موازين القوى والأحزاب العراقية عموما، تشهد حالة من التشظي والانشقاقات، آخرها ما يحدث في البيت الكردي الذي يمثل أحد أهم الأقطاب في العملية السياسية في العراق، والذي غالبا ما يلعب دور “بيضة القبان” التي تعد نقطة التوازن لأي خلاف سياسي في بغداد.

بالتزامن مع اقتراب الانتخابات التشريعية في الإقليم، ازدادت حدّة الخلافات والتوترات، بين الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق، الحزب “الديمقراطي” الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، صاحب النفوذ الأقوى في محافظتي أربيل ودهوك ويطلق عليها شعبيا “المنطقة الصفراء”، و”الاتحاد الوطني” الكردستاني بزعامة بافل طالباني، الذي يسيطر على محافظتي السليمانية وحلبجة، وهي المنطقة المعروفة بـ”الخضراء”، حتى وصلت الأمور بين الحزبين إلى حد كسر العظم.

تصريحات نائب رئيس إقليم كردستان جعفر شيخ مصطفى الأخيرة، أكدت أن، “العلاقة بين الحزبين سيئة جدا ولم يسبق لها مثيل”. فيما شدد على أن عهد التوافق والتحالف بين الحزبين قد انتهى.

ملف إدارة النفط وصيغة إدارة الحكم، يعد من أبرز أسباب الخلافات، حيث اتهم نائب رئيس الإقليم، وهو قيادي بارز في “الاتحاد الوطني” حزب بارزاني، بالتفرد بالسلطة والتحكم في إيرادات الإقليم من النفط والمنافذ الحدودية. فيما لفت في تصريحات صحافية إلى أنه “لا أحد يعلم أين تذهب إيرادات إقليم كردستان، فهناك سرقة واحتيال، ودول التحالف الدولي غير راضية عنما يحدث، والتهريب ينتشر في كل أنحاء كردستان، وحصة الأسد من نصيب الحزب الديمقراطي”، حسب تعبيره.

“الاتحاد” سبق وتغاضى عن حقوقه من أجل المصلحة العامة، وقد حان الوقت ليقول كفى، فقد أصبحت سمعة الإقليم سوداء لدى التحالف الدولي، وفق القيادي.

من جانبه دافع رئيس “الاتحاد الوطني” الكردستاني طالباني، عن جعفر الشيخ مصطفى، نائب رئيس إقليم وردستان والقيادي العسكري البارز في “الاتحاد الوطني”، بالقول “سنرد بشكل لا تتوقعونه إذا ما تجاوزتم الحدود”، مشيرا إلى أن “مصطفى وسائر قادة حزبنا هم خطوط حمراء”، على حد وصفه.

“الديمقراطي” الكردستاني وفي رده على تصريحات “الاتحاد”، أصدر بيانا أكد فيه على أن “يأس الشعب ناجم عن سياسة “الاتحاد” الغامضة والبعيدة من مبادئ المصالح الوطنية والقومية العليا، وتنصله من تطبيق الاتفاقات والإقرار بنتائج الانتخابات، وهو يحاول اليوم التغطية على فشله في حل مشكلاته الداخلية، عبر ادعاء المخاوف من تدهور الأوضاع والتحذير من مخاطر الانقسام”.

الصراع الكردي يعود لتاريخ طويل يمتد للتسعينات، عندما وصل الخلاف بين الحزبين لحد الاقتتال الدموي بين “الاتحاد الوطني” برئاسة جلال طالباني، والحزب “الديمقراطي” بزعامة مسعود بارزاني.

خلافات عميقة وطويلة

الخلافات مع الحزب “الديمقراطي” متراكمة ومتجذرة وتاريخها طويل وسببها محاولة التفرد بالسلطة من قبل حزب واحد، بحسب حديث عضو “الاتحاد الوطني” الكردستاني، غياث السورجي، لـ”الحل نت”.

معظم المناصب السيادية الكردية هي من حصة “الديمقراطي”، وأن قوات من الحزب “الديمقراطي”، حاولت اقتحام منزل نائب رئيس حكومة إقليم كردستان والقيادي البارز في “الاتحاد الوطني” قوباد طالباني، وهذا يعد تجاوزا خطيرا، بحسب السورجي.

الحزب “الديمقراطي” يسيطر على جميع مفاصل الإقليم، وفق السورجي، ويستحوذ على المناصب المهمة، وبيده ملفات النفط والمنافذ الحدودية والأجهزة الأمنية والسياسة العامة للإقليم، وهذا استفرادا بالسلطة لن نقبل باستمراره، على حد تعبيره.

 “الديمقراطي” الكردستاني هو أكبر حزب كردي، ويمتلك مناصب رئاسة إقليم كردستان، ورئاسة الحكومة في الإقليم وأغلب الوزارات في كردستان، بعد أن حصل على 55 مقعدا في انتخابات برلمان كردستان الدورة الماضية.

“الاتحاد الوطني” هو ثاني أكبر الأحزاب الكردية، وحصل مؤخرا على منصب رئاسة الجمهورية في العراق، والذي يشغله حاليا عبد اللطيف رشيد، وهو قيادي في الحزب، وعديل الأمين العام السابق للاتحاد الوطني جلال طالباني.

