ضمن سلسلة من التحولات السياسية والدبلوماسية التي تشهدها المنطقة مؤخرا، تسعى دمشق جاهدة إلى الاندماج بالمحيط العربي، وقد فسر مراقبون ذلك، بتكثيف كلا من الرئيس السوري بشار الأسد ووزير خارجيته فيصل المقداد من زياراتهم الخارجية بعد كارثة الزلزال الذي ضرب مناطق في سوريا وتركيا في مطلع شباط/فبراير الماضي، في الوقت الذي تسعى فيه بعض دول المنطقة لإعادة دمشق إلى محيطها العربي الإقليمي.

زيارات الرئيس الأسد المتقاربة خلال الفترة الماضية إلى موسكو ودولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان، إضافة إلى زيارة وزير خارجيته فيصل المقداد إلى القاهرة مطلع الشهر الجاري، تندرج كما يبدو، في إطار تحركات إقليمية وروسية للانفتاح على دمشق، ضمن مقاربة جديدة للأزمة السورية وفق تسريبات متقاطعة.

بموازاة ذلك شكك مراقبون بنجاح الدبلوماسية السورية في إعادة دمشق إلى الساحة الإقليمية والدولية، حتى وإن شهدت تطورا ملحوظا مؤخرا وخاصة بعد قرار تونس بتعين سفير لها في دمشق، لأنها تصطدم بمعارضة أميركية وأوروبية وعربية لأي شكل من أشكال التطبيع مع الحكومة السورية.

دبلوماسية الزلزال

الزلزال المدمر آنف الذكر، ساعد على تخفيف العزلة الدبلوماسية التي تواجهها دمشق منذ عام 2011، والتي على إثرها عُلقت عضوية سوريا بـ”جامعة الدول العربية”، إذ سارعت بعض من الدول العربية بتقديم الدعم والمساعدات والتواصل مع الحكومة السورية، مما خلق زخما سياسيا قد يمكن الرئيس الأسد من إصلاح علاقاته العربية.

الرئيس الأسد في زيارته للإمارات (تويتر- محمد بن زايد)
الرئيس الأسد في زيارته للإمارات (تويتر- محمد بن زايد)

 رد الفعل العربي والتضامن مع سوريا بعد أحداث الزلازل، يراه مراقبون للوضع بأنه ربما يكون خطوة على طريق حلحلة الأزمة السياسية السورية، أو بمثابة نقطة تقارب بين الدول العربية وسوريا، إلا أنه لن يتعدى ذلك، لمعارضة كثير من الأعضاء الفاعلين في المنطقة على ذلك كما ذُكر أعلاه.

قد يهمك: الزيارات العربية إلى سوريا.. دلالات سياسية أم تكنيك دبلوماسي؟

الكاتب والصحفي ياسر العيسي، لا يعتقد خلال حديثه لـ”الحل نت” بأن الزلزال كان سببا رئيسا في اتخاذ دول عربية عدة قرار في إعادة تعويم الرئيس الأسد عربيا، فهناك مجموعة من السياسات الجديدة التي بدأت بنهجها دول عربية مركزية، خاصة السعودية، التي كانت سببا رئيسا في المحاولات الجارية نحو الأسد والحكومة السورية، والزلزال بالتالي لم يكن سببا، بل ذريعة إن صح التوصيف.

محاولة تعويم الأسد أو إعادة تأهيله سواء عربيا أو إقليميا، أو حتى دوليا لن تنجح، وفق العيسى، لسبب رئيسي وربما وحيد، ألا وهو الأسد نفسه، فأكبر عدو ومعيق لنجاح تعويم الأسد، هو الأسد ذاته، الذي لن يقدم أي تنازل، أو خطوات تساعد على تعويمه، وهذا لا يعني أن التحركات الدبلوماسية ستتوقف تقريبا، بل ستبقى المحاولات جارية، وربما يشوبها بعض الفتور، لكنها مستمرة، لكن دون نتيجة ترضي الساعين لهذا الهدف، وفق تعبيره.

فيما يبدو أن الاتصالات الأخيرة بين مسؤولين سعوديين وسوريين تكتسب زخما بعد المصالحة بين السعودية وإيران واتصال هاتفي بين وزيري خارجية طهران والرياض. حيث تتحدث مصادر صحفية عن خطوات لعودة سوريا للجامعة العربية ودعوة سعودية للأسد إلى “القمة العربية”.

وكالة “رويترز” نقلت عن ثلاثة مصادر مطلعة قولهم بأن “السعودية تعتزم دعوة الرئيس السوري بشار الأسد لحضور القمة العربية التي تستضيفها الرياض في أيار/مايو القادم، وبأن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان سيتوجه إلى دمشق في الأسابيع المقبلة لتسليم الأسد دعوة رسمية لحضور القمة المقرر عقدها يوم 19 أيار/مايو”.

تبليغات بالمطلوب

المحلل السياسي هشام اسكيف يقول خلال حديثه لـ”الحل نت” ما نراه مؤخرا حول ما هو متداول من أخبار عن التقارب العربي مع دمشق وانقسام الآراء حول ذلك، والتصريحات الأخيرة سواء الأميركية أو القطرية عن تجديد رفضهم التطبيع مع دمشق، إلى جانب بعض المعلومات الواردة من مصادر خاصة حول الموضوع ذاته، يتبين بأن هناك عدة مبادرات وليس مبادرة واحدة للتعامل مع القضية السورية تستند في معظمها إلى مبادرة “خطوة خطوة”، أي ساعدني حتى أستطيع مساعدتك، وفق تعبيره.

