ثقافة الصورة تقوم على أسس التجدد والتجديد وإطلاق الخيال وتنشيط الإبداع باتجاه الخير الإنساني، ورغم ذلك تسود أحياناً ثقافة التكرار وسيطرة آليات المحاكاة والنمطية والنسخ والاستعارة والسطو. كما تقدم الثقافة البصرية صورة نمطية حول شخصيات وموضوعات عدة منها “الأمهات، الآباء، المرهقون، الشيوعيون، الجمهوريون، معلمو المدارس، المزارعون، عمال البناء والمناجم، ورجال السياسة.

إن الصور والأفكار النمطية والقوالب الجاهزة هي عنصر لا يمكن الاستغناء عنه، ومنها صورة الإنسان “السوبرمان” المفتول العضلات، الشجاع، الجريء، المغامر، الخارق، وإلى آخر الصفات “السوبرمانية الإنسانية”. 

أسطورة الشخصيات 

اعتادت الدراما السورية أن تقدم نماذج من أبطالها في أكثر من عمل درامي بعيداً عن الدراما الاجتماعية والكوميدية في أعمالها الفنتازية مستعيدة الكثير من السير الشعبية وأساطيرها وأبطالها أمثال “الزير سالم، عنترة بن شداد، الناصر صلاح الدين الأيوبي”، ونجومها الإنسانيين مثل “سلوم حداد على صفيح ساخن، وسعد مينة في بعد عدة سنوات، وقاسم ملحو في بروكار الجزء الثاني، وغسان مسعود في مع وقف التنفيذ، وعزيزة نسرين طافش في جوقة عزيزة، وعزمي بيك، أيمن زيدان في الكندوش.. إلخ”.

فالأسطرة للشخصيات التاريخية التي حققت انجازات في التاريخ أمر مفهوم، ويقوم ذلك على أساس شعبي مبني على حب هذه الشخصية لما حققته في حياتها، وارتباط جزء كبير منه بحياة شعوب المنطقة وصلت إلى عالم الأسطرة السوبرمانية والتقديس، لكن الدراما السورية عملت كثيراً على أسطرت بعض شخصياتها، وأعطتها بعداً غيبياً بحيث تقترب من صناعة البطل الشعبي ابن الحي أو ابن الحارة، وهذا شهدناه مراراً وتكراراً، فأسعد الوراق على سبيل المثال حاز على حضور عالي المستوى بحيث أنتج العمل درامياً في نسختين، الأولى في أيام تلفزيوني الأسود والأبيض، وأعيد إنتاجه في العشرية الأولى من القرن الحالي.

أصحاب الشوارب.. نماذج من السوبرمانية

 تبدو شخصية “عبدو الوحش، العربجي، باسم ياخور” في العمل الدرامي العربجي من تأليف “عثمان جحا، ومؤيد النابلسي”، وإخراج سيف الدين سبيعي هي من النماذج الأعلى للسوبرمانية من حيث الشكل بالمعنى الشعبي، وهي الأقرب لنموذج “هالك، الرجل الأخضر”. 

فشكل الممثل باسم ياخور يقترب منه عند المواجهة العضلية “المكاسرة، مع طارق مرعشلي، الهرايسي”، وهذا الخيار الشكلي للشخصية لعدم تمتعها بالعمق السياسي، الأيديولوجي، الفكري، وإنما بالعمق الاجتماعي والإنساني والديني من زاوية الإيمان، فالخطاب الحياتي المحلي هو السائد في المسلسل، وهذا يتجلى في الجملة التي يستخدمها “يا عدس في ترابه، أجا وقت حسابه”، وتتعمق النزعة السوبرمانية عندما يخطف وائل زيدان، ويحبسه في “البايكه” حتى يدفع إيجار المشغل لصاحبته “بلقيس، روعه ياسين”. 

ويترافق ذلك مع وجود نموذج آخر لصلابة وقوة الموقف والفعل في شخصية “درية خانم، نادين خوري”، فهي تتدخل عندما منع “أبو حمزة، سلوم حداد” توزيع الطعام على الفقراء على نية شفاء ابنتها “زمرد، مديحة كنيفاتي”، وتهدد سكان الحارة بخروجها منها أن رموا الطعام ولم يوزعوه، لتجبر أبو حمزة ورجاله بالتراجع عن قراره.

موقفها من أبو حمزة وابنه يتطور عندما تقرر منع زواج زمرد من “حمزة، ميلاد يوسف”، عبر إعلان موتها، وتهريبها إلى مكان آخر خارج الحي كله. وبذلك لا تحقق رغبة أبو حمزة وأوامره، وتمنعه من تنفيذ العديد من الأحكام تجاه عبدو العربجي، وابنها “حسن، فارس ياغي) بصفته كبير النشواتية، ويتحمل مسؤولية تسير شؤونهم بعد وفاة أخيه الأكبر أبو نوري.

أما النموذج الثاني السوبرماني نجده في العمل الدرامي “الزند، ذئب العاصي” الذي يجسد شخصية “العاصي، تيم الحسن” من تأليف عمر أبو سعده، وإخراج سامر البرقاوي، وهي مغرقة في محليتها السورية الساحلية عبر اللهجة العامة الأساسية في العمل، حيث تعود الشخصية إلى المرحلة العثمانية في احتلالها لسوريا. 

إذ يقود عاصي مجموعة من الفلاحين المتمردين ضد “نورس باشا، أنس طيارة”، بالإضافة للعسكر العصملي المتحالف معه من خلال الكراكون. وتظهر سوبرمانيتها بمفهوم “الروبن هودي”، في استعادة جزء من الحقوق المنهوبة وتوزيعها على فلاحي وأهالي المنطقة، بالقوة شبه المنظمة حيث تدريبات عاص لرجال القرية لكي يشكل فصيل أهلي شبه عسكري قادر على الحماية والتدخل والهجوم.

والشخصية الثانية في الزند ذات السمات السوبرمانية هي “نورس باشا” في مواجهة “الزند” التي تفرض على الضباط والعسكر العصملي استمرارية تحالفها معه كباشا لتحقيق مصالحه ومصالح الاستقراطية الفلاحية في منطقة الساحل وعلى ضفاف نهر العاصي.

سوبرمانية نسوية

النموذج السوبرماني الثالث يظهر في العمل الدرامي المشترك “وأخيراً” من تأليف وإخراج أسامة عبد الناصر، إذ إن شخصية “ياقوت، قصي خولي” تحمل من الصفات السوبرمانية في عدم الكلل والملل في متابعة قضية خطف البنات وقتل أخته، ويعمل بطاقة كبيرة ليصل إلى ذلك، وما عملية خطف المتعاملين في البنك، والوصول إلى استرداد أموال أبيه، وإخراجه من السجن سوى لقطات ومشاهد من السوبرمانية التي يحفل بها المسلسل.

لا يكفي العمل بسوبرمانية ياقوت، إذ تظهر سوبرمانية نسوية خاصة بشخصية “خيال، نادين نسيب نجيم”، التي تدخل في معارك خاسرة عندما تكون مع البنات في السجن، وهروبها الأول في السيارة، وتحقيق الاتصال بياقوت لفتح خط العمل الدرامي نحو عصابة “أبو الذهب، كميل سلامة”، وتعاونه مع النقيب “رضوان، سعيد سرحان” الذي يفك شيفرته ياقوت، ويضاف إلى ذلك سلوكها مع مصنع ومنتج الحبوب الجديد الذي تسرق دفتر معلوماته بطريقة احترافية وتضع ذلك الدفتر في خدمة البوليس.

أما النموذج الرابع من الأعمال الدرامية “زقاق الجن” من تأليف محمد العاصي، وإخراج تامر إسحاق، إذ نجد شخصية “ناجي، سعد مينه” فيها من السوبرمانية البيئية حيث يهجم عليه ثلة من شبان الحارة، فنراه يشتتهم شاب وراء الأخر، وهذه الشخصية تعيش في الغابة بعيداً عن الحارة التي يخاف أطفالها منه عند ظهوره فيها ويعاني أولاد الحارة من عمليات الخطف الذي لا يعود منها حياً أحداً منهم.

فيما النموذج الخامس من الشخصيات السوبرمانية نجده في خريف عمر من تأليف “حسام شرباتي، ويزن مرتجى”، وإخراج المثنى صبح، حيث يؤدي الفنان “سلوم حداد، عمر الدالي” شخصية المحامي المتقاعد الذي ينفذ سلسلة عمليات قتل لشخصيات لعبت دوراً غير منصف في حياته، ويخطط لكل عملية قتل منفردة عن الأخرى.

في حين نجد النموذج السادس من السوبرمانية في العمل الدرامي “ليلة السقوط” وهو عمل مشترك عراقي، سوري، مصري من تأليف مجدي صابر وإخراج ناجي طعمه، وتظهر السوبرمانية في شخصية “عبد الله حسان عوف، طارق لطفي” الذي ينجو من الموت مرات عديدة، عندما يحكمه قاضي محكمة نينوى الاتحادية بالإعدام، ولا ينفذ الحكم به لأن “داعش” تسيطر على السجن قبل تنفيذ حكم الإعدام به، وتضربه زوجته ابنة القاضي بسكين يدخل بغيبوبة، ولا يموت نتيجة اعتناء الدكتورة “جوانا، صبا مبارك” به، وقبل ذلك يقتل العديد من الشخصيات منها حماه القاضي الذي حكمه بالإعدام.

السوبرماني العربي لا يحمل قيم الخير والجمال

من خلال الاستعراض لعدد من الشخصيات الدرامية التي تحمل سمات سوبرمانية خصيصاً في جانب استمرارها في قتل العديد من الشخصيات، ففي “زقاق الجن” يموت عدد من الأطفال، وفي “خريف عمر” يقتل المحامي عمر عدد من الشخصيات، وبـ”ليلة السقوط” يكون موت الشخصيات جزء من بطولة شخصيات “داعش”، وهنا بعض القتلة يظهرون كشخصيات سوبرمانية مثل عبدالله حسان عوف، بينما تبقى شخصية القاتل في الأعمال الأخرى غير معروفة، لكي تستمر في عملية القتل التسلسلي للشخصيات التي قامت بإيذائها في حياتها دون أن تستطيع مواجهتها، وعند استطاعت نفذت القتل دون أن تنال العقاب.

إن النماذج السوبرمانية في الدراما السورية والعربية تشجع على العنف والجريمة والبطولة الفردية المفرغة، بالأسلوب ذاته التي تروج للخلاص والحلول الفردية، وليس للعمل والخلاص الجماعي.

الجماعية تظهر في العمل الدرامي “الزند، ذئب العاصي”، بينما لا نجد للقانون دور، وكأن هذه الشخصيات تعيش في غابة تقوم على مفهوم القوة الفردية، رغم بروز بعض الأدوات مثل الكراكون، لكن دورها كممثل للقانون يحتاج إلى تعميق، وإظهار حضورها بشكل أفضل من أجل تكريس أن هناك قانون وعدالة يسعى إليها المجتمع، وليس شريعة الغاب التي تروج لها العديد من الشخصيات السوبرمانية في الدراما.

النموذج السوبرماني السوري والعربي غالباً لا يحمل قيم الخير والجمال، وإنما يقدم نموذج المجرم القاتل، وهذا ما يتطلب قانون وعدالة ومحاكم في مواجهة النموذج السوري والعربي.

ذلك يدعو إلى التوازن في كتابة هذه النماذج بحيث يكون في كل عمل مقابل النزعة العدوانية والعنيفة شخصيات إنسانية تسعى للحق والجمال والحضور الإنساني في ظل واقع متردي يحض على الجريمة أكثر مما يحض على الخير.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة