عودة سوريا إلى “الجامعة العربية” بعد 12 عاما من التعليق تشكل تطورا مهمّا في ملف الأزمة السورية، إذ تشير هذه الخطوة إلى تحول في الديناميكيات الإقليمية وقد يكون لها عدة آثار على مستقبل سوريا والعالم العربي.

وزراء خارجية “جامعة الدول العربية”، أصدروا عقِب اجتماع استثنائي في القاهرة أمس الأحد، قرارا يحمل الرقم “8914“، يقضي بعودة الحكومة السورية إلى “الجامعة”، بعد 12 عاما على تجميد عضويتها. كما تضمن القرار استئناف مشاركة وفود الحكومة في اجتماعات مجلس “جامعة الدول العربية”، وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها، اعتبارا من يوم صدوره.

هذا التطور الذي مُهّد له من خلال اجتماعات دورية بين وزراء الخارجية العرب في العاصمة الأردنية ومدينة جدّة السعودية وشاركت فيها الحكومة السورية، يشي بأن هناك متغيرات ستحدثها عودة دمشق لـ “الجامعة العربية” على ملف الأزمة السورية، ويمكن أن يساهم ذلك فعليا بحلحلة ملف الأزمة السورية، لكن كيف سيكون موقف دمشق من الدور العربي، وكيف سيكون الحضور العربي في الملف السوري بعد هذا التطور.

آلية جديدة للملف السوري

قرار “الجامعة العربية” جاء بناء على مذكرة المندوبية الدائمة لمصر رقم “1335” بتاريخ 3 من أيار/مايو الحالي، وعلى مذكرة “الأمانة العامة لجامعة الدول العربية” رقم “5/484”، حيث يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها إشارة دبلوماسية على أن الحكومة السورية تتخذ خطوات إيجابية لاستعادة مكانتها بين العالم العربي ودعم الدور العربي في حل الأزمة.

اجتماع وزراء الخارجية العرب في مقر "الجامعة العربية" - إنترنت
اجتماع وزراء الخارجية العرب في مقر “الجامعة العربية” – إنترنت

الأكاديمي والخبير في الشؤون السياسية العربية، أشرف الزعبي، أوضح لـ”الحل نت”، أنه بالنسبة للعديد من الدول العربية المعنية بالشأن السوري، هذه الخطوة علامة على أن المنطقة العربية تحت مظلة الجامعة تريد أن تلعب دورا أكبر في حلّ صراع يبدو أنه مستعصٍ على الحل، والذي تسبب في خسائر فادحة في سوريا والمنطقة ككل. وبوضعها الجديد، يمكن الآن إدراج دمشق في هذه المناقشات والجهود.

سابقا وبحسب الزعبي، كانت القرارات والاجتماعات الخاصة بسوريا تغيب عنها دمشق بسبب قرار وزراء الخارجية العرب، في 12 من تشرين الثاني/نوفمبر 2011 خلال اجتماع طارئ في القاهرة، بتعليق مشاركة وفد سوريا في اجتماعات الجامعة العربية والمنظمات والمؤسسات التابعة لها، لكن الآن جميع الاجتماعات سيحضرها الوفد السوري، ولذا فهو ملزم بتنفيذ مخرجاتها.

تحرك الدول العربية من خلال الاجتماع التشاوري الذي عُقد في عمّان مطلع أيار/مايو الجاري، وسبقته محادثات استضافتها مدينة جدة بين “مجلس التعاون الخليجي” ومصر والأردن والعراق، سياسيا جاء للضغط على دمشق من أجل حثّها على الانخراط في حل الأزمة، بحسب الزعبي. وترجم ذلك بالشروط والبنود التي تبنتها هذه الاجتماعات بما فيها اجتماع “الجامعة العربية”.

“الجامعة العربية” في قرارها الأخير دعت إلى ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرج حول حلّ الأزمة وفق مبدأ “الخطوة مقابل الخطوة”، بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم “2254” بمواصلة الجهود التي تتيح توصيل المساعدات الإنسانية لكل المحتاجين في سوريا.

الدور العربي في الأزمة السورية

الأمين العام لـ”جامعة الدول العربية”، أحمد أبو الغيط، قال في مؤتمر صحفي عقب انتهاء الاجتماع، إن “عودة سوريا إلى شغل المقعد هي بداية حركة وليست نهاية مطاف”، واعتبر أن مسار التسوية سيحتاج إلى وقت وأن القرار “يُدخل الجانب العربي لأول مرة منذ سنوات في تواصل مع الحكومة السورية للبحث في كافة عناصر المشكلة”.

اجتماع عمّان التشاوري - إنترنت
اجتماع عمّان التشاوري – إنترنت

طبقا لحديث الزعبي، فإن هذه الخطوة توفر فرصة للدول العربية للعب دور أكثر فاعلية في حلّ الأزمة السورية، حيث يمكن لـ”جامعة الدول العربية” أن تعمل كوسيط بين الأطراف المتصارعة وأن تساعد في تحقيق تسوية سياسية للصراع. كما أن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين سوريا وبعض الدول العربية يجب أن يسهّل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

وزراء الخارجية العرب، قرروا خلال الاجتماع تشكيل لجنة اتصال وزارية مكونة من الأردن والسعودية والعراق ولبنان ومصر والأمين العام لـ”جامعة الدول العربية”، لمتابعة تنفيذ بيان عمّان، والاستمرار في الحوار المباشر مع الحكومة السورية للتوصل لحلٍّ شامل للأزمة، يعالج جميع تبعاتها وفق منهجية “الخطوة مقابل خطوة”، وبما ينسجم مع قرار الأمم المتحدة حول سوريا “2254”.