بناء على ذلك ممكن قراءة هذه الحركة النشطة لدمشق، بأنها تبليغات بالمطلوب أكثر من كونها حركة دبلوماسية، حيث تصريحات مصر أثناء زيارة المقداد الأخيرة للقاهرة سمعت فيها دمشق ما اعتقدت بأنه لن ولم تعد تسمعه عن إنفاذ القرارات الدولية والقرار 2254، ناهيك عن المسار التركي الروسي الذي قبضت عليه إيران.

هشام اسكيف، لـ”الحل نت”.

هذه التحركات ستبقى وفق اسكيف حتى ولو نجحت نسبيا في دعوة الرئيس السوري لـ”القمة العربية” بمستوى منخفض أو بتوافق معين، لأن هناك سد منيع هو الموقف الغربي والأميركي فلن تنجح هذه التحركات في تثمير هذه الخطوات بالثمن الذي تريده دمشق وهو المال والإعمار وإعادة الأمور الى ما قبل 2011، وفق تعبيره.

المبادرات التي تطرحها المملكة العربية السعودية وتدعمها قطر والكويت تستند إلى خطوات ستقدمها دمشق لكي يتم إكمال ملف عودتها إلى الحضن العربي، ويعتقد اسكيف بأن هناك ليونة في الموقف السعودي لم يصل إلى حد يمكن الوثوق به بأنه تحول، وهناك موقف إلى الآن متشدد من كل من قطر والمغرب في مقابل ليونة طفيفة في موقف الكويت.

أيضا زيارة مدير جهاز المخابرات الأميركي إلى السعودية وما تم تسريبه عن مدى انزعاج واشنطن من خطوات التطبيع، وما قالته باربرا ليف في مطالبتها المطبعين أن يتأكدوا أنهم يحصلون على شيء مقابل خطواتهم “خطوة بخطوة”، إذا لازال الطريق طويل ومليء بالعقبات أمام التأهيل لحكومة دمشق وأن نجح نجاحات محدودة في العلاقات الثنائية، وفق اسكيف.

معوقات في مسار عودة العلاقات

بالرغم من تسارع وتيرة التقارب العربي السوري، إلا أنه هناك عدة معوقات قد تعرقل مسار عودة دمشق إلى المحيط العربي، أولها هو وجود انقسام عربي بشأن هذه العودة؛ بينما تعد القاهرة وتونس من أبرز الداعمين لدمشق؛ فإن مواقف الدول العربية لا تزال متباينة بشأن رفع التجميد وعودة العلاقات مع الأسد، ففي حين استأنفت البحرين والإمارات وسلطنة عُمان بعثاتها الدبلوماسية في دمشق، لا يزال اليمن وقطر والمغرب متحفظون يطالبون بحل سياسي للأزمة السورية قبل أي تطبيع مع الحكومة السورية، وقد صرح المتحدث باسم خارجيتها ماجد الأنصاري إنه لا يوجد حتى الآن إجماع عربي حول عودة سوريا للجامعة العربية.

بما أن عودة دمشق إلى مقعدها يتطلب إجماعا عربيا شاملا وليس فقط مجرد تأمين أغلبية أصوات الدول الأعضاء مثلما حدث في قرار تعليق العضوية، فإنه من المبكر الحديث عن تحقق ذلك في “القمة العربية” المقبلة التي تستضيفها الرياض في مايو 2023؛ إذ يستلزم الأمر المزيد من التحركات لتحقيق الإجماع العربي والتي سيتحدد بناء عليها الموقف من هذا الملف، وفقا لمركز “شاف للدراسات المستقبلية وتحليل الأزمات والصراعات”.

اقرأ أيضا: وزير خارجية الإمارات في دمشق.. ما الدلالات؟

الرفض الأميركي والأوروبي للتطبيع مع دمشق يعد أيضا من أبرز المعوقات أمام التقارب مع دمشق؛ حيث عبرت واشنطن عن معارضتها لأي تحركات لإعادة تأهيل أو تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية، حيث اتهمت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الرئيس السوري بشار الأسد بارتكاب انتهاكات لا حصر لها، وفي 24 آذار/مارس الماضي أعادت واشنطن التأكيد على أن موقفها من التطبيع مع حكومة دمشق لم يتغير طالما لم يحدث تقدم حقيقي ودائم نحو حل سياسي يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254.

أوروبيا؛ أصدرت فرنسا وألمانيا وبريطانيا يوم 14 آذار/مارس الماضي، بيانا موحدا طالبت فيه المجتمع الدولي بالعمل معا لمحاسبة النظام الحاكم في سوريا على ما ارتكبه من انتهاكات ، وشددت الدول الثلاث على أنها لن تطبّع العلاقات مع حكومة دمشق، ولن تموّل إعادة الإعمار في البلاد، إلى أن يتم إحراز تقدّم حقيقي ومستدام نحو حل سياسي.

فيما وقع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يوم 18 آذار/مارس، مرسوما لفرض عقوبات على 141 كيانا رسميا و300 فرد، بمن فيهم الرئيس السوري بشار الأسد ومسؤولون آخرون من بينهم رئيس الوزراء السوري حسين عرنوس، ووزير الخارجية فيصل المقداد، وتشمل العقوبات الأوكرانية، التي تستمر لمدة 10 سنوات، تجميد الأصول، والقيود على العمليات التجارية، وتعليق الالتزامات الاقتصادية والمالية، بحسب مركز “شاف”.

أخيرا، لا يعد انفراج العلاقات الدبلوماسية الثنائية بين دمشق وبعض الدول دليلا على عودتها القريبة إلى المحيط العربي، فالطريق لا يزال طويلا أمام ذلك، لا سيما مع وجود انقسامات عربية حول ذلك، ورفض أميركي أوروبي قاطع لأي عملية تطبيع معها، لأن الأمر مرهون بحلحلة قضايا وخلافات عدة عالقة، ترفض دمشق تقديم أي تنازلات تجاهها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات