“هل أتوجه لعمل ثالث لتأمين مستلزمات المعيشة“، يتحدث عمر طيفور (أب في أسرة مؤلفة من أربعة أفراد يعيش في دمشق)، عن صعوبات تأمين مستلزمات أسرته، مع استمرار تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانخفاض قيمة الليرة السورية أمام أسعار المواد الأساسية.

العمل بعد الدوام

يضطر عمر، كغيره من الموظفين الحكوميين، إلى العمل يوميا بعد انتهاء دوامه في مؤسسة الهاتف الحكومية، وذلك للحصول على دخل إضافي يمكّنه من تأمين الحد الأدنى من مستلزمات الحياة لأسرته.

ويقول في حديثه لـ“الحل نت“: “بعد انتهاء دوامي في المؤسسة، استلم وردية على سيارة تكسي للعمل المسائي، فالراتب البالغ مئتي ألف ليرة سورية، لا يكفي سوى إيجار المنزل والفواتير، الوضع المعيشي يزداد صعوبة، الأسعار ترتفع بشكل دوري بينما الراتب على حاله، حتى في أيام العطلة الرسمية، لدي دوام على سيارة التكسي“.

ويضيف: “مؤخرا حتى الراتب من الوظيفة والدخل من العمل على التكسي، بات لا يكفي لتأمين متطلبات الحياة الأساسية، حقيقة أصبح المواطن في حيرة، هل أتوجه للعمل في دوام ثالث حتى أستطيع تأمين مستلزمات عائلتي!، هذا غير معقول عملي في المؤسسة وعلى سيارة الأجرة يأخذ كامل وقتي، لا أدري المسؤول عن الرواتب كيف يحسب مصاريف الموظف ويضع الراتب“.

تعليقا على تدني الرواتب والأجور في سوريا، أكد عضو غرف تجارة دمشق فايز قسومة، على ضرورة ازدهار الاقتصاد حتى يعيش المواطن السوري، مشيرا إلى أن ذلك يعني بالضرورة تحسين وضع الكهرباء ورفع مستوى الدخل.

قد يهمك: الاستراحات الطرقية للسفر بين المحافظات السورية.. أسعار فلكية والنظافة غائبة

وقال قسومة، في تصريحات نقلتها إذاعة “أرابيسك” المحلية، إن دخل الموظفين في سوريا، لا يتناسب أبدا مع أبسط الاحتياجات الأساسية، وأضاف: “حتى لو أصبح الراتب بالحد الأدنى 500 ألف ليرة، فإنه لا يكفي لإطعامه أكثر من خبزة وبصلة“.

وزاد بالقول: “أما عندما يكون راتب الموظف 200 ألف ولديه ولدين، فلا يكفيه هذا الراتب أن يُطعم كل ولد سوى نصف سندويشة فلافل، ثلاث وجبات في اليوم، وذلك دون أن يدفع كهرباء وماء ومصاريف أخرى“.

“ألغينا المونة هذا العام بسبب عدم توفر المال“، تتحدث غالية الأحمد، عن ارتفاع تكاليف المعيشة في سوريا، مقارنة بالعام الماضي، حيث لم تتمكن من توفير مخصصات لشراء مستلزمات تحضير المونة، من الملوخية والجبنة والمدوس وغيرها من مواد مونة الشتاء.

وتقول الأحمد، في حديث لـ“الحل نت“: “مقارنة بالعام الماضي فقط، ارتفعت تكاليف المعيشة بنسبة تجاوزت 80 بالمئة، سعر لتر الزيت النباتي وصل إلى 14800 ليرة سورية، أي إن سعر التنكة يصل إلى 236 ألف“.

وتضيف: “أبنائي يحبون المكدوس، غلاء المواد المكوّنة له جعلتنا نموّن كمية صغيرة جدا، انتهت قبل قدوم الشتاء، فكيلو الجوز بلغ مؤخرا نحو 60 ألف ليرة للكيلو الواحد، في حين وصل سعر زيت الزيتون إلى 22 ألف للتر الواحد، جميع مواد المونة ارتفعت أسعارها، الملوخية اليوم ليست أقل من 6 آلاف“.

بدوره رأى أمين سر جمعية حماية المستهلك عبد الرزاق حبزه، في تصريحات نقلتها صحيفة “الوطن” المحلية، أن: “ارتفاع أسعار هذه المواد هو حادثة ستتكرر بشكل دائم في مواسم المونة، وذلك لقلة انسيابية المادة وانخفاض توريدها من التجار تحضيرا لرفع أسعارها، مستغربا ارتفاع سعر الجوز غير المسبوق، على الرغم من وجود تصريحات حكومية سابقة تفيد بأن كميات الجوز المخزنة في المستودعات كبيرة وتكفي حاجة السوق“.

عجز حكومي

ولا يبدو أن حكومة دمشق قادرة على ضبط الأسعار، وتأمين المواد الأساسية والغذائية بشكل يكفي حاجة الأسواق السورية، وذلك على الرغم من الوعود الكثيرة التي أطلقتها مؤخرا بهذا الصدد.

عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق، اعتبر أن المشكلة الرئيسية التي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار اليومي، هي قلة توفر المواد وانعدام التنافسية.

وقال في تصريحات لـ“الوطن“: “لن نستطيع الخروج من مشكلة ارتفاع الأسعار أو فقدان المواد، ما لم يتم الاتفاق على إستراتيجية وطنية مشتركة تضم وزارات المالية والتجارة الخارجية والتجارة الداخلية وبنك سوريا المركزي“.

منذ بداية العام الجاري، تفاقمت الأزمة الاقتصادية في سوريا، مع وصول معدلات التضخم إلى أعلى مستوياتها، تزامنا مع فشل وعجز الحكومة السورية، عن ضبط أسعار السلع والمواد الأساسية في الأسواق.

متوسط تكاليف المعيشة

بحسب آخر الدراسات فإن متوسط تكاليف معيشة الأسرة السورية، شهد نهاية شهر أيلول/سبتمبر 2022، ارتفعت بمقدار 563 ألف و970 ليرة سورية، عن التكاليف التي سُجلت في شهر تموز/يوليو الماضي، لتصل إلى ما يقارب الـ3.5 ملايين ليرة.

وأشارت الدراسة التي نشرتها صحيفة “قاسيون“، إلى أنها اعتمدت طريقة محددة في حساب الحد الأدنى لتكاليف معيشة أسرة سورية من خمسة أشخاص، تتمثل بحساب الحد الأدنى لتكاليف سلة الغذاء الضروري (بناء على حاجة الفرد اليومية إلى نحو 2400 سعرة حرارية من المصادر الغذائية المتنوعة).

وجاء في الدراسة التي نُشرت، الإثنين: “ارتفع الحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة بنحو 352,481 ليرة، منتقلا من 1,881,858 ليرة في تموز/يوليو إلى 2,234,339 ليرة في أيلول/سبتمبر، ما يعني أن التكاليف ارتفعت بنسبة وصلت إلى 19 في المئة، خلال ثلاثة أشهر فقط“.

التحايل على الأزمات

يواجه السوريون في المناطق الخاضعة للحكومة السورية، صعوبة في التغلب على أزمات ارتفاع الأسعار المتكررة، فبدأت العائلات السورية بحذف العديد من الأصناف الاستهلاكية من قائمة المشتريات الشهرية، بهدف التوفيق بين الدخل والمصروف.

ومع حلول العام الجديد 2022، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في سوريا سواء الخضروات والفواكه، أو المواد التموينية أو اللحوم أو غيرها. ويبدو أن العام الجديد جلب معه العديد من التغييرات في الاقتصاد السوري، ويمكن أن تؤدي هذه التغييرات إلى نتائج غير متوقعة على العائلات السورية خصوصا وأن أغلبها بات يُصنّف ضمن الطبقة الفقيرة.

لا يبدو أن حكومة دمشق قادرة على ضبط أسعار السلع الغذائية بالتحديد، فقد فشلت جميع الآليات التي أقرّتها منذ بداية العام الجاري لضبط الأسعار، فضلا عن فشلها في فرض الأسعار الواردة في نشراتها الرسمية الصادرة عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.

