مؤشرات عديدة ظهرت خلال الأشهر القليلة الماضية، تدل على فشل أو تعثّر الاتفاق النووي الإيراني، ما يعني زيادة احتمالية نشوب حرب إقليمية لمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية، لا سيما من قِبل بعض الدول التي تضع نفسها في الواجهة لمنع إسرائيل من ذلك وأبرزها إسرائيل.

العالم لا يبدو أنه يحتمل فتح حرب جديدة، ستتجاوز تبعاتها منطقة الشرق الأوسط، التي قد لا تتحمل تبعات هذه الحرب، لتظهر مجددا جهود إحياء المسارات الدبلوماسية للعودة إلى الاتفاق النووي، فما هي فُرص النجاح التي من شأنها تجنيب المنطقة هذه الحرب.

ماذا تقول الأوساط الإسرائيلية؟

الأوساط الأمنية والسياسية في إسرائيل، باتت تتجه للتعامل مع إيران على أساس تضاؤل فُرص التوصل إلى الاتفاق النووي، لا سيما بعد التقارب بين طهران وموسكو، ودعم الجيش الإيراني للقوات الروسية في إطار غزوها للأراضي الأوكراني.

ذلك ما أكده تقرير لصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية الإثنين، الذي أشار إلى أن التقارب بين إيران وروسيا، “مسّ كثيرا فُرص استئناف المفاوضات مع طهران من أجل التوصل لاتفاق نووي جديد“.

ارتفاع وتيرة التعاون الإيراني مع روسيا في أوكرانيا، جعل الدول الأوروبية بحسب التقرير، تبدي عداء تجاه إيران، “ما يضع عراقيل ومصاعب أمام بلورة جبهة أوروبية موحدة، خصوصا في ظل الشكوك الأوروبية حول قدرة روسيا على الاضطلاع بوظيفتها الأصلية في سياق الملف النووي الإيراني، وهو الإشراف على عمليات إخراج اليورانيوم المخصّب بدرجة عالية من إيران“.

الخبير في الشؤون السياسية والأمنية الدولية حازم القصوري، يستبعد أن المراحل المتقلبة التي مرّ بها الاتفاق النووي، أنها تشكل انسدادا نهائيا للاتفاق، مشيرا إلى أن أطراف النزاع في المنطقة ليس لديها مصلحة في اندلاع المواجهة العسكرية في المرحلة الراهنة، بالتالي العودة للمفاوضات هو الخيار الأنسب للجميع.

القصوري قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “المرحلة الحالية تفتح طريق لمشاورات جديدة وترتيبات أخرى لتجنب التوتر في المنطقة أمام ما تشهده ساحات المعارك في أوكرانيا، فالعالم يتجه إلى حرب باردة من خلال ما يجري في أوكرانيا وارتفاع المخاطر والتهديدات في المنطقة عموما، لذلك لن تكون مواجهة حقيقية بين إيران وإسرائيل خاصة وأن طرفي النزاع ليست لهما مصلحة في ذلك بقدر ما سوف يحفظان على توازن الرعب“.

قد يهمك: رفضتها معظم الأطراف الدولية.. هل تطلق أنقرة عملية عسكرية شمالي سوريا؟

العودة إلى المفاوضات

القصوري، أوضح أن أزمة الاتفاق النووي الحالية ستفرض على الجميع الدفع نحو مسار جديد للاتفاق على درب الوصل، لحل أمام ما يجري في الداخل الإيراني على إثر وفاة مهسا أميني ومقتل ناشطة إيرانية أخرى بـ 6 رصاصات من قِبل قوات الأمن أثناء الاشتباكات، كل هذا سيشكل ضغط دولي يُفرض على إيران التروي والمصلحة في فتح قنوات حوار جديدة من أجل تجنب المواجهة ليس مع اسرائيل فقط، بل دول المنطقة والعالم الذي لا يغفر خرق القوانين الدولية كما حقوق الإنسان.

المعركة الديبلوماسية ستكون بديلا عن المواجهة العسكرية، لاحتواء التوتر، وذلك بالنظر لمخاطر وتبعات هذه المواجهة على المنطقة ككل، حيث أن مصلحة الجميع تقتضي التوجه نحو الاستقرار واستبعاد خيار الحرب.

مؤخرا تسعى إسرائيل للضغط على إيران من أجل العودة بشكل جَدّي للاتفاق النووي، فعاودت رفع وتيرة استهداف الميليشيات الإيرانية في سوريا، كما تعمل على حشد الرأي العام الدولي ضد إيران لمنعها من امتلاك سلاح نووي.

الاستراتيجيات المتبعة

هناك العديد من الاستراتيجيات المتّبعة في المواجهات الإيرانية الإسرائيلية، منها حرب المسيّرات واغتيال علماء الطاقة النووية أو قادة “الحرس الثوري” في الداخل الإيراني، لذلك فإن إعادة قصف إيران، تؤكد أن إسرائيل عازمة فعلا على عدم السماح لها بامتلاك قنبلة نووية.

حول ذلك قال الباحث في الشؤون الإيرانية هاني سليمان في حوار سابق مع “الحل نت“، “إسرائيل ستتخذ كافة الإجراءات المتاحة لمنعها من ذلك، فالملف الإيراني هو واحد من الملفات التي تحظى بتوافق كامل في الداخل الإسرائيلي، بصرف النظر عن شخص وخلفية رئيس الوزراء“.

سليمان اعتقد في حواره، أن المواجهة بين إيران وإسرائيل، ستأخذ منحى تصاعديا في الفترة المقبلة، لا سيما مع فشل التوصل لاتفاق نووي يرضي إسرائيل“.

بهذا الشأن زاد سليمان بالقول، “كل طرف يحاول استخدام أدواته للضغط على الطرف الآخر، إسرائيل لن تسمح لإيران بامتلاك القنبلة النووية ولديها تحفّظات على الآلية الغربية المتعلقة بالوصول إلى اتفاق بهذا الشأن“.

بحسب العديد من التقارير الصحفية التي اطلع عليها “الحل نت“، فإن المسؤولين الإسرائيليين، يؤكدون دائما، أن إسرائيل لن تتردد باستهداف إيران وستتحرك في أي وقت ومكان لضمان أمن إسرائيل، فهم بالإضافة لما يرونه خطرا متمثلا بالبرنامج النووي الإيراني، يدركون أيضا الخطر الذي يشكله تواجد الميليشيات الإيرانية في سوريا على حدود الجولان.

خلال السنوات السابقة، اعتمدت إسرائيل نهجا قائما على تنفيذ غارات جوية وصاروخية على مواقع هذه الميليشيات وعلى شحنات الأسلحة، لكن ومع التمدد الإيراني الكبير في سوريا، والتوتر بين الطرفين، بات من الممكن أن تتحول سوريا لساحة حرب كبيرة بينهما، ولكن حتى الآن لم تحصل أي ردود إيرانية ضد إسرائيل ما يدفع بالتساؤل حول هذا الصمت الإيراني عن تلقي الضربات الإسرائيلية.

بالعودة إلى تعثر المفاوضات النووية، فإن رئيس “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية” (أفايب)، الدكتور محمد محسن أبو النور، رأى أن تعثر المفاوضات النووية مؤخرا، هو “تعثر مرحلي“، وستُستأنف الأطراف المعنية بالمفاوضات؛ المباحثات لإعادة إحياء الاتفاق، وذلك لأن توقف المفاوضات سيعقّد الكثير من الملفات، لا سيما على المستوى التقني النووي.

أبو النور اعتقد خلال حوار خاص سابق مع “الحل نت” بدوره، أنه في الواقع هناك عدة أمور تشير إلى أن الحاجة أصبحت ماسة جدا إلى توقيع مثل هذا الاتفاق بعد انخراط إيران في الأزمة الأوكرانية عن طريق إرسال المسيّرات لروسيا بعد مظاهرات مهسا أميني، وما ترتب عليه من إضعاف نوعا ما الموقف الإيراني على الطاولة لصالح المجتمع الغربي الذي يضغط إعلاميا وسياسيا“.

  • ما يؤكد عدم تغيير سياسة إسرائيل بالتعامل مع إيران أيضا، تقرير لصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية قبل أسابيع، الذي نقل عن مصادر قالت، إنها أمنية وسياسية تأكيدها أن السياسة الإسرائيلية تجاه الهجمات في سوريا “لم تتغير، وهي لا تزال على ما هي عليه“.

حتى الآن لا توجد مؤشرات تدعم عودة المفاوضات بشكل فعلي، لكن تداعيات الحرب في ظل الظروف التي تعيشها المنطقة، قد تدفع جميع الأطراف إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، لا سيما إيران، التي تعاني هي الأخرى من ضغوط خارجية وداخلية، لا تمكنها بالدخول مع حرب ضد دول عديدة في المنطقة.

اقرأ أيضا: باتريوت ألمانية في أوكرانيا.. هل تحل نقطة الضعف العسكرية لكييف أمام روسيا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.