بعد مضي خمسة أعوام، على سيطرة القوات التركية والفصائل السورية المدعومة منها على كامل منطقة عفرين، لا يزال مسلسل الانتهاكات والخروقات مستمرّ بحق أهالي المدينة الأصليين، إذ يتعرضون لانتهاكات شبه يومية، ولعل آخر وأبشع جريمة ارتُكبت بحقهم، تلك التي وقعت قبل يومين، حيث قُتل خمسة أفراد من عائلة كُردية، وأصيب آخرون في جنديرس بمدينة عفرين شمال سوريا، برصاص مقاتلين ينتمون لأحد الفصائل المدعومة من أنقرة.

هذه الجريمة التي وصفها سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي بأنها “بشعة وتعكس حجم ما تعرّض له هؤلاء الأكراد الأبرياء الذين قتلوا بطريقة شنيعة”، بسبب إشعالهم شعلة “عيد النوروز” أمام منزلهم، وهذا العيد يشكّل رمزا قوميا لدى الأكراد، أي أن “النوروز” حلّ هذا العام على عفرين وأهلها مخضّبا بالدماء، بدلا من السلام.

“المرصد السوري لحقوق الإنسان” تحدث عن أن عناصر ينتمون لـ “أحرار الشرقية” من قاموا بتنفيذ الجريمة، فيما اتهم سكان المنطقة فصيل “الجيش الشرقية”، وهي مجموعة منشقة عن “أحرار الشرقية” بارتكابها. لكن في المحصلة هؤلاء المسلحون ينتمون إلى فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من أنقرة.

على إثر ذلك لم تستنكر السلطات المحلية وتحديدا “الائتلاف الوطني السوري” قاتلي هذه الجريمة، بل وصفوها بأنها “حادثة استثنائية” عبر بيان رسمي، في إشارة واضحة لتمرير الجريمة وعدم تثبيتها على فصيل “أحرار الشرقية” إحدى فصائل المعارضة، متناسيين جميع الجرائم الأخرى التي تحصل بشكل مستمر.

من هنا، كان لا بد من طرح بعض التساؤلات؛ حول القوة أو العوامل التي تمتلكها هذه الفصائل، كي يمارسوا القتل بهذه الطريقة. أو بمعنى آخر، لماذا تتكرر حالات استهداف الأكراد في أعيادهم وخلال أداء طقوسهم، وإذا ما كان هناك تأثير لوجود عناصر من تنظيم “داعش” ضمهم فصيل “أحرار الشرقية” خلال السنوات السابقة وراء الانتهاكات ضد الأكراد.

كذلك، تساؤلات حول احتفاظ ورعاية المعارضة، ومن خلفها تركيا فصائل معاقبة دوليا مثل “هيئة تحرير الشام” التي سابقا كانت “جبهة النصرة”، وضم عناصر متطرفة، وإذا ما كانت ستتحقق مطالب أهالي الضحايا في طرد الفصائل من منطقة عفرين، أو ما هي المآلات المحتملة إزاء كل ذلك.

شبيهة بمجزرة “تل الزعتر”

في السياق، يخيّم الغضب والاستياء على أبناء عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي، على إثر مقتل خمسة أكراد من عائلة واحدة على يد عناصر من فصيل “جيش الشرقية” المنضوي في جبهة “التحرير والبناء” التابعة لـ “الجيش الوطني السوري” المدعوم من أنقرة.

بحسب شهادات محلية، فقد قُتل أربعة أشخاص مساء يوم الإثنين الفائت، وفارق شخص خامس الحياة متأثرا بجراحه أمس الثلاثاء. وذكر أحد الشهود، أن الأشخاص هم من عائلة بشمرك و”قتلوا بدم بارد” على يد هذه العناصر المسلحة، لأنهم رفضوا إطفاء نار أشعلوها للتدفئة وليس احتفالا بعيد “النوروز”. و يُعتبر ما حدث أمر مفجع ومؤلم لكل الأكراد.

صباح يوم أمس الثلاثاء تجمع مئات من أهالي مدينة جنديرس لتشييع جثامين المدنيين الذين قُتلوا بسبب إشعال “شعلة النوروز”، ومن ثم تحول هذا التجمع لمظاهرة شعبية تطالب بالقصاص من مرتكبي الجريمة وتدخل دولي لحماية المدنيين.

مصادر محلية قالت إن أهالي المنطقة وذوي الضحايا احتشدوا في مدينة جنديرس، تزامنا مع وصول جثامين الضحايا، وقد طالبوا بمحاسبة المسؤولين عن الجريمة ووضع حدٍّ للانتهاكات بحق المدنيين وإيجاد حلول جذرية للمنطقة، في حين رُفعت لافتات تطالب بدخول قوات “البيشمركة” التابعة لإقليم كردستان العراق، وتدخل دولي من “التحالف الدولي”، وخروج كل الفصائل المعارضة المسيطرة على المنطقة منذ مطلع عام 2018.

الصحفي، شفان إبراهيم، يقول إن هذه الجريمة هي تكرار للتاريخ نفسه، حيث تعرض الأكراد للقتل مرارا على أساس هويتهم، وهي جريمة موصوفة الأركان، “فلا يُعقل أن يُقتل أبرياء لأنهم يشعلون نار الحقيقة والحياة والحرية” وفق تعبيره لموقع “الحل نت”.

يمكن مقاربة حادثة جنديرس ووصفها بأنها “حادثة استثنائية” بتوصيف ميشال عون، الرئيس اللبناني الأسبق، لمجزرة تل الزعتر في آب/ أغسطس 1976، في ذروة الحرب الأهلية اللبنانية “حرب السنتين”، ضد اللبنانيين والفلسطينيين والتي قادها الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، مع الميليشيات المسيحية المتطرفة بأنها “فشة خلق”. كل حادثة منها تنطوي على سياق عنصري واضح وفج، بل وفي أعلى درجاته كما أن المتورطين فيهما يحاولون تقليل أثر الحادث وتقليص مضامينه الخفية والعلنية وأهدافه.

كما يقول الصحافي الكردي السوري، إن هذه الحادثة ليست بجديدة، إذ أصبح انتهاك وقتل واعتقال الكُرد هناك من قِبل هذه الفصائل مشاهد متكررة وطبيعية بالنسبة لهؤلاء المسلحين، فهذه الفصائل ليس لديها سوى ثقافة القتل والتشفي بتدمير الثقافة الكُردية منذ استيلائهم على منطقة عفرين وباقي المناطق الأخرى، وهم يدركون تماما أن “شعلة نوروز” تعني الكثير للأكراد، ولهذا السبب قتلوهم بهذه الطريقة البشعة.

قد يهمك: رحلة أسماء الأسد إلى الإمارات.. القوة الناعمة لإتمام خطوة التطبيع؟ – الحل نت

لا شك أن ثمة محاولات محمومة من قبل المجموعات المعادية للمكون الكُردي، سواء كانت هذه المجموعات بعثية أم ميليشيات مدعومة من تركيا، تحاول إحداث حالات عنف وفوضى دموية في الأعياد الكُردية، حيث يجري تعميم مشاهد تبعث على القلق والحزن ضمن سياسة التخويف والقمع، الأمر الذي ينزع من العيد صفته التي تستدعي الاحتفال وهي ربما محاولة لاستدعاء أو توريط الكُرد في عنف للثأر وتشتيت جهودهم في العيد بدلا من الفرح والابتهاج إلى تصويرهم في حالة استنفار قصوى.

هنا لا يفهم أعداء الكُرد الطبيعة الجوهرية للعيد والتي تبعث على السلم بنفس القدر التي تستهدف التأكيد والتمسك بالحقوق التاريخية والاجتماعية والثقافية الهوياتية للكُرد، ومن ثم الاصطفاف الكُردي سيظل متماسكا بحيث لا يتمكن أي طرف من تشتيته أو إبعاده عن ممارسة الفرح وتجديد روح “كاوا الحداد” هذه الروح الأسطورية وانبعاثاتها الثورية المتجددة تجاه الحق “حق الكُرد” وجميع الشعوب المضطهدة في الحصول على حقوقهم وكذلك الخير الذي ينبغي أن يعمّ على الجميع بدون استثناء، وأخيرا الجمال الذي يشع من الألوان التي تطرّز ثقافة الكُرد بداية من الزي المميز مرورا بالأغنيات التراثية وحتى الجبال التي تتحمل وحدها طاقاتهم المكبوتة، كما نار كاوا الحداد، للثورة على الظلم، بحسب الصحفي.

بينما يرى الكاتب والباحث المتخصص بالإسلام السياسي أحمد الرمح، أن وجود هذه التنظيمات المسلحة ذات الفكر الاحادي الراديكالي لا يفهم أن سوريا ذات ألوان اجتماعية وعرقية ومذهبية مختلفة، بل هذه التنظيمات عوراء لا تستطيع أن ترى هذا التنوع السوري. كما أنها تتغذى على إلغاء كل مختلف عنها، وهي بمثابة كارثة وسرطان أصيب به النسيج السوري، وبالتالي يجب اجثاثها حتى يستطيع السوريين العيش بسلام.

تداعيات الجريمة

العديد من النشطاء الحقوقيين نددوا بالجريمة وأشاروا إلى أنها أتت بدوافع عنصرية بحتة، فيما اعتبر آخرون أن الجريمة الحاصلة لا ترتبط بفئة دون غيرها، نظرا لسلسلة الانتهاكات التي شهدتها عفرين، منذ شهر آذار/مارس 2018.

فيديوهات مصورة خرجت من شمال سوريا يوم أمس الثلاثاء، وقد نشرها نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتُظهر هذه التسجيلات خروج المئات من الناس في عفرين وجنديرس بمظاهرات شعبية غاضبة مردّدين فيها شعارات من قبيل “عفرين تناديكم وتقول لكم كفى”، “عفرين حرة حرة والفصائل تطلع برا”، “آزادي آزادي”، “الموت ولا المذلة”.

إبراهيم يرى أن ما حدث في جنديرس، المدينة التي دمرها الزلزال الكارثي خلال الشهر الماضي، والتي لم تستيقظ بعد من نكبتها ولا تزال تشفي جراح أبنائها الباقين على قيد الحياة من جرّاء الدمار الذي خلّفه الزلزال، سيكون له عواقب وخيمة على المنطقة ككل والتوازنات السياسية في الملف السوري. واستدرك إبراهيم ذلك على بيان “المجلس الوطني الكُردي” الذي أوضح أنهم على مفترق طرق وكل الخيارات مفتوحة، وهم أمام مسؤوليات ومواقف معينة، ولذلك ثمة توازنات جديدة ربما بالمنطقة.

من جانب آخر، يقول الرمح لموقع “الحل نت”، إن تنظيم “داعش” أصبح شماعة وذريعة عند وقوع كل جريمة في سوريا. فكل من لا يقبل الآخر بثقافته وأعياده ولغته، فإنه متهم بانتماءه لـ”داعش” وإن كان غير ذلك، لأن هذه السلوكيات ينتمي لفكر وعقيدة “داعش” فقط. بالتالي هذه الفصائل غير بعيدة عن هذا التنظيم الإرهابي.

هذا وقد وثقت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” الحقوقية، مؤخرا، اعتقال ما لا يقل عن 311 شخصا في منطقة عفرين، خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2022، الماضي. وكان من بينهم 12 امرأة وطفل. ووثقت المنظمة الحقوقية إطلاق سراح 282 شخصا، من مجموع عدد المعتقلين/ات، وتسجيل وفاة شخصين على الأقل، أحدهم توفي في إحدى المشافي التركية بعد نقله من مشفى عفرين العسكري نتيجة نزيف في الدماغ بسبب ضربه على منطقة الرأس من قبل عناصر من “أحرار الشرقية”. بينما قتل الآخر بسبب التعذيب الوحشي الذي تعرّض له على يد عناصر من فصيل “فيلق الشام”، وكلاهمها يتبعان لـ”الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا.

الأشخاص الذين تم احتجازهم سواء لأسباب سياسية، أحيانا لكونهم فقط من المكون الكُردي، وفق الشهادات التي  حصلت عليها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، أو بهدف الابتزاز وتحصيل فدية مالية، أو بغرض ترهيب السكان الأصليين ودفعهم إلى مغادرة المنطقة.

هذه المنظمة الحقوقية تقول إنها لا تمتلك معلومات كافية عن أعداد المحتجزين/ات في مراكز الاحتجاز السرية التابعة لتلك الفصائل، أي من لم يتم تحويلهم إلى جهات أمنية أخرى، وتعتقد أن العدد الفعلي لحالات الاعتقال هي أعلى بكثير من الرقم الوارد في تقريرها، مؤخرا.

كما وقد وثقت اعتقال ما لا يقل عن 584 شخصا خلال العام 2021، إضافة إلى نشر تقارير عدة حول اعتماد الفصائل المسيطرة على الاعتقال كمصدر لتمويل الفصيل إلى جانب الانتهاكات الأخرى التي يتم ارتكابها بهدف جمع المال من السكان المحليين.

ضعف من قبل “الائتلاف المعارض”

بينما لا يزال بعض مرتكبي الجريمة متوارين عن الأنظار، أصدرت وزارة الدفاع التابعة لـ”الحكومة السورية المؤقتة” وهي التي يتبع لها تشكيل “الجيش الوطني السوري” بيانا قالت فيه، إن حادثة القتل بدأت “بمشاجرة نشبت بين أفراد العائلة ورجل مدني وآخر عسكري”. وتعهدت الوزارة بأن “الشرطة العسكرية” التابعة لها “ستلاحق الضالعين في إطلاق الرصاص على المدنيين الأكراد”. 

كما أعلنت “حركة التحرير والبناء” إلقاء القبض على 3 متهمين بارتكاب جريمة قتل 4 مدنيين كُرد في مدينة جنديرس، وادعت أنها فتحت تحقيقا بالحادثة بعد أن أصدرت بيانا ينفي تبعية القاتل لها، وأفضت التحقيقات إلى المكان الذي يختبئ فيه المتهم بارتكاب الجريمة، إلا أن النشطاء يقولون إنها مجرد تمرير والتفاف على الجريمة، والمجرمين الحقيقيين لا يزالون مطلقين، وأن هذا ليس حقا عادلا لأهالي المنطقة.

بدوره أصدر “الائتلاف السوري المعارض” بيانا استنكر فيه ما وصفه بـ”الجريمة النكراء”، وقال إن المدنيين الأربعة “قتلوا على يد عناصر مسلحة”، وأنه أُصدرت “توجيهات للتحقيق ومتابعة تفاصيل الجريمة على أعلى المستويات للقبض على المجرمين ومحاكمتهم”. لكن هذه المواقف لاقت استنكارا من نشطاء وسياسيين أكراد، واعتبروا أن عدم تحديد الجهة التي قتلت المدنيين الأكراد بعينها ينمّ عن تهرّب من المسؤولية، وأن ما حصل ليس إلّا نتاج سلسلة من الانتهاكات التي شهدتها المنطقة، خلال السنوات الماضية. 

الرمح يضيف لموقع “الحل نت”، أنه مادام هناك فصائل مختلفة وتعمل كل واحدة منها لأجل مصالحها وكأنها عصابات محمية من قبل دولة وهيئات المعارضة السورية، فإن هذه ليست حادثة استثنائية، أمام وجود هذه العصابات المسلحة التي تدعي أنها تمثل الثورة والسوريين.

ففي حقيقة الأمر إنهم لا يمثلون إلا المارقين الذين تسللوا وتسلقوا على أكتاف الثورة وأهانوا كافة المكونات السورية، كما ويشكلون شرخا عموديا في المجتمع السوري بانتهاكاتهم، ولم يتصرف “ائتلاف المعارضة” كما ينبغي، من حيث ملاحقة الجناة وعدم الاعتراف بوجودهم داخل الفصائل المسلحة الموالين له. ويبدو جليا أنه يصعب عليهم السيطرة على هذه الفصائل، وبالتالي يبدو أن “الائتلاف المعارض” أشبه بالعاقر وغير قادر على إيجاد حلول للسوريين، وتشكيل وحدة لهم في هذه المنطقة التي يمكن وصفها بـ “المحردلة” وليست المحررة، وفق تعبير الرمح.

أيضا “مجلس الإسلام السوري” الذي يدعي أنه يمثل السوريين المعارضيين، فالبيان الذي أصدره غير كافٍ، ويجب أن يصدر بيانا واضحا، أن هؤلاء لا يمثلون السوريين وثورتها، وأن هذه الفصائل مجموعات مرتزقة ومتطرفة وأنها خطر على سوريا ومستقبلها المجهول، وبالتالي ثمة تقصير واضح ليس فقط من “الائتلاف”، بل من “مجلس الإسلام” وتركيا وكافة هيئات المعارضة المتواجدة في تركيا تقريبا.

قد يهمك: تعقيدات وعرقلة.. كيف ساهمت قرارات دمشق بزيادة ركود سوق العقارات؟ – الحل نت 

إبراهيم يرى أن القصاص العادل وفرض عقوبة الإعدام على الجناة، هو فقط ما سيريح النفوس ويمنع تكرار التجاوزات بحق الأهالي هناك. بالإضافة إلى ضرورة إخراج الفصائل المسلحة من جميع مناطق عفرين وتوفير الحماية الدولية للأهالي، وإلا ستكون المنطقة على شفا الهاوية أو انفجار بركان شعبي متوقع في أي لحظة.

مواصلة خرق القوانين الدولية

في السياق، أصدرت عدة منظمات حقوقية بيانا طالبت فيه بوقف انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة في عفرين وعموم سوريا ومحاسبة مرتكبيها، وضمان عودة جميع الأهالي إلى مناطق سكنهم الأصلية ووقف عمليات التغيير الديمغرافي. وتشمل الانتهاكات الموثقة في عفرين، حسب ما جاء في البيان “القتل في هجمات غير مشروعة، والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، وسوء المعاملة والتعذيب والنهب ومصادرة الممتلكات، إضافة إلى عرقلة عودة السكان الأصليين، ولا سيما الكُرد، وممارسات التغيير الديمغرافي”. وهذه المنظمات ذكرت بأن هذه الانتهاكات ترتقي لجرائم حرب ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، مطالبين المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته أمام التجاوزات التي تعرض لها السوريون ومحاسبة مرتكبيها.

في المقابل، تواصل تركيا خرق القوانين الدولية في تعبئة عناصر جهادية متشددة وفلول “داعش”، وهو أمر متعمد لجهة تحقيق الدور الوظيفي لتركيا ممثلا في التغيير الديمغرافي بمناطق الأكراد وتعميق الحقد على أساس قومي، وفق تحليله.

لذلك، إذا لم تقم أنقرة بالتحقيق في هذه الجريمة وتحقيق الأمن والاستقرار، بالنظر إلى أنها الدولة الوحيدة القادرة على الضغط على هذه الفصائل وإجبارها على تنفيذ ذلك، فإن جرائم جديدة سوف تُرتكب هناك، وانتهاكات واعتقالات بحق أهالي عفرين ستطول قائمتها إلى ما لا نهاية.

الرمح يقول إن رعاية المعارضة وتركيا للفصائل المعاقبة دوليا في شمال سوريا، يعود لمصالحهم، وبقاء هؤلاء المتطرفين في المنطقة يبدو من ضمن مصالحهم، ليقولوا للمجتمع الدولي إنهم يحاولون احتواء هذه التنظيمات المسلحة والقضاء عليها، ولكن حقيقة الأمر هم يعتاشون عليهم، الذين باتوا العقبة الأساسية لحل المأساة السورية.

الرمح يخشى بعد زيارة أبو محمد الجولاني، زعيم “هيئة التحرير” للمنطقة أن يستغل الحادثة، وبحجة أنه الأقوى وأنه سيحمي الأكراد، خاصة وأن فصائله قاموا بحماية ذوي الضحايا أثناء دفن أبنائهم يوم أمس الثلاثاء، وادعائه بمحاسبة الجناة، وبالتالي هو الآن يحاول التغلغل والتمدد وفرض هيمنته أكثر على الشمال السوري، وهذا ليست بأمر جيد حقيقة، وفق تعبير الرمح.

ربما لا تنجح مطالب الأهالي في طرد القوات التركية ووكلائه المحليين في شمال سوريا، مرحليا لكنها رسالة احتجاج قوية للأطراف الإقليمية التي تقدم رعاية لهذه الميليشيات بأن لا حاضنة اجتماعية لهم وأن القوى المجتمعية ما تزال تنبذ هذه المجموعات ولا تتعاطى معهم لطالما يستهدفون الأكراد بأحقادهم الموثقة في التقارير الأممية، ويسرقون منازلهم وثرواتهم بل ويتم انتهاك حقوقهم عبر ممارسات قمعية وتهجيرهم قسرا.

جريمة جنديرس ليست الأولى في عفرين. فقد ارتُكبت الكثير من الجرائم بحق نساء ورجال المدينة منذ عام 2018 عندما اجتاحت تركيا المنطقة وانتشرت فيها فصائل “الجيش الوطني” المدعوم منها. وبالمثل، دارت اشتباكات عسكرية عديدة بين هذه الفصائل، ونتيجة لذلك، تم الكشف عن مدى تفلّت هذه الفصائل المسلحة هناك، حيث تم الكشف عن وجود سجون جرى فيها ارتكاب أبشع أنواع الانتهاكات، بما في ذلك الاغتصاب والتعذيب، فضلا عن حالات الخطف ومن ثم طلب الفدية، وفق تقارير حقوقية عدة.

ما جرى وما زال يجري في عفرين على مدار السنوات الخمس الماضية، عزز من استقطاب الميليشيات حتى صار وصف المدينة بـ”معسكر” بدلا من مدينة سكنية حيوية، فغابت صورة السكان المدنيين وطلبة المدارس والنساء والعمال الذين يتشاركون المكان مع مقاتلين ورجال ميليشيا ينتمون إلى فصائل متطرفة مثل “هيئة تحرير الشام” التي كانت “جبهة النصرة” سابقا، أو من يدفع لهم أعلى راتب. مئات الآلاف من الأكراد، سكان عفرين الأصليين، دفعوا ثمن غزو الجيش التركي والفصائل العسكرية المحلية التابعة له، حيث تم تهجيرهم بالآلاف من ديارهم، ودفع عدد كبير منهم حياتهم دفاعا عن حرياتهم وأرضهم وأشجارهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.