منذ بدء أزمة الطاقة عالميا وتحول الجزائر لأحد أهم مصادر الطاقة والغاز في العالم خاصة نحو القارة الأوروبية، حيث سعت الجزائر لاستخدام هذا الامتياز لفرض أجندتها على الساحة الدولية، ذلك ما جذب أنظار روسيا المعزولة دوليا التي تسعى لتوسيع نفوذها في الشرق والجنوب من البوابة الجزائرية.

العديد من المصالح تقاطعت بين الجزائر التي تريد نفوذ أكبر حول العالم، والابتعاد إلى حد ما عن الإملاءات الغربية، فضلا عن التعاون العسكري الممتد لعشرات السنوات مع موسكو، لكن هل يتسبب التقارب الجزائري مع روسيا في عزل الجزائر ووضعها إلى جانب روسيا المعزولة، وكيف يمكن لروسيا استغلال الجزائر وجعلها بوابة لضرب الاستقرار في البلدان الإفريقية.

العلاقات الجزائرية الروسية شهدت تطورات عديدة خلال الأشهر الماضية، وبلغت ذروتها عندما أعلنت الجزائر تبني الموقف الروسي أمام وضع أوروبا سقف لأسعار الغاز، معتبرة أن إجراءات الاتحاد الأوروبي “أحادية الجانب”.

الجزائر نحو موسكو

في إصرار ربما على التوجه نحو روسيا، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، كشف عن تحضيره لزيارة روسيا في أيار/مايو القادم، في وقت تحاول فيه الجزائر حتى الآن، إيصال رسالة للعالم تؤكد من خلالها على الحياد والتعاون مع جميع الأطراف الدولية، حيث أفاد بيان للرئاسة الجزائرية، بمحادثات جرت بين تبون وبوتين الثلاثاء، تناولا فيها سبل تعزيز العلاقات الثنائية التي تربط البلدين، لا سيما آفاق التعاون الطاقوي حسب ما نقلت صحيفة “القدس العربي”.

هناك رغبة جزائرية بأن تكون لاعبا أكثر أهمية على الساحة الدولية، لكن حتى الآن لم تجد نفسها في أي موقع الأطراف الدولية، فهي تتقارب مع روسيا وتبرم الاتفاقيات الاقتصادية في مجال الطاقة مع أوروبا. أما روسيا فهي تستغل الرغبة الجزائرية، وتقدم لها المغريات خاصة في مجال التسليح، طمعا بمكانة الجزائر في شمال إفريقيا، على أمل أن تكون الجزائر بوابة لها لمزيد من التوسع في إفريقيا لا سيما على المستوى الاقتصادي.

الباحث السياسي في الشؤون الروسية سامر إلياس، أوضح أن الجزائر ترى أن تعزيز علاقاتها مع “روسيا “الكرملين” تخدم التوازن العالمي القائم على ثنائية القطبية، لكن هناك تناقضات متعلقة بمدى استفادة الجزائر من العقوبات المفروضة على روسيا خاصة فيما يتعلق بالطاقة، مشيرا إلى أن مساعي روسيا في توسيع نفوذها في إفريقيا من خلال الجزائر ستواجه الكثير من العقبات.

قد يهمك: غارات على الحدود السورية العراقية.. بدء الضغط العربي-الإسرائيلي على إيران؟

إلياس قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “الجزائر كانت وجهة روسيا الأولى، للتوجه نحو الشرق والبلدان التي كانت حليفة للاتحاد السوفييتي، هذه المسيرة بدأت في عهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والجانب الجزائري اليوم يرى أن قوة روسيا هي إعادة للنظام العالمي القائم على ثنائية القطبية”.

لكن التناقض في المصلحة الجزائرية ودعم الجزائر لروسيا، هو في كون الجزائر أحد أبرز المستفيدين من العقوبات المفروضة، كونها أدت إلى تضاعف الطلب على الغاز الجزائري من قبل الدول الأوروبية خلال الفترة الماضية.

المصالح المتبادلة

الاقتصاد الجزائري استفاد كثيرا من حرب الطاقة بين روسيا وأوروبا، خاصة مع وجود خطوط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا والاستحواذ على حصة من الغاز الروسي الذي كان يصل إلى أوروبا، لكن على الجانب السياسي نرى الاصطفاف الجزائري إلى جانب روسيا.

في هذا الصدد أوضح إلياس، أن روسيا ترى أن الجزائر برمزيتها ومكانتها شمال إفريقيا، يمكن أن تلعب دورا هاما في العديد من المصالح الروسية، أبرزها توسيع النفوذ في إفريقيا، وفي الملف السوري يمكن أن تضغط الجزائر لعودة مقعد دمشق إلى الجامعة العربية، وقد ضغطت في هذا الملف بشكل واسع خلال القمة العربية الماضية.

حول المصالح الروسية في التقارب مع الجزائر زاد إلياس بالقول، “روسيا ترى كذلك أن التقارب مع الجزائر يساعدها من أجل توسيع نفوذها في البلدان الإفريقية، بالمقابل ترى الجزائر أن اقترابها من روسيا، يساعدها في الابتعاد عن الإملاءات الغربية، إذ إن هناك صراعات مختلفة مع فرنسا في العديد من القضايا الخلافية”.

الجانب الروسي بمصالحه يرى أنه يمكن للجزائر أن تكون بوابة لمناطق جنوب الصحراء وجنوب إفريقيا وإلى شمالها، بعدما أصبح يتمركز في مناطق جنوب الصحراء، في مالي وغيرها من البلدان الإفريقية، لذلك يسعى للتنسيق مع الجزائر من أجل تثبيت مواقعه في القارة الإفريقية، بعدما استطاع مؤخرا زعزعة الوجود الفرنسي، كما كان له دور هام في ضرب الاستقرار في العديد من الدول الإفريقية.

برأي إلياس فإن توسيع روسيا لنفوذها من البوابة الجزائرية، أمامه العديد من العقبات، أولها طبيعة النظام الاقتصادي في الجزائر، التي تمنع بناء مصانع ونشر الاستثمارات الروسية، فضلا عن أن روسيا لا تمتلك العديد من القطاعات الاقتصادية والصناعية، كذلك وجود توترات بين الجزائر وجيرانها أبرزهم المغرب وقسم من الليبيين، فضلا عن المنافسة مع مصر على مَن يكون بوابة روسيا إلى إفريقيا.

أما عن مستقبل العلاقات بين الجزائر وروسيا، فنظرا للأوضاع الدولية وأزمة الطاقة، فلربما عند لحظة ما تتضارب مصالح الجانبين، نظرا لأن القارة الأوروبية اتخذت قرارا استراتيجيا بالتخلي عن مصادر النفط والغاز في روسيا، وبالتالي فإن التنافس سيكون بحسب إلياس موجود بين البلدين، فالجزائر لا تستطيع إلا أن تُصدّر النفط والغاز اللذان يشكلان مصدر مهم من مصادر الخزينة، وهذا سيضعها في موقف متعارض مع روسيا التي كانت المصدر الأول لغاز أوروبا.

مع تصاعد وتيرة العلاقات بين روسيا والجزائر، بدأت بعض المطالبات في الولايات المتحدة الأميركية بمعاقبة الجزائر لاصطفافها مع “روسيا”الكرملين”، الأمر الذي رفضه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالطبع، معتبرا أن الولايات المتحدة “هاجمت الدولة الخطأ”، عندما أرادت “معاقبة” الجزائر لعدم انضمامها إلى العقوبات ضد روسيا.

روسيا ودورها السلبي في إفريقيا

مع الدور السلبي الذي تلعبه روسيا في القارة الإفريقية، فإن زيادة تقاربها مع الجزائر سيسمح لها المزيد من محاولات التدخل في شؤون الدول الإفريقية، مستغلة بذلك زيادة وتيرة التقارب مع تزايد صفقات التسليح، إذ تُقدر ميزانية الجيش الجزائري بحسب وسائل إعلام محلية رسمية بنحو 11 مليار دولار أميركي سنويا، وتبلغ نسبة المساهمة الروسية بالترسانة العسكرية الجزائرية 90 بالمئة.

على الرغم من مواقف معظم الدول الواضحة من روسيا، منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، تحاول الجزائر التأكيد على أن مساعيها تأتي ضمن وقوفها على الحياد من جميع الأطراف، الأمر الذي رفضه السياسيون الأميركيون والأوروبيون.

في هذا الصدد أكد الرئيس الجزائري، في حديثه عن الزيارة إلى موسكو أن “روسيا بلد صديق والولايات المتحدة بلد صديق. والصين والهند وبلدان الاتحاد الأوروبي بلدان صديقة… أين يكمن المشكل في هذا”.

لكن الادعاءات الجزائرية لم تلقى صدى إيجابيا في الأوساط الأميركية، ومن المؤشرات على ذلك الرسالة التي وجّهها برلمانيون أميركيون، بقيادة عضو “الكونغرس” الجمهورية ليا ما كلين، إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، نهاية أيلول/سبتمبر الماضي، والتي عبّروا فيها عن “مخاوف تنتابهم” بشأن ما وصفوه “تنامي العلاقات الوثيقة بين الجزائر وروسيا“.

الرسالة تناولت تقارير، ذكرت أن الجزائر وقّعت العام الماضي، صفقات أسلحة مع موسكو قيمتها أكثر من 7 مليارات دولار، وأن من بينها بيعُ روسيا للجزائر طائرات مقاتلة متطورة من طراز “سوخوي 57” والتي لم تبعها روسيا لأي دولة أخرى، حسب التقارير.

تكمن مخاوف تعزيز العلاقات الروسية الجزائرية، في الدور السلبي الذي من الممكن أن تلعبه روسيا في زعزعة أمن واستقرار القارة الإفريقية، لكن وكما أوضحنا فإن هناك العديد من العقبات التي تواجه الروس للتوسع من البوابة الجزائرية، لكن ما هو غير معروف حتى الآن طريق تعامل الغرب مع الجزائر بعد التقارب مع روسيا، خاصة وأن هناك مصالح عديدة لأوروبا مع الجزائر أبرزها في مجال الطاقة، ستجعلها ربما تغض الطرف إلى حدّ ما عن استمرار الجزائر فتح قنوات التواصل مع موسكو.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.