في خضم التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة، بالإضافة إلى التحولات الملحوظة التي تشهدها المنطقة على عدة مستويات، تواجه منطقة الخليج العربي تحديات خارجية تبدو غير مسبوقة، لما لها من تداعيات سلبية على مستقبل أمن دول الخليج ككل.
هذه التحديات تكمن في عدم التّوصل بعد إلى حلّ للملف النووي الإيراني، بالإضافة إلى استمرار حالة عدم الاستقرار في عدد من دول المنطقة، مثل اليمن وسوريا ولبنان والعراق، بجانب التنافس الصيني على المنطقة. إزاء ذلك كلّه ثمة تحركات خليجية أميركية بغية وضع خطط لردع خطر التمدد الإيراني في المنطقة، بالنظر إلى أن واشنطن تولي مسألة الأمن في منطقة الخليج أهمية بالغة، لا سيما في ظل تغير طبيعة التهديدات الأمنية التي أضحت غير تقليدية، خصوصا مع إيران التي ترتبط حدودها المائية بجميع الدول الخليجية.
هذه التحركات يعززه الاجتماع الأخير الذي حصل بين كبار المسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مع عدد من المسؤولين الخليجيين في الرياض، يوم الإثنين الماضي، لبحث الخطوات التي يمكن لدول الخليج العربي اتخاذها لبناء تحالف دفاعي إقليمي فعّال ضد إيران. لذلك تبرز عدة تساؤلات في خضم كل هذا، حول إمكانية تشكيل موقف أمني وسياسي في الخليج العربي، وبمساعدة الولايات المتحدة، لردع إيران، والنهج المحتمل لمنع تهديدات طهران، إلى جانب الأطراف الإقليمية والدولية المتوقع اصطفافها لمواجهة تلك التهديدات وتحديدا موقف إسرائيل من تلك التحركات.
وضع حد للتفلت الإيراني
مصادر مطلعة أفادت أن الاجتماعات الأميركية الخليجية يقودها المبعوث الأميركي الخاص لإيران روبرت مالي، ومسؤولة سياسة الشرق الأوسط في “وزارة الدفاع الأميركية” (البنتاغون) دانا سترول، والمدير بالإنابة لمكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية كريستوفر لاندبرغ، وتضم مسؤولين وعسكريين من السعودية والإمارات وقطر والبحرين والكويت وسلطنة عُمان، حسبما أورد موقع “المونيتور” الأميركي.
العاصمة السعودية الرياض، احتضنت يوم الإثنين الماضي، اجتماعات مجموعة العمل المشتركة بين الولايات المتحدة ودول “مجلس التعاون الخليجي”؛ وتمحورت الاجتماعات حول مناقشة قضايا أمنية مهمة. ووفقا لبيان أصدرته “الخارجية الأميركية”، فإن وفدا حكوميا أميركيا رفيع المستوى شارك في الاجتماعات، حيث اجتمع مع ممثلين عن حكومات دول الخليج و”الأمانة العامة”؛ بغية مناقشة الأولويات المشتركة، ما بين 13 و16 شباط/فبراير الحالي.
هذا وقد تركز اجتماعات مجموعة العمل على ثلاث أولويات؛ وهي الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل والأمن البحري، وإيران، ومكافحة الإرهاب. وتُظهر هذه الاجتماعات الالتزام المشترك للولايات المتحدة ودول الخليج بتعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين من خلال التعاون عبر مجموعة من القضايا، بحسب البيان الأميركي.
الخبراء يقولون إن هذا الاجتماع الذي جاء في الوقت المناسب هو فرصة للولايات المتحدة لإظهار أنها لا تزال ملتزمة مع حلفائها في المنطقة، حيث يعتقد الكثيرون أن إدارة بايدن قلّلت بشكل كبير من مشاركتها في الشرق الأوسط.
الكاتب والمحلل السياسي، ميّار شحادة، يقول من جانبه إن المنطقة وخاصة بعدما حصل زلزال مدمّر في كل من تركيا وسوريا، فإن الأمور باتت واضحة على أكثر من مستوى لدى العديد من الأطراف الإقليمية والدولية، ومنها إسرائيل؛ حيث أن هذه الأطراف مجتمعة اتفقت على ضرورة وضع حد للتفلت الإيراني ومن ثم إيجاد مقاربة سياسية وأمنية لردع طهران. رغم أن لا أحد يريد إنهاء الدولة الإيرانية من جذورها، لكنهم يريدون أن تكون دولة طبيعية داخل حدودها، دون التدخل في شؤون الدول المجاورة لها أو دول المنطقة ككل وزعزعة الأمن والاستقرار فيها، وهذا ربما سبب التحركات الحالية.
قد يهمك: دعم الكويت لحلفائها يتوقف.. ما الذي يعنيه ذلك؟
شحادة يضيف وفق وجهة نظره لموقع “الحل نت”، أن إيران من جانبها وسّعت تعاونها العسكري مع كل من روسيا والصين، وبالتالي هي أصبحت بالنسبة للأميركيين والأوروبيين عدوة وعلى الطرف الآخر من العالم، ولم يُعد هناك مجالا للحوار معها.
السعودية تريد سلاح فتاك؟
في الإطار، سبق هذا الاجتماع سلسلة لقاءات بين مسؤولين عسكريين سعوديين وأميركيين، بالإضافة إلى مباحثات رفيعة بين مسؤولي وزارتي الدفاع في البلدين. ولعل أهمية منطقة الخليج تكمن بأنها تتأرجح على صفيح ساخن بين الحين والآخر؛ خصوصا بسبب الأزمة المتصاعدة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، حيث تبرز مخاطر المواجهة المحتملة وسط حالة من التصعيد والتهدئة وتباين مؤشرات الحرب والسلام في المنطقة.
كما وبات احتمال اندلاع حرب جديدة في منطقة الخليج الحديثَ الأبرز مؤخرا وسط تسارع مؤشرات التوتر، خصوصا بعد فشل التوصل إلى اتفاق بشأن النووي الإيراني ووصول حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة، مقابل تطمينات تؤكد تمسك الطرفين بالحرص على عدم خوض الحرب، وسط الأزمات الدولية نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا.
كذلك، وكالة “تسنيم” الإيرانية، قالت مؤخرا، إن طهران تجهز مروحيات بحرية لـ”الحرس الثوري الإيراني” بجميع أنواع الألغام البحرية للتعامل مع التهديدات في الخليج وما وراءه.
بالعودة إلى تقديرات المحلل السياسي، شحادة، فيقول إن السعودية وإسرائيل تريدان بشدة ردع وإنهاء الوجود والتدخل الإيراني في المنطقة، وتحديدا في اليمن وسوريا ولبنان، وكذلك شمال إفريقيا، وبالتالي فإن الطرفَين لا يريدان إسقاط النظام الإيراني، بل تجفيف منابع ميليشياته من المنطقة، وبمعنى أكثر دقة، لكف بلائه من المنطقة، حتى يتم إحياء الاستقرار في هذه الدول.
إلا أن إيران ردت مؤخرا على هذه التحركات، وأرادت القول “بأنها تريد استكمال مشروعها في المنطقة ولا ترغب في الخروج من هذه الدول”، وهذا الرد جاء على شكل توسيع علاقاتها العسكرية والاقتصادية مع كل من روسيا والصين، ومن هنا فإن كلّ من الولايات المتحدة ودول المنطقة، وخاصة الخليج، باتوا يدركون تماما حقيقة وضرورة مواجهة إيران ووضع رادع لتمددها، وأنه يجب أن يكون ذلك من خلال خطط طويلة الأمد وقوية، بمعنى أنه لا ينبغي أن تكون عبر ضربات جوية آنية للأهداف الإيرانية ومن ثم التوقف، ذلك لأن هذه الخطط من شأنها أن تؤمّن “الأمن المستقبلي” لدول الخليج، وفق تعبير شحادة.
لكن ثمة معضلة عدم توقيع السعودية اتفاقية سلام مع إسرائيل وربما هذا ما يعرقل توحيد الجهود بين هذه الأطراف لمحاربة خطر التهديد الإيراني، وبالتالي ربما تحاول الولايات المتحدة في الفترات المقبلة إقناع الخليج والسعودية بالتحديد لتوحيد الجهود، أو البحث عن خطط لبناء قواعد عسكرية ووضع أسلحة رادعة لمواجهة إيران، وفق توقعات شحادة.
شحادة يعتقد أن الشيء الذي سيعيد العلاقات الأميركية السعودية كما كانت في الماضي بعد الشرخ الأخير بينهما، هو إعطاء واشنطن سلاح رادع قوي للرياض لمواجهة التهديد الإيراني دون التحالف مع دول أخرى، مثل إسرائيل.
هذا وضمن التحركات الإقليمية كانت الرياض على موعد مع قمم خلال زيارتين قام بهما رئيسا الولايات المتحدة الأميركية والصين، حيث عقدت قمة أميركية سعودية في تموز/يوليو من العام الماضي، بحضور الرئيس بايدن، وقمة أخرى أميركية خليجية بمشاركة مصرية أردنية عراقية، ناقشت 6 ملفات بارزة بينها إيران وأمن الطاقة.
في الجهة المقابلة عقد الرئيس الصيني شي جين بينغ، أواخر 2022، ثلاث قمم؛ الأولى مع السعودية، والثانية مع دول الخليج، والثالثة موسعة بحضور قادة عرب، وفق تقرير لموقع “ميدل إيست نيوز”. كما عقدت قمة أخرى في كانون الثاني/يناير الماضي بالعاصمة الإماراتية أبوظبي بمشاركة زعماء الإمارات وقطر وسلطنة عُمان والبحرين ومصر والأردن، بالتزامن مع تحركات أميركية عسكرية وسياسية مكثفة في المنطقة.
الاصطفافات المحتملة
المتحدث باسم “القيادة المركزية الأميركية”، قال إن الولايات المتحدة تقف مع دول الخليج ضد أي تهديد لأراضيها أو شعوبها، معتبرا في الوقت ذاته أن إيران أكبر تهديد للأمن والاستقرار بالمنطقة، مضيفا في تصريحات لموقع “العين الإخبارية” الإماراتي، أن “الولايات المتحدة تظل ملتزمة تجاه شركائها في المنطقة، حيث إن مثل هذه الشراكة تظل ذات أهمية قصوى للأمن والاستقرار الإقليميين”.
قد يهمك: نهاية الرهان.. هل وصلت علاقة السعودية بروسيا إلى حدودها؟
جون مور أردف بأنه في السنوات الماضية، كان الالتزام الأميركي بالمنطقة يُقاس بعدد الجنود على الأرض، ولكن الزمن تغير واستمرت “القيادة المركزية الأميركية” في الوقوف جنبا إلى جنب مع حلفائنا وشركائنا لهزيمة وردع السلوكيات الخبيثة وجميع التهديدات الحاسمة.
في السياق ذاته، “القيادة المركزية الأميركية”، أعلنت يوم الأربعاء الماضي، أن قواتها المتمركزة في سوريا، أسقطت طائرة مسيّرة إيرانية الصنع في شمال شرق البلاد، موضحة في تغريدة على حسابها الرسمي على منصة “تويتر”، أن الطائرة المسيّرة الإيرانية حاولت استطلاع قاعدة أميركية في شمال شرقي سوريا.
“القيادة المركزية الأميركية”، أضافت أن الطائرة المسيّرة التي تم إسقاطها كانت تحاول إجراء استطلاع لموقع “كونوكو” النفطي، وهو قاعدة دورية في شمال شرقي سوريا، وقالت إنها “دليل على التزامنا بحماية شعبنا ومصالحنا”.
شحادة يقول وفق تقديره، إن الأطراف الإقليمية والدولية التي من المتوقع الاصطفاف لمواجهة تهديدات طهران، ستكون مثل الأردن والإمارات والبحرين وقطر والسعودية والكويت وعُمان، أي الدول الخليجية بشكل عام، وأن هذه الدول تميل دائما إلى الولايات المتحدة، رغم بعض الشروخ والثغرات التي تحدث أحيانا هنا أو هناك.
بطبيعة الحال وفي خضم كل هذا تشعر إيران بأنها محاصرة، خاصة وأن الصين لم تنفّذ بعد الاتفاقيات الاقتصادية الموقّعة مع إيران، بالإضافة إلى أن روسيا والصين تستخدمان إيران لصالحهما، دون تزويدها بالدعم الكافي الذي تحتاجه لتنفيذ مخططاتها ومشروعها، خاصة في الجانب الاقتصادي، وبالتالي المنطقة بشكل عام أمام احتمال وجود توجيه خليجي وتحديدا السعودية ضد التهديد الإيراني، ولكن بشرط أن تدعم واشنطن السعودية بأسلحة فتاكة وكافية لمواجهة الطرف الإيراني، ودون التحالف مع إسرائيل، وهذا يتوقف على قوة ومتانة العلاقات الخليجية الأميركية.
الحديث عن تشكيل تحالف رادع بالمنطقة يأتي في وقت يعمل فيه حلفاء واشنطن في المنطقة على تحمّل المزيد من العبء في مواجهة التهديدات الأمنية الإقليمية، وفي مقدمتهم إسرائيل ودول الخليج، لذا فإن فكرة التحالف الخليجي وبدعم أميركي يبدو أنها باتت ضرورة ملّحة، من أجل ضمان الأمن الحالي والمستقبلي للمنطقة.
- وفيق صفا.. ما الذي نعرفه عن أول قيادي ينجو من ضربات إسرائيل
- ما بين النفط والموقع الاستراتيجي.. الصين عينها على السودان
- بموافقة 26 دولة.. مجلس حقوق الإنسان يعتمد قرارا حول سوريا
- إسرائيل تحيّد قائد وحدة الصواريخ بقوة “الرضوان” واستهداف جديد لـ”اليونيفيل”
- العراق وتعديل قانون الأحوال الشخصية.. الرجعية تكسر التنوير!
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.