“لم نجد الراحة في الاستراحة” تقول عبير الغنام، وهي تتحدث عن الخدمات المقدمة في الاستراحات الطرقية المنتشرة بين المحافظات السورية، مشيرة إلى أن واقع الخدمات أقل ما يمكن وصفه بالـ “السيء“، من خلال مشاهدتها في رحلتها من طرطوس إلى حلب.

تردي الخدمات في الاستراحات

العديد من التقارير المحلية تحدثت مؤخرا، عن تردي واقع الخدمات المقدمة في الاستراحات الطرقية، لا سيما على مستوى النظافة والمأكولات المقدّمة على طُرق السفر، فضلا عن الأسعار المرتفعة لمختلف الخدمات والمأكولات.

وتقول الغنام في حديثها لـ“الحل نت“: “من لحظة نزولنا من الباصات، كانت الرائحة كريهة جدا في استراحة حمص، القمامة منتشرة على رصيف الاستراحة، دون أدنى اهتمام بمستوى نظافة المكان، كان المشهد مثير للاشمئزاز“.

تؤكد الغنام، أن الحاجة الأساسية للوقوف في الاستراحة، هي الحصول على الماء وبعض الطعام أحيانا وقضاء الحاجة، وتضيف: “دورات المياه كانت متسخة جدا، على الرغم من أنها مأجورة، حيث تتقاضى بعض الاستراحات مبلغ 500 ليرة مقابل الدخول إلى دورات المياه“.

وتُزيد قائلة: “خلال الرحلة رفض معظم الركاب الوقوف المتكرر على الاستراحات، لكن السائق أصر على الوقوف في استراحات محددة، تبيّن بعدها أن هناك اتفاق بين السائق وهذه الاستراحات بالتحديد، مقابل أجر يتقاضاه السائق“.

مديرية سياحة حمص ملك عباس، أكدت وجود شروط سياحية محددة لترخيص الاستراحات الطرقية، مشيرة إلى أن هناك “8 استراحات على طريق دمشق – حمص، مرخصة سياحيا وتخضع لرقابة ضابط العدلية في المديرية حيث تقوم بجولات رقابية دورية، أو عند تقديم شكوى“.

وقالت عباس، في تصريحات نقلها موقع “أثر برس” المحلي، أمس الأحد، إن المديرية نظّمت الشهر الماضي عدد من ضبوط المخالفات، بحق استراحات تتعلق بتقاضي سعر زائد وعدم الإعلان عن الأسعار وعدم النظافة“.

قد يهمك: سوق الأدوات المستعملة في سوريا.. القديم بمواجهة الغلاء!

وفي إطار تعليقها على ارتفاع أسعار الأطعمة، وعدم الاهتمام بالمعايير الصحية بيّنت عباس، أن “أسعار المواد الغذائية والتموينية التي تُباع في الاستراحات الطرقية ضمن محال أو سوبر ماركت ملحق بالاستراحة من معلبات، أو حلويات، أو صناعات غذائية لا علاقة لها برقابة وزارة السياحة، التي ترخص قسم المنشأة السياحية المطعم، أو المقهى، أو الوجبة السريعة الموجودة في تلك الاستراحات التي تضم عدة أقسام، موضّحة أن الرقابة السياحية مسؤولة فقط عن الخدمات السياحية التي تقدمها، وأي مواد للبيع المباشر لا علاقة لوزارة السياحة فيها“.

أسعار سياحية دون خدمات

“الأسعار غالية والأكل مو نضيف” يقول مازن لاذقاني، متحدثا عن تجربته في الوقوف في استراحة بين اللاذقية وحلب، مؤكدا أن تجربته في الوقوف في استراحة لم تكن جيدة، بعد طلبه لوجبة طعام ورفضه تناولها بسبب مشاهداته.

ويوضح قائلا: “بعدما طلبت وجبة من الطعام، لاحظت انعدام النظافة مكان عرض الطعام، كانت الحشرات تطير فوق الوجبات المعروض، لا مشكلة في ارتفاع الأسعار، فعادة تكون سياحية، لكن يجب الاهتمام بالنظافة، كانت الوجبة بسعر 7 آلاف“.

وحول الأسعار يضيف لاذقاني، في حديثه لـ“الحل نت“: “كوب القهوة يُباع في الاستراحات بـ1500 ليرة، وتصل بعض المشروبات بسعرها إلى 3 آلاف، الخدمات للأسف سيئة جدا، في دورات المياه قد ترى باب مكسور أو حنفية معطلة، أو غياب للصابون والمناديل، وهي أساسيات في الاستراحات الطرقية“.

مديرة سياحة حمص ملك عباس، أوضحت أن هناك لجنة مشتركة تضم ممثلين من السياحة والتجارة الداخلية وحماية المستهلك والمحافظة ومجلس المدينة، وإحدى مهامها ضبط المخالفات التمويّنية في المحال الملحقة بالاستراحات، والتي تبيع مواد غذائية، حيث تقوم بتنظيم الضبط اللازم أصولا بحق المخالف، مشيرة إلى أن المواد الغذائية المذكورة تخضع للاتفاق الاستهلاكي 5 % من الزبون، و 4,5 % ضريبة أرباح.

وحول موضوع إجبار الركّاب على التوقف في الاستراحات، أوضح رئيس فرع المرور بحمص أحمد شناعة، لـ “أثر” أن: “الراكب يُعتبر متعاقد مع شركة النقل أو الحافلة التي تقله، وبالتالي يقبل ببرنامج خط سير الرحلة من التوقف عند استراحة أو عدمه. دور شرطة المرور يقتصر على تأمين الركاب بالصعود والنزول في محطات الانطلاق وعدم تقاضي أجور زائدة، أو تغيير الخط والمخالفات المرورية بشكل عام“.

يعلم معظم السوريين أن الحصول على التراخيص في الأصل لفتح استراحات على الطرق الدولية، أو قرب المعابر الحدودية أمر صعب جدا، فهو إما أن يحتاج لعلاقات قوية مع أحد المتنفذين في الدولة وخاصة الأجهزة الأمنية، أو يحتاج لدفع مبالغ كبيرة كرشاوى للحصول على التراخيص اللازمة، وفي معظم الأحيان يكون أحد المسؤولين أو الضباط شركاء في هذه الاستراحات، أو يملكونها خفية ومن يعمل بها ليسوا أكثر من واجهة.

وأبدى مسافرون خلال حديثهم لـ“الحل نت” استيائهم من ارتفاع الأسعار في الاستراحات بين المحافظات السورية، لا سيما مع تدني مستوى الخدمات والنظافة، مستغربين معاملة السكان المحليين على أنهم سيّاح من ناحية الأسعار، في ظل الوضع الاقتصادي المتردي التي تعيشه البلاد.

تفاقم الأزمة الاقتصادية

منذ بداية العام الجاري، تفاقمت الأزمة الاقتصادية في سوريا، مع وصول معدلات التضخم إلى أعلى مستوياتها، تزامنا مع فشل وعجز الحكومة السورية، عن ضبط أسعار السلع والمواد الأساسية في الأسواق.

قبل أيام رفع بنك سوريا المركزي، سعر الصرف الرسمي إلى 3015 ليرة للدولار، في حين أن سعر السوق السوداء المستخدم في معظم الأنشطة الاقتصادية، هو حوالي 4575 ليرة، وكان السعر الرسمي لليرة قبل الخفض 2814 للدولار، ما انعكس سلبا على الأسواق.

الخبير الاقتصادي والأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، شفيق عربش، قال في تصريحات صحفية سابقة إن: “رفع سعر صرف الليرة أمام الدولار يؤدي حتما إلى رفع سعر صرف الدولار الجمركي، وهذا بدوره يؤثر في كل رسوم عمليات التخليص الجمركي للبضائع المستوردة، وبالتالي ستكون النتيجة ارتفاعا كبيرا بالأسعار“.

ووصف عربش، وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بأنها أدارت ظهرها للحقيقة، ورأت فقط ما تريد أن تراه عندما أصدرت تعميمها الأخير، لأن الواقع مختلف تماما عمّا نشرته، مشيرا إلى أنه لم يكن هناك أي مبرر لرفع سعر الصرف، لأنه مخالف للسعر الذي اعتمدته الحكومة في موازنة عام 2022.

وحول ما ذكرته وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، بأن رفع سعر الصرف لن يؤثر إلا في المواد التي يتم تمويلها من المصرف وهي حصرا القمح، والأدوية النوعية، وحليب الأطفال، توقّع عربش، ألا يكون هناك زيادة في أسعار هذه المواد ولكن سيتم تعويض هذا الفرق من خلال رفع أسعار سلع مدعومة والمرشح للارتفاع، هو أسعار المشتقات النفطية.

وتواجه الأسر السورية أزمات معيشية واقتصادية مختلفة، في ظل تردي الواقع الخدمي والمعيشي في مختلف المناطق السورية، ما جعل تربية الأطفال ورعايتهم، وتأمين الحد الأدنى من مستلزماتهم تحديا حقيقيا ومستمرا تعجز آلاف الأسر السورية عن مجاراته.

التحايل على الأزمات

يواجه السوريون في المناطق الخاضعة للحكومة السورية، صعوبة في التغلب على أزمات ارتفاع الأسعار المتكررة، فبدأت العائلات السورية بحذف العديد من الأصناف الاستهلاكية من قائمة المشتريات الشهرية، بهدف التوفيق بين الدخل والمصروف.

ومع حلول العام الجديد 2022، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في سوريا سواء الخضروات، والفواكه، أو المواد التموينية، أو اللحوم أو غيرها. ويبدو أن العام الجديد جلب معه العديد من التغييرات في الاقتصاد السوري، ويمكن أن تؤدي هذه التغييرات إلى نتائج غير متوقّعة على العائلات السورية خصوصا وأن أغلبها بات يُصنّف ضمن الطبقة الفقيرة.

لا يبدو أن حكومة دمشق قادرة على ضبط أسعار السلع الغذائية بالتحديد، فقد فشلت جميع الآليات التي أقرّتها منذ بداية العام الجاري لضبط الأسعار، فضلا عن فشلها في فرض الأسعار الواردة في نشراتها الرسمية الصادرة عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.

كذلك يعتمد السوريون في مناطق سيطرة دمشق، على الإعانات الخارجية من أقاربهم وأصدقائهم من دول اللجوء لتغطية احتياجاتهم الأساسية بشكل شهري، وذلك بسبب ضعف القدرة الشرائية وانهيار الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها، في ظل الغلاء المستمر لأسعار مختلف السلع والمواد الأساسية.

اقرأ أيضا: أدوية مهربة في سوريا.. ذريعة لرفع الأسعار؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.