أيُّ منتج في سوريا وأثناء موسمه المحدد ترتفع أسعاره بشكل غير منطقي. على سبيل المثال، خلال الفترة الماضية، ارتفعت أسعار المواد الغذائية، وخاصة اللحوم والحلويات، بشكل كبير بمناسبة شهر رمضان وعيد الفطر. أمّا خلال هذه الفترة، ونتيجة نشاط تجارة بيع النظارات الشمسية في الأسواق وعلى الأرصفة، ارتفعت أسعارها أيضا.

اللافت أن رغبة الناس في اقتنائها أصبحت شبيهة بامتلاكهم لبقية الإكسسوارات التي تتماشى مع مظهرهم العام، ولكن بسبب ارتفاع أسعار النظارات الشمسية ذات الجودة المتوسطة والعالية، باتت البسطات ذات السلع الرخيصة وبالجودة العادية، وجهة اقتناء المواطنين، حيث يصعب على المواطن الذي لا يتجاوز راتبه 165 ألفا، اقتناء نظارة شمسية بقيمة تتجاوز 150 ألفا، حتى تصل إلى قرابة المليون ليرة سورية.

“البسطات وجهة البسطاء”

ارتفاع أسعار السلع في موسم كل منتج على حدى، يراه الخبراء أنه عائدٌ لضعف دور الحكومة الرقابي وعدم قدرته على السيطرة على الأسواق وضبط الأسعار عند حدوده المعقولة، بالإضافة إلى تقاعس بعض المسؤولين في المؤسسات مع استغلال التجار للتلاعب بالأسعار حسب مزاجهم.

أحد أسواق دمشق “سانا”

وفق رأي بعض بائعي النظارات الشمسية على البسطات في دمشق، فإنه ثمة عدد من الشباب وخاصة الشابات يشترون عدة نظارات شمسية بمختلف الألوان نظرا لرخص سعرها الذي يبدأ من 15 ألفا ولا يزيد عن 25 ألفا، فضلا عن أن بعض الزبائن تحصل على خصم في حال اشترت أكثر من نظارة واحدة، وفق تقرير لموقع “أثر برس” المحلي، يوم الثلاثاء الماضي.

البائع ذاته أردف في حديثه “جميع البسطات تعرُض منتجات تتماشى مع أذواق ودخل الجميع، وبالنسبة لمصدرها فهي إما صينية أو ماليزية بماركات مختلفة لا أعرفها أشتريها من تاجر يوزعها لنا وأبيعها بهامش ربح معقول يرضي الطرفين، ونسبتها ازدادت خلال هذه الفترة إلى 30 بالمئة فأبيع يوميا أكثر من 20 نظارة بألوان وأشكال مختلفة”.

إضافة إلى ذلك فإن أسعار النظارات تختلف بما تتماشى مع الموضة تزامنا مع دخول فصل الصيف وحاجة الشباب والصبايا إلى حماية أعينهم من أشعة الشمس، طبقا لحديث البائع على أحد البسطات في دمشق.

قد يهمك: فوضى في الأسعار بسوريا.. مخالفات تصل 30.5 ملياراً في فترات قياسية

بدورها، إحدى الموظفات في المؤسسات الحكومية قالت للموقع المحلي، أنه على الرغم من أن الكثيرين يجهلون أضرار النظارات المزيفة على أعينهم، إلا أن ثمة من يعلم ذلك؛ لكنه لا يتردد في شرائها ما دامت تشبه الأصلية، ويحاول هؤلاء إقناع أنفسهم بأنهم يستخدمون مثل هذه النظارات منذ سنوات ولم تصب أعينهم بأي أضرار، مضيفة، “النظارة الشمسية من نوع العدسات الكبيرة هي موضة هذه السنة، وأنا أحرص على تغيير نظاراتي الشمسية مع حلول فصل الصيف من كل عام ،وذلك حتى تتماشى مع الموضة وألوان الصيف”.

أسعار الماركات غالية

في مقابل ذلك، تلفت إحدى الفتيات في العاصمة دمشق لذات الموقع الإعلامي، إلى أمر غلاء سعر النظارات الشمسية الأصلية، ما يصعب على الكثيرين اقتناؤها، وتتساءل عن سبب وصول سعر نظارة بجودة عالية إلى حدود 150 ألف ليرة سورية من ماركة “برادا”، متابعة بالقول “لذلك نجد 80 بالمئة من الناس يشترونها من البسطات لأنها مقلِّدة ومزاياها معدومة وسعرها مناسب لفئات الدخل المحدود، فنجدها على البسطة بسعر 15 ألفا وهو مناسب للكثيرين”.

أما صاحب أحد المحال الفخمة في بيع النظارات الطبية والشمسية الأصلية، فإنه يدعو الناس لشراء النوعية الأصلية في موسم الشتاء؛ وذلك لأن سعرها ينخفض إلى النصف تقريبا والعروض تبدأ آنذاك، نظرا لركود السوق وعدم الإقبال على شرائها.

حول أسعار نظارات الماركات، يضيف ذات المصدر “متفاوتة كل نوع وماركة، حيث يختلف سعرها عن الأخرى، فمثلا أبيع ماركة شوبار، بـ 175 ألفا وأقوم بتقسيطها على دفعتين إذا كنت أعرف الزبون؛ فيما يختلف عنها سعر الڤرساتشي، التي تباع اليوم بـ 200 ألفا وشانيل بـ 150 ألفا وهكذا، علما أن هناك نظارات شمسية وطبّية في آن معا، تكون وصفة طبيب توصف لحماية العين وتكون تكلفتها أكبر حسب نوع العدسة وسماكتها ومقاومتها للأشعة فوق البنفسجية وقد تصل تكلفتها إلى 250 ألفا”.

سوق البصريات، سوق بلا حسيب ولا رقيب، فأرباح بعضها تتعدى المئة بالمئة، ويعمل أصحاب هذه المهنة وكأنهم أصحاب تجارة مخفية، حتى إنه من النادر أن يُسمع أنه تم مخالفة محل بصريات، ويبدو أن هذا ما أتاح لأصحابها البيع وفق ما يشتهون، وبالأسعار التي تناسب أهواءهم، وفق عدة تقارير محلية سابقة.

من الطبيعي أن تختلف أسعار السلع بحسب جودتها ونوعيتها، لكن من غير الطبيعي أن تكون السلعة نفسها تماما، مع فرق سعر كبير لمجرد أن أحد المحال قرر أن يصنّفها بخانة “الأصلية”، أو “أوريجينال”، والأخرى الأقل سعرا هي تقليد “كوبي”، وفي الواقع هذا يحدث كثيرا في السوق السورية، نظرا لغياب الرقابة عن هذا القطاع.

مصادر عدة من سوق الصالحية والشعلان، أكدوا لموقع “الحل نت”، في اتصال على تطبيق “الواتسآب”، اليوم الخميس، أن أسعار البصريات متباين في عموم أسواق العاصمة، وأرخص إطار للنظارات الطبية تُقدّر بنحو 40000 ليرة سورية، يضاف إليها ما يتراوح بين 20 أو 50 ألف ليرة سعر العدسات حسب نوعيتها وجودتها.

أما الأغلى فإنها تتواجد في أسواق حيّي الشعلان والمالكي، حيث تتراوح سعر النظارة الطّبية مع العدسات بين 600 ألف إلى نحو مليون ليرة وأحيانا أكثر حسب الطلب على أنواع تركيبها. فيما يبلغ سعر النظارة الشمسية الواحدة في هذه الأسواق إلى المليون والمليون والنصف، وهذا الغلاء يعود لكونها ماركات عالمية أصلية، وليست “كوبي”.

البعض يقول إن سقف الأرباح في هذا القطاع غير محدّد، نظرا لأن كل محل يضع تسعيرة وفق ما تناسب نوعية زبائنه وجودة منتجاته، بالتالي فإن تسعيرة النظارة للزبون تكون حسب وضع الزبون الذي يرتاد المحل عدة مرات في السنة، إلى جانب منطقة تواجد المحال، فمثلا النظارات في منطقة المالكي وأبو رمانة، أغلى بكثير من المناطق الأخرى التي تُعتبر شعبية.

غلاء كل منتج في موسه!

من جهة ثانية، يزداد إقبال الناس وخاصة الفتيات خلال فصل الصيف على شراء “كريمات الوقاية من الشمس”، وسط شكاوى من ارتفاع أسعارها أيضا. وذكرت إحدى المواطنات للموقع الإعلامي ذاته، أنها تفضّل وضع الواقي الشمسي في فصل الصيف بدلا من أن ترتدي النظارات؛ لأن الواقي بنظرها يغذي البشرة لساعات طويلة حيث تستخدم الواقي الشفاف صناعة وطنية بسعر 25 ألفا، لافتة إلى أنها لا تستطيع شراء الماركات الأجنبية حتى أنها تضطر إلى شراء أكثر من علبة؛ لأن حجمها صغير.

أما صاحبة أحد محال “البوتيك ومستحضرات العناية بالبشرة”، فتقول إن الأسعار متفاوتة وعلى اعتبار أن المنتجات تخص السيدات فكل واحدة تأخذ ما يحلو لها، فمثلا واقي الشمس الشفاف الوطني سعره بين 24 و25 ألفا حسب حجم العلبة وكل بشرة لها كريم خاص بها؛ أما الكريمات المقلّدة فسعرها بحدود 54 ألفا، والكريمات الأجنبية يصل سعرها إلى 90 ألفا؛ ولكن ميزتها أن فعاليتها تستمر طيلة اليوم وهناك واقيات خافية للعيوب سعرها 50 ألفا.

الغلاء الذي يجتاح كل الأسواق السورية، خاصة خلال الفترة الماضية، بسبب تدهور الليرة السورية أمام النقد الأجنبي، وسط تراجع قيمة الرواتب والمداخيل، التي لم تعد تكفي ليوم أو يومين فقط، وهو ما تم تأكيده من قبل عدد من المسؤولين في الحكومة السورية، وآخرهم رئيس “الاتحاد العام لنقابات العمال” جمال القادري، الذي كشف لبرنامج “المختار” الذي يبث عبر إذاعة “المدينة إف إم” المحلية، مؤخرا، أن الحد الأدنى للرواتب السورية لا يكفي ليوم واحد، وأن نظام الرواتب والأجور يحتاج لتعديل جذري، وأي زيادة للرواتب لم تعد كافية ولا يمكن أن يبقى التضخم ذريعة.

على الرغم من الضغوط التضخمية، يؤكد المسؤولون الحكوميون أن الرواتب المتدنية يجب أن تصبح في مقدمة القضايا داخل أجندة الحكومة، وذلك من خلال رفض الأساليب التقليدية لفحص الوظائف والتركيز بدلا من ذلك على أشكال الدمج مع الثورة الحالية.

وفقا لبيانات الحكومة، يبلغ الحد الأدنى الحالي للأجور في سوريا 28 دولارا أميركيا في الشهر، أي أن راتب الموظف السوري لا يتجاوز دولارا واحدا يوميا، وهذا الراتب المنخفض ليس كافيا فقط للاحتياجات الأساسية، ولكنه أيضا يديم دورة الفقر داخل المجتمع المحلي. ومن دون نظام أجور يعمل بشكل صحيح وصالح للعيش، من المحتّم أن يكون أداء الاقتصاد السوري ضعيفا.

لذلك فإن الزيادة في الرواتب والأجور وسط انهيار الليرة مقابل الدولار يجب أن تقوم بها الحكومة السورية بشكل جدّي وفعّال وعاجل، وإلا فإن معدل الفقر في البلاد سيتصاعد أكثر مما هو عليه، حيث يبلغ الآن قرابة 90 بالمئة من نسبة المواطنين السوريين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات