بعد انقطاع دام 12 سنة، استأنفت البعثات الدبلوماسية السورية السعودية عملها، مما يشير إلى تحسّن محتمل في العلاقات بين البلدين. وقد قوبلت هذه الخطوة بالتفاؤل من قبل الكثيرين، حيث من المحتمل أن تمهّد الطريق لمزيد من التعاون والاستقرار في المنطقة.

فبعد فترة طويلة من العداء وقطع العلاقات، وافقت الحكومتان السورية والسعودية على استئناف الاتصالات الدبلوماسية، ما يشير لانفراجة في أزمة المواطنين السوريين داخل السعودية بسبب عدم قدرتهم سابقا لاستكمال أوراقهم الثبوتية أو تجديد جوازات سفرهم، لكن على الصعيد العام ما الجديد.

ماذا سيتغير؟

أمس الثلاثاء، قررت السعودية وسوريا استئناف عمل بعثتهما الدبلوماسية بعد أكثر من عقد من إغلاق سفارات البلدين، حيث قالت الوزارة في بيان نشرته وكالة الأنباء الحكومية “واس”، إنّ هذه الخطوة أخذت “في الاعتبار” قرار مجلس وزراء خارجية الدول العربية الأسبوع الماضي والقاضي باستئناف مشاركة وفود سوريا في اجتماعات مجلس “جامعة الدول العربية”.

وزير الخارجية السعودية يلتقي بالأسد في زيارة لدمشق - "رويترز"
وزير الخارجية السعودية يلتقي بالأسد في زيارة لدمشق – “رويترز”

بدورها دمشق، ذكرت على لسان مصدر رسمي في وزارة الخارجية السورية، أنها قررت استئناف عمل بعثتها الدبلوماسية في السعودية “انطلاقا من الروابط العميقة والانتماء المشترك لشعبي سوريا والسعودية، وتجسيدا لتطلعات شعبي البلدين، وإيمانا من سوريا بأهمية تعزيز العلاقات الثنائية بين الدول العربية بما يخدم العمل العربي المشترك”.

استئناف العلاقات الدبلوماسية بين دمشق والرياض يُعد بحسب حديث المحلل السياسي، محمد عبيد، لـ”الحل نت” تطورا مهما حيث كان البلدان على خلاف منذ سنوات عديدة، الرياض كانت واحدة من الدول التي دعمت معارضة الرئيس السوري بشار الأسد، بينما حافظت سوريا على علاقات وثيقة مع إيران، المنافس الإقليمي الرئيسي للمملكة العربية السعودية.

إن استئناف البعثات الدبلوماسية بين البلدين لديه القدرة على فتح قنوات جديدة للتواصل والتعاون وفقا لحديث عبيد، والمساعدة في بناء المزيد من الثقة والتفاهم بين البلدين. قد تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة العلاقات التجارية والاقتصادية، فضلا عن زيادة التعاون في قضايا الأمن الإقليمي.

أحد التغييرات الرئيسية التي ستحدث وفق ترجيح عبيد نتيجة لاستئناف العلاقات الدبلوماسية، هو زيادة تبادل المعلومات والاستخبارات بين البلدين. والذي يمكن أن يساعد ذلك في تحسين التنسيق والتعاون في قضايا مثل مكافحة الإرهاب ومكافحة الاتجار بالمخدرات والجرائم الأخرى العابرة للحدود.

من الإرهاب إلى الوضع الإنساني

سوريا والسعودية لديهما تاريخ مضطرب دبلوماسيا، ففي حين كانت العلاقات ودّية سابقا، بدأت التوترات تتصاعد في عام 2011 عندما دعمت الحكومة السعودية قوات المعارضة علنا، وفي عام 2012، أعلنت الحكومة السعودية أنها قطعت العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، وطردت السفير السوري.

لكن خلال الأسابيع الماضية، جرت تحركات عربية لإعادة سوريا للحضن العربي من خلال الاجتماع التشاوري الذي عُقد في عمّان، مطلع أيار/مايو الجاري، وسبقته محادثات استضافتها مدينة جدة بين “مجلس التعاون الخليجي” ومصر والأردن والعراق.

وزير الخارجية السوري فيصل المقداد لأول مرة في السعودية - إنترنت
وزير الخارجية السوري فيصل المقداد لأول مرة في السعودية – إنترنت

أيضا وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، أجرى أول زيارة رسمية لمسؤول سعودي رفيع المستوى إلى سوريا في 18 أبريل/ نيسان 2023. جاءت الزيارة بعد أيام من زيارة مماثلة لوزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى جدة.

عودة لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، يرى عبيد أن لذلك تأثير إيجابي على الوضع الإنساني في سوريا. كانت المملكة العربية السعودية واحدة من أهم مقدمي المساعدات الإنسانية للبلاد، ويمكن أن تؤدي العلاقات الوثيقة بين البلدين إلى مزيد من التعاون والدعم للجهود الإنسانية.

اعتماد عربي لمبدأ “الخطوة مقابل خطوة”

لا يزال هناك العديد من التحديات التي تنتظر عملية تطبيع العلاقات بين سوريا والمملكة العربية السعودية. حيث لا تزال هناك خلافات كبيرة بينهما حول العديد من القضايا، بما في ذلك دور إيران في المنطقة، وسيستغرق الأمر وقتا وجهدا لبناء المزيد من الثقة والتفاهم بين الجانبين.

وزير الخارجية السوري فيصل المقداد لأول مرة في السعودية - إنترنت
وزير الخارجية السوري فيصل المقداد لأول مرة في السعودية – إنترنت

بناءا على قرار الجامعة، ستكون الفترة القادمة بين سوريا والدول العربية عبارة عن جس نبض لإمكانيات تحقيق عملية تطبيع حقيقية للعلاقات على كافة المستويات والأصعدة. تؤكد هذا كلمات وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، حيث يرى أن القرار بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، “مجرد بداية متواضعة جدا لعملية ستكون طويلة جدا وصعبة وتنطوي على تحديات كبرى خاصة في ظل العقوبات الموقّعة عليها”. 

في ظل الافتقاد لتوافق أممي حول الملف السوري، تحاول الدول العربية إدارة ذلك الملف بشكل مستقل ولكنه يتضمن في جوهره الالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 2254.

عودة سوريا إلى “الجامعة العربية” بعد 12 عاما من التعليق تشكل تطورا مهمّا في ملف الأزمة السورية، إذ تشير هذه الخطوة إلى تحوّل في الديناميكيات الإقليمية وقد يكون لها عدة آثار على مستقبل سوريا والعالم العربي.

هذا التطور الذي مُهّد له من خلال اجتماعات دورية بين وزراء الخارجية العرب في العاصمة الأردنية ومدينة جدّة السعودية وشاركت فيها الحكومة السورية، يشي بأن هناك متغيرات ستحدثها عودة دمشق لـ “الجامعة العربية” على ملف الأزمة السورية، وسيكون للسعودية دورا فيه.

بشكل عام، يُعد استئناف البعثات الدبلوماسية السورية السعودية خطوة إيجابية نحو مزيد من التعاون والاستقرار في المنطقة. في حين أن هناك العديد من التحديات التي تنتظر البلدين، فإن تجديد الحوار بينهما يُعد خطوة أولى مهمة في بناء مستقبل أكثر سلاما وازدهارا للسوريين ودول الشرق الأوسط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات