بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية التي احتلتها إريتريا الواقعة على شرق البحر الأحمر ضمن “القرن الإفريقي” الذي يمتد من غرب البحر وإلى خليج عدن، ويشمل الصومال وجيبوتي وإثيوبيا، وصولا في أبعاده السياسية والاقتصادية إلى كينيا والسودان وجنوب السودان وأوغندا، تحولت  الدولة الحديثة في شمال القارة الإفريقية إلى مرآة عاكسة للعديد من التشابكات الدولية والإقليمية التي أخذت سبيلها نحو خريطة القوى المتدافعة إقليما ودوليا، لتبدأ بالتحول تدريجيا إلى حلبة صراع استراتيجي بين دول الخليج العربي وإيران، وغيرها من الدول.

فقد أسهم موقع إريتريا عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر في اكتسابها مكانة استراتيجية جعلتها مطمعا لقوى إقليمية ودولية، وهو ما يثير التساؤل حول الوزن النسبي للموقع الجغرافي وعلاقته بالقوة الشاملة للدولة وفاعليتها ودلالاته في ظل بيئة إقليمية تموج بالمتغيرات والأنماط الصراعية. حيث تستند أهميتها إلى دلالة موقعها الاستراتيجي، فمن الواضح أن إريتريا بات محل اهتمام دولي واسع، وذلك لامتلاكها العديد من مقومات الجذب الدولي وفي مقدمتها الساحل على البحر الأحمر. 

أهمية إريتريا التي جعلتها تمثل محور أغلب الأحداث التي مرت بها منطقة “القرن الإفريقي”، ولتمتد إلى منطقة الشرق الأوسط، تشكلت نتيجة إطلالتها على البحر الأحمر وامتلاكها ساحل طويل أثّر في جعلها محط أطماع اقتصادية لدول إقليمية وكذلك دولية، ومحط استهداف استراتيجي تحاول من خلاله الدول الطامعة في استثماره لتحقيق أهدافها بالسيطرة على الممرات التجارية وتطويق منطقتي القرن والشرق الأوسط.

مدخل لفهم الوزن الاستراتيجي لإريتريا 

ترسيخا لجملة من التفاعلات العاكسة لمرحلة ما بعد الحرب الباردة وما لحقها من تداعيات ورسم خارطة نظام دولي جديد، بدأت القوى الدولية والإقليمية بالتزاحم حول إريتريا، لتتحول إلى منطقة نفوذ للولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة المتحدة ودول غرب أوروبا الأخرى التي تعمل في إطار “حلف شمال الأطلنطي”، إلى جانب قوى أخرى لها أطماعها وتأثيرها ونفوذها في المنطقة مثل؛ إسرائيل وتركيا وإيران، والتحالف العربي السعودي الإماراتي مؤخرا.

لكن على مدار ذلك التدافع الدولي والإقليمي، لم يكن لدى إريتريا ولاءات سياسية واضحة وثابتة. فهي تتعاون وفق مصالحها الآنية، وتقلبات الأوضاع الجيوسياسية في الإقليم، لذا تتعاون مع المحور الأميركي، والأوروبي تارة، وتارة أخرى تتحالف مع روسيا والصين وإيران. وهي أطراف تسعى جميعها إلى الاستحواذ على الموانئ والقواعد العسكرية في خليج عدن والبحر الأحمر والمحيط الهندي، لاسيما ميناء “عصب” الإريتري ومضيق “باب المندب” الذي تُشرف عليه اليمن وجيبوتي.

اقرأ/ي أيضا: الانفتاح العربي على العراق.. نقطة شروع لتوازنات دولية جديدة؟

إذ أن السيطرة عليهما تعني التحكم في ثلاثة ملايين وثلاثمئة ألف برميل من النفط يوميا عبر هذه المنافذ المائية، فضلا عن الإشراف على 21 ألف سفينة تَعبر سنويا من هناك، وفقا لإحصائية لمركز “الجزيرة للدراسات”.

استراتيجية هذه الموانئ الإريترية المُقامَة على البحر الأحمر لا تتوقف على كونها ممرا ملاحيا مهمّا فقط، وإنما يُضاف إلى ذلك كونها معبرا رئيسيا لتصدير نفط الخليج إلى الأسواق العالمية، كما أنها تمثل مركز الربط الأساسي ونقطة عبور الحركة التجارية بين البحر المتوسط والمحيط الهندي وبحر العرب، لذلك تُعد السيطرة على البحر الأحمر في غاية الأهمية للدول الطامعة، خصوصا وأن هذا البحر يًعد واحدا من أهم طرق الملاحة الرئيسية في العالم، إذ يربط ثلاث قارات هي إفريقيا وآسيا وأوروبا.

علاوة على ذلك، تكمن أهمية دولة إريتريا في امتلاكها عدد هام من الجزر المطلّة على البحر الأحمر وعددها 126 جزيرة، ومن ضمنهم جزيرتي “حالب” و”فاطمة”، وهما الأكثر أهمية لوقوعهما أمام مضيق “باب المندب”، ويقعان أمام أرخبيل “حنيش” البالغ عدده 43 جزيرة والذي يتبع لليمن، كما تطلّ جُزرها على الجزر السعودية، ما زاد من عمقها الاستراتيجي بالنسبة للخليج العربي والمنطقة العربية.

أمرٌ أدركت طهران أهميته في وقت مبكّر، ما دفعها إلى تعميق علاقاتها مع إريتريا، ما جعل النظام الإريتري حتى وقت قريب تحت الحاضنة الإيرانية، وداعما أساسيا لجماعة “الحوثي” في اليمن، وهو ما سعت إيران إلى تكريسه بعد اندلاع الحرب اليمنية القائمة منذ العام 2014، في محاولة للتّسلط على صادرات الخليج العربي من النفط والتي تمثل عصب الاقتصاد العربي، والتمدد في “القرن الإفريقي”، وذلك بعد أن بدأت بتهديد حركة الملاحة في مضيق “هرمز” الواقع بمنطقة الخليج العربي، والذي يفصل ما بين مياه الخليج العربي من جهة، ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى.

إيران اتخذت من هذه الجزر الإريترية نقاط ارتكاز لتدريب القوى العسكرية والزج بها في الصراع الإقليمي داخل دول المنطقة لتقوية نفوذها، ولكي تفرض من خلالها سيطرتها على المنطقة، مستغلة الفوضى التي خلفتها الثورة اليمنية التي اندلعت في شباط/فبراير 2011، لتفرض واقعا جديدا تجلّى في استخدامها لثلاثة معسكرات تقع على الأراضي الإريترية لدعم “الحوثيين”.

أحد هذه المعسكرات يوجد بالقرب من ميناء “عصب” قبالة معسكر كبير للجيش الإريتري يسمى “ويعا”، والمعسكر الثاني في منطقة “ساوى” وهو أحدث المعسكرات التي أقامها “الحرس الثوري” الإيراني لتدريب “الحوثيين”، وهو قريب من الحدود السودانية، والمعسكر الثالث يقع في إحدى الجزر الثلاث التي استأجرتها إيران، ومنها جزيرة “دهلك” التابعة لإريتريا، لتزويد “الحوثيين” بالسلاح والدبابات عبر ميناء “ميدي” اليمني.

إريتريا ولعنة الموقع

بحكم حساسية موقعها المطلِّ على البحر الأحمر والقريب من “باب المندب” باليمن، أصبحت إريتريا عنصرا فاعلا في لعبة التحالفات الإقليمية في المنطقة، خاصة بعد التمدد الإيراني، لذلك أصبح البحر الأحمر في أعقاب العمليات العسكرية في اليمن، والتي يشنها “التحالف العربي” بقيادة السعودية، ذا أولوية قصوى بالنسبة لدول المنطقة، ليس من أجل تطويق “الحوثيين” والحد من سبل إمدادهم عبر البحر فقط، بل أيضا من أجل توسيع النفوذ الاستراتيجي ووضع اليد على المنافذ البحرية التي تمرّ عبرها نسبة كبيرة من النفط والغاز.

ليس ذلك فحسب، بل أن التمدد العربي في إريتريا يأتي في سياق مواجهة محاولات روسيا التغلغل إلى داخل إفريقيا عبر الوجود في الموانئ المطلّة على البحر الأحمر، وبناء قواعد عسكرية في مناطق حاكمة واستراتيجية في الشواطئ الإفريقية للولوج إلى القارة السمراء ووضع يدها على موارد القارة، مستغلة ذلك من خلال تقديم الخدمات اللوجستية والدعم السياسي والدبلوماسي والمساعدات الدفاعية والأمنية والاقتصادية وخبرات التحكم في الأمراض والأوبئة، وبعض التدريبات في مجال التعليم والتكنولوجيا.

حيث حاولت روسيا زعزعة التحالفات الموجودة في المنطقة الإفريقية المتمثلة بـ “حلف شمال الأطلنطي”، والتحالفات العربية الموجودة المتصلة بالتحالفات الغربية، وذلك لإضعافها وتشتيت جهودها ليتسنى لها الولوج إلى دول المنطقة والتي من ضمنها إريتريا ومن دون الدخول في أعمال عسكرية عنيفة أو منافسات علنية قد تكلّفها الكثير. أمر دفع بالإمارات إلى التوجه لإريتريا التي تضم إلى جانب الموانئ منافذ بدائية على البحر الأحمر بطول 150 كيلومترا شمالا، ولتدارك استمرار التمدد الإيراني في المنطقة وقطع الطريق عليها في الوصول إلى الجزر الإريترية التي تطل على الجزر السعودية.

اقرأ/ي أيضا: الغزو الروسي لأوكرانيا.. نظرة في أهداف إيران الاستراتيجية

في إطار مساعي موسكو، وقّعت إريتريا، في 10 كانون الثاني/يناير الجاري، مذكرة تفاهم مع روسيا تنص على ربط مدينة مصوع الإريترية الساحلية مع قاعدة البحر الأسود البحرية “سيفاستوبول”، وذلك وفق ما صرح به بيتروس تسيغاي السفير الاريتري لدى موسكو.

هذا الاتفاق يتيح لموسكو استغلال ميناء مصوع الإريتري تمهيدا لإقامة قاعدة عسكرية روسية جديدة في البحر الأحمر بالقرب من مضيق “باب المندب”، وهي خطوة لطالما سعت إليها الحكومة الروسية بشكل حثيث خلال السنوات الأخيرة بهدف إيجاد موطئ قدم لها في المنطقة لتحقيق أهدافها الجيوسياسية هناك، بالرغم من أنها قد تجاهلت طلبا من الرئيس الإريتري أسياس أفورقي في نيسان/أبريل 2021 باستغلال ميناء عصب كقاعدة عسكرية لها.

بحسب دراسة نشرت حديثا لمركز “الأهرامات للدراسات” أن غاية روسيا من ذلك، هو الاستفادة من التموضع الإريتري الاستراتيجي في “القرن الإفريقي” والذي يُعد بمثابة نقطة عبور مهمة في المنطقة، وتعزيز حضورها للتغلغل نحو العمق الإفريقي في شرق ووسط وجنوب القارة، كما يضمن لها التأثير في معادلة أمن البحر الأحمر بما ينعكس على تعظيم نفوذها في الشرق الإفريقي، فضلا عن تعزيز مكانتها إقليما ودوليا للحد من العزلة الدولية المفروضة عليها، وبالإضافة إلى تأمين المصالح الروسية الاستراتيجية في المنطقة.

إذ يبلغ حجم الصادرات الروسية النفطية حوالي 24 بالمئة من إجمالي حركة النفط المتجهة جنوبا إلى البحر الأحمر مرورا بـ “قناة السويس” ومضيق “باب المندب”. ومن ثم، تسعى موسكو لحماية شحناتها التجارية والنفطية وتعزيز صادراتها نحو المنطقة. كما يمكن لموسكو الترويج لصادراتها التسليحية في منطقة القرن الأفريقي التي يُنظر إليها بأنها منطقة مضطربة أمنيا، وذلك باعتبارها موردا رئيسيا للأسلحة في إفريقيا، حيث يتم بيع 13 بالمئة من الأسلحة الروسية إليها.

إضافة إلى ذلك، فإن روسيا تسعى من خلال تأكيد حضورها في إريتريا إلى مراقبة تحركات المنافسين الاستراتيجيين في المنطقة، وذلك مما تتيحه لها المنطقة من جمع المزيد من المعلومات الاستخباراتية حول حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط وبحر العرب، ومراقبة حركة سفن منافسيها، وذلك بالتوازي مع مخططات تعزيز التعاون الاقتصادي مع دول المنطقة، وموازنة النفوذ الدولي. 

علاوة على إيجاد حزام روسي حول مناطق نفوذها في القارة الإفريقية، لاسيما مع الاهتمام الذي توليه موسكو لتوسعة نفوذها في القارة السمراء، وذلك من خلال نسج شبكة إقليمية تمتد من منطقة “القرن الإفريقي” مرورا بالسودان ووصولا إلى الساحل والصحراء وغرب إفريقيا. وتمثل إريتريا مرتكزا أساسيا للوجود الروسي في منطقة القرن، ويمكن أن تصبح بوابة استراتيجية للروس للتمدد إلى بعض دول المنطقة مثل إثيوبيا وجيبوتي والصومال إلى جانب أوغندا في منطقة البحيرات العظمى، وهو ما يعزز السياسة الروسية التوسعية في القارة الأفريقية.

النفوذ العربي في إريتريا

بالمقابل، نتيجة التقرب إلى النظام الإريتري حصلت دولة الإمارات على عقد إيجار لمدة 30 عاما للاستخدام العسكري لميناء “عصب” الاستراتيجي ذا الموقع الاستراتيجي، ومطار “عصب” المجاور مع مدرج بطول 3500 مترا. يمكن لطائرات النقل الكبيرة الهبوط عليه بما في ذلك طائرات “سي 17 جلوب ماستر” الضخمة، ومنذ تاريخ توقيع الاتفاقية بين الطرفين، ومنذ ذلك الحين أصبح ميناء “عصب” شريان للحياة البحرية وقاعدة جوية هامة للإمارات في مضيق “باب المندب”.

 فقد تحول المكان من صحراء خالية إلى قاعدة جوية حديثة، وميناء على المياه العميقة ومنشأة للتدريب العسكري، وبفضل هذه الاتفاقية تحركت سفن الإنزال الإماراتية والسفن التجارية المستأجرة بين قاعدة الإمارات البحرية الجديدة في الفجيرة وميناء “عصب” البدائي.

كما تمتلك الإمارات هناك قاعدة عسكرية تخدم كمنطقة دعم لوجستي ومركز قتالي يسع لواء إماراتيا مدرعا، وتتألف هذه القوات من سربَين من دبابات القتال الرئيسية من نوع “ليكليرك”، وكتيبة من عربات القتال، وبطاريات من مدافع “الهاوتزر -جي “6، ومجموعة طائرات قيادة العمليات الخاصة من طراز “شينوك” و “بلاك هوك”، وطائرات الهليكوبتر “بيل سيفن”، وطائرات مقاتلة من طراز “ميراج 2000″، لتكون بذلك أول موقع إماراتي للسلطة خارج الوطن.

في الإطار ذاته، لعبت إريتريا دورا محوريا خلال الحملة العسكرية والضربات الجوية وتوجيه العمليات البحرية التي يقودها “التحالف العربي” ضد “الحوثيين”، حيث أظهرت معلومات أن المملكة العربية السعودية والإمارات عقدتا اتفاقا لشراكة أمنية عسكرية مع إريتريا، تسمح للتحالف الخليجي باستخدام أراضي إريتريا ومجالها الجوي ومياهها الإقليمية للعمليات اليمنية، وذلك في سياق مواجهة التمدد الإيراني.

هذا ويُعتبر مضيق “باب المندب”، وفقا لخبراء ملّاحيين، أحد أهم نقاط العبور البحري التي تستخدمها حاملات النفط في العالم، حيث يمرّ به ما يقرب من 4.7 مليون برميل من النفط يوميا، ويبلغ عرضه 28.9 كيلومتر فقط عند أضيق نقطة منه، والتي تمتد من “رأس سيان” في جيبوتي إلى “رأس منهالي” في اليمن. وقد ازدادت أهميته بوصفه واحدا من أهم الممرات البحرية في العالم، مع ازدياد أهمية نفط الخليج العربي.

على الناحية الأخرى من البحر الأحمر، عززت تركيا من وجودها في المنطقة منذ أن اتخذت خيارا سياسيا قبل ما يقرب من عقدَين بالانفتاح على “القرن الإفريقي”، لا سيما من منظور الأمن البحري، حيث يدخل القرن ضمن الاستراتيجية الأوسع، لا سيما فيما يتعلق بالاستثمار في الأمن الغذائي على المدى الطويل، وتطوير القطاعات الإنسانية والإنمائية. وهو الجانب الثاني الذي حفّز دول الخليج، لاسيما السعودية والإمارات إلى التوجه نحو شؤون دول “القرن الإفريقي” منذ العام 2015.

في الأثناء، بدأت نتائج الدور العربي تظهر جليا في الساحة الإريترية، حيث أظهرت إريتريا مؤخرا تفاعلا مع هذا الاهتمام الإقليمي بـ “القرن الإفريقي”، وأظهرت اصطفافها العلني إلى جانب الإمارات والسعودية. ففي يوم 14 كانون الثاني/يناير 2018، هاجم الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، على التليفزيون الوطني، السودان وإثيوبيا وتركيا و”شبكة الجزيرة”، متّهما تركيا بالتوسع في منطقة “القرن الإفريقي” وخصوصا في الصومال، معلنا رفضه لإقامة تركيا قاعدة عسكرية في “جزيرة سواكن” بالسودان.

خلاصة واستنتاجات

مشهدٌ، بحسب دراسات، يُظهر مدى أهمية إريتريا في الخارطة العالمية، وما تشهده من إعادة رسم التحالفات الدولية والإقليمية، كما يُظهر مدى نوايا طهران التوسعية والعدائية، التي حوّلت بشكل أو بآخر منطقة “القرن الإفريقي” إلى ساحة صراع دولية جديدة، في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى ساحات مثل أوكرانيا وشمال إفريقيا.

 فمع محاولات إريتريا تعزيز قوتها بالتحالفات الأمنية والسياسية مع القوى الإقليمية والدولية، يمكن أن تتحول تدريجيا لمرتع خصب لكل القوى الإقليمية والدولية المتدافعة فيما بينها حول السيطرة على البحر الأحمر وحركة التجارة وصادرات النفط، وذلك من خلال القواعد العسكرية والموانئ البحرية المؤجّرة لهذه الدول من إريتريا.

على هذا النحو، يمكن أن تشكل إريتريا في المستقبل القريب، نقطة صراع دولي إقليمي واسع، نحو منطقة الخليج العربي، والقارة الإفريقية، إذ أن موقعها الذي يحدّ كلّ من الدول العربية والإفريقية، وفي ظل اختلاف قوى النفوذ التي تحتضنها الأراضي الإريترية، يمكن أن تشكل منطلقا جديدا للتدافع بين القوى الإقليمية والدولية، ما يعني انتقال الصراع الإيراني الخليجي من بلاد الشام والعراق ولبنان، إلى منطقة البحر الأحمر، وذلك بالنظر إلى أن مناطق التدافع التقليدية بات النفوذ فيها شبه محسوم، خلافا لما تمثله هذه الرقعة الجغرافية من أرض خصبة لا تزال قيد التقسيم.

 في الناحية الأخرى، إن محاولات روسيا التوسع داخل إريتريا يمكن أن يشكل حافزا للدول المتنافسة الأخرى في التوجه نحو “القرن الإفريقي”، خصوصا مع ما تمثله إريتريا بالنسبة لحركة الملاحة الدولية، التي تدفع بالضرورة دول مثل الولايات المتحدة الأميركية لأخذ موقع لها وسط هذه المعادلة الجديدة، وذلك ضمانا لحركة صادرات النفط العالمية، ما يعني تحول إريتريا إلى مسرح استقطابي عالمي جديد. تسعى من خلاله إيران وروسيا للتنفيس من خلاله عن عزلتهما الدولية، الأمر الذي يستدعي مشاركة لاعبين أخرين للخشبة.

إضافة إلى ذلك، فإنه بالنظر إلى ما يمكن أن يمثله مستقبل إريتريا في خارطة الصراع الدولي والإقليمي، فقد تتحول العاصمة الإريترية أسمرة إلى أرضية جديدة لإنشاء تحالفات دولية وإقليمية جيدة، يستند إلى مصالحة حماية الممرات المائية من السقوط تحت تأثير قطبية معينة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.