كذلك يعتمد السوريون في مناطق سيطرة دمشق، على الإعانات الخارجية من أقاربهم وأصدقائهم من دول اللجوء لتغطية احتياجاتهم الأساسية بشكل شهري، وذلك بسبب ضعف القدرة الشرائية وانهيار الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها، في ظل الغلاء المستمر لأسعار مختلف السلع والمواد الأساسية.

ارتفاع الأسعار بسوريا يختلف عن العالم

على الرغم من الاستقرار في الآونة الأخيرة للأسعار العالمية التي ارتفعت بُعيد الغزو الروسي لأوكرانيا، وتوقف سلاسل التوريد العالمية، والتي عادت مؤخرا بعد اتفاق استئناف تصدير الحبوب، بقيت الأسعار تميل للارتفاع بشكل مستمر في سوريا، دون وجود أي مبرر لذلك.

تقرير سابق لـ“الحل نت“، أشار إلى قرار وزارة المالية الصادر منذ أيام قليلة، والذي رفع الحد الأدنى للأسعار الاسترشادية للسكر والزيوت النباتية المستوردة، والتي تُعد من المواد الغذائية الأساسية، حيث أصبح الحد الأدنى للسكر الخام 500 دولار للطن الواحد، و600 دولار للسكر المكرر، ورفع السعر الاسترشادي لزيت عباد الشمس إلى 1500 دولار، ولزيت النخيل إلى 1300 دولار، ليليه قرار آخر لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، برفع سعر السكر (النادر وجوده في الأسواق) إلى 4400 ليرة سورية للكيلوغرام المعبأ، مع توقعات برفع سعر الزيت لاحقا.

وأوضح التقرير، أنه ما بين دراسة التخفيض وقرار الرفع، لم يكن لأسعار مختلف المواد الغذائية سوى أن ازدادت بنسب كبيرة ومتسارعة، فضلا عن نقص في المخازين وندرة بعض المواد في الأسواق، ليشهد الأسبوع الأخير بمفرده ارتفاعا جديدا على مختلف السلع دون أي مبّرر، حتى حجة التأثر بالأزمات العالمية ومشكلات الشحن لم تعد تنفع بعد استقرار الأسعار العالمية، بما فيها أسعار البورصات العالمية وأسواق النفط.

التقرير، أشار إلى أنه بعد خروج أول سفينة محمّلة بالحبوب من ميناء أوديسا، إثر الاتفاق الروسي الأوكراني، بدأت أسعار المواد الغذائية في العالم بالعودة إلى ما كانت عليه، إلا محليا، فهي آخذة بالارتفاع دون مبرر اقتصادي، فالإجراءات والقرارات التي تُتخذ محليا لا مثيل لها في العالم مما جعل من سورية واحدة من أغلى دول العالم بالمعيشة، معتبرا أن ما يجري هو “أزمة إجراءات“، تصدر بهدف معين لتعطي نتائج معاكسة على مختلف القطاعات، وكمثال على ذلك قرارات تجفيف السيولة مقابل تثبيت سعر الصرف، نجحت نظريا بتثبيت السعر الرسمي، إلا أن أسعار السلع بمختلفها ترتفع تقريبا 25 بالمئة، تحسّبا لأية ارتفاعات بسعر السوق السوداء.

تسعى الحكومة لتغطية العجز هذا بالضرائب ورفع الرسوم الجمركية وابتزاز المواطن، ولا إجراءات حكومية ايجابية في هذا السياق، وبالإضافة لذلك فإن التحكم في سعر صرف الدولار ينعكس على كلفة هذه البضائع أضعاف مضاعفة مقابل الحفاظ على مخزون استراتيجي من العملة الصعبة حسب ادعاءات البنك المركزي، وهذا عار عن الصحة لأن فرق سعر الصرف يدخل جيوب المسؤولين لا البنك المركزي.

اقرأ أيضا: أسباب متعددة لارتفاع الأسعار في سوريا.. هموم المواطن في تزايد!

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.