بعد أن قال البنك المركزي المصري، إنه تحول إلى “نظام سعر صرف مرن” بشكل دائم ورفع أسعار الفائدة 200 نقطة أساس، أظهرت بيانات منصة “رفينيتيف” أن الجنيه المصري تراجع 15.7 بالمئة إلى أدنى مستوى على الإطلاق مقابل الدولار اليوم الخميس. تلى هذا الانخفاض التاريخي اتفاق ما بين مصر وصندوق النقد الدولي، يفضي إلى تمويل بقيمة 3 مليارات دولار، على مدى 46 شهرا، وفق ما أعلنت إيفانا هولر، رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر.

هذا إلى جانب أن المسؤولة الدولية أشارت إلى أن فريق الصندوق يرحب بتوسيع السلطات المصرية للحماية الاجتماعية المستهدفة، وتنفيذ نظام سعر صرف مرن دائم.

“إجراءات إصلاحية”

البنك المركزي المصري، أصدر بيان رسمي، اليوم الخميس، أعلن فيه إجراءات إصلاحية لضمان استقرار الاقتصاد الكلي، وتحقيق نمو اقتصادي مستدام وشامل، تضمنت تحرير سعر صرف الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية الأخرى، وذلك بناء على قوى العرض والطلب.

هذا البيان جاء بعد اجتماع استثنائي قال، إن الاقتصاد العالمي واجه العديد من الصدمات والتحديات التي لم يشهد مثلها منذ سنوات، حيث تعرضت الأسواق العالمية في الآونة الأخيرة لانتشار جائحة كورونا وسياسات الإغلاق، ثم استتبعها غزو روسي لأوكرانيا، والذي كان له تداعيات اقتصادية كبيرة، وتسبب ذلك في الضغط على الاقتصاد المصري، حيث واجه تخارجا لرؤوس أموال المستثمرين الأجانب، إلى جانب ارتفاع في أسعار السلع. وعلى إثر ذلك تم اتخاذ إجراءات إصلاحية، لضمان استقرار الاقتصاد الكلي، وتحقيق نمو اقتصادي مستدام وشامل، وفق لوكالة “رويترز”.

بيان البنك المركزي أشار إلى أنه تحقيقا لذلك سيعكس سعر الصرف قيمة الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية الأخرى، وذلك عبر قوى العرض والطلب، في إطار نظام سعر صرف مرن، مع إعطاء الأولوية للهدف الأساسي للبنك المركزي، والمتمثل في تحقيق استقرار الأسعار، وبالتالي سيمكن ذلك البنك المركزي المصري من العمل على تكوين والحفاظ على مستويات كافية من الاحتياطيات الأجنبية.

البيان أردف أنه سيقوم البنك المركزي المصري بإلغاء تدريجي للتعليمات الصادرة بتاريخ 13 شباط/فبراير 2022، والخاصة باستخدام الاعتمادات المستندية في عمليات تمويل الاستيراد، حتى إتمام الإلغاء الكامل لها، في كانون الأول/ديسمبر 2022. هذا ويُعد ذلك بمثابة حافز لدعم النشاط الاقتصادي على المدى المتوسط، كما سيعمل البنك المركزي على بناء وتطوير سوق المشتقات المالية، بهدف تعميق سوق الصرف الأجنبي، ورفع مستويات السيولة بالعملة الأجنبية.

قد يهمك: تونس والاقتراض من صندوق النقد الدولي.. النتائج والتبعات

ما سعر الفائدة؟

في سياق رفع البنك المركزي المصري لسعر الفائدة، فقد أشار البيان إلى أنه “من أجل دعم هدف استقرار الأسعار على المدى المتوسط، قرَّرت لجنة السياسة النقدية في اجتماعها الاستثنائي رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 200 نقطة أساس، ليصل إلى 13.25بالمئة و14.25بالمئة و13.75 بالمئة على الترتيب، كما تم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 200 نقطة أساس، ليصل إلى 13.75 بالمئة”.

من جانبها، لجنة السياسات النقدية قالت، إن الهدف من رفع أسعار العائد هو احتواء الضغوط التضخمية الناجمة عن جانب الطلب، وارتفاع معدل نمو السيولة المحلية والتوقعات التضخمية والآثار الثانوية لصدمات العرض.

في حين أن البنك المركزي قال، إن لجنة السياسة النقدية ستُواصل الإعلان عن المعدلات المستهدفة للتضخم، والتي بدأت منذ عام 2017، بما يتسق مع المسار النزولي المستهدف لمعدلات التضخم، وقد نجحت سياسة استهداف التضخم في خفض معدلات التضخم، حتى ظهور الصدمات العالمية الأخيرة.

قد يهمك: الصين تسرّع جدولها الزمني.. ما هي “خطة بكين” في تايوان؟

“الجنيه يهوي”

بيانات “رفينيتيف”، قالت بأن الجنيه المصري لامس أدنى مستوياته على الإطلاق عند 22.5 جنيه للدولار، وذلك بعد قرار البنك المركزي المصري رفع سعر الفائدة 200 نقطة أساس. في حين كانت وكالة “بلومبرغ” الأميركية قد توقعت في تقرير نشرته مؤخرا، تراجع الجنيه المصري أمام الدولار إلى متوسط 24 جنيها، قبيل إتمام اتفاق مالي مع صندوق النقد الدولي وصل إلى مراحله النهائية.

تقرير الوكالة الأميركية أشار إلى أن سعر الصرف بين 21.7 و24.5 جنيه للدولار قد يكون السعر المقبل، قبيل إعلان الصندوق الدخول في اتفاق مع مصر.

الجنيه المصري

هذا ودخلت مصر مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على حزمة دعم مالي، في آذار/مارس2022، التي زادت من اضطراب مواردها المالية غير المستقرة بالفعل، ودفعت المستثمرين الأجانب إلى سحب ما يقرب من 20 مليار دولار من أسواق الخزانة المصرية في غضون أسابيع.

قد يهمك: العضوية المستحيلة: الاتحاد الأوروبي يستبعد تركيا مجددا من توسعه

اعتمادات لتمويل الواردات

اليوم الخميس، اتفقت مصر مع صندوق النقد الدولي، على أن يتم تمويل مصر بقيمة 3 مليارات دولار، على مدى 46 شهرا، وفق ما أعلنت إيفانا هولر، رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر، إلى جانب أن السلطات المصرية طلبت أيضا تمويلا، في إطار تسهيل الاستدامة المُنشأ حديثا، والذي يمكن أن يتيح مليار دولار لمصر، مبينة أنه “من المتوقع أن يُحفّز الاتفاق مع مصر حزمة تمويل كبيرة، تشمل حوالي 5 مليارات دولار في العام المالي 2022-2023”.

رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أفاد في هذا الإطار إن بلاده ستحصل على 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، ومليار دولار من صندوق الاستدامة، ونحو 5 مليارات من دول شريكة ومؤسسات دولية أخرى.

العديد من الخبراء أشاروا إلى أن قرار البنك المركزي المصري برفع قيمة سعر الفائدة يعود إلى أنها خطوة استباقية استعدادا لتوقيع الاتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي الذي وقع اليوم الخميس.

الخبراء يعتقدون أن من الأسباب الرئيسية لمنع الانفلات في سعر الصرف، هو أن تعاود البنوك المصرية اليوم أو غدا طرح شهادات ادخار بفائدة 18 بالمئة مجددا أو ربما بفائدة أعلى. هذا وأصدر البنك الأهلي المصري (أكبر بنك حكومي في البلاد) اليوم شهادة لأجل 3 سنوات بعائد سنوي 17.25 بالمئة يصرف سنويا، كما أصدر بنك مصر (ثاني أكبر بنك حكومي) شهادات لأجل 3 سنوات بنفس العائد، ويصرف سنويا أيضا.

أيضا وعلى صعيد منفصل، قال البنك المركزي إنه سيبدأ أيضا الإلغاء التدريجي لتوجيهات تبناها في آذار/مارس الماضي بشأن استخدام خطابات الاعتماد لتمويل الواردات، مع استهداف إلغائها بالكامل بحلول كانون الأول/ديسمبر المقبل، وفق تقرير لـ”الجزيرة نت”.

هذا وتسببت التوجيهات في اختناقات بالنسبة للمستوردين، إذ أفادت بيانات من جهاز الإحصاء في البلاد بانخفاض بنسبة 57 بالمئة في واردات السلع الاستهلاكية المعمرة بين نيسان/أبريل حزيران/يونيو الماضيين.

قد يهمك: كيف سيؤثر تغير المناخ في صحة الناس بالعالم؟

نتائج خطة البنك المركزي

بعد صدور قرار البنك المركزي المصري بزيادة أسعار الفائدة، أخذ الجنيه في التراجع أمام الدولار بمعدلات متسارعة حيث تخطى سعر الدولار بالبنوك 22 جنيها بعدما كان مستقرا لفترة عند 19.65 جنيها، ويستمر الدولار في الزيادة كل لحظة.

في إطار ذلك، قال الخبراء الاقتصاديون لموقع ” سكاي نيوز” عربية، إن قرار البنك المركزي الصادر الخميس برفع الفائدة وتأكيده على اتباع سعر صرف مرن للجنيه أمام العملات الأجنبية، يعني تحريرا كاملا للجنيه وترك سعره يتحدد وفقا للعرض والطلب، موضحين أن ذلك يؤكده الارتفاع المتسارع لسعر صرف الدولار أمام الجنيه في البنوك ومؤكدين أنه حقق ارتفاعا أكبر في السوق الموازية، حيث أنه في البنوك تخطى 22 جنيها فهو في السوق الموازية قد يتخطى 24 جنيها للدولار الواحد.

صندوق النقد الدولي “رويترز”

لكن هذا لا يعني أن الدولار سيستمر في الارتفاع دون توقف، ولكن أسعار الصرف ستظل متذبذبة ارتفاعا وصعودا حتى الأحد المقبل، وقد يشهد الجنيه استقرارا نسبيا أمام الجنيه وتتحدد قيمته العادلة التي ستستمر وتتغير بشكل طفيف وفقا للعرض والطلب بعد ذلك.

إن السبب في ارتفاع سعر الدولار الآن بعد قرار المركزي المصري هو حالة المخاوف التي ينتج عنها مضاربات وحركة بيع وشراء كثيفة للدولار، فمن معه دولار يتخوف من إمكانية انخفاضه فيسعى لبيع جزء منه ومن يحتاج للدولار يخشى ارتفاعه بشكل أكبر فيسعى لشرائه بكثرة وكل ذلك ينتج عنه تذبذب سعر الصرف، على حد تقدير الخبراء الاقتصاديين.

الخبراء أشاروا أيضا، إلى أنه من المفترض أن مؤشر أداء العملة مع عقود التحوط المستقبلية التي يدرس المركزي إطلاقها أيضا، كل ذلك سيقلل المضاربات على الدولار حيث أن سعر صرف الجنيه لن يكون مرتبطا بالجنيه وحده بل بالعملات الرئيسية الأخرى.

قد يهمك: تبعات اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان

زيادة الأسعار؟

في سياق آخر، رجح المراقبون أن قرار رفع أسعار الفائدة بالقطع سيؤدي لزيادة كبيرة في أسعار السلع وخاصة المستوردة، وحتى السلع المحلية سترتفع أسعارها نظرا لزيادة التكاليف. كما أن هذا القرار حتما سيكون له تبعات وأثار تضخمية كبيرة فإنه تم زيادة أسعار الفائدة بالتزامن، كما أن القرار استبقه قرار من الحكومة بحزمة حماية اجتماعية تتمثل في رفع الحد الأدنى للأجور من 2700 إلى 3000 جنيها، وكذلك طرحت البنوك الحكومية شهادات استثمار بعائدات كبيرة لتحد من صدمة القرار.

هذا ويبدو أن قرارات المركزي هي مرحلة جديدة من مراحل الإصلاح الاقتصادي في مصر، ويتوقع أن يوافق صندوق النقد الدولي على القرض الجديد لمصر في أقرب وقت ممكن، لأن أحد أهم معوقات القرض كانت رؤية الصندوق، أن قيمة الجنيه أكبر من الحقيقة، وأن السعر غير مرن وغير محرر، على حد تقدير وتوقعات الخبراء.

من جانب آخر، وجرّاء قرار البنك المصري المتعلق بتحرير صرف الجنيه، مقابل العملات الأجنبية الأخرى، خيّمت حالة من الغضب على شبكات التواصل الاجتماعي، وسط تراجع الجنيه إلى مستوى تاريخي وبلغ 22.70 مقابل الدولار بعد دقائق قليلة من إعلان البنك المركزي عن رفع أسعار الفائدة.

حيث تصدر العديد من الوسوم مواقع التواصل الاجتماعي، أبرزها الدولار والجنيه والبنك المركزي، لتعبر عن مدى حالة القلق التي يشهدها الشارع المصري.

الجدير ذكره، أن قرار المركزي الخميس تبعه قرار آخر يشمل تسهيل عمليات الاستيراد من الخارج عبر العقود الآجلة، والاعتمادات المستندية ومستندات التحصيل وغيرها من إجراءات، هدفها التسهيل على المستوردين والقضاء على الأزمات التي نتج عنها تكدس البضائع بالموانئ المصرية نتيجة نقص العملات الأجنبية.

قد يهمك: لماذا أجلت الصين إعلان أرقام الناتج المحلي الإجمالي؟

ديون مصر المتعثرة

في إطار آخر وبعد هذا القرار والاتفاقية مع النقد الدولي، بدأ مستثمرون في تفقُّد ديون مصر المتعثرة؛ بحثا عن صفقات مربحة، وذلك وسط تفاؤل بأن قرض صندوق النقد الدولي الذي تحصلت عليه القاهرة، قد يساعد البلاد التي تعاني من ضغوط اقتصادية، على تجنّب التخلف عن سداد الديون.

وكالة “بلومبيرغ” الأميركية أفادت يوم أمس الأربعاء، إن سندات مصر من الدولار ارتفعت بنسبة 5 بالمئة في الأسبوع الجاري، لتصبح بذلك من ضمن الأسواق الناشئة الثلاثة الأفضل أداءً.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي “رويترز”

في حين كانت بيانات البنك المركزي قد أظهرت أنَّ نقص النقد الأجنبي أدى إلى انخفاض حاد في الواردات غير النفطية، التي تراجعت بنسبة 20 بالمئة في الربع الأخير من نيسان/أبريل وحتى حزيران/ يونيو. أدى ذلك إلى نقص في المدخلات لكل من المصانع وتجار التجزئة، وتراكم البضائع والسلع، وضمن ذلك القمح، في الموانئ. وشددت البنوك قيود السحب بالدولار من الحسابات المصرفية من الجنيه المصري.

وعليه، فإن الأسعار في مصر ستشهد ارتفاعا غير الذي حدث منذ آذار/مارس 2022 مهما نفّذت الحكومة من إجراءات واتخذت لعدد من القرارات لمواجهة ارتفاع الأسعار، حيث ستواجه الأسواق المصرية ارتفاعا في الأسعار ربما موجة ركود نسبية.


قد يهمك: إقليم كردستان سوق جديد للاستثمارات العراقية والإقليمية.. الأسباب والنتائج

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.