الاقتصاد لبناء تحالفات سياسية.. العلاقات الجزائرية الإيطالية في أحسن أحوالها؟

العلاقات الجزائرية الإيطالية تشهد تقاربا كبيرا، وخاصة مع تنامي حاجة أوروبا للغاز البديل عن الغاز الروسي، حيث تطمح إيطاليا في أن تكون منصة لتوزيع الغاز الجزائري نحو أوروبا، بعد اكتفاء السوق الداخلية، وهو ما يتقاطع مع مصلحة الجزائر، التي تريد استغلال تنافس الدول الأوروبية على غازها، لفرض نفسها طرفا مركزيا في منطقة البحر المتوسط، وجلب المزيد من الاستثمارات الأوروبية.

في غمرة تنامي العلاقات بين الجزائر وروما، أجرت رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني زيارة إلى الجزائر قبل أيام، وخلالها جرى التوقيع عقب محادثات أجرتها مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على اتفاقيات عديدة.

وكالة الأنباء الجزائرية، أكدت أن الجانبين وقعا على إعلان مشترك وأربع مذكرات تفاهم وتعاون تشمل قطاعات عديدة، موضحة أنه جرى التوقيع على إعلان مشترك بمناسبة الذكرى العشرين للإمضاء على معاهدة الصداقة، حسن الجوار والتعاون، وعلى مذكرتي تفاهم بين مجمع سوناطراك والمجمع الإيطالي “إيني”، تخص الأولى تحسين شبكات ربط الطاقة بين الجزائر وإيطاليا من أجل الانتقال الطاقوي المستدام، بينما تتعلق الثانية بالتعاون التكنولوجي لخفض إحراق الغاز والتثمين وتقنيات أخرى لخفض الانبعاثات.

إلى جانب ذلك، أشارت الوكالة إلى التوقيع على مذكرة تفاهم بين الوكالة الفضائية الجزائرية والوكالة الفضائية الايطالية، للتعاون في مجال الأنشطة الفضائية للأغراض السلمية، موضحة أن الاتفاقيات الموقعة تشمل كذلك مذكرة تفاهم وتعاون بين مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري والكونفدرالية الاقتصادية والصناعية الإيطالية.

العلاقات الجزائرية – الإيطالية بدون مطبات تاريخية

العلاقات بين الجزائر وإيطاليا تمتد في العصر الحديث إلى خمسينيات القرن الماضي، وتحديداً في العام 1954، عندما اندلعت ثورة التحرير الجزائرية ضد القوات الفرنسية، حينها تبنت العديد من الشخصيات الإيطالية دعم الثورة، في حين حاولت روما تحقيق التوازن بين تعاطفها مع الجزائريين وعلاقاتها مع فرنسا.

الحكومة الإيطالية حاولت الحفاظ على علاقاتها مع فرنسا، لكن تحت ضغط الرأي العام ساندت الثورة الجزائرية بشكل ضمني، وبعد الثورة حافظت إيطاليا على علاقاتها مع الجزائر أثناء “محنة” الأخيرة أو ما يعرف بـ”العشرية السوداء” في تسعينيات القرن الماضي.

بعدها وقعت الجزائر وروما على ميثاق الصداقة وحسن الجوار والتعاون في 2003،  أثناء زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الايطالي كارلو أزيليو شامبي حينها، وبعدها بعام واحد العمل زار رئيس مجلس الوزراء الإيطالي السابق، ماتيو رنزي الجزائر.

وصولاً إلى العام 2022، زار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إيطاليا، وأدلى من روما بتصريحات وصف فيها أن العلاقات التي تجمع الجزائر بإيطاليا بـ”المتينة”، معتبرا أنها “من أقوى العلاقات العربية-الأوروبية في منطقة الحوض المتوسط”.

الاستعراض السابق يعزز التعاون بين البلدين، وخاصة بعد غزو روسيا أوكرانيا، حيث زادت أهمية صادرات الجزائر من النفط والغاز بالنسبة لأوروبا التي تبحث عن بدائل لحوامل الطاقة الروسية.

الجزائر وإيطاليا.. “رابح – رابح”

السؤال المطروح اليوم بعد زيارة ميلوني الأخيرة، من المستفيد الأبرز من تنامي العلاقات الجزائرية الإيطالية؟. مجيبا على هذا التساؤل، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة “الجزائر” إدريس عطية لـ”الحل نت”، إن البلدين يستفيدان من هذا التقارب، “باعتقادي فإن مبدأ رابح رابح هو الذي يوصف هذا التحالف، لأنه يقوم على الندية، ويستند إلى علاقات تاريخية جيدة”.

رغم انتماء رئيسة وزراء إيطاليا ميلوني إلى اليمين المتطرف، فإن العلاقات الجزائرية – الإيطالية لم تتأثر كما يؤكد عطية، مضيفا: أن “الرئيس الجزائري تبون أكد على علاقة البلاد الاستراتيجية مع إيطاليا، وهو ما دفع بميلوني إلى إجراء زيارة شخصية للجزائر”.

من جهة أخرى يشير عطية إلى حاجة أوروبا “الملحة” للغاز بعد الحرب في أوكرانيا، وهو ما يصب في مصلحة الجزائر التي تبيع هذه المادة بسعر السوق العالمي، وامتلاكها احتياطيات كبيرة يؤهلها لأن تكون في مركز تفاوضي قوي.

إيطاليا منصة لتوزيع الغاز الجزائري

عقب الزيارة، قالت رئيسة الوزراء الإيطالية ميلوني، إن بلادها تنوي أن تحقق مع الجزائر شراكة تسمح للبلدين بأن يغذيا آفاقهما للمستقبل، والإسهام في تحقيق الاستقرار بمنطقة البحر المتوسط، مضيفة أن “هناك هدف زيادة صادرات الطاقة من الجزائر إلى إيطاليا”. وبالتالي من الجزائر إلى أوروبا، من خلال دراسة إمكانية نقل الغاز الموجود وتحقيق أنبوب غاز جديد يسمح أيضا بنقل الهيدروجين وخط الكهرباء تحت سطح البحر، وأيضا الغاز المسال.

المشروع إن تحقق يحل مشكلة تصدير الغاز الجزائري إلى أوروبا، حيث تصر الأولى على عدم الضخ عبر الأنبوب المغاربي الرابط بينها وبين إسبانيا مرورا بالمغرب بسبب خلافاتها الدبلوماسية مع الرباط.

صحيفة “العرب اللندنية” قالت إن الجزائر لم تستجب على ما يبدو لدعوات أوروبية وأميركية لإعادة الحياة للأنبوب المغاربي من أجل الاطمئنان على تموين مدريد بكل أريحية بالغاز، ومواجهة الضغوطات التي فرضتها الأزمة الأوكرانية، خاصة وأن الأنبوب العامل حاليا المار مباشرة من الجزائر إلى إسبانيا عبر البحر لا يؤمن الحاجيات المطلوبة من قبل مدريد.

الصحيفة نقلت عن متابعين قولهم إن اتفاق ضخ كميات إضافية من الغاز الجزائري في الأسواق الإيطالية، وتوجه الجزائر إلى تنفيذ آليات ضخ إضافية من الصحراء إلى سواحلها الشرقية لتوصيلها إلى إيطاليا مرورا بتونس، يعد بمثابة سحب البساط من تحت إسبانيا التي كانت تسعى لتوظيف اتفاقياتها الطاقية مع الجزائر لأن تكون محطة طاقية أولى في أوروبا، قياسا بما تملكه من إمكانيات التكرير والمعالجة، الأمر الذي كان يؤهلها لأن تكون محطة أساسية في شبكة التوزيع الغازي نحو أوروبا بعد الاستغناء عن الغاز الروسي.

الجزائر تبحث عن شركاء موثوقين

منذ عقود وفرنسا تعد الشريك الاستراتيجي للجزائر، إلا أن العلاقات بين الجزائر وباريس ليست في أحسن أحوالها، وهو ما قد يقوي من حظوظ إيطاليا لأن تحل مكان فرنسا.

“نمو وتطور العلاقات الإيطالية الجزائرية يأتي استجابة للتغيرات الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية الدولية”، يقول الباحث الاقتصادي الدكتور يحيى سيد عمر، مشيرا إلى أنه فهم التطور في العلاقات الجزائرية الإيطالية يتطلب قراءة المشهد الدولي بصورة عامة، لأنه لا يمكن فهمه بمعزل عن السياق الدولي.

في رأيه تبحث الجزائر عن شريك اقتصادي استراتيجي وموثوق، موضحا لـ”الحل نت” أن الجزائر تسعى لبناء علاقات اقتصادية استراتيجية مع أكثر من دولة، بما يحمي اقتصادها من أي تبعات أي توتر سياسي، وهذا يصب في خانة تنويع محفظة الشراكات الاقتصادية الاستراتيجية وتقليل مخاطرها.

الجزائر ترى في إيطاليا فرصة اقتصادية استراتيجية، ويتعزز هذا الأمر في ظل الاتجاه الدولي نحو الإقليمية في سلاسل التوريد، والاستغناء عن النمط الدولي، وذلك في ظل أزمة سلاسل التوريد الحالية

فالجزائر تمثل فرصة لعمل الشركات الإيطالية، وفق سيد عمر. معتبرا أن الحرب الروسية الأوكرانية أثبتت أن أمن الطاقة في أوروبا لا يمكن أن يكون مستقرا في حال الاعتماد بشكل كبير على الغاز الروسي، ولذلك تعمل دول الاتحاد الأوروبي لإيجاد بدائل للغاز الروسي، والجزائر تشكل مصدرا هاما للطاقة بالنسبة لإيطاليا، فواردات إيطاليا من الغاز الجزائري بلغت في عام 2022 أكثر من 21 مليار متر مكعب سنويا، ومن المتوقع أن ترتفع هذا الكمية إلى 30 مليار متر مكعب في السنوات القادمة، وهذا يوضح أهمية الجزائر بالنسبة لأمن الطاقة في إيطاليا.

وبذلك، يمكن القول من وجهة نظر سيد عمر، أن الاقتصاد يعد أهم الأسباب التي تدفع الجزائر وإيطاليا للتقارب، وهذا ما يعزز من الطرح القائل بأن الاقتصاد يقود عربة السياسة في العلاقات الدولية.

إلى حد بعيد يتفق مع سيد عمر أستاذ العلوم السياسية بجامعة عنابة، فؤاد منصوري، الذي أكد في تصريح لصحيفة “الخبر” الجزائرية قبل أيام، أن الجزائر وإيطاليا تناولا الملفات السياسية والأمنية الثنائية، مثل تنقل الأشخاص بين البلدين، ومكافحة الهجرة السرية والجريمة المنظّمة العابرة للأوطان ومكافحة الإرهاب في منطقة الساحل.

التقارب بين البلدين يحقق جملة من المكاسب للجانبين، فالجزائر تريد إلى جانب المكاسب الاقتصادية، أن تقوي علاقتها مع بلد يقاسمها وجهات النظر في العديد من الملفات، وفي مقدمتها التوتر مع المغرب على خلفية نزاع الصحراء الغربية، وليبيا والتسوية فيها، في المقابل تتطلع إيطاليا إلى تأسيس موطئ لها في إفريقيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.