لا شيء أعلى من لغة العنف والتصعيد. هكذا هو المشهد في إقليم النيل الأزرق جنوبي السودان. مجازر بشرية نتيجة صراع قَبلي، تسبب بمقتل أكثر من 500 شخص حتى الآن، ناهيك عن مئات الجرحى، فضلا عن نزوح آلاف العوائل، فما الذي يجري في الإقليم الملاصق لإثيوبيا.

القتال تجدد في الإقليم السوداني مؤخرا، بعد أن انطلق مطلع هذا الشهر؛ بسبب صراع بين قَبيلتي “الهوسا” و”الفونج” على قطعة أرض، ما أدى لمعارك دموية، إذ لقي 220 شخصا مصرعهم حتى الآن، في حصيلة غير نهائية.

المدير العام لوزارة الصحة بإقليم النيل الأزرق فتح الرحمن بخيت، قال، إن التوتر الذي تصاعد يومي الأربعاء والخميس الماضيين في مدينة ود الماحي الواقعة على الحدود مع إثيوبيا، قضى على المئات.

الفِرق الطبية أحصت 220 قتيلا على الأقل حتى مساء السبت المنصرم وفق بخيت، الذي أردف أن الحصيلة قد تكون أكبر بكثير؛ لأن الفِرق لم تتمكن من الوصول إلى مركز القتال.

بخيت أشار في مقابلة مع “أسوشيتد برس”، إلى وجود عشرات الجرحى، وشدد على أن الجميع خاسر في مثل هذه الاشتباكات، معربا عن أمله أن ينتهي القتال قريبا، ولا يتكرر أبدا.

حظر للتجول وإعلان حالة الطوارئ

لقطات من موقع القتال في النيل الأزرق، أظهرت عدة منازل وهي محترقة، إضافة إلى جثث متفحمة، ونساء وأطفال يفرون على الأقدام. فيما أكد بخيت، أن هناك حاجة إلى تدخلات سياسية وأمنية ومدنية قوية لإنهاء القتال.

القتال الحاصل، أدى إلى نزوح نحو 7 آلاف شخص إلى مدينة الروسياريس. بينما فرّ آخرون إلى مناطق مجاورة، بحسب مكتب “الأمم المتحدة” لتنسيق الشؤون الإنسانية.

السلطات الأمنية فرضت حظر تجوال ليلي في منطقة ود الماحي، ونشرت قوات عسكرية في المنطقة. كما شكّلت لجنة تقصي حقائق للنظر في الاشتباكات، إضافة إلى إعلان حالة الطوارئ لمدة 30 يوما.

القتال المستمر حتى الآن، جاء بعد جولة أولى وقعت بين القبيلتين في منتصف تموز/يوليو الماضي، ما أسفر عن مقتل 149 شخصا حتى أوائل تشرين الأول/أكتوبر الجاري، بحسب تقرير لموقع “أخبار الآن”.

الأحد المنصرم، تجمّع آلاف المحتجين السودانيين أمام مقر الحكومة الإقليمية بعاصمة إقليم النيل الأزرق، وأضرموا فيه النيران، اعتراضا على تصاعد العنف القبلي بين “الفونج” و”الهوسا”.

تعليق أُمَمي

في السياق، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عن قلقه العميق إزاء تصاعد العنف القَبلي في منطقة ود الماحي ومدينة الدمازين في إقليم النيل الأزرق في السودان.

غوتيريش، دعا في بيان صادر عن المتحدث باسمه، مساء الإثنين المنصرم، إلى وقف فوري لأعمال العنف، فيما طالب السلطات السودانية “بإجراء تحقيق مستقل في أعمال العنف القَبلي هذه وغيرها، لكفالة محاسبة المسؤولين عنها”.

الاثنين الماضي، أعلن الجيش السوداني الذي يحكم البلاد، تعيين قائد عسكري جديد في إقليم النيل الأزرق، هو اللواء الركن ربيع آدم، وذلك في محاولة لإيقاف نزيف الدم جراء العنف الحاصل، حسب بيان للناطق الرسمي للقوات المسلحة، العقيد ركن نبيل عبد الله.

من الأسباب الأخرى للصراع الذي نشب قبل 3 أشهر، رفضت قبيلة “الفونج” ومتحالفين معها، رغبة قبيلة “الهوسا” في إنشاء “نظارة” (أعلى الرتب في نظام الإدارة الأهلية السوداني)، بدعوى أن “الهوسا” وافدون وليسوا أصحاب حق أصيل في المنطقة.

إقليم النيل الأزرق، يتميز بتنوع قَبلي واسع، تمثله قبائل “الفونج”، المكوِّن الرئيسي لسكان الولاية، وهي خليط من قبائل عربية وأخرى إفريقية، إضافة إلى قبيلة “الهوسا”.

تقسيم الوجود القَبلي في النيل الأزرق

الوجود القَبلي في إقليم النيل الأزرق، يمكن تقسيمه إلى 4 مجموعات؛ يتصدرها السكان الأصليون، ويتشكلون من مجموعة القبائل الإفريقية، ولكل منها أرضها وتاريخها وعاداتها وتقاليدها، ثم مجموعات من القبائل العربية تتشكل مما تعرف بـ “الجلابة”، وقدموا للمنطقة أساسا لأغراض التجارة والزراعة والعمل الدعوي.

المجموعة الثالثة، وافدة من غرب السودان وصل عناصرها للإقليم منذ عشرات السنين كعمال، وباتوا لاحقا جزءا مؤثرا في الخريطة الديموغرافية والاقتصادية بالمنطقة، أما المجموعة الرابعة، فهي مجموعات وافدة من غرب إفريقيا من قبائل “الفلانو” وتتشكل من قبائل “الفلاتة، والهوسا، والبرنو” بمختلف بطونهم.

طوال الأشهر الثلاثة الماضية، عاش إقليم النيل الأزرق، توترا مستمرا بسبب رفض “الفونج” عودة النازحين من “الهوسا” لديارهم، وحين حاول البعض الرجوع، واجهوا أصنافا من العنف والاستهداف العلني، تنامت معه النعرات القَبلية، وتفشى خطاب الكراهية على نحو لم يشهده الإقليم من قبل.

تطورات الأحداث الأخيرة، بدأت في 17 تشرين الأول/أكتوبر الجاري بمنطقة ود الماحي؛ إثر تعدي أفراد من “الهوسا” على أرض زراعية اضطر صاحبها للدفاع عنها، وامتد بعدها الصراع إلى مناطق أخرى، وتم خلاله إحراق عدد من النساء والأطفال في منازلهم وفق تقرير صادر عن “مفوضية العون الإنساني”، وأشار مُعدّوه إلى صعوبات تواجه التعامل مع الجثث ودفنها، خاصة بالمدينة 4.

التقرير أوضح، أن “عدد الجثث التي تم حصرها بالمدينة 4 وصل إلى 157 قتيلا، ولم يتم إخراج المحترقين حتى الآن، إضافة إلى 98 إصابة”. وطالب التقرير بسرعة تدخل سلطات المركز؛ لمعاينة الأوضاع الإنسانية الحرجة وتقديم العون للمتأثرين.

“تفكك شامل”

الصراع القبلي الذي يتصاعد في إقليم النيل الأزرق جنوبي السودان، سببه الفراغ الأمني، خصوصا بعد إنهاء مهمة قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الإقليم، إثر توقيع “اتفاق السلام” عام 2020، وفق موقع “إيلاف”.

ما يجري في النيل الأزرق، من شأنه أن يؤدي إلى تفكك شامل في كل محليات الإقليم، جراء “الهشاشة الكبرى” التي عمت المنطقة وتنذر بزعزعة الاستقرار وتفتيت اللحمة الاجتماعية، وما تبقى من تماسك إثني وقَبلي واجتماعي في الإقليم الموبوء بالنزاعات والحروب طوال 40 عاما الماضية، حسب تقرير لموقع “الجزيرة نت“.

الصحفي والمحلل السياسي النذير إبراهيم، أشار وفق تقرير الموقع القطري، إلى أن اتفاقية “جوبا للسلام”، ورغم منحها الحكم الذاتي لإقليم النيل الأزرق، ووصول حكمه لقادة “الحركة الشعبية”، فإنها لم تفلح في إيقاف الحرب والنزاعات في الإقليم، بل استفحل الأمر عقب انتشار العنصرية وتفشي الكراهية بشكل مرعب؛ وهو ما أفضى إلى حرب أهلية عارمة بين القبائل الأصلية وقبيلة “الهوسا”.

حسب إبراهيم، فإن “السلطتين المركزية والمحلية تعاملتا بنحو باهت مع الأحداث المميتة ولم تحرك ساكنا لحسم الفوضى ووقف القتال العنيف، في حين عمل رجال الإدارة الأهلية على تهدئة الأوضاع والنفوس وجمع الفئات المتقاتلة للسيطرة على الأوضاع التي تتفاقم يوما بعد يوم”.

ما يجدر ذكره، أن إقليم النيل الأزرق حاز وضعا استثنائيا بموجب “اتفاق السلام” الموقّع في “جوبا” عام 2020 بين الحكومة الانتقالية السودانية و”الجبهة الثورية”، التي تضم بين مكوناتها “الحركة الشعبية”، حيث تسيطر الحركة على أجزاء من الإقليم، بعد أن خاضت حربا شرسة ضد النظام السابق في النيل الأزرق وجنوب كردفان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.