من حيث الوجود العربي في الملف السوري يرى الزعبي، أنه من المرجّح أن تزيد عودة سوريا إلى “الجامعة العربية” من مستوى الانخراط العربي في الحل السياسي والتهديدات الأمنية التي تنطلق من الأراضي السورية. وقد تزيد “جامعة الدول العربية” من جهودها للتنسيق مع الجهات الدولية الفاعلة الأخرى، مثل الأمم المتحدة، لفرض حل سياسي. ومع ذلك، فإن فعالية هذه الجهود قد تعتمد على درجة التعاون بين الدول العربية نفسها وقدرتها على تجاوز خلافاتها ومصالحها المتباينة.

أيضا بنظر الزعبي، فإن قبول دمشق العودة إلى “الجامعة العربية”، هو تصديق على بنود قرار “الجامعة وبيانيّ عمّان وجدّة، ولذا فإن أول رد أردني على ذلك، كان بعد ساعات قليلة من الاجتماع، حيث قصفت الطائرات الأردنية تاجر المخدرات الأشهر في جنوب سوريا، مرعي الرمثان، وهو إجراء لم تكن الأردن قادرة على اتخاذه لولا الموافقة السورية.

المتغيرات التي ستحدثها عودة دمشق لـ “الجامعة العربية” على ملف الأزمة السورية، طبقا لحديث الزعبي، ستتمحور في المقام الأول بالجانب الإنساني عبر تقديم المساعدات لدعم الاقتصاد السوري، وأيضا الانخراط في مرحلة إعادة الإعمار لتهيئة أرض خصبة لعودة اللاجئين السوريين.

معاني وتأثيرات عودة دمشق لـ”الجامعة العربية”

عودة دمشق إلى “جامعة الدول العربية” بعد 12 عامًا من التجميد لها معانٍ وتأثيرات عديدة لسوريا والدول العربية والمنطقة بشكل عام، منها أن القرار يسمح لسوريا بالعودة إلى “الجامعة العربية” بعد سنوات من العزلة، وهذا تطور مهم لأنه يعني أن بعض الدول العربية مستعدة لتطبيع علاقاتها مع دمشق والعمل على حلّ سياسي للصراع السوري.

بالنسبة للعلاقات الدبلوماسية، وحسب قراءة وزراء الخارجية العرب داخل الاجتماعات المغلقة، فإن استئنافها بين سوريا وبعض الدول العربية قد يؤدي إلى زيادة التعاون الاقتصادي والاستثمار في سوريا، وقد تسهّل أيضا عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم.

أكذلك قد تؤدي عودة سوريا إلى “جامعة الدول العربية” إلى تغيير الديناميكيات الإقليمية، لا سيما فيما يتعلق بإيران وحلفائها. فقد تكون بعض الدول العربية التي كانت معادية لسوريا في السابق على استعداد للتعامل معها ويمكن أن تعمل على تقليص نفوذ إيران في المنطقة.

عودة آثارها محسوسة

قد تبدو خطوة إعادة قبول الحكومة السورية في “جامعة الدول العربية” غير مهمة بالنسبة للبعض، لكنها في الواقع تطور مهم قد يكون له تداعيات كبيرة على مستقبل البلاد. إذ يساعد ذلك بحسب الرؤية العربية في إحداث التغيير والمساهمة في حلّ الصراع الذي اتخذ طابعا دوليا وتغيّب عنه العرب لفترة من الزمن، وعلى الأقل هي خطوة في اتجاه جديد للعلاقات في المنطقة.

الحكومة السورية، أعربت عن اهتمامها بالقرار الصادر عن اجتماع مجلس “جامعة الدول العربية” على مستوى وزراء الخارجية، وأكدت على أهمية الحوار والعمل المشترك لمواجهة التحديات التي تواجه الدول العربية، وأن المرحلة القادمة تتطلب نهجا عربيا فاعلا على الصعيد الثنائي والجماعي يستند على الحوار والاحترام المتبادل.

إحدى المتغيرات التي يراها الزعبي أيضا، أن هناك احتمالية لأن يكون الدور العربي مكملا للحل السياسي في سوريا، فبناء على قرار “الجامعة العربية” المؤكد لانسجامه مع قرار مجلس الأمن رقم “2254”، فإن جمع مكونات المعارضة والحكومة السورية مستقبلا سيكون على أولويات اللجنة التي تشكلت من رحم الاجتماع الأخير، وتقريب وجهات النظر للانخراط في حكومة وطنية واحدة.

من جهتها،  وزارة الخارجية الأميركية، ذكرت أمس الأحد، أن واشنطن لا تعتقد أن سوريا تستحق العودة إلى “الجامعة العربية” في هذه المرحلة، إلا أن التواصل المباشر مع دمشق هو لمزيد من الضغط تجاه حلّ الأزمة السورية، وهي متفقة مع الشركاء العرب حول الأهداف النهائية.

في كلمة افتتاحية، قبل بدء الاجتماع، قال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، إن بلاده على اقتناع تام بأن السبيل الوحيد للتسوية السورية هو الحل السياسي بملكية سورية خاصة دون إملاءات خارجية، مشيرا إلى أن الحكومة السورية هي المسؤول الرئيسي في الوصول لهذا الحل، وتنفيذ الالتزامات ذات الصلة.

عودة سوريا إلى “الجامعة العربية” تعتبر تطورا هاما في ملف الأزمة السورية، وفي حين أنه قد يوفر فرصة للدول العربية للعب دور أكثر فاعلية في حل النزاع، فإن نجاحه سيعتمد على عوامل مختلفة، بما في ذلك التعاون بين الدول العربية واستعداد الأطراف المتصارعة للدخول في حوار هادف.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات