يلعب الغاز الطبيعي دورا متزايد الأهمية في الاقتصاد الدولي والعلاقات الدولية، لما له من أهمية في مستقبل أمن الطاقة العالمي، لأن الغاز هو أنظف أنواع الوقود الأحفوري، حيث يطرح ثاني أكسيد الكربون أقل بـ 50 بالمئة مما يُطرح عند  استهلاك الفحم، و 30 بالمئة أقل من النفط عند استخدامه لتوليد كيلوواط/ساعة من الكهرباء. لذلك تسعى العديد من الدول للتحول لاستهلاك الغاز بدلا من الوقود الأحفوري.

لقد فرض هذا التحول على الدول تهيئة وتأسيس بنية تحتية قادرة على استهلاك واستيراد الغاز المسال، بالمقابل ولمواجهة الطلب المتزايد على الغاز طرحت كبرى الدول المنتجة للغاز مشاريع لتوسعة إنتاجها مثل قطر والجزائر، وعلى نفس الخطى تتهيأ دول جديدة لتدخل نادي الدول الكبرى المصدرة للغاز لحجز مقعد مهم في السوق الدولية وبالأخص الإمارات التي قد تكون الأسرع في نمو إنتاجها وصادراتها للغاز المسال بعد تبنيها مشاريع ضخمة لإنتاج وتسييل وتصدير الغاز. ونناقش في سطور هذه المادة واقع الغاز الإماراتي وأهم المشاريع التي تعمل عليها الدولة، ومستقبل الغاز الإماراتي في السوق الدولية. 

خريطة الغاز في الإمارات

تمتلك الإمارات العربية المتحدة سابع أكبر احتياطي مؤكد من الغاز الطبيعي في العالم والذي يقدر بحوالي 6 تريليون متر مكعب متفوقة بذلك على الجزائر واذربيجان. ووفقا لمنظمة “أوبك” فقد بلغت صادرات الإمارات من الغاز الطبيعي المسال نحو 5.9 مليون طن أي ما يعادل 8 مليار متر مكعب خلال عام 2021، وجاءت أسواق الدول الآسيوية وفي مقدمتهم الهند واليابان والصين، الأكثر استحواذا على صادرات الإمارات خلال العام ذاته بنسبة تصل إلى 85 بالمئة. وعلى الرغم من أن الإمارات تمتلك احتياطيات كبيرة من الغاز، إلا أنها كانت تعتمد بشكل أساسي على الاستيراد لاسيما من قطر عبر خط أنابيب “الدلفين”، ويرجع السبب في ذلك إلى عدم تطوير الإمارات للبنية التحتية لحقول الغاز، ولأنها كانت ترى أن الاستيراد من قطر أقل تكلفة من الإنتاج المحلي. لكن بعد عام 2015 بدأت الإمارات في عملية تطوير منشآت الغاز لتصبح دولة مصدرة لاسيما بعد امتلاكها لمحطتين عائمتين لتسييل الغاز. 

مشاريع الإمارات المطروحة لتطوير إنتاج الغاز 

أعلنت الإمارات عن عدد من المشاريع الخاصة بتطوير البنية التحتية لإنتاج وتصدير الغاز المسال، وهي موزعة على الشكل التالي:

  • تطوير البنية التحتية لحقول الغاز، ففي الفترة الاخيرة وقعت شركة “أدنوك” الإماراتية على عقد مشروع ضخم لتطوير حقول الفجيرة للغاز مع ثلاث شركات دولية وهي (شل وتوتال إنرجي والنفط البريطانية بي بي). من المتوقع أن يتم إنتاج 9.6 مليون طن سنويا بعد أن يتم تشغيل محطة “أدنوك” للغاز المسال في الفجيرة في عام 2027.

    وتكمن أهمية المشروع في موقعه الاستراتيجي الواقع على سواحل خليج عمان وهو بذلك بعيد جفرافياً عن نطاق مضيق الخليج العربي، والذي تهدد إيران بشكل مستمر بإغلاقه عندما تتعرض للضغط من قبل الولايات المتحدة الأميركية. وبعد تنفيذ هذا المشروع ستكون محطة الفجيرة ثاني أكبر مصدّر للغاز في الشرق الأوسط بعد قطر.
  • تعزيز اسطول ناقلات الغاز، تصدير الغاز المسال يتطلب وجود ناقلات مخصصة لنقله، والإمارات كانت تمتلك ناقلتين فقط لهذا الغرض، لكن مع رؤيتها الجديدة لتطوير تجارة الغاز لديها عزّزت أسطولها الدولي لنقل الغاز بإضافة 5 ناقلات عملاقة جديدة، من أجل تأمين الطلب المتزايد من عملائها على الغاز المسال، ويأتي ذلك في إطار مساعي الإمارات لتنمية استثماراتها في مجال الشحن والخدمات اللوجستية، وتنويع مصادر إيراداتها، ولتوسيع وتطوير تجارتها للغاز المسال. 
  • التوسع في الاستثمار في مشاريع الغاز خارجيا، في شهر آذار/مارس من العام الحالي، وبحسب منصة الطاقة المتخصصة قدمت شركة أبو ظبي بالشراكة مع شركة النفط البريطانية بي بي عرضاً لشراء نسبة 50 بالمئة من شركة “نيوميد إنرجي” المنتجة للغاز الطبيعي في إسرائيل، من خلال مشروع مشترك عالمي جديد للغاز. و”نيوميد” هي أكبر مساهم في حقل ليفياثان البحري الذي تديره شركة شيفرون، وسيمنح الاستحواذ شركة “أدنوك” الإماراتية وشركة النفط البريطانية “بي بي” حق الوصول إلى أصول الغاز في كل من إسرائيل وقبرص. 

أهداف وتطلعات الإمارات في سوق الغاز العالمي

تتجه العديد من دول العالم وخاصة الصين للاستغناء عن استهلاك الفحم الحجري مقابل زيادة استهلاك الغاز الذي يصنف صديق للبيئة. وتسعى دول الاتحاد الأوروبي بحسب خطتها الاستراتيجية إلى تخفيض الاعتماد على الغاز الروسي مقابل إيجاد بدائل متعددة وموثوقة. هذا ومن المرجح بشكل كبير أن هذين العاملين كانا المحفزين الرئيسين في سياسة الإمارات الطاقوية لتطوير البنية التحتية لإنتاج الغاز. 


سيكون هدف الإمارات الاستحواذ على حصة استراتيجية من سوق الغاز بالاتحاد الأوروبي من خلال استغلال تراجع تدفقات الغاز الروسي. وقد تسعى الإمارات مستقبلا بعد أن تنفذ مشاريعها المتعلقة بإنتاج وتصدير الغاز للاستحواذ على حصص سوقية جديدة في الأسواق الآسيوية، وستنافس بذلك كل من قطر والجزائر وروسيا في سوق الغاز الدولية، ففي بداية عام 2023 صدرت الإمارات لأول مرة شحنة غاز مسال إلى ألمانيا.

الإمارات في الوقت الحالي وعلى المدى المتوسط لا يمكن أن توفر كميات كبيرة من الغاز المسال إلى السوق الأوروبية والصينية لأنها في مرحلة تطوير البنية التحتية وتحتاