في لقاء غير مسبوق، اجتمع وزراء دفاع روسيا وتركيا وسوريا، في موسكو ضمن مباحثات ثلاثية بمشاركة قادة الأجهزة الاستخباراتية في الدول الثلاث، ويعد هذا اللقاء الأبرز في الملف السوري، بالنظر إلى أنه إحدى الخطوات الجديدة في مسار التقارب السوري التركي بعد عشر سنوات من العداوة.

وزارة الدفاع الروسية، ذكرت أن وزيري الدفاع التركي والسوري اجتمعا في موسكو لأول مرة منذ العام 2011، وأنه تم في الاجتماع بحث سبل حل الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين بالإضافة إلى الجهود المشتركة لمحاربة من وصفتهم بالتنظيمات الإرهابية في سوريا.

موسكو وصفت لقاء وزيري دفاع تركيا وسوريا بـ”الإيجابي”، في حين أكد المشاركون في الاجتماع على ضرورة استمرار الحوار من أجل تحقيق الاستقرار في سوريا. لا يبدو هذا الاجتماع النوعي مفاجئا في ظل التصريحات التركية وتحديدا من قبل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عندما قال منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2022، إنه اقترح على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إنشاء ما وصفه بآلية ثلاثية مع سوريا من أجل تسريع المسار الدبلوماسي مع دمشق، حيث أوضح أردوغان حينها أن هذا المسار سيكون بداية على مستوى أجهزة المخابرات وثم وزراء الدفاع ثم الخارجية وأخيرا على مستوى القادة. كما أن الاستدارة التركية نحو دمشق جاءت في شهر آب/ أغسطس 2022، عندما دعا وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلوا، إلى المصالحة بين حكومة دمشق ومعارضيها.

الاتفاق الثلاثي الأولي، بحسب ما صرحت به الجهات السياسية الروسية، يكمن في عدة نقاط؛ تتضمن انسحاب تركيا بالكامل من سوريا، واحترام أنقرة سيادة دمشق بشكل يضمن فتح الطريق الدولي الواصل بين اللاذقية وحلب “أم 4″، وبسط نفوذ حكومة دمشق على الأراضي التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في شمال شرقي سوريا، مع تشكيل لجان مشتركة تنفيذية للاتفاق.

لذلك يجدر التساؤل عن مدى إمكانية التنفيذ الفعلي للنتائج التي تم الاتفاق عليها بين أنقرة ودمشق، خاصة أن المصلحة التركية في التحول نحو دمشق سببها المباشر الانتخابات التركية عام 2023، فضلا عن التساؤل الأهم، وهو مدى قدرة موسكو على تقديم ضمانات كاملة للانسحاب التركي الكامل من سوريا، وما هو شكل هذه الضمانات.

كما أن هناك فصائل معارضة سورية قد لا تلتزم بالاتفاق التركي السوري، ما يعني أنها لن تنسحب من شمال سوريا ولن تلتزم ببنود الاتفاق بكل ما جاء فيه. إذن ما احتمال شن حملة عسكرية وأمنية “سورية ـ روسية ـ تركية” للسيطرة على هذه المناطق بالقوة.

لا ضمانات في الاتفاق التركي السوري؟

يوم الأربعاء الفائت، تم لقاء وزير الدفاع ومسؤول الاستخبارات التركيين مع وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان ورئيس المخابرات العامة لحكومة دمشق، بحضور وزير الدفاع الروسي في موسكو.

وزارة الدفاع الروسية، أعلنت أن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، والتركي خلوصي أكار، والسوري علي محمود عباس، أجروا محادثات ثلاثية في موسكو، لبحث سبل حل الأزمة السورية، وضرورة مواصلة الحوار لتحقيق الاستقرار في دمشق.

طبقا لبيان الوزارة الروسية، “في 28 كانون الأول/ ديسمبر، انعقدت في موسكو محادثات ثلاثية بين وزراء دفاع كل من روسيا الاتحادية والجمهورية السورية وتركيا، جرى خلالها بحث سبل حل الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين، والجهود المشتركة لمكافحة الجماعات المتطرفة في سوريا”.

كما أضافت أنه “بعد الاجتماع، أشارت الأطراف إلى الطبيعة البناءة للحوار الذي جرى بهذا الشكل وضرورة استمراره، من أجل زيادة استقرار الوضع في المنطقة ككل”. أيضا، أشارت وزارة الدفاع الروسية إلى أن وزيري الدفاع التركي خلوصي أكار والسوري علي محمود عباس يلتقيان في موسكو للمرة الأولى منذ 11 عاما.

عقب اللقاء، أكد وزير الدفاع التركي أن النقاش تمحور حول الحل السياسي في سوريا، بموجب القرار الأممي 2254، بالإضافة إلى تسهيل عودة اللاجئين، واعتبر وزير الخارجية أن التواصل مع الحكومة السورية “مهم لتحقيق سلام واستقرار دائمين”، فيما وصفت وزارة الدفاع في حكومة دمشق اللقاء بأنه كان “إيجابيا”.

قد يهمك: اجتماع أكار مع نظيره السوري للمرة الأولى في روسيا.. مقدمة لتبييض العلاقات؟

أكار أضاف لأحد الصحفيين عندما سأله عن اجتماع موسكو الذي جمعه بعباس، “أجرينا لقاءات على مستوى أجهزة الاستخبارات، ثم أجرينا لقاءات على مستوى الوزراء، وبناءً على هذا التطور الإيجابي، يمكن عقد لقاءات على مستوى القادة إذا كانت الظروف مناسبة”.

العديد من الخبراء والمحللينَ السياسيين ينظرون بحذر وحرص شديدين حيال الاتفاق الثلاثي ومدى تنفيذه الفعلي، خاصة وأن الاهتمام التركي بالتطبيع وإعادة العلاقات مع دمشق سببه المباشر الانتخابات التركية في عام 2023، بالتالي تمثل عودة اللاجئين المطلب الأصعب بالنسبة إلى حكومة أنقرة الداعمة لهم وللمعارضة السورية منذ ما يقرب من عقد من الزمن.

فيما يتعلق بجدوى ضمانات تحقيق بنود الاتفاقية بكل مضامينها، يرى الأكاديمي والكاتب السياسي والأستاذ بجامعة “جورج واشنطن” بأميركا، رضوان زيادة، أن “هناك نتائج متباينة لتطبيق اتفاقيات أستانا في الماضي، ومعظمها يميل إلى الفشل، وبالتالي متوقع أن تكون النتائج منخفضة للغاية في الاتفاقية التي تم الحديث عنها في موسكو أيضا”. بمعنى أنه لا يمكن التعويل عليها كثيرا.

زيادة استدرك بالقول أثناء حديثه لموقع “الحل نت”، أن “موسكو مشغولة جدا بحربها في أوكرانيا، وبالتالي لا أعتقد أنها تنظر إلى سوريا كأولوية لها، سيما وأن الوضع ليس عاجلا وملحا بالنسبة لها”.

هذا وسيعقد لقاء بين وزراء خارجية تركيا وروسيا وحكومة دمشق في النصف الثاني من كانون الثاني/ يناير الجاري كما أعلن وزير الخارجية التركي في خطوة جديدة للتقارب الذي بدأ بين أنقرة ودمشق.

جاويش أوغلو أفاد للصحافيين وفق ما نقلت محطة “إن تي في” التلفزيونية التركية “قررنا عقد اجتماع ثلاثي في النصف الثاني من يناير، وقد يعقد الاجتماع في بلد آخر”.

مع بدء النزاع في سوريا عارضت تركيا بشدة الحكومة السورية ودعمت فصائل سورية معارضة واستقبلت نحو أربعة ملايين لاجئ سوري. وفي الأعوام الأخيرة وصف أردوغان مرارا الأسد بأنه “قاتل”، لكنه أشار قبل نحو الشهرين إلى “إمكان” عقد لقاء معه.

شروط تركية “غير متوقعة”؟

بعض الدبلوماسيين أشاروا إلى ضرورة “وجود ضمانات لتحصين الاتفاق، ويجب أن تلزم موسكو الجانب التركي بإجراءات على الأرض مرتبطة جدول زمني، بل وإيجاد مراحل لتطبيق كل الخطوات عبر مواعيد ومواقيت محددة، والالتزام به، كالانسحاب من إدلب وتسليم مناطق في ريف حلب، وكلها برعاية روسية. إن كل الاتفاقات في السابق لم تلتزم بها تركيا”، بحسب “الإندبندنت”.

الكاتب المتخصص في الشأن التركي، فراس رضوان أوغلو، يقول من جهته، “في الواقع، وبعد كل هذه التطورات السريعة، فإن كل شيء ممكن ووارد”، لكن رضوان أوغلو يعتقد أنه لا تزال هناك حساسيات متعددة تجاه المعارضة السورية، والجميع يدرك ذلك. فهناك الكثير من المعارضين جدا لدمشق في الشمال السوري ولابد من “إيجاد صيغة لهذا الإجماع والتوافق الثلاثي، أي أنه لا تتفق جميع المعارضة السورية على هذا التطبيع التركي مع دمشق في الحقيقة، وحتى أولئك الذين يوافقون، هم معارضون أصلا”.

هذه المدركات بسيطة، بمعنى أن الحكومة التركية تدرك كل هذه الأمور، بالتالي فهي لن تتنازل عن كل شيء وتغادر سوريا، خاصة وأنها نفذت كل هذه العمليات العسكرية وقامت بالعديد من الحملات العسكرية داخل الأراضي السورية، ودفعت أموال كبيرة لدعم المعارضة السورية على مدار سنوات عدة، وهي ليست بهذه السذاجة لتغادر بهذه السهولة، على حد تعبير رضوان أوغلو.

قد يهمك: لماذا تتجه اهتمامات فصائل “المعارضة السورية” صوب الاقتصاد؟

بالتالي، وفق اعتقاد رضوان أوغلو، فإن أنقرة ستطالب ببنود وشروط أكثر مما يتوقعه الآخرون. ولعلها ستفرض وجودا للمعارضة السورية في الحل السياسي المقبل لسوريا، فيما يتعلق بـ “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا) أو إحدى الأطراف الأخرى، بمعنى أنها ستستخدم التناقضات بين تنظيمات المعارضة لخلق الانقسامات والاشتباكات بينها بغية تحقيق أهداف أو آفاق سياسة مرحلية معينة.

العثرات والتحديات

النائب عن حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، أورهان مير أوغلو، أكد أن الاتصالات بين تركيا ودمشق ستستمر في العام 2023، مشيرا إلى أن إيران “ستُمنح مقعدا على الطاولة”.

في تصريحات نقلتها وكالة “سبوتنيك” الروسية، قال مير أوغلو إنه من المرجح عقد الاجتماعات المقبلة بين الوزراء الأتراك والسوريين خلال العام 2023 في أنقرة ودمشق”، مضيفا أن “الاجتماع الثاني قد يُعقد في أنقرة والاجتماع التالي في دمشق”.

مير أوغلو، بيّن أن “هذه الاتصالات ستساعد تركيا وسوريا على كسر الجليد بينهما”، مؤكدا على أن الاجتماع الثلاثي الأخير لوزراء الدفاع في موسكو “مهم من حيث الارتقاء بالعلاقات بين روسيا وتركيا إلى مستوى أكثر استراتيجية”.

في حين أفادت وكالة “الأناضول” نقلا عن جاويش أوغلو قوله إن “المرحلة التالية في خارطة الطريق هي عقد اجتماع على مستوى وزيري خارجية البلدين”، موضحة أنه لا يوجد جدول زمني محدد لاجتماع بشأن ذلك.

كما ووصف وزير الخارجية التركي المعترضين على خطوات تركيا تجاه دمشق بأنها “جماعات قليلة جدا، تحركت لمصالحها الخاصة”، معتبرا أن ممثلي المعارضة السورية “لم يبدوا أي رد فعل على خطوات أنقرة”.

بالعودة إلى الأكاديمي السياسي رضوان زيادة، فيعتقد إنه على تركيا “ترتب الأمور قبل الوصول إلى أي اتفاق، فالالتزام بالنسبة لها في المناطق التي تسيطر عليها، أولوية”.

المراقبون يرجحون احتمالية عدم إذعان التنظيمات المتشددة في الشمال الغربي السوري وتحديدا إدلب، للاتفاق الثلاثي بين الأطراف الثلاثة؛ موسكو وأنقرة ودمشق، كما لم يستبعدوا حملة عسكرية وأمنية “سورية – روسية – تركية” للسيطرة على هذه الأراضي بالقوة، لا سيما أن هذه التشكيلات ترفض هذا التقارب.

ليس من السهل، بحسب مراقبين، أن تتخلى هذه التنظيمات بعد مرور ثماني أو تسع سنوات عن وجودها، بالتالي ليس مستبعدا أن ترسلها إسطنبول إلى ساحات دولية ساخنة عسكريا، كما حدث في أذربيجان، ولا تخفي الأوساط السياسية في دمشق خدعة الحكومة التركية الحالية بغرض الحصول على مكاسب سياسية لكسب الشارع الداخلي من هذا التطبيع، ويجزم متابعون للشأن السوري بأن التحدي أمام الضامن الروسي كبير لإرغام أنقرة على الوفاء بالتزاماتها، لكن على رغم من ذلك لا بد من وجود جدول زمني محكم قبل الانتخابات التركية التي ستجري صيف هذا العام.

فيما يخص الشمال الشرقي السوري، فإن التواجد الأميركي دفع ببعض الأطراف، مثل إيران وغيرها، إلى التكتل ضدها، لكن هذا التكتل سيكون على مستوى معين، وسيظل الوضع في الشمال الشرقي على حاله لعدة سنوات أخرى، بالنظر إلى تواجد واشنطن وقوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش” الإرهابي، الذي يظهر بين الحين والآخر عبر خلاياه النائمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.