة عن بعد بلا أي تصعيد لحين أن يأتي موعد الانتخابات المقبلة، بعد أن يتم تحديدها.

الخيار الثاني، سيجعل الصدر يدفع الثمن غاليا، بحسب الباحث السياسي العراقي؛ لأن حكومة “الإطار” ستسعى جاهدة استغلال صمت الصدر من أجل تقليم أظافره، عبر إقصاء كل من ينتمون له من الموظفين في المؤسسات الحكومية والمناصب العليا، ناهيك عن تحجيم فصيل “سرايا السلام” المسلّح التابع للصدر، ومحاولة إنهائه.

ويمتلك “التيار الصدري” قاعدة كبيرة للمنتمين له من الموظفين في عمق المؤسسات الحكومية، لعل أبرزهم الأمين العام لمجلس الوزراء، حميد الغزي، ناهيك عن أن وزارتي الصحة والنفط، تعتبران من عائدية “التيار”، كون أن أغلب الموظفين في الوزارتين، هم من الصدريين.

ما الخيار الثالث؟

الخيار الثالث، هو الأسهل، ويتمثل وفق حيدر، بالعودة إلى التصعيد عبر تظاهرات كبرى من خلال جمهوره ضد أي حكومة إطارية، وتكريس نهج محاربة حكومات المحاصصة الذي يطرحه زعيم “التيار الصدري”، منذ عام تقريبا، غير أن نتائج التظاهرات لا يمكن تخمينها، إذ قد تجر البلاد لمواجهة مسلّحة، نجت منها بأعجوبة مؤخرا، على حد قول نزار حيدر.

واشتدّت وتيرة الأزمة السياسية العراقية، في 30 تموز/ يوليو الماضي، عندما اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

العاصمة العراقية بغداد، شهدت في 29 آب/ أغسطس الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام آنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الميليشيات “الولائية” هاجمت أنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخل فصيل “سرايا السلام” التابع للصدر للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، واندلعت مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل 29 آب/ أغسطس، وحتى ظهر 30 آب/ أغسطس، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

من تظاهرات الجمهور الصدري داخل البرلمان العراقي

جراء العنف المسلح، سقط 40 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الحمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيرلن، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

فشل وانسداد

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

“إنقاذ وطن”، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الآخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة