وفد أميركي رفيع المستوى، يوم أمس الإثنين، اختتم محادثات استمرت يومين في الصين لمناقشة سبل مواصلة التعاون وتحسين العلاقات بين واشنطن وبكين، بجانب مناقشة “إدارة المنافسة” بين البلدين وتجنب تحولها إلى صراع. وتُعد هذه الزيارة هي الرسمية والأولى منذ تعهد الرئيسان الأميركي والصيني، بتحسين وإصلاح العلاقات بين البلدين في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي خلال قمة “مجموعة العشرين” بالعاصمة الإندونيسية بالي.

 هذه المحادثات تأتي قبل زيارة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في أوائل العام المقبل، وتهدف إلى تخفيف حدّة العلاقات المتوترة بشأن العديد من القضايا الثنائية والإقليمية والدولية، بما في ذلك التجارة بين أكبر اقتصادَين في العالم، ومسألة تايوان، وموقف بكين من الحرب في أوكرانيا، إلى جانب قضايا حقوق الإنسان. هذا ويبدو أن الهدف من المحادثات الجارية بين البلدين، هو إبعاد “شبح الحرب الباردة” بين أكبر اقتصادَين في العالم، لما لها من تداعيات خطيرة على العالم بأسره، كما ويدرك الجانبان أهمية مثل هذه المحادثات فيما يتعلق بالقضايا الخلافية بينهما.

من هنا تبرز عدة تساؤلات حول ما إذا كانت المحادثات مقدِّمة لإصلاح العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة والصين، ومدى الفُرص المتاحة لمجالات التعاون بينهما، وما إذا كان هناك اتفاق بشأن تايوان. وكذلك تساؤلات حول النتائج المتوقعة لمثل هذه المحادثات، خاصة أن هناك زيارة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي مطلع العام المقبل، وما إذا كانت بكين ستقف إلى جانب أوكرانيا ضد روسيا.

عدم الإضرار بالسلم الدولي

بحسب وسائل الإعلام، كان مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ، دانيال كريتنبرينك، والمديرة الرفيعة لدى “مجلس الأمن القومي الأميركي” لشؤون الصين وتايوان، لورا روزنبرغر، وصلا يوم الأحد الماضي إلى الصين، في مستهل زيارة تشمل أيضا كوريا الجنوبية واليابان.

كما وأجرى المسؤولان الأميركيان محادثات مع نائب وزير الخارجية الصيني شي فينغ، يومي الأحد والإثنين الفائتين، في مدينة لانغ فانغ بمقاطعة هيبي الشمالية، لمتابعة النقاشات التي بدأها الرئيسان الأميركي جو بايدن، والصيني شي جين بينغ، وكذلك نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، خلال اجتماعات تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي لـ”مجموعة العشرين” للاقتصادات العالمية الكبرى في جزيرة بالي، بغية إصلاح العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة والصين.

بدورها، وزارة الخارجية الأميركية، بيّنت في بيان، أن الغاية هي مواصلة إدارة المنافسة بشكل مسؤول بين بلدينا واستكشاف مجالات التعاون المحتملة، فضلا عن إتمام الاستعدادات لزيارة بلينكن إلى الصين.

قد يهمك: تحديات أمنية وجيوسياسية.. السيارات الكهربائية مصدر لتهديد الأمن العالمي؟

المحلل السياسي، ميّار شحادة، يرى ضمن هذا السياق أن الجانب الأميركي واضح تجاه الصين، لأنها لا تريد حربا ومواجهة ضد بكين، لما لها من عواقب وخيمة على العالم بأسره، وتريد التعاون مع بكين كما حصل سابقا مع الاتحاد السوفيتي مثل اتفاقيات الحد من انتشار الأسلحة النووية، وبالتالي فإن هذه الاجتماعات تتمخض أحيانا عن نوع من المساعدة لمنع الإضرار بالسلم الدولي.

هذا ويبدو أن الهدف الأساسي لهذه الزيارة من الجانب الأميركي واضح في محادثاتها مع الجانب الصيني بشأن تجنب الصراع والصِّدام مع الصين، وهذا ما أكده المسؤولون للصحافة عندما قالوا، إن “المحادثات مع الصين واضحة وجوهرية “، والصين من مصلحتها تحويل العلاقات بين البلدين إلى” استقرار “، خاصة وأن واشنطن من الدول العظمى، ولها بعض التأثير على العديد من الدول التي من شأنها أن تؤثر على مصالح الصين، وفق مراقبين.

مناقشة الملفات الحساسة

في المقابل وفيما يتعلق بمدى تحسين وفرص إصلاح العلاقات بين الجانبين بناءً على مثل هذه المناقشات، يعتقد شحادة، الذي تحدث لـ”الحل نت”، أن واشنطن تحاول ترطيب العلاقات مع بكين، خاصة في الملفات الحساسة مثل ملف كوريا الشمالية. فمع حلّ هذا الملف سيكون هناك استدامة للعلاقات في “حلف الشمال الأطلسي” (الناتو) واستمرارية وجود اليابان وكوريا الشمالية كحليف للولايات المتحدة في شرق آسيا.

الملف الحساس الآخر، هو موضوع الحدود الصينية الهندية التي تشهد توترات من حين لآخر، وتُعتبر إشكالية قد تؤدي إلى احتمال نشوب حرب بين بكين ونيودلهي، على اعتبار أن لديهم اقتصادات كبيرة وبالتالي فإن تصادم هاتين القوتين في قارة آسيا قد يأتي بنتائج عكسية، في حين واشنطن يهمها السلام والاستقرار، على حدّ تعبير شحادة.

بالنظر إلى أن العلاقة بين الجانبين تزداد سوءا وأكثر توترا، وهذه المحادثات قد لا تضع حدّا لهذه التوترات، لكنها ستقلل من وتيرة هذه التوترات وتعمل على تجنب أي مواجهة عسكرية، والخطوات التي يجب اتخاذها، هي أن تكون الصين صريحة وواضحة بشأن تحركاتها تجاه دول الجوار، وأبرزها دولة تايوان.

إلى جانب ذلك، هناك العديد من الملفات التي تسعى الولايات المتحدة إلى تهدئتها مع بكين، خاصة أنه في الوقت الحاضر هناك قمة “أميركية إفريقية” حيث قررت واشنطن مساعدة دول القارة السمراء بأكثر من 56 مليار دولار، وبالتالي فإن هذه المساعدة تعني أن واشنطن تريد السلام والاستقرار للعديد من الدول سواء في آسيا أو في إفريقيا، طبقا لحديث شحادة.

تايوان “قضية إشكالية”

هذا وستكون زيارة بلينكن الأولى لوزير خارجية أميركي إلى الصين منذ 4 سنوات. حيث أفاد الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ وينبين، بأن نائب وزير الخارجية الصيني أجرى محادثات “معمّقة” مع المسؤولين الأميركيين في شأن تنفيذ التوافق الذي توصل إليه الرئيسان شي وبايدن في بالي، وهو اتفاق يضمن إرساء المبادئ التوجيهية للعلاقات الصينية الأميركية، وأضافت الوزارة أن الجانبين اتفقا على “التعامل المناسب مع القضايا المهمة والحساسة في العلاقات الثنائية مثل تايوان”، بالإضافة إلى “تعزيز التبادلات على كل المستويات وتنفيذ التعاون في المجالات ذات الصلة”. وأكدت أن المناقشات كانت “صريحة ومعمّقة وبنّاءة”، معلنة أن الطرفين اتفقا على مواصلة التواصل.

قد يهمك: قاذفات بكّين تدخل منطقة الجو التايوانية.. ارتفاع مستوى الخطر الصيني؟

بالعودة إلى المحلل السياسي شحادة، فإنه يعتقد أن تايوان من القضايا المستعصية، لأن الصين ترى أو قررت أن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين، بينما تعتقد واشنطن أن هناك “دولة واحدة” ولكن هناك نظامان، و أقرب حليف للعقلية الأميركية هو تايوان، وبالتالي لا يمكن إنهاء الصراع أو لا يمكن أن يكون هناك اتفاق وثيق بشأن تايوان، وقد تكون هناك بروتوكولات للتعامل لتجنب التوترات بين البلدين، وفي النهاية طبقا لتقدير شحادة، فإنه يستبعد مناقشة قضية تايوان بشكل كثيف من قِبل واشنطن وبكين، على أساس أنها تعتبر إحدى قضايا الإشكالية الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ولا يمكن مناقشة هذا النوع من القضايا في فترة زمنية قصيرة.

وزارة الخارجية الأميركية، كانت قد أعلنت أن إدارة بايدن وشي، اتفقا على تكثيف الحوار في شأن قضايا، مثل تغير المناخ وسياسات الاقتصاد الكلي والتجارة والأمن الغذائي. كما اتفقا على أن تحافظ الفرق الدبلوماسية للجانبين على الاتصالات الاستراتيجية وتجري مشاورات منتظمة.

منذ ذلك الحين، التقى مسؤولون كبار من الجانبين لفتح خطوط اتصال، مما ساعد على تحسين العلاقات التي تجمدت جزئيا إلى حدّ كبير منذ زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، لتايوان في آب/ أغسطس الماضي. كما والتقى عضو مجلس الدولة وزير الدفاع الصيني الجنرال وي فنغي، نظيره الأميركي لويد أوستن خلال اجتماع لرابطة جنوب شرقي آسيا “آسيان” في كمبوديا، واتفقا أيضا على تحسين قنوات الاتصال.

بكين إلى جانب كييف؟

في سياق متّصل، فيما إذا كانت بكين ستقف إلى جانب أوكرانيا ضد روسيا، يرى شحادة أنه بالنظر إلى وقوف الصين في مواجهة مع إيران، بعبارة أخرى، هناك بداية لصدأ العلاقات الصينية الإيرانية، كما وعلى الرغم من علاقة بكين النوعية مع موسكو، فإنها أخذت النسبة الأكبر من عقود شراء الغاز من قطر لكنها لم تشترِ نفس الكمية من روسيا وهذا يشير إلى أن بكين تخشى من العقوبات الدولية وتحديدا عقوبات “سويفت” المصرفية ومقاطعة الأسواق الصينية من قِبل واشنطن والدول الأوروبية.

بالتالي ستواجه بكين انكماشا اقتصاديا حادا، خاصة وأن اقتصادها غير كفء أساسا وغير مستقر ومنخفض بسبب سياسة “صفر كوفيد”. وبالتالي أيضا من المحتمل أن تقف بكين مع كييف ضد موسكو ولكن بطريقة غير مباشرة، بالنظر إلى أن بكين لا تأخذ مواقف حادة مرة واحدة وربما يأتي الأمر بشكل تدريجي.

بينما لا يعتقد المراقبون أن الصين يمكن أن تقف إلى جانب أوكرانيا ضد روسيا، بسبب علاقاتها مع روسيا، لكن يمكن التوصل إلى تفاهم بين واشنطن وبكين، حول “عدم الاصطفاف أو دعم موسكو في غزوها ضد كييف”.

لأجل ذلك كله، حتى هذه اللحظة، هناك مؤشرات على وجود انفراجات وتحسّن في العلاقة بين واشنطن وبكين، لكن النتائج تحكمها عدة عوامل، من بينها الوقت ومدى التزام الطرفين بالاتفاقيات، حتى وإن لم يحصل اتفاقيات نوعية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.