في ظل أزمة الطاقة التي عصفت بالدول الأوروبية منذ أن قررت روسيا إيقاف ضخ الغاز إلى هذه الدول، بسبب موقف الأخيرة من الغزو الروسي لأوكرانيا، تتوجه الحكومات الأوروبية إلى تعزيز العلاقات مع الجزائر بحثا عن شريك للحصول على الغاز الطبيعي، فماذا يمكن للجزائر أن تساهم في تخفيف حدة أزمة الطاقة في أوروبا.

زيارات متتالية للجزائر

العديد من المسؤولين الأوروبيين أجروا زيارات متتالية إلى الجزائر، خلال الأسابيع الماضية، في ظل زيادة الطلب على الغاز الجزائري بسبب أزمة الطاقة في القارة العجوز، والتي وصل صداها إلى كافة دول العالم، فضلا عن قرار مجموعة “أوبك بلس” بتخفيض إنتاج النفط ما عمّق من الأزمة العالمية.

الدول الأوروبية تسعى لزيادة إمداد الغاز الجزائري، وهي التي تربطها مع الجزائر شراكة تجارية منذ عام 2002، كما تزوّد الجزائر أوروبا بالغاز عبر خطي أنابيب، الأول يصل إيطاليا مرورا بتونس، بطاقة تصل نقل تقدر بـ32 مليار متر مكعب سنويا، والثاني “ميدغاز” يمر من الساحل الغربي للبلاد إلى جنوب إسبانيا وينقل 10 مليارات متر مكعب سنويا.

من أبرز الزيارات الأوروبية للجزائر، كانت توجه رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن، إلى الجزائر الأحد الماضي، في زيارة ليومين رفقة 16 وزيرا، تم خلالها عقد الدورة الخامسة للجنة الحكومية رفيعة المستوى بين البلدين التي لم تلتئم منذ 2017.

قبلها بأيام قليلة افتتح وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب ومفوضية شؤون الطاقة بالاتحاد الأوروبي كادري سيمسون، المنتدى السنوي الرابع لحوارات الطاقة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي بالجزائر العاصمة، بعد آخر اجتماع في الخصوص بين البلدين منذ عام 2016.

بدوره، حلّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالجزائر، نهاية أغسطس/آب الماضي، في زيارة رسمية استمرت ثلاثة أيام، جاءت بعد أزمة عاصفة وصِفت بغير المسبوقة بين البلدين.

وعقِب الزيارة قالت وسائل إعلام فرنسية، إن الجزائر تعتزم زيادة إمدادات الغاز نحو فرنسا دون الكشف عن تفاصيل الكميات الإضافية، وخلال الزيارة أشاد ماكرون باتفاق الجزائر مع إيطاليا لإمدادها بكميات إضافية من الغاز.

وتوّجت الزيارة بـ“إعلان الجزائر من أجل شراكة متجددة“، نص على رغبة البلدين في “افتتاح حقبة جديدة“، وتبني “مقاربة ملموسة وبنّاءة تركز على المشاريع المستقبلية والشباب“.

الجزائر أعلنت كذلك الثلاثاء الفائت، بدء إنتاج الغاز في حقلين جديدين، وذلك في إطار مشواره لتعزيز صادرات الغاز إلى أوروبا في المرحلة المقبلة، حيث أشارت شركة “سوناطراك” الجزائرية، إلى أن تعزيز إنتاج الغاز يأتي في إطار العقد الموقّع مع شركة الغاز الإيطالية “إيني“.

بحسب ما أعلنت الشركة الجزائرية، فإن توسيع الإنتاج، سمح بتوسيع كمية الإنتاج إلى مليون متر مكعب من الغاز.

تعزيز الشراكة

قبل أيام أيضا، استقبلت الجزائر مسؤولين أوروبيين، ضمن اجتماعات النسخة الثانية من منتدى أعمال الطاقة لتطوير الشراكة مع أوروبا الذي امتد ليومين، إذ يسعى المسؤولون في أوروبا استغلال هذا الاجتماع، لتعزيز التعاون في مجال الطاقة، لمواجهة الأزمة الناتجة بالدرجة الأولى عن الغزو الروسي لأوكرانيا، لا سيما مع دخول فصل الشتاء.

ناقش الجانب الجزائري خلال الاجتماع خطة استكشاف حقول النفط والغاز في البلاد، حيث أكد رئيس الحكومة الجزائرية أيمن عبد الرحمن، وفق تصريحات تابعها “الحل نت“، أن قدرات الجزائر في النفط والغاز “كبيرة لكنها غير مستكشفة بالكامل، لا سيما في جنوبي وغربي وشمالي البلاد والمنطقة البحرية“.

وفي إطار سعي الحكومة لإطلاق مشاريع الاستثمار في مجال الطاقة، أوضح عبد الرحمن، أن “فرص الاستثمار مفتوحة لشركاء الجزائر، وخاصة الأوروبيين“، في إشارة على ما يبدو إلى مصلحة الجانبين من هذا التعاون في مجال الطاقة.

مفوضة شؤون الطاقة في الاتحاد الأوروبي، لفتت خلال الاجتماع إلى أن أوروبا، بحاجة إلى 150 مليار متر مكعب من الغاز، معتبرة أن هذه الكمية بمثابة فرصة للجزائر لتعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي.

قد يهمك: ما التداعيات الإقليمية والدولية لقرار “أوبك بلس” بخفض إنتاج النفط؟

من جانبه يرى الخبير الاقتصادي عبد القادر سليمان، أن الكرة في ملعب الأوروبيين فيما إذا أرادوا الحصول على المزيد من الغاز خلال الفترة المقبلة، لا سيما في ظل تأكيد الجزائر على فتح الأبواب أمام الشركاء الأوروبيين للمساعدة في اكتشاف حقول الغاز وإنتاج الطاقة.

سليمان قال في حديث لقناة “سكاي نيوز” الفضائية وتابعه “الحل نت“، “الجزائر هي شريك مضمون وحقيقي للأوروبيين، وإذا أرادت أوروبا المزيد من الغاز، فيجب عليها الدخول في استثمارات والدخول في التنقيب والاستكشاف“.

تنتج الجزائر نحو مئة وعشرة مليارات متر مكعب من الغاز، تذهب نصفها إلى الاستخدام الداخلي وإنتاج الكهرباء، وبالتالي فإن الجزائر بحاجة إلى “تحول طاقوي بمساعدة أوروبا، لتوفير الغاز الذي يتم استخدامه في إنتاج الكهرباء، ليتم تحويله للتصدير نحو أوروبا“، بحسب حديث سليمان.

الجزائر أصبحت اليوم ثاني مورّد لأوروبا في مجال الغاز بعد النرويج، إذ توضح التقارير أنها تزود أوروبا بنحو 12 بالمئة من احتياجاتها، وتعتبر أول منتج للغاز في إفريقيا وسابع منتج له على العالم.

تقليل الطلب

مركز “سترافور” الأميركي، أكد أن الدول الأوروبية متجهة لإقرار آليات، من شأنها تقليل الطلب على الغاز قبل الشتاء، إضافة إلى زيادة الدعم المالي للأسر والمرافق، وذلك في إطار خطة تهدف إلى الخروج من الأزمة بأقل الأضرار الممكنة.

مسؤولون في شركات الطاقة، أكدوا أن الاتحاد الأوروبي عازم على مواجهة الازمة، بدون الرضوخ للجانب الروسي، وقال رئيس أبحاث السلع في مجموعة “سيتي جروب“، إد مورس، في مقابلة مع الشبكة الأميركية: “في وقت ما بين عامي 2025 و2027 سنرى الأسعار في أوروبا تعود إلى ما كانت عليه في بداية عام 2021، ذلك لأن الأمر سيستغرق وقتا لاستبدال الغاز الطبيعي المفقود من روسيا“.

الأكاديمي والباحث في العلاقات الاقتصادية الدولية، الدكتور عبد المنعم الحلبي، رأى أن الدول الأوروبية يمكن أن تملأ خزاناتها بنسبة تصل إلى مئة بالمئة، مشيرا إلى أن نجاح أوروبا في تنفيذ سياسة تقشف مدروسة، سيساعدها إلى حد كبير بالخروج من الأزمة بأقل الأضرار.

الحلبي، قال في حديث سابق مع “الحل نت“: “مواجهة الأزمة يتعلق بالاستخدامات، إذا تمكنت المجتمعات الأوروبية من تنفيذ عملية تقنين وتقشّف، فيمكن لها العبور من الشتاء بدون إشكالات حقيقية، لكن من الواضح أن الشتاء سيكون قاسي في أوروبا“.

إجراءات لتخفيف الأزمة

أضاف الحلبي، “أوروبا تقوم بالعديد من الإجراءات لتخفيف الأزمة، أبرزها المتعلق بالسياسة النقدية، التي تتصف بالواقعية، هناك رفع لأسعار الفائدة بطريقة نوعية وغير مسبوقة، لمواجهة تبعات التضخم والارتفاع الكبير في أسعار الطاقة“.

حول السيناريوهات المتوقعة للرد الروسي على الخطوات الأوروبية، يعتقد الحلبي، أن روسيا ستحاول الضغط من خلال المزيد من خطوات إيقاف خطوط الغاز إلى أوروبا، ويضيف، ” كان واضحا أن الحجج التي ساقتها روسيا لقطع خطوط الغاز هي غير منطقية، لا سيما في بداية الشتاء“.

وفيما يخص نتائج المواجهة بين روسيا وأوروبا، يشير الحلبي إلى أن نتائج المعركة الدائرة في أوكرانيا سيكون لها أثر كبير، على المواجهة الاقتصادية بين روسيا والغرب، ويزيد بالقول، “أعتقد أن الوضع سيبقى على ما هو عليه حاليا، النتيجة الأساسية المنتظرة هي ما تتمخض عنه المعركة في أوكرانيا، وطبعا أقصد هنا الآثار السياسية التي يمكن أن تنتج عن تطورات عسكرية محتملة ربما تكون روسيا تدفع فيها أثمان كبيرة“.

يُذكر أن دول الاتحاد الأوروبي، كانت قد اتفقت على إجراءات طارئة لتقليل استخدامها للغاز في الشتاء المقبل بنسبة 15 بالمئة، بالتزامن مع استعداد أوروبا لمواجهة غموض يتعلق بإمدادات الغاز من روسيا، وتتطلب الخطة من الدول الأعضاء، خفض استهلاك الغاز طوعا بنسبة 15 بالمئة، بناء على معدّل خمس سنوات للأشهر المعنية، اعتبارا من شهر أيلول/سبتمبر الحالي، وخلال الشتاء التالي حتى آذار/ مارس المقبل.

من جانبه رأى الباحث في العلاقات الاقتصادية الدولية، حسن الشاغل، أن نجاح الدول الأوروبية في تخفيض إيراداتها من الغاز الروسي، سيمثّل ضربة موجعة لاقتصاد موسكو، لا سيما على المدى البعيد، مؤكدا في الوقت ذاته أنه لا يمكن لأوروبا الاستغناء بشكل كامل عن الغاز الروسي.

الشاغل قال في حديث سابق لـ“الحل نت“: “أوروبا تحاول حاليا البحث عن بدائل للغاز الروسي الطبيعي، من الدول المنتجة للغاز، لكن هذا الأمر صعب تحقيقه بسرعة، ويحتاج إلى وقت وتعديل في البنى التحتية الأوروبية“.

التأثير على اقتصاد روسيا

وفق الشاغل، فإن روسيا قد تذهب لتقديم تنازلات للجانب الأوروبي، وذلك بسبب استفادتها الكبيرة من الواردات المالية الأوروبية من عمليات بيع الغاز.

حول ذلك أضاف: “بطبيعة الحال روسيا مستفيدة من أوروبا من الواردات المالية من بيع الغاز، الطرفين لهما مصالح، ليس من مصلحة الروس خسارة السوق الأوروبية، بسبب عدم وجود بديل في الوقت الحالي، بنفس الوقت الاتحاد الأوروبي لا يملك بديل سريع عن الغاز الروسي“.

الشاغل أوضح أن، “الخطة الأوروبية قد تهدف على المدى المتوسط، إلى تخفيض واردات الغاز من روسيا إلى نسبة قد تصل إلى 40 بالمئة، ما قد يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الروسي، لا سيما وأن 40 بالمئة، من صادرات روسيا، هي من الطاقة“.

وزراء الطاقة الأوروبيين ناقشوا في التاسع من أيلول/سبتمبر، مقترحات للحد من أسعار الطاقة وتنسيق تعاملهم مع التصعيد الروسي الأخير. وركز الاجتماع على وضع سقف لأسعار الغاز الروسي وأسعار الكهرباء التي يتم توليدها من مصادر غير الغاز الطبيعي، ودراسة خطط فرض ضرائب على إيرادات شركات الطاقة التي تبلغ تكاليف إنتاجها أقل من أسعار البيع في السوق.

يدرس قادة الاتحاد الأوروبي أيضا، فرض ضرائب استثنائية على شركات الطاقة التي تكاليف إنتاجها أقل من أسعار بيع السوق. ويبدو أن هذا هو الخيار المفضل لكل من فرنسا، وألمانيا مقارنة مع وضع سقف للأسعار على مستوى الاتحاد الأوروبي.

من المرجح، أن يتم فرض مثل هذه الضرائب على شركات الطاقة التي لا تعتمد على الغاز لإنتاج الكهرباء، وستستخدم حكومات الاتحاد الأوروبي بعد ذلك عائدات هذه الضرائب لتمويل برامج دعم المرافق والمستهلكين من خلال المساعدات النقدية المباشرة، بدلا من دعم أسعار الطاقة ذاتها.

وتأتي هذه المواجهة في مجال الطاقة بين روسيا، وأوروبا منذ أن غزت الأولى، أوكرانيا في أواخر شباط/ فبراير الماضي، وكانت روسيا قد هددت بالفعل بالانتقام من خلال حظر صادرات النفط إلى الدول التي تطبق سقفا للسعر.

يبدو أن أوروبا متجهة للبحث عن خيارات بديلة لتأمين احتياجاتها من الغاز، ومن خلال متابعة ما يفعله المسؤولون في أوروبا، لا يبدو أن الحكومات الأوروبية عازمة على تقديم التنازلات لموسكو لإعادة فتح صنابير الغاز، ذلك ما قد يشكل ضربة مفصلية للاقتصاد الروسي خلال السنوات المقبلة، فيما إذا نجحت أوروبا في الخروج من الأزمة بأقل الأضرار.

قد يهمك: “المجموعة السياسية الأوروبية”.. رسالة إلى بوتين؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.