لم يدخل إعلان أعضاء في تحالف “أوبك بلس” عن خفض طوعي في الإنتاج في أيار/مايو المقبل حيز التنفيذ، حتى بدأت أسعار النفط بالارتفاع، إذ قفزت في اليوم التالي للإعلان 3 نيسان/أبريل الحالي أكثر من 6 بالمئة، مسجلة أكبر زيادة يومية منذ نحو عام.

تحالف “أوبك+”، الذي يتألف من 13 دولة عضوا في “منظمة البلدان المصدّرة للنفط” (أوبك) و11 دولة من خارجها، أحدث هزة في الأسواق بإعلانه خفض أكبر للإنتاج بنحو 1.6 مليون برميل يوميا؛ لضمان استقرار الأسواق.

“خطوة استباقية”

“وكالة الطاقة الدولية” حذرت من أن التخفيضات تثير خطر تفاقم اضطراب الأسواق ورفع أسعار النفط وسط ضغوط تضخمية، إذ قالت إنه كان من المتوقع أن تشهد أسواق النفط العالمية شحا بالفعل في النصف الثاني من 2023 بسبب احتمال حدوث عجز كبير في الإمدادات.

السعودية والإمارات والكويت وسلطنة عمان والجزائر قررت بشكل منسق خفض إنتاجها اليومي بإجمالي أكثر من مليون برميل، بدءا من أيار/مايو المقبل حتى نهاية العام الجاري، في أكبر خفض للإنتاج منذ قرار “منظمة الدول المصدّرة للنفط وشركائها” (أوبك +) في تشرين أول/أكتوبر 2022 بخفض مليوني برميل يومياً.

في حديث لـ “الحل نت”، قال الباحث الاقتصادي في شؤون النفط والطاقة، عامر الشوبكي، إن هذه الدول تعتقد أن خفض الإنتاج ضروري لضمان استقرار أسواق النفط وأنها خطوة استباقية لمواجهة أي ضعف في الاقتصاد العالمي، لكن هذا القرار من شأنه أن يساهم في رفع أسعار النفط كما حدث بالفعل بارتفاع وصل إلى 8 في المئة منذ إعلان تخفيض الإنتاج.

الأسعار المرتفعة للنفط تغذي موازنات الدول المنتجة وترفع إيراداتها، كما أن هذه الخطة قد تعتبر بأنها مساندة لروسيا التي تسعى أيضا لأسعار نفط مرتفعة لتغذية حربها على أوكرانيا وزيادة إيرادات موازنتها.

عامر الشوبكي، لـ”الحل نت”.

السعودية ستخفض 500 ألف برميل يوميا والعراق 211 ألف برميل، والإمارات 144 ألف برميل، والكويت 128 ألف برميل والجزائر 48 ألف برميل وسلطنة عمان 48 ألف برميل، على ما أعلنت كل دولة على حدا.

ردا على ذلك قالت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إن التخفيضات المفاجئة في إنتاج النفط التي أعلنتها السعودية ودول أخرى في “أوبك+” غير منطقية، إذ قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، “لا نعتقد بأن التخفيضات منطقية في هذا التوقيت بالنظر إلى حالة عدم اليقين التي تكتنف السوق، وقد أوضحنا ذلك”.

اليابان والاتحاد الأوروبي أكثر المتأثرين

في ضوء التخفيضات التي أعلنت عنها الدول المنتجة للذهب الأسود، والتي تصل إلى أكثر من مليون ونصف المليون برميل يوميا، بإضافة التخفيض الذي أعلن عنه تحالف “أوبك+” في تشرين الأول/أكتوبر 2022؛ تواجه الدول المستهلكة تحديات غير مسبوقة بآلية التعامل مع إجراءات التحالف، إذ من المتوقع أن تلامس أسعار النفط 100 دولار للبرميل.

الشوبكي لفت إلى أن الأمر مختلف ما بين الدول المستهلكة، إذ إن هنالك دول مستهلكة تشتري النفط بأسعار عالمية وأخرى تعتبرها روسيا دول صديقة وتشتري النفط بأسعار مخفضة مثل الصين والهند، أما بالنسبة لليابان فقد استثنيت من حظر السقوف السعرية الذي فرضته “مجموعة السبع” (جي7) والاتحاد الأوروبي وأستراليا مؤخرا، لكنها تشتري بالأسعار العالمية.

دول الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع وأستراليا اتفقت في 4 شباط/فبراير الماضي، على تحديد سقف لأسعار المشتقات النفطية الروسية، في أحدث قرار ضمن مساع دولية لاستهداف صادرات موسكو الرئيسية والحد من الترسانة التي يستخدمها بوتين لدعم حربه على أوكرانيا، وهي خطوة اعتبرها “الكرملين” أنها “ستزيد انعدام التوازن في أسواق الطاقة الدولية”.

إذ أوضح الشوبكي أن أكثر المتأثرين عالميا من أسعار النفط المرتفعة هي الدول المستهلكة للنفط، إلا أن الصين والهند بمعزل عن هذا التأثير كونها تشتري النفط من روسيا، التي تعتبر أكبر مورد للصين، بينما اليابان والاتحاد الأوروبي من أكثر الدول المتأثرة بقرار “أوبك+”.

إضافة إلى ذلك، تعتمد الهند على روسيا بواردات النفط بنسبة تصل إلى نحو 40 في المئة على حساب النفط العربي والأميركي، حيث وصلت واردات النفط الروسية إلى الهند في آذار/مارس الماضي إلى 1.62 مليون برميل يوميا، إذ إن هذه الكمية جعلت روسيا أكبر المصدرين إلى الهند وأزاحت العراق التي كانت في صدارة الدول المصدرة للنفط إلى الهند منذ عام 2017، تبعا لما قاله الشوبكي.

طوق نجاة لروسيا

ارتفاع أسعار النفط عالميا يزيد من ثمن النفط الخام الروسي معها، الذي يباع حاليا بسقف سعري لا يتجاوز 60 دولارا للبرميل، وبفارق 35 دولارا عن خام برنت، لكن إن تجاوزت الأسعار 95 دولارا فإنه سيجعل أسعار النفط من البلد المنتج العضو بـ”أوبك+” تتجاوز سقف الأسعار، وهو ما يأمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالوصول إليه في قادم الأيام.

بوتين توقع في اجتماع حكومي متلفز الثلاثاء 11 نيسان/أبريل الحالي، اتجاهًا إيجابيًا حيث ستستمر أسعار النفط في الارتفاع، وهو ما سينعكس على الإيرادات الروسية من النفط والغاز بعد أن سجل “الكرملين” عجزًا في الميزانية بقيمة 29 مليار دولار في الربع الأول من العام الحالي بشكل عام.

إيرادات روسيا من النفط والغاز، وفق تصريحات بوتين، تراجعت 15.8 مليار دولار في الربع الأول وسط تشديد العقوبات الغربية في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية العام الماضي، لكنه توقع بحلول نهاية الربع الثاني على خلفية ارتفاع أسعار النفط أن يتغير الوضع، إذ ستبدأ عائدات النفط والغاز الإضافية في التدفق إلى الميزانية.

وفقا للشوبكي، فإن ارتفاع أسعار النفط كان الحاجز الذي منع العقوبات من أن تعمل عملها في الاقتصاد الروسي، إذ إن الأسعار المرتفعة أدت لزيادة الإيرادات الروسية الأمر الذي حمى الاقتصاد الروسي من التأثر بشكل كبير.

“مع أسعار أفضل للنفط سيكون لروسيا قدرة أكبر على مقاومة العقوبات والصمود في وجه حزم من العقوبات الاقتصادية الموجهة إليها وهذا واضح من نظرة صندوق النقد الدولي الذي توقع تحول الاقتصاد الروسي من حالة الانكماش الماضية إلى نمو لكن بدرجة بسيطة قدرها بـ 0.3 في المئة”، أضاف الشوبكي.

روسيا صرحت بتمديد خفض إنتاجها من النفط بمقدار 500 ألف برميل يوميًا حتى نهاية 2023، تماشيًا مع قرار “أوبك+”، لكنها وفقا لوكالة “بلومبرغ”، خفضت إنتاجها خلال آذار/مارس الماضي بواقع 700 ألف برميل يوميا، إذ إن متوسط الإنتاج الإجمالي للنفط الخام والمكثفات في روسيا خلال شهر آذار/مارس بلغ 10.36 مليون برميل يوميا، مقارنة بـ 11.1 مليون برميل يومياً في شباط/فبراير، وفقا لحسابات “بلومبرغ”.

معدلات التضخم إلى أين؟

إعلان “أوبك+” المفاجئ عن الخفض في إنتاج النفط، ربما يعوق جهود البنوك المركزية لترويض التضخم ودفع المصارف المركزية إلى رفع أسعار الفائدة أكثر، الأمر الذي يؤدي إلى إضعاف القوة الشرائية للمستهلكين بصورة إضافية، قد توثّر في الطلب الإقليمي الكلي على النفط.

الباحث الاقتصادي عامر الشوبكي، يرى أن أسعار النفط والطاقة لها أثر كبير على معدلات التضخم، ورغم أن أسعار النفط العالمية هدأت نوعا ما إلا أن أي زيادة في الأسعار تتبع تخفيض إنتاج “أوبك+” سيكون لها أثر مدمر على الجهود التي يبذلها “الفيدرالي الأميركي” لخفض معدلات التضخم وستعمل هذه الخطوة على الاستمرار بسلسلة ارتفاع أسعار الفائدة، مما سيؤثر بشكل سلبي على سواء على نمو الاقتصاد العالمي أو معدلات التضخم التي سترافقنا على ما يبدو إلى مدى أطول.

بحسب الشوبكي، فإن “الفيدرالي الأميركي” لا يملك سوى خيار رفع أسعار الفائدة، وهو سلاح ذو حدين ويحمل سلبيات منها ارتفاع معدلات البطالة في العالم وزيادة حجم أزمة الديون لدول العالم الثالث ومنها الدول العربية مثل تونس ولبنان، مصر، الأردن والسودان.

ارتفاع أو انخفاض النفط عالميا ينعكس مباشرة على أسعار المشتقات النفطية المتحكمة في تكاليف النقل والشحن وأسعار السلع ومستلزمات الحياة اليومية، إضافة إلى تأثيرها على قطاعات أخرى كالسياحة، التي تعتبرها بعض الدول المحرك الأساس لاقتصادها وبالتالي سيتأثر أداؤها الاقتصادي.

بحسب الخبير الاقتصادي حسام عايش، فإن نمو اقتصاد الصين والهند يشكل حوالي 40-50 في المئة من إجمالي النمو العالمي، وبالتالي أي ارتفاع أو انخفاض في الكلف عليها سيكون له تداعيات على استهلاكها للنفط؛ وبالتالي على زيادة المعروض النفطي حتى بعد الاتفاق على تخفيضه.

كلما دخلنا في مرحلة ركود كلما قل الطلب على المشتقات النفطية وهذا يؤثر على أسعارها عندما يكون العرض أكبر من الطلب وأيضا كلما دخلنا في مرحلة ركود كلما أدى ذلك إلى تخفيض أسعار الفائدة لتحفيز الاقتصاد.

حسام عايش، لـ”الحل نت”.

خفض الإنتاج في أيار/مايو المقبل، سيؤدي إلى عجز عالمي في توفر النفط الخام، لكنه من المرجح أن يتفاقم في الشهور التالية، وهذا يعتمد على طبيعة قرار “أوبك+” فيما إذا كان حاسما في تلك المرحلة، لكن الولايات المتحدة قد تطرح مخزونا استراتيجيا في الأسواق، خشية تأثر النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم، حيث ساهم الاحتياطي الاستراتيجي الأميركي في خفض الأسعار خلال المرحلة الماضية.

ويبقى على عاتق الحكومات المستهلكة للنفط أن تبحت عن مخرج للحد من التضخم وعدم الدخول في مرحلة ركود اقتصادي، لم ينته العالم منها إثر جائحة “كورونا”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات