“كل يوم رايح للموت”. جملة يردّدها معظم العراقيين، خصوصا من يقطنون في الوسط والجنوب والعاصمة بغداد. الموت يرافقهم في دروبهم، ولا يملكون غير الدعاء للوصول بأمان إلى الأماكن التي يقصدونه.

“يومية فاتحة بالمنطقة من ورا ضيم الطرق”، يقول عباس فليّح، مواطن من محافظة واسط، التي تقع بين شرق ووسط وجنوب العراق لـ “الحل نت’.

طرق غير معبّدة، لا إشارات فيها، وغير صالحة للسير، ولا إنارات ليلية، كأنك تمشي على طريق ترابي، لكنه يحمل اسم الطريق النظامي فقط لقِدمه لا غير. تلك هي معظم شوارع العراق.

“ماتولي 3 بحادث سير. أخوي واختي وابن عمي. لحد هسه ما مستوعب الصدمة”، يقول فليّح، والدموع تسيل على وجنتيه وهو بتذكر فقده لأحبته قبل 3 أشهر من الآن، إثر حادث سير بسبب سوء الطريق.

نبيل شمّه آخر الضحايا

خلال عام 2021، لقي أكثر من 4800 شخص حتفهم من جراء حوادث السير في العراق، حسب إحصائية لوزارة الصحة العراقية، وهو رقم يعادل أضعاف ضحايا العمليات الإرهابية وجرائم العنف في العام نفسه، بحسب الحكومة العراقية.

لم يسلم من الموت بسبب الطرق المتهالكة المواطن العادي ولا السياسي ولا الفنان ولا حتى السائح الأجنبي، ورحيل نبيل شمّه مؤخرا، لعلّه أبرز ما جعلنا نفتح هذا الملف اليوم.

نبيل شمّه، هو مدير استثمار محافظة واسط، وشقيق الموسيقار نصير شمه، رحل الأسبوع الماضي، إثر حادث سير على طريق واسط-ميسان، ولم يكن هو الوحيد من سرقه هذا الطريق المعروف بـ “طريق الموت”.

“يلومونا ويغلسون عالسبب الحقيقي. السبب بفسادهم. طرق تعبانة ومنتهية. 20 سنة ما بلطولهم ولا طريق، وبالأخير يلومونا أهل المرور؛ لأن نمشي سرعة ومن هالخزعبلات”، يقول فليّح، بلهجة غاضبة من الماسكين بملف الطرق في البلاد، لا سيما وزارة النقل.

قبل أسبوعين، مات أكثر من 30 سائحا إيرانيا، كانوا في طريقهم إلى كربلاء، لإحياء ذكرى أربعينية مقتل الإمام الحسين، بسبب حوادث مرورية على طريق واسط، المحاذية لإيران، واستمرت الحوادث طيلة أيام الزيارة الأربعينية.

إحصاءات عامي 2020 و2019

نفس الطريق، سرق روح الشاعر العراقي البارز سمير صبيح، أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وحينها أطلقت الحكومة العراقية، “حملة سمير صبيح” لإعمار طريق محافظة واسط، لكن شيئا من ذلك لم يحدث بعد.

يقول فليّح: “كل ما أطلع لخارج الكوت، أطلب من أهلي يبروني الذمة لأن خاف أروح وما أرجعلهم. الموت محاصرنا كل ما نطلع بدرب بعيد. لا حكومة تعاين ولا مسؤول يهتم، وبس احنا المبتلين بيها”.

شهد عام 2020، 2152 حالة وفاة من مجموع 8186 حادثا مروريا، بينما شهد عام 2019، 10 آلاف و753 حادثا مروريا، وهو أعلى رقم في آخر 6 سنوات.

لا يزال العراق يعتمد على البنى التحتية الخاصة بالجسور والطرق التي شيّدت بين عامي 1950 وعام 2000، دون أن تقوم حكومات ما بعد 2003، بإنشاء مشاريع لتوسعة تلك الطرق أو إدامتها بشكل يمنح المسافرين قدرا كافيا من الأمان.

فساد محافظ واسط السابق

“الفساد وراء كل ما يحدث”، يقول موظف كبير في محافظة واسط لـ “الحل نت”، ويؤكد أن محافظ واسط السابق، محمود ملا طلال، سرق مليارات الدينارات، خُصّصت لتأهيل طريق واسط-كربلاء.

بحسب الموظف الذي طلب عدم الكشف عن هويته، فإن طهران، تبرعت بإعمار طريق واسط-كربلاء على حسابها الخاص، ليس حبا بالعراق، بل لحماية مواطنيها ممن يزورون كربلاء سنويا، وهم بالملايين، لكن طلال، رفض ذلك.

المحافظ السابق، طلب من إيران أن تزوده بالمبلغ المالي الذي خصّصته لتأهيل الطريق، على أن تقوم الحكومة المحلية في واسط بتأهيل الطريق، وبعد أن استجابت له طهران، سرق الأموال ولم يحدث الإعمار إلى اليوم.

تمر اليوم 3 سنوات على وجود ملا طلال في السجن، بعد أن حكم القضاء العراقي في عام 2019 عليه بالسجن لمدة 6 سنوات، إثر ضبطه في كمين محكم، وهو يتقاضى رشوة من إحدى الشركات المرتبطة بوزارة الصناعة العراقية.

حتى سجنه، كان ينتمي محمود ملا طلال إلى “تيار الحكمة”، بزعامة رجل الدين عمار الحكيم، وقد كان نائبا في البرلمان العراقي، عام 2018، قبل أن يُسجن في أيار/ مايو 2019.

يقول الموظف في محافظة واسط، إن ملا طلال، حاول تكرار تجربته التي فعلها مع طهران، مرة ثانية مع شركة “غاز بروم” الروسية، لكن الروس قالوا له بالنص: “انتم حرامية”.

الفساد يمنع الحلول

“غاز بروم”، التي تدير حقول نفطية في واسط، تبرعت بتأهيل طريق واسط الرابط بين عدة محافظات جنوبية، لكن ملا طلال، أعاد ذات سيناريو طهران، وطلب من الشركة الروسية تزويده بالمال، مقابل أن يشرف على تأهيل الطريق، فرض الروس ذلك، وفق الموظف بمحافظة واسط.

حسب إحصائية أصدرتها “دائرة الطب العدلي”، فإن قرابة 10 بالمئة من الوفيات المسجلة في العراق، خلال الربع الأول من العام الحالي 2022، سببها حوادث المرور.

“طرق العراق غالبيتها غير مخططة وخالية من السياج الأمني، وأيضا انارتها ضعيفة وهناك تقصير واضح؛ بسبب عدم تخصيص الأموال من الجهات المعنية، والتخصيص ليس من صلاحية المرور”، حسب تصريح صحفي سابق، لمدير مديرية المرور العامة، اللواء طارق إسماعيل.

إحصائيات لـ “دائرة الطب العدلي”، بيّنت أن شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، شهد تسجيل 635 حالة وفاة، موزعة بواقع 65 بالمئة، من الذكور و35 بالمئة بين الإناث، وكانت حصة الوفيات الناجمة عن القضايا العدلية الواردة من الجهات التحقيقية، 69 حالة وفاة.

في النهاية، لا يمر يوم دون تسجيل كارثة مرورية يسقط ضحيتها العشرات من الأشخاص، خصوصا في المناطق الجنوبية، وكذلك الطرق الرابطة بين بغداد وإقليم كردستان، ولا حل قريب طالما ينتشر الفساد السياسي دون وضع رادع له.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة