“الأسعار ترتفع بشكل يومي ولا حسيب أو رقيب، والحجج والمبررات تكون دائما إما باستيراد البضائع بالعملة الأجنبية أو بزيادة تكاليف الإنتاج وغيرها من الأسباب، التي لا علاقة لنا بها كمواطنين. لو أن رواتبنا بالعملة الأجنبية لكان يمكن قبول هذه الأسباب ولكن الرواتب والمداخيل بشكل عام بالليرة السورية، التي تفقد قيمتها يوما بعد يوم. وبات واضحا أن الارتفاع الجنوني في الأسعار وبدون رقابة حكومية يدفع ضريبته المواطن السوري فقط”، بحسب ما تحدث السيد عبد الجليل المنير لـ” الحل نت “عن معاناته من ارتفاع الأسعار وكيف أن ضريبة هذا الارتفاع يكون من جيب المواطن السوري فقط.

“أحاديثنا اليومية باتت تتمحور حول ارتفاع الأسعار وكيف سندبر أمورنا، وهل سيكون هناك انفراجة للوضع التعيس الذي نمر به. فبعيدا عن مأساة انعدام الكهرباء وشحّ المياه وأزمة المواصلات وغلائه، باتت غلاء المعيشة اليومية الهم الأكبر بالنسبة لنا، لا أدري كيف سيكون حالنا بعد سنة، ولكن الحياة في الوقت الراهن باتت أشبه بالجحيم وسط هزالة رواتبنا مقارنة بالواقع المعيشي في البلاد”، وفق حديث المنير.

ارتفاع الأسعار بات الهاجس الأكبر للسوريين، حيث لا يمر يوم دون أن ترتفع أسعار السلع الأساسية وغير الأساسية في الأسواق السورية، دون أن يكون هناك أي ضوابط أو إجراءات حكومية للحد منها أو وقف ارتفاعها.

غلاء “فاحش”

ما تزال فوضى الأسعار تسيطر على أسواق العاصمة دمشق، وهمُّ التجار تحقيق أكبر قدر من الأرباح من جيب المواطن، فضلاً عن تغاضي التموين عن مخالفات البيع بأسعار زائدة عن السعر المحدد في نشراتها، بالمقابل تم رفع سعر 16 مادة غذائية أساسية يحتاج إليها السكان يومياً، من بينها السكر والأرز والسمن والزيت والدقيق والشاي وغيرها، وسط وضع معيشي سيئ يعيشه السوريون.

عضو غرفة تجارة دمشق فايز قسومة، أفاد في تصريح لموقع ”أثر برس” المحلي، أن التسعيرة التي أصدرتها وزارة التجارة الداخلية لا تُطبّق على جميع الأصناف، باعتبار أن لكل مادة أصنافا بجودات مختلفة لا يمكن أن يُوضع لها سعر واحد وهي لا تناسب جميع المواطنين بحكم أن دخل معظم السوريين العاملين في القطاع العام لا يتعدى 100 ألف، وهذا ما أفقدهم القدرة الشرائية بسبب تفاقم كلفة المعيشة للأُسر الفقيرة وللطبقة المتوسطة التي تختفي تدريجيا.

السيد عبد الجليل المنير (67 عاما)، أحد سكان العاصمة دمشق، يعمل موظفا حكوميا، وراتبه لا يتجاوز الـ 150 ألفا، وضمن كيفية تدبير أمور عائلته المكونة من خمسة أفراد، هو وزوجته وأولاده الثلاث، يضيف بالقول، “في الحقيقة الراتب لا يكفي لأكثر من أسبوع وفقط أشتري به السلع الغذائية الأساسية، عدا عن المصاريف الأخرى من أجور المواصلات والأمور الأخرى من المستلزمات المعيشة، وخاصة مصاريف الجامعة كبير ويُثقل الكاهل في ظل هذه الظروف”.

المنير، أشار في حديثه إلى أنه يعمل في أحد الفنادق بعد الظهيرة، بالإضافة إلى أن زوجته تعمل موظفة حكومية، وكل ذلك لا يكفي لتغطية نفقاتهم المعيشية، مضيفا “لولا مساعدات أخي المقيم في الخارج لكان وضعنا بالويل، وهو الذي يساعد ابنتي في تمرير تعليمها الجامعي، لأن المصاريف كبيرة والرواتب ضعيفة جدا”.

كذلك، يشكو المنير كغيره من السوريين من الارتفاع المستمر في الأسعار دون زيادة الرواتب ويخشى ارتفاع الأسعار أكثر في الفترات المقبلة، وهذا سيضعه وعامة السوريين أمام صعوبات كبيرة لتمضية حياتهم المعيشية، والتي أصبحت أغلى من كثير من دول الجوار.

قد يهمك: الحياة لفئة “المرتاحين ماديا”.. القدرة الشرائية للسوريين تئن تحت وطأة التضخم

ارتفاع آخر قريبا؟

قسومة أردف في تصريحه للموقع المحلي، إن “القرار الصادر منذ أيام والمتعلق برفع سعر تمويل المستوردات بنسبة 40 بالمئة ‎ أدى إلى ارتفاع الرسوم الجمركية، وبالتالي فإن هذه الارتفاعات تؤثر تأثيرا مباشرا على السلع التي ستُضخ في الأسواق”، موضحا أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت بنسبة 150 بالمئة منذ بداية العام الحالي، ومن المتوقع أن ترتفع الأسعار أكثر في حال البقاء على نفس الآلية في القرارات والعمل.

قسومة قال في حديثه، أن التاجر أصبح تائها بين الأسعار المحددة في النشرة الرسمية بظل هذه القرارات وارتفاع أسعار حوامل الطاقة في السوق السوداء، وبين التكلفة الحقيقية، لذلك رأى أن الأسعار في السوق لا تضبطها سوى المنافسة، مبيّنا أن العرض الكافي للطلب والذي يزيد عليه إضافة إلى المنافسة بين الفعاليات الاقتصادية والتجارية، هو ما يعطي السعر الاقتصادي لكن في ظل الفوضى السائدة وتغيرات سعر الصرف بين لحظة وأخرى لن يؤدي ذلك إلا للفوضى.

قسومة أوضح أنه في حال عدم استقرار سعر الصرف، سيخاف التاجر من البيع وسيفضل إبقاء البضاعة لديه أكثر من بيعها والحصول على الأموال، وخصوصا أن الاستيراد صعب حاليا ويأخذ وقتا طويلا، لذا يفضّل التجار حاليا ألا يستوردوا.

أبو أحمد، صاحب محال “السمانة” المواد الغذائية، في أحد أحياء دمشق، يقول إن ارتفاع الأسعار سببه تلاعب واحتكار التجار الكبار بالسلع وأسعاره، وسط غياب الرقابة والتموين، إلى جانب تدهور الليرة السورية أمام النقد الأجنبي، وارتفاع تكاليف الإنتاج وأجور النقل.

أبو أحمد أشار في حديثه لـ”الحل نت”، إلى أن الأسعار لن يبقى على حالها وستكون في ارتفاع مستمر، طالما الوضع السوري على حاله وعدم قيام الحكومة السورية بواجباتها أو وضع حلول للأزمات التي تمر بها البلاد عموما، بالإضافة إلى معضلة تدهور الليرة أمام النقد الأجنبي، وربما يتجاوز قدرة الحكومة على وقف سعر الصرف على حاله.

هذا وسجّلت الليرة السورية خلال الأسابيع الماضية تدهورا قياسيا جديدا في السوق السوداء لتتخطى عتبة الـ 5 آلاف ليرة مقابل الدولار الواحد، في بلد متهالك على جميع الأصعدة وغارق في نزاع دام منذ أكثر من 11 عاما، وفق تطبيقات إلكترونية غير رسمية تراقب حركة العملات الأجنبية مقابل الليرة السورية.

قد يهمك: راتب المئة دولار حلم خريجي الجامعات في سوريا

رفع الأسعار بشكل فوضوي

حسب التقارير المحلية، أثبتت أحوال الأسواق أن كل القرارات والحلول التي قدمتها الحكومة لتجاوز أزمة الغلاء والسيطرة على الأسواق لم تجدِ نفعا، وكل ذلك مجرد قرارات وكلمات ووعود، هذا يعني أن هناك خللا واضحا جليا أصبح لا يمكن التغاضي عنه لأنه حالة يومية يعيشها المواطن السوري.

في وقت سابق من هذا الشهر، وتعليقا على تدني الرواتب والأجور في سوريا، أكد عضو غرف تجارة دمشق فايز قسومة، على ضرورة ازدهار الاقتصاد حتى يعيش المواطن السوري، مشيرا إلى أن ذلك يعني بالضرورة تحسين وضع الكهرباء ورفع مستوى الدخل.

قسومة قال، في تصريحات نقلتها إذاعة “أرابيسك” المحلية، إن دخل الموظفين في سوريا، لا يتناسب أبدا مع أبسط الاحتياجات الأساسية، وأضاف، “حتى لو أصبح الراتب بالحد الأدنى 500 ألف ليرة، فإنه لا يكفي لإطعامه أكثر من خبزة وبصلة“.

أمين سر جمعية حماية المستهلك، عبد الرزاق حبزه، في حديثه لصحيفة “الوطن” المحلية، مؤخرا، أشار إلى أن مشكلة الغلاء مستمرة ولا يمكن أن تُحل مادامت انسيابية المواد بالأسواق منخفضة، لافتا إلى أن ارتفاع الأسعار متواتر لعدة أسباب أولها عدم استقرار سعر الصرف، وارتفاع أجور الشحن، وكذلك الرسوم الجمركية، وانقطاع البنزين لفترة والذي بدأت تظهر آثاره اليوم، كذلك موضوع حوامل الطاقة له تأثير على ارتفاع الأسعار كل ذلك تسبب في تناقص بعض المواد من الأسواق.

قد يهمك: “كسر عظم” قبل دخول الشتاء.. أجور النقل في سوريا تحتكم للأهواء

الوضع للأسوأ

يعيش معظم السوريين داخل سوريا في ظروف معيشية صعبة، حيث يحتاج أغلبهم إلى المساعدة، ويعتمدون على المساعدات أو الحوالات الخارجية، فضلا عن تدهور الخدمات العامة كالكهرباء، والمياه، ونقص المحروقات، والغاز، وارتفاع الأسعار بشكل شبه يومي، الأمر الذي ينذر بتزايد شدة الأزمات الاقتصادية في سوريا، مع استمرار سياسات الحكومة غير المدروسة، وعدم قدرتها على فعل أي شيء أصلا.

خلال الأشهر الماضية شهدت عدّة تغييرات في أرقام الاقتصاد السوري الذي اتجه نحو التراجع مقابل قفزات هائلة في الأسعار، ولا يمكن التوقع إلى أين ستتجه بعد ذلك وكيف ومتى سيتم ضبطها. وعلى الرغم من تطمينات الحكومة السورية بوضع خطط، وحلول للسيطرة على الظروف المعيشية التي تنزلق أكثر فأكثر نحو الهاوية، فقد أصبح المواطن السوري مدركا تماما أن هذه التطمينات “غير مجدية”.

من خلال تصريحات رئيس “هيئة الأوراق المالية والأسواق المالية” في دمشق، عابد فضلية حيث قال، من الصعب تحقيق “المطالب المحقة” في زيادة الرواتب وتحسين الدخل، لكن يمكن زيادة القوة الشرائية من خلال التوجه نحو الإنتاج السلعي الحقيقي الزراعي. ما يطرح التساؤل باعتباره اعترافا واضحا وصريحا بتدهور الأوضاع المعيشية للسوريين خلال الفترة المقبلة، خاصة وأن الإنتاج الزراعي لا يمكن تطويره في سوريا في ظل ضعف الحكومة، وغياب البنية التحتية المناسبة.

رئيس “هيئة الأوراق والأسواق المالية” في دمشق عابد فضلية، أشار في حديث سابق لإذاعة “ميلودي إف إم” المحلية، إلى استمرار دعم استيراد المواد الغذائية بشكل أوسع، “ما يعني أن مزيدا من القطع أصبح متوفر بيد الجهات المعنية، ووقف تمويل استيراد بعض المواد”، وفق زعمه.

فضلية، أشار إلى أن قائمة المستوردات التي تغطيها الدولة بالقطع الأجنبي تقلصت من 60 مادة، قبل ثلاث سنوات حتى تصل لحدها الأدنى اليوم، معتبرا أن “تقليص استيراد مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية يؤدي إلى توقف الأنشطة الإنتاجية”.

وسط تصريحات لمسؤولين في حكومة دمشق، التي تعترف بعدم قدرتها على وضع حدّ لهذا الغلاء، والتضييق المعيشي، وتدني الرواتب والمداخيل بشكل عام، خاصة بعد أن رفعت مؤخرا الدعم عن شرائح واسعة من السوريين. رأى الباحث الاقتصادي، رضوان الدبس، أن “هذا التصريح هو تصريح رسمي، أي أننا نسمع اليوم كلاما من مسؤول حكومي رسمي، فلا مجال للمواربة أو الأخذ والتعامل، وهو مسؤول مصرفي أو اقتصادي، لذلك يتحدث من ناحية طبيعة عمله، وعندما يصرح بصعوبة تحقيق الدخل وزيادة الرواتب إلا بزيادة الإنتاج الزراعي، فهو اعتراف ضمني من قبل الحكومة السورية، بأنها “مقصرة بعملية زيادة الرواتب وتقديم الدعم، وأن المواطن يتحمل هذا الضغط”.

الدبس، أردف في حديث سابق لموقع “الحل نت”، أن المسؤول الحكومي يقر أيضا، بأن “المطالب محقة”، لكن الدولة لا تملك إمكانية زيادة الرواتب أو تحسين الوضع المعيشي، وهو ما يشبه إعلان العجز والإفلاس أو تحقيق شيء إيجابي على صعيد الواقع المعيشي في البلاد.

قد يهمك: الأسعار في ارتفاعات يومية.. بين الحكومة والتجار السوريون هم الضحية

قرارات حكومية ترفع الأسعار

عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق فايز قسومة، رأى في وقت سابق أن للحكومة دورا كبيرا في ارتفاع الأسعار الهائل الذي طرأ على السلع والمواد في عام 2022، وذلك من خلال الكثير من القرارات، ذاكرا منها القرار رقم 1070 الذي أصدره “مصرف سورية المركزي” في العام الماضي، والذي نص على إجبار المستوردين على تمويل مستورداتهم عن طريق شركات الصرافة المختصة، ولكن هذا الأمر تسبب بضغط هائل على شركات الصرافة المحدودة لذا تم تخفيض الكميات المستوردة، فبدأت الأسعار بالارتفاع نتيجة انخفاض العرض بالأسواق، مشيرا إلى أن غاية المصرف المركزي حينها كانت تخفيف الطلب على القطع الأجنبي والمحافظة على سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية.

حول الأسباب، بيّن قسومة في حديث سابق لصحيفة “الوطن” المحلية، يوم أمس الخميس، أنه منذ بداية آذار/مارس من العام الحالي بدأ سعر الصرف بالارتفاع بعد أن حافظ على قيمته لعدة أشهر ولكن خلال سبعة أشهر أي لغاية تشرين الأول/أكتوبر ارتفع سعر الصرف بنسبة 40 بالمئة، وفي الوقت ذاته أصدر “مصرف سورية المركزي” قرارا برفع سعر تمويل المستوردات بنسبة 40 بالمئة، إضافة إلى إصدار قرار آخر رفع فيه سعر الصرف الرسمي خلال أيلول ما أدى إلى ارتفاع الرسوم الجمركية بنسبة 12 بالمئة، وهذا الأمر انعكس بدوره على أسعار السلع في الأسواق.

قسومة أشار إلى أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، أصدرت أيضا قرارا في آب/أغسطس من العام الحالي يقضي برفع أسعار المشتقات النفطية بنسبة 130 بالمئة إضافة إلى تخفيض الكميات المخصصة للآليات التي تعمل على البنزين، ما دفع المواطنين إلى شراء بنزين من السوق السوداء بأسعار مرتفعة أو اللجوء إلى التهريب من لبنان بسعر 7500 ليرة للتر الواحد، أي بزيادة تصل إلى 5000 ليرة عن السعر المدعوم، ما ساهم بشكل كبير في ارتفاع الأسعار أيضا.

قسومة أوضح، أن وزارة الكهرباء أصدرت قرارا بحجة دفع قطاع الأعمال للتوجه للطاقات البديلة في توليد الكهرباء برفع أسعار الكهرباء الصناعية من 130 ليرة للكيلو واط إلى 560 ليرة للكيلو واط، دون أن تقوم بأي دراسة للكلفة الحقيقية ما رفع الأسعار بشكل هائل أيضا، وخاصة أن ارتفاع تكاليف الإنتاج ينعكس تأثيره الكلي في سعر السلعة النهائية.

هذا ويعيش غالبية السوريين اليوم تحت خط الفقر، وفق تقارير لـ”الأمم المتحدة”، بينما تضاعفت أسعار السلع في أنحاء البلاد خلال العام الأخير. كما ويعاني 12.4 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، وفق برنامج الأغذية العالمي، في وقت تسجل البلاد ارتفاعا كبيرا في معدلات التضخم والأسعار وشحا في المحروقات، ما انعكس انقطاعا للتيار الكهربائي لنحو عشرين ساعة في اليوم.

عبد الجليل المنير وغيره كباقي السوريين متخوفون من ارتفاع الأسعار بشكل كبير خلال الفترات القادمة، بعد تدهور الليرة السورية أمام الدولار، وتجاوز عتبة الـ 5 آلاف ليرة سورية، فضلا عن غياب الدور الرقابي الحكومي والقرارات الحكومية المجحفة بحق المواطنين. اليوم، نسبة كبيرة من السوريين، يكافحون يوميا في أعمالهم للحصول على قوت يومهم، رغم أنهم باتوا يقنّنون من مصاريفهم اليومية واللجوء إلى طرق لتفادي المصاريف قدر الإمكان.

قد يهمك: “أسطوانة كل مئة يوم“.. أزمة الغاز تزيد من معاناة السوريين في الشتاء

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.