حادثة سقوط مبنى سكني في حي الفردوس بحلب في أيلول/سبتمبر الماضي، يبدوا أنها لن تكون الأخيرة لأن المعطيات الهندسية تشير إلى احتمالية جدية بوقوع حوادث مشابهة، وهذه الحادثة حتما لم تكن الأولى، لأن عشرات الأبنية السكنية المأهولة بالسكان سقطت في مدينة حلب على رؤوس ساكنيها الذين عادوا إليها بعد هدوء المعارك والقصف الجوي الشديد الذي تعرّضت إليه المدينة بين عامي 2014 ونهاية 2016.

حادث سقوط مبنى الفردوس أسفر عن مقتل 13 مدنيا، بينهم سبع نساء وخمسة أطفال، هؤلاء هُجّروا من منازلهم لسنوات طويلة، وعادوا إليها بسبب عدم توفّر بديل عنها إلى الخيام ومراكز الإيواء المؤقّتة في شوارع حلب.

قد يهمك: سُكّان حلب يموتون بمخلّفات المعارك.. هبوط الأبنية يحصد عشرات الأرواح

بينما عاد مئات آلاف المدنيين إلى منازلهم في أحياء حلب الشرقية، التي تشكّل المباني المخالفة جزءا أساسيا من بناها التحتية، أصبح جميع هؤلاء تحت ضغط نفسي يتمثّل بسقوط البناء فوقهم في أي لحظة، ولكن رغم ذلك لا تظهر المغادرة ضمن خيارات هؤلاء، لأن تكاليف إيجارات المنازل في أحياء آمنة البناء في تلك المدينة بات أصعب من مقدرات المدنيين الاقتصادية.

الكثير من السوريين ممن عادوا إلى أحياء حلب الشرقية المدمّرة، يتشارك ذات المخاوف من سقوط الأبنية السكنية التي عادوا إليها وهم بداخلها، سيما أولئك الذين يشاهدون بشكل واضح علامات تشير إلى أن المبنى غير آمن، غير أن الوضع الاقتصادي يحول دون قدرتهم على الخروج

خطر الموت لم ينته

في أعقاب سقوط المبنى السكني في حي الفردوس والذي أودى بحياة 13 شخصا، سارعت محافظة حلب إلى إخلاء عدّة أبنية في ذات الحي بعد أن ثبت ظهور تصدعات جسيمة في أحدها، يبدو أن حالة السقوط هذه هي من نبّهت المحافظة للتحرّك.

بحسب وكالة “سانا” للأنباء فإنه بعد حادثة السقوط في حي الصالحين، تم إخلاء مبنى آخر مؤلف من ستة طوابق نتيجة ظهور تصدعات فيه بعد إعلام قسم الشرطة المختص، حيث قررت لجنة السلامة العامة إخلاء المبنى والمباني المجاورة وقطع المحاور المؤدية إلى الموقع.

الوكالة نقلت عن عضو المكتب التنفيذي في مجلس مدينة حلب كميت عاصي الشيخ، أن المبنى يقع في منطقة مخالفات، موضحا أنه فور ورود معلومات من أحد القاطنين بحدوث هبوطات في أرض المبنى، تم التنسيق مع لجنة السلامة العامة ومعاينة الوضع الإنشائي، وتقرر إجلاء القاطنين في المبنى نفسه والمباني المجاورة وإغلاق جميع الطرقات المؤدية إلى المنطقة حرصا على سلامة المواطنين.

لم يكن المبنى الآخر هو الوحيد، حيث قال تاجر بناء يعيش في مدينة حلب فضل عدم الكشف عن هويته لـ “الحل نت”، إنه ما يزال هناك الكثير من المباني الآيلة للسقوط، واكتشاف هذه المباني يعتمد بشكل أساسي على الأهالي، بسبب عدم فعالية لجان المحافظة لفحص جميع الأبنية.

أكثر من نصف أحياء حلب الشرقية هي مناطق مخالفات لم يُسمح بتشييد المباني فيها، بحسب المصدر ذاته، لذلك فإن المباني المهددة بالانهيار سيسقط الكثير منها قبل اكتشاف الخلل فيها.

جذور المشكلة

قضية هبوط المباني لا تعود إلى القصف وحده، بل للفساد الحاص قبل الحرب الذي سمح بتشييد أبنية غير مطابقة للمعايير الفنية.

المهندس مظهر شربجي الذي عمل كرئيس لشعبة مهندسي ريف دمشق، يرى خلال حديثه لــ “الحل نت” أن الأبنية التي تهبط طالما أنّها غير مرخّصة فلا تتحمّل نقابة المهندسين أي مسؤولية بل البلدية، لأنّها سمحت بهذا البناء المخالف دون دراسة فنّية ودون مهندسين من جهة، وسمحت بعودة الأهالي بعد القصف وتصدّع الأبنية دون التحقّق من صلاحيتها للاستخدام من جهة أخرى.

في ظروف الحرب نتيجة القصف بالبراميل المتفجّرة والصواريخ شديدة الانفجار، من الممكن أن تتعرّض بعض الأبنية للتصدّع والتخلخل، وفق شربجي لأن البناء مثل أي إنسان يقع ويمرض وله متوسّط حياة معيّن يقدّر بنحو 50 عاما.

عن دور البلديات السلبي أوضح شربجي، أن المناطق بعدما تعرّضت للقصف الشديد مثلما حدث في حي الصالحين أو غيره، فمن المفروض أن تعيد الكشف على جميع المباني وتقييمها، لفهم مدى تأثّرها بالضربات سواء من أرضية البناء أو أعمدته أو جدرانه، ومن المفترض ألّا يُسمح للناس بالعودة حتّ يحدث التقييم الفنّي للأبنية وهذه مسؤولية البلديات بشكل رئيسي.

أغلب الأبنية لا يتم تقييمها، ويعود أصحابها إليها للعيش في مبان قد تكون آيلة للسقوط، أو تعرّضت للانهيار الجزئي، وعندما يعود الناس إليها تقع عليها حمولات إضافية بعد تعرّضها للخلخلة بسبب القصف ما يؤدّي لانهيارها.

شربجي الخطوات الطبيعية التي من المفترض القيام بها في ظروف ما بعد الحرب والقصف، والتي تبدأ بمسح عسكري للتحقّق من عدم وجود مخلّفات حرب مثل الألغام والعبوات الناسفة ومخلّفات القنابل، ثم يأتي دور المسح المدني الذي تتحمّل مسؤوليته الوحدات الإدارية، لفحص المباني والتأكّد من سلامتها وصلاحيتها للاستخدام من خلال لجان مدفوعة.

تتكوّن لجان الكشف عن المباني في هذه الحالة من ثلاثة مهندسين مدنيين بحسب شربجي، هؤلاء يخرجوا بأحد ثلاثة نتائج، إمّا أن يكون المبنى سليما وجاهزا للسكن، أو أن يكون بحاجة لبعض الإصلاحات ليكون صالحا للسكن، أو أنّه واجب الهدم بسبب عدم جدوى إصلاحه، موضحا أنه في الحالة السورية لم يحدث كل ذلك، ووقع انهيار أول وثان واستمرّت الانهيارات.

كما حمّل شربجي تجّار المخالفات المسؤولية، لأنهم أصلا قاموا بتشييد هذه المباني بمواد فاسدة أو غير كافية، ولكن من سمح لهم بذلك كانت الوحدات الإدارية التي تورطت بتشييد هذا النوع من المباني في دول أخرى مثل مصر وغيرها بسبب سرقة المواد وعدم وجود مخططات هندسية وفنية.

الحالة الاقتصادية تدفع نحو الخطر

أحياء حلب الشرقية التي شهدت المعارك أكثر من نصف المدينة، هذه الأحياء تشكّل المباني العشوائي نسبة كبيرة منها، وهو الأمر الذي جعل حجم الشريحة من المدنيين الذين يعيشون في مبان غير آمنة كبيرا.

هذه المشكلة تزداد مع ضعف القوة الاقتصادية والمالية للعائلات التي تعيش في هذه الأحياء، وبالتالي ينحصر القرار بين البقاء في البناء الخطر أو العودة للخيام.

 يونس محمد (اسم مستعار) صاحب مكتب عقاري في حي سيف الدولة في حلب يقول لـ “الحل نت”، فعليا لا يوجد منزل للإيجار بأقل من 150 ألف ليرة سورية، وهذا ينطبق على أحياء صلاح الدين والزبدية ومحيطها، أما الإيجار في سيف الدولة مثلا فيتراوح شهريا بين 200 و300 ألف ليرة سورية.

غصون ياسر، وهي سيّدة تعيش مع أولادها في حي الميسر بحلب، توضح في حديثها لـ “الحل نت” أن المبنى الذي تعيش فيه تعرّض لقصف خلّف ثقبا كبيرا في ظهره، الأمر الذي أثار ريبتها وريبة بقية القاطنين في الحي.

لست مهندسة ولا أعرف حجم الضرر، تقول غصون، حيث أخبرها الجيران أنّهم طلبوا من المحافظة الكشف عن المبنى وستأتي قريبا، ولكن في حال كان المبنى غير صالح للعيش لا تعرف إلى أين ستذهب، ليس لديها أي مصادر دخل تساعدها على الخروج واستئجار منزل آمن” لافتة إلى أن حالها يشبه حال الكثير من الأسر التي لا تملك بديلا.

مؤشّرات تكشف الخطر

عن المؤشّرات التي تنبّه بوجود خطر في المبنى، يقول المهندس المدني السوري مهند درويش لـ “الحل نت”، بإن أهم مؤشّر على تصدّع المبنى هو ظهور تشقّقات أفقية أو عمودية في جدران هذا المبنى، وتعتبر التشققات الأفقية دليل واضح على وجود هبوطات في أساس البناء، في حين تعبّر التشققات الشاقولية الكبيرة غير الشعرية عن وجود تصدع في البنية الهيكلية لأي مبنى.

كما يمكن ملاحظة هذه التشققات في مناطق الضعف وزوايا النوافذ والأبواب، ومن المؤشرات الأخرى على تصدع الأبنية اختلال في حركة الأبواب والنوافذ أثناء الفتح والإغلاق، ووجود انحناءات في الجدران أو الأسقف أو الارضيات أو جريان المياه على أسطح السيراميك والبلاط بعكس الجهة الصحيحة.

من جهة أخرى، فإن وجود مشاكل وتسريبات أو انكسارات في السباكة والتمديدات الصحية يدل على وجود اختلال في النظام الهيكلي للأبنية بحسب درويش، الذي أوضح أن المشاكل الفنية أثناء تشييد الأبنية هي المسبب الأهم في الحالة الطبيعية لحدوث تصدعات فيها، وفي الحالات غير الطبيعية يمكن أن تؤثر الكوارث المناخية كالفيضانات والأعاصير العاتية والزلازل على حالة الأبنية الفنية، ولكن بخصوص مدينة حلب فان أحياءا واسعة منها تعتبر مخالفة ومبنية دون معايير وأسس سليمة.

حوادث الانهيار المتكررة التي حدثت مؤخرا، سببها القصف العنيف الذي تعرضت له المنطقة خصوصا بالقذائف والطيران، إذ أن بعض القنابل تؤثّر حتى لو لم تصب المبنى بشكل مباشر، إلا أنّها تسبب هزات أرضية هائلة تسبب تخلخلا في التأسيس والبنية الهيكلية لأي بناء.

رأي درويش أن الحكومة السورية في الوقت الحالي غير قادرة على حل أي مشكلة بسبب الفساد المستشري، بحسب تعبيره، فلا صوت للكوادر والمختصين، والمعيار الأساسي في عمليات الترميم يعتمد على مدى الأذية التي لحقت في المبنى فأغلب المباني تعمل كجملة إنشائية مترابطة وأي ضرر بالغ في أي جزء هيكلي من البناء (أعمدة – بلاطات – جوائز – أساسات) يجعل من المستحيل إعادة ترميم المبنى وواجب هدمها.

أما في الحالات التي يكون فيها الضرر متعلق بالإكساء أو الأجزاء غير الهيكلية فإن إعادة الترميم ممكنة مهما بلغ حجم الضرر.

اقرأ أيضا: أبنية معرضة للسقوط في سوريا.. تعددت الأسباب والوجع واحد

درويش اتفق مع شربجي بأن السبب الأساسي في سقوط الأبنية حاليا يعود إلى السماح بتشييد مبان دون رخصة بعد دفع الرشاوي، ثم تسوية وضعها رغم عدم مطابقتها لمعايير الأمن والسلامة الفنية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.