محاولة لنقل الخلافات الداخلية

الحزب “الديمقراطي” يتهم الاتحاد الوطني بمحاولة نقل خلافاته الداخلية وتعميمها على الإقليم، بحسب حديث عضو الحزب “الديمقراطي” الكردستاني إدريس شعبان، لـ”الحل نت”، حيث بين بأن “الاتحاد الوطني يعاني من انقسامات ومشاكل داخل قيادته، ويريد تعميم تلك الخلافات عبر توجيه الاتهامات جزافا للحزب الديمقراطي”.

تصريحات قادة “الاتحاد الوطني” متشنجة ومستفزة، وتريد خلق أزمة في الإقليم، و”الحزب الديمقراطي” لن ينجر لتلك التصريحات إطلاقا، حفاظا على وحدة الإقليم، وفق شعبان.

قد يهمك: اتفاق كردي حول رئاسة العراق

“الاتحاد الوطني” الكردستاني، أعلن عن مقاطعة الفريق الحكومي التابع له في حكومة إقليم كردستان لجلسات مجلس الوزراء في الإقليم، وأثارت التطورات الأخيرة بين الحزبين تساؤلات عدة في الشارع الكردستاني الذي يعاني من أزمة اقتصادية، ناتجة من خلافات بين بغداد وأربيل، بسبب ملف النفط والخلاف حول إدارة المناطق المتنازع عليها، والتي تعرف بحسب الدستور العراقي بمناطق المادة 140.

أبرز تلك الأسئلة، هي العلاقة بين الحزبين الحاكمين، وخاصة أن إقليم كردستان مقبل على إجراء انتخابات تشريعية، على الرغم من أنه كان شريكا رئيسا بموجب اتفاقية توحيد إدارتي الإقليم المبرمة عام 2006.

مصير مجهول

عضو “الاتحاد الوطني” الكردستاني فائق يزيدي، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت” أنه “ليس بغريب ما يقوم به الحزب الديمقراطي من خلق للأزمات، وتوزيع للتهم جزافا هنا وهناك وممارسة للتضليل. على ما يبدو بعد انتهاء المعركة السياسية وانتكاستهم وهزيمتهم بملف رئاسة الجمهورية العراقية، لجئوا إلى خلق أزمات جدية” بحسب تعبيره.

 الإقليم يعيش حالة من التراجع في الديمقراطية، وفق يزيدي، فهناك حالة من التفرد في القرار، وحزب يتحكم بكل المفاصل الرئيسية في ثروات الإقليم.

 عن توقعات ما سيؤول إليه الخلاف المتصاعد بين الحزبين يقول يزيدي، “نحن نذهب إلى حالة ضياع الإقليم، فموقف الاتحاد الوطني واضحا، وهو التأكيد دوما على أن الإقليم يجب أن يعود إلى مساره القويم، ويجب أن يكون هناك تصحيحا لمسار العملية السياسية”.

محللون ومراقبون في الشأن السياسي، يروا أن الغلبة ستكون لصالح لغة الحوار في نهاية المطاف، وأن العامل المشترك والوحيد هو النفط، لكن يبدو اليوم أن هناك عوامل أخرى ظهرت مؤخرا، وهي أن “الديمقراطي” زاد نفوذه مقابل تراجع نفوذ بقية الأحزاب.

عرقلة إجراء الانتخابات

“الاتحاد الوطني” اتهم الحزب “الديمقراطي”، بعرقلة إجراء الانتخابات التشريعية في إقليم كردستان، كونه يريد بقاء المفوضية حاليا في الإقليم وعدم تغيير القانون، حيث يرغب الاتحاد مع الأحزاب الكردية الأخرى، بتشريع قانون يكون مشابها لقانون الانتخابات العراقية.

الدورة النيابية الخامسة للبرلمان الكردستاني انتهت في السادس من تشرين ثاني/نوفمبر الحالي، لتدخل فترة عام التمديد حيز التنفيذ التي شرعها لنفسه وسط انتقادات وإرباك في المشهد، بسبب تعمق الخلافات والمشكلات السياسية والإدارية والقانونية بين الأحزاب والقوى السياسية في الإقليم.

كتلا برلمانية تسمي نفسها معارضة، تعتبر المؤسسة التشريعية في السادس من الشهر الجاري فاقدة للشرعية، كما أن المؤسسات الحكومية والتشكيلة الوزارية التي حصلت على ثقة البرلمان الكردستاني عام 2017 هي الأخرى فقدت شرعيتها، بحسب أحزاب المعارضة.

كان برلمان كردستان قد صادق بـثمانين صوتا على قرار تمديد الدورة النيابية الخامسة له في التاسع من الشهر العاشر في العام الجاري، وبموجب النظام الداخلي، بعد مضي 15 يوما من إرسال رئاسة البرلمان الكردستاني على قرار التمديد إلى رئاسة الإقليم، فإن القرار أصبح مصادقا عليه حتى لو لم يوقع الرئيس.

جينين بلاسخارت، الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في العراق، وجهت انتقادات إلى القوى السياسية في الإقليم، من خلال الإحاطة التي قدمتها إلى مجلس الأمن الدولي، وقالت فيها إن “التداعيات السياسية التي تنجم عن عدم إجراء انتخابات برلمانية لإقليم كردستان في وقتها المناسب، وعدم التعامل مع توقعات الجمهور تعاملا صحيحا، وإهمال المبادئ الديموقراطية الأساسية، ستكون باهظة الثمن، لذلك، فإننا ننتظر بفارغ الصبر أن تفي الأحزاب بوعودها العديدة، وأن تعمل لخدمة مواطني إقليم كردستان”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.