على خلفية قمع الحكومة الإيرانية للاحتجاجات التي اجتاحت المدن الإيرانية منذ أيلول/سبتمبر الماضي، والتي تتقدمها نساء، على إثر وفاة الشابة الكردية مهسا آميني بعد اعتقالها من قبل شرطة “الأخلاق” المعنية بمتابعة لباس المرأة وتطبيق ارتداء الحجاب، صوتت الأمم المتحدة أمس الأربعاء بالموافقة على إخراج إيران من “الهيئة المعنية بحقوق المرأة“، وهو ما رأت فيه واشنطن إجماعا دوليا ضد طهران.

القرار حصل على تأييد 29 عضوا في مجلس الأمم المتحدة الاقتصادي والاجتماعي على إخراج إيران من لجنة الأمم المتحدة المعنية بـ “وضع المرأة” للفترة المتبقية من تفويض 2022-2026، في حين صوتت 8 دول بالرفض، وامتنعت 16 دولة عن التصويت، بينما كانت غالبية بسيطة تكفي لتبني القرار الذي اقترحته الولايات المتحدة.

القرار ينص على إن تجرد إيران من عضويتها في اللجنة بمفعول فوري، مذكرا بأن القيادة الإيرانية تقوض باستمرار وتقمع بشكل متزايد حقوق النساء والفتيات، بما في ذلك الحق في حرية التعبير والرأي، وغالبا باستخدام قوة مفرطة في ذلك، فضلا عن أن حكومة طهران تفعل ذلك عن طريق تطبيق سياسات تتعارض بشكل صارخ مع حقوق الإنسان الخاصة بالنساء والفتيات، وأيضا من خلال استخدام القوة الفتاكة التي نتج عنها وفاة متظاهرين سلميين من بينهم نساء وفتيات.

مفهوم اللجنة الأممية

اللجنة هي “الهيئة الدولية الحكومية الرئيسية المعنية حصرا بتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة“، وتعمل ضمن مهامها على إعداد توصيات وتقارير تقدم إلى المجلس بشأن تعزيز حقوق المرأة في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، كما تقدم توصيات إلى المجلس بشأن المشاكل الملحة التي تستدعي اهتمام المجلس بشكل عاجل في ميدان حقوق المرأة.

اقرأ/ي أيضا: إشارات ودّ متجدّدة تجاه دمشق والقاهرة.. اقتراب الانتخابات التركية السبب؟

كذلك أن ولاية اللجنة التي تتمتع بها الدولة تشمل تحديد القضايا والاتجاهات الناشئة والنهج الجديدة في تناول القضايا التي تمس حالة المرأة والمساواة بين المرأة والرجل، والتي تتطلب النظر فيها على وجه السرعة وتقديم توصيات فنية بشأنها، وإخراج إيران من عضويتها مؤشر على مدى مقبولية المجتمع الدولي بشرعية النظام الإيراني والتي على ما يبدو باتت واقعة على المحك، بسبب الانتهاكات المستمرة.

في إطار ذلك، تحدث موقع “الحل نت” مع المحلل السياسي علي الشمري، لفهم مدى تأثير القرار الأممي على النظام الإيراني، وإذا ما كان سيؤثر على شرعيته أمام المجتمع الدولي، حيث قال الشمري إن النظام الإيراني ومنذ حملة إعدامات عام 1979 التي مارسها ضد معارضيه بعد تولى آية الله الخميني مقاليد السلطة في البلاد يفقد شرعيته كل يوم، وذلك لما يمارسه من انتهاكات بحق أبناء شعبه ومواطنين الدول الواقعة تحت نفوذ هذا النظام.

إذ وفق الشمري، فإن “النظام الإيراني القائم على ولاية رجال الدين على السياسية، يعي جيدا أنه تجاوز مرحلة فقدان الشرعية، ولذلك تجده يعمل بكل ما أوتي من قوة للحفاظ على مكانته وسلطته، لذا طالما نجده لا يتردد في مواجهة كل المعترضين عليه ومعارضيه بالقوة، لأنه على يقين تام أنه لم يتبق وقت للجلوس على طاولة حوار لإصلاح ما تم تخريبه وارتكابه منذ السبعينيات وحتى اليوم”، مشيرا إلى أن قوة السلاح هي الخيار الوحيد المتبقي لدى النظام الإيراني، بالتالي دائما ما تجده يستخدمها دون الانصات إلى الآخرين.

النظام الإيراني فاقد للشرعية

لذلك يعتقد الشمري أنه على مستوى الداخل الإيراني والخارج فإن النظام الإيراني فاقد لشرعيته، وأن تعامل المجتمع الدولي معه منذ سنوات تحكمها المحددات الدولية العامة لا أكثر، وأن ذلك خير دليل على مدى صلاحية الشرعية الإيرانية، مبينا أن نظام الحكم في إيران يعتبر نظاما شموليا ثيوقراطيا لا يتحمل النقد أو المعارضة وهذا سبب ما أوصله إلى الحالة التي هو عليها اليوم، إذ يعاني تحت وطئت العقوبات الدولية وعدم مقبولة الشعوب وغالب الحكومات الإقليمية، وبطبيعة الحال مثل هكذا أنظمة مهما طال بها الحال فلن تستمر في النهاية.

الشمري يرى في حدثه لموقع “الحل نت“، أن قمع الأصوات الحرة وخاصة أصوات أبناء الشعوب، ولاسيما من غير الفارسية وعلى وجه الخصوص أبناء الأحواز والأكراد ربما يكون الخطر الأكبر على هذا النظام، مبينا أن الأنظمة تحتاج إلى الشرعية الدولية والمحلية، ومن دونهما لا يمكنه المقاومة على الاستمرار.

فقدان الشرعية يأتي نتيجة لممارسة القمع والتميز، تحديدا كما تفعله إيران، وفقا للشمري، الذي أكد أن القرار الأممي الذي صوت على إخراج إيران من اللجنة الأممية، ربما يمثل تمهيدا لإجراءات عدة مماثلة تضع النظام الإيراني حبيس نفسه، مؤكدا أن ما سيساعد في ذلك هو استمرار الشعب الإيراني في التعبير عن رفضه لهذا النظام.

اقرأ/ي أيضا: استهداف تهريب الأسلحة إلى سوريا.. العمليات النوعية بديلا للحرب المباشرة؟

واختتم الشمري حديثه بالقول، إن “النظام الإيراني وطيلة السنوات الماضية طالما صدع رؤوسنا بأنه يستمد شرعيته من المستضعفين والشعب، غير أن التظاهرات الحالية والقطيعة الدولية خير دليل على مدى عدم شرعية هذا النظام الذي لم يتردد في نصب المشانق لمعارضيه من الشباب والنساء العزل، فقط لأنهم قالوا له لا”.

يُشار إلى أن مواجهة القوات الإيرانية للاحتجاجات التي اندلعت منذ أيلول/سبتمبر الماضي، تسببت بمقتل أكثر من 300 شخص، وذلك وفق ما أُعلن عنه للمرة الأولى من قبل قائد القوة “الجوفضائية” لـ “الحرس الثوري” العميد أمير علي حاجي زاده الأسبوع الماضي، وفي وقت تفيد فيه منظمة “حقوق الإنسان” في إيران، ومقرها أوسلو، بأن قوات الأمن قتلت حتى الآن 448 متظاهرا على الأقل معظمهم في سيستان بلوشستان الواقعة في جنوب شرقي إيران عند الحدود.

حصيلة قمع النظام الإيراني

من بين القتلى 128 شخصا على الأقل سقطوا في سيستان بلوشستان في الحملة الأمنية التي تشنها السلطات الإيرانية، بحسب منظمة “حقوق الإنسان” في إيران، وهي أكبر حصيلة للقتلى الذين سجل سقوطهم في 26 من محافظات إيران الـ 31، فيما حلت كردستان في المرتبة الثانية لجهة عدد قتلى الاحتجاجات، حيث بلغوا 53 شخصا، إذ إنها مسقط رأس أميني، وتقع في غرب إيران عند الحدود مع العراق، وتُعد مركزا آخر للاحتجاجات.

الأسبوع الماضي قال المفوض السامي الأممي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إن 14 ألف شخص بينهم أطفال أوقفوا في حملة قمع الاحتجاجات، وفي غضون ذلك، أفادت معلومات أن النظام الإيراني قدم في الأيام الأخيرة طلبا رسميا إلى روسيا للحصول على معدات وسيارات أمنية خاصة لمواجهة الاحتجاجات، كما طلب إرسال مستشارين وخبراء روس لمساعدة النظام الإيراني على قمع الاحتجاجات، وفقا لموقع “إيران إنترناشيونال“.

الموقع نقل، أن هذا الطلب يأتي بعد تقارير تشير إلى أن طهران تتوقع استمرار التظاهرات الاحتجاجية الواسعة والمطالِبة بإسقاط النظام لفترة زمنية طويلة، في حين كانت المتحدثة باسم “البيت الأبيض“، كارين جان بيير، قد تطرقت سابقا إلى مساعدة روسيا للنظام الإيراني في مجال قمع الاحتجاجات، وقالت، “من المحتمل أن تقدم موسكو استشارات لطهران بشأن قمع الاحتجاجات لأن روسيا لديها خبرة كبيرة في قمع تظاهرات الشوارع“.

كما أعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عن قلقه من زيارة سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف لإيران، واحتمال مساعدة روسيا لطهران في الاحتجاجات.

الجدير ذكره، أنه يمكن ملاحظة الاعتماد الإيراني على الاستشارات الروسية بوضوح في تسريب وكالة “فارس” لقائد “الحرس الثوري“، حسين سلامي، وقد جاء في هذا التسريب أن جهاز المخابرات الروسي نقل نتائج التنصت على أجهزة المخابرات الغربية، إلى المسؤولين الإيرانيين التي تظهر أن الشعب الإيراني في حالة ثورة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة