الحديث لا يزال يدور في الآونة الأخيرة عن الدفع نحو لقاءات دبلوماسية بين تركيا وسوريا، على مستوى وزراء خارجية الطرفين.

حيث كشفت وزارة الخارجية الروسية عن اتصالات نشطة للغاية، لعقد اجتماع دبلوماسي بين تركيا وسوريا، ونقلت وكالة “تاس” الروسية، عن نائب وزير الخارجية ونائب الرئيس الروسي للشرق الأوسط وإفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، قوله إن “الجانب الروسي يشارك بنشاط في حوار مع الشركاء بشأن اقتراح توفير منصة لاجتماع وزيري خارجية سوريا وتركيا”، واصفا الاتصالات حول هذا الموضوع بأنها “نشطة للغاية”.

ما هي الاحتمالات لحدوث هذا اللقاء؟

مؤخرا، كشف موقع “إنتلجنس أونلاين”، أن نائب الرئيس السوري للشؤون الأمنية، علي مملوك، أجرى اجتماعا جديدا مع رئيس الاستخبارات التركية، هاكان فيدان، بمبادرة من روسيا، حرصا على لعب دور الوسيط بين تركيا وسوريا.

وأشار الموقع، إلى أن نتائج الاجتماع لم تكن مرضية، إلا أنه سُمح للجانبين بعرض مطالب كل منهما وشروطه.

قوات تركية في الشمال السوري “وكالات”

العديد من التحليلات ظهرت في الآونة الأخيرة، حول اللقاءات الاستخباراتية بين الطرفين، حيث يذهب البعض إلى أنها تمهيد لاستعادة العلاقات الدبلوماسية، فيما يرى آخرون أنها لا تعدو مفاوضات أمنية تتعلق ببعض المسائل، وعلى رأسها عودة اللاجئين السوريين، واستمرار السيطرة التركية على مناطق في شمال سوريا، ومحاربة ما يسميه الطرفان “الإرهاب”، كل من وجهة نظره.

الخبير في الشأن الروسي، سامر إلياس، يشير خلال حديثه لـ”الحل نت”، إلى أن روسيا تسعى منذ فترة طويلة إلى عقد اجتماعات بين أنقرة وحكومة دمشق، وهي لا تخفي ذلك، وكان ذلك واضحا على هامش قمة شانغهاي مؤخرا في سمرقند، وذلك بالحديث عن إمكانية حدوث لقاء بين أردوغان والأسد، ضمن سياق تطور الأحداث في الأشهر الأخيرة، والتصريحات التي جاءت على لسان وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو، حول لقاء قصير مع نظيره السوري فيصل المقداد، على هامش قمة دول عدم الانحياز.

ويعتقد إلياس، أنه نتيجة للجهود الروسية المبذولة، فإن عقد لقاءات بين الطرفين التركي والسوري على مستوى وزراء الخارجية، أو ربما أعلى من ذلك بات قريبا كما سيكون حدثا طبيعيا، خاصة بعد سلسلة الاجتماعات الأمنية التي تجري منذ فترة طويلة بينهما.

الكاتب السياسي، صدام الجاسر، فرأى خلال حديث سابق لـ”الحل نت”، أنه لا يوجد أي انفتاح حالي على حكومة دمشق، فأي تصريحات تصدر هي إعلامية ولا تتجاوز أي لقاءات أو مفاوضات تجري من قبل تركيا أو أي دولة أخرى مع حكومة دمشق، المواضيع الأمنية، فالجميع يعلم أن هناك فيتو عربي سعودي مصري على هذا الانفتاح، إضافة للرفض الأميركي.

وأيضا، الصحفي منار عبد الرزاق، رأى خلال حديث سابق لـ”الحل نت”، أن جل تركيز أنقرة ينصب في الوقت الحالي على الحصول على ضمانات من دمشق، من أجل تهيئة الأوضاع الملائمة لعودة اللاجئين السوريين، وهو ما تسعى إليه من خلال اللقاءات الاستخباراتية.

وأضاف عبد الرزاق، أن تركيا حتى الآن غير مهتمة بقدر كبير بالوصول إلى لقاء دبلوماسي مع دمشق، ولكن هذا اللقاء من الممكن أن يكون أحد مطالب دمشق لتأمين المتطلبات التركية.

إقرأ:تركيا والمعارضة السورية: ما مصلحة أنقرة في التطبيع مع حكومة دمشق؟

تبعات وتأثيرات اللقاءات الدبلوماسية

العديد من الآثار يمكن أن تنتج عن أي لقاء دبلوماسي سوري تركي، إذ أن هناك العديد من القضايا التي يمكن للطرفين مناقشتها، منها ما يمكن إيجاد تفاهم حوله ومنها ما لا يمكن لارتباطه بقرارات دولية وقرارات أميركية بشكل خاص.

ففي وقت سابق، أكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على ضرورة الإقدام على خطوات متقدمة مع سوريا، مضيفا أن هدف بلاده “مكافحة الإرهاب شمال شرقي سوريا وليس الفوز على نظام الأسد”.

وفي الحادي عشر من شهر آب/أغسطس الماضي، أوضح وزير الخارجية التركي، جاويش أوغلو، أن أنقرة “ليس لديها شروط للحوار، لكن هدف الحوار هو الأكثر أهمية، ويجب أن يركز على النتائج والأهداف من ورائه”، مؤكدا أن “المسار الوحيد والأهم في سوريا بالنسبة لتركيا، هو مسار الحل السياسي”.

بحسب سامر إلياس، فإن التبعات الأساسية ستنعكس بشكل سلبي على المعارضة السورية، وقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، حيث سيتم تسريع تفاهمات “أستانا”، وبالتالي فإن تركيا سترفع يدها عن مناطق إدلب ومناطق “الجيش الوطني” المرتبط بها تمهيدا لانتشار الجيش السوري، وفي مقابل ذلك فإن روسيا ستطلق يد تركيا في المناطق التي تسيطر عليها “قسد”، والتي كانت في الأصل ضمن هدف العملية التركية التي يتم الحديث عنها منذ عدة أشهر.

وحول تأثيرات اللقاء على العملية السياسية، بيّن إلياس، أنه على مستوى الحل السياسي فإن الدور الأميركي هو الأهم في تحديد هذا المسار، خاصة أن الولايات المتحدة هي من فرضت قانون “قيصر” إضافة لتحكمها بملف إعادة الإعمار وتحسين الاقتصاد السوري، وهذا ما لا يمكن لروسيا أو تركيا فعله.

ولفت إلياس، إلى أن أحد أبرز الأطراف الخاسرة من حدوث هذا اللقاء بين تركيا وسوريا، هم اللاجئون السوريون في تركيا.

أهداف روسيا

العديد من المختصين، يرون أن الجهود التي تقودها روسيا من أجل عقد لقاء دبلوماسي تركي سوري، تعكس تحولا في السياسة الروسية في وقت تعدّ فيه موسكو نفسها لصراع طويل الأمد في أوكرانيا، بينما تسعى لتأمين موقعها في سوريا، حيث تدعم قواتها الرئيس السوري، بشار الأسد منذ عام 2015.

 في وقت سابق من الشهر الماضي، نقلت تقارير صحفية اطلع عليها “الحل نت”، عن مسؤول أمني تركي، أن روسيا سحبت تدريجيا بعض مواردها العسكرية من سوريا للتركيز على أوكرانيا، وطلبت من تركيا تطبيع العلاقات مع الأسد، لتسريع الحل السياسي بسوريا.

وأضاف المسؤول، أن روسيا حثّت سوريا على الدخول في محادثات مع أنقرة، في الوقت الذي تسعى فيه موسكو لتأمين موقفها وموقف الأسد، إذا اضطرت لنقل قوات إلى أوكرانيا، وبيّن أن أنقرة لا تريد أن تملأ القوات الإيرانية أو تلك المدعومة من إيران، التي تنتشر بالفعل على نطاق واسع في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في سوريا، الفراغ الذي ستخلفه عمليات الانسحاب الروسية.

وأشار المسؤول الأمني التركي، إلى أن روسيا أيضا لا تريد للنفوذ الإيراني أن يتسع، لأن هذا من شأنه أن ينتقص من وجودها.

وفي هذا السياق، يرى إلياس، أن روسيا تريد أن تكون هناك تفاهمات بين تركيا وسوريا، فهي ترغب بعودة سيطرة الحكومة السورية على معظم المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، سواء كانت “الجيش الوطني” أو “قسد”.

كما تريد أن تتم العودة إلى اتفاقية أضنة القديمة مع بعض التحديثات، مع وجود ضمانات أكبر للجانب التركي، تترافق مع انسحاب الأتراك وانتشار جيش الحكومة السورية بدلا منها.

وفي وقت سابق، أوضح منار عبدالرزاق، أن هناك مرحلة جديدة في العلاقة بين أنقرة ودمشق، ومن الممكن أن تتوج بلقاءات دبلوماسية على مستوى وزراء الخارجية، وذلك في حال نجحت المباحثات الأمنية في تأمين مطالب أنقرة المتمثلة بأمرين رئيسيين، الأول تأمين بيئة آمنة لعودة اللاجئين، والثاني تعاون دمشق مع أنقرة في تقليص نفوذ “قسد”، في شمال شرق سوريا.

 ولكن وبحسب عبد الرزاق، فإنه من غير المعلوم حتى الآن إلى أين وصلت مباحثات اللقاء الاستخباراتية، وهل من الممكن أن ينجح الطرفان في التوصل إلى صيغة تفاهم بينهما.

عين أردوغان على الانتخابات

“معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، ربط بين تطبيع تركيا مع عدد من الدول والنظام السوري، بالوضع الداخلي التركي وخاصة الانتخابات الرئاسية، معتبرا أنها “لعبة محفوفة بالمخاطر”.

وقال المعهد في تقريره، إن الخط الفاصل بين السياسة المحلية والخارجية في تركيا أصبح رفيعا للغاية، وأن الربط بينهما بات ركنا أساسيا في حملة الرئيس التركي أردوغان، لإعادة انتخابه.

وأضاف التقرير، أن عملية إصلاح العلاقات مع الأسد، ناتجة عن “حسابات انتخابية”، لكن على نطاق أوسع بكثير.

وفي هذا السياق، أوضح الكاتب السياسي، صدام الجاسر، خلال حديث سابق لـ”الحل نت”، أن أردوغان وحزب العدالة والتنمية، يسعيان فقط لكسب أصوات انتخابية معينة في تركيا، وقطع الطريق على المعارضة التركية، وهذا الأمر حقيقي وحاليا أردوغان، يحاول أن يستغله.

وبيّن الجاسر، هنا لا بد من التمييز بين الدولة التركية وبين حزب العدالة والتنمية، فالانتخابات القادمة هي انتخابات بين أحزاب، وأيا كان الحزب الذي سيأتي للسلطة في تركيا فلن يستطيع الانفتاح على حكومة دمشق، فالكل يستطيع المتاجرة بملف العلاقات مع حكومة دمشق، لكن لا يستطيع الانفتاح عليها بشكل حقيقي، وبالتالي هنا يجب التمييز بين التقارب بين حزب العدالة والتنمية وحكومة دمشق، وبين تقارب الدولة التركية وحكومة دمشق، فالتقارب الحالي لأغراض انتخابية.

ردود باردة من دمشق

في الآونة الأخيرة كثرت التصريحات التركية الرسمية حول اللقاءات الأمنية مع دمشق، كما صرح مسؤولون سياسيون أتراك بأن هناك إمكانية للتقارب وعلى رأسهم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ووزير خارجيته جاويش أوغلو.

الجاسر، أشار إلى أنه كان هناك زخم كبير في تصريحات الحكومة التركية نحو الانفتاح مع دمشق، وإجراء محادثات معها، وإجراء لقاءات أمنية والتصريحات حول هذه اللقاءات، وهذه الخطوات التي قامت بها الحكومة التركية كانت بدفع وتشجيع روسي، ولكن في مقابل ذلك هناك برود من جانب دمشق التي تحاول إحراج الحكومة التركية أمام فئة معينة من الناخبين تلك نفسها التي يسعى حزب العدالة والتنمية لاستقطابها في الانتخابات القادمة.

حكومة دمشق تدرك أنه لا يمكن لأحد أن يقوم بالانفتاح عليها إلا بقرار أميركي واضح، لذلك تسعى لإحراج حكومة أردوغان وجعلها تخسر أصوات الناخبين، لذلك فإن ما تقوم به حكومة أردوغان بالمراهنة على حكومة دمشق فيه مخاطرة لا يستهان بها.

مصالح متبادلة

التقرير الأميركي، لفت إلى أن أردوغان وحزبه، يسعيان إلى إيجاد حل سريع لملف اللاجئين السوريين، بسبب الوضع الاقتصادي والاستياء الاجتماعي، وهما مساران يحددان الخطاب الانتخابي.

واعتبر التقرير، أن التعاون مع الأسد صعب، لعدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين، مرجّحا أن أردوغان، سيلعب ورقته الأخيرة مع الأسد، للحصول على وعد يرمي إلى إعادة نحو أربعة ملايين لاجئ إلى سوريا، من أجل الفوز بالانتخابات.

من الأرشيف: لقاء بين أردوغان والأسد “وكالات”

صدام الجاسر، لفت إلى أن حكومة دمشق قد تطلب بعض التنازلات من أنقرة، لكن ماهيتها لا تزال غير معلومة، ولكن ربما تطلب إسكات بعض الأصوات المعارضة في تركيا، والضغط على الائتلاف، للخروج بتصريحات عن المصالحة مع النظام، ومطالبة المعارضة بإيقاف ملاحقة رموز النظام في الخارج، هناك أمور كثيرة قد تستغلها حكومة دمشق في هذا الملف.

وأضاف، أن الحكومة التركية لن تكون خاسرة في هذا الأمر لأن التنازلات سوف تكون عن طريق المعارضة السورية فقط، فالحكومة التركية لا تقدم تنازلات خاصة بها لدمشق، لأنها لا يوجد شيء تقدمه، فهي لن تنسحب من سوريا ولن توقف تدخلها في الملف السوري.

وبحسب الجاسر، فإن إحدى أبرز النقاط التي يركّز عليها أردوغان في الوقت المتبقي قبل الانتخابات، هي ورقة اللاجئين السوريين في تركيا، وإيجاد أرضية ملائمة لعودتهم من خلال تفاهمات معينة مع حكومة دمشق، وهي أهم الأوراق الرابحة في الانتخابات.

قد يهمك:تركيا تعتقل سوريين قاموا بإحراق العلم التركي في ريف حلب

من الواضح أن المصالح في مرحلة معينة تجعل المستحيل ممكن الحدوث، فحتى وقت قريب كان حدوث لقاء دبلوماسي تركي سوري من المستحيلات، لكنه اليوم يبدو أقرب من أي وقت مضى، ولكن على الرغم من ذلك فإن العديد من العوائق ستكون موجودة أمام اللقاء وما سيترتب عنه، فالولايات المتحدة والغرب، لا يزالون يقفون ضد التطبيع مع دمشق، ولا يمكن لتركيا وروسيا القيام بأي خطوة من شأنها إيجاد حل سياسي ما لم يوافق الغرب على ذلك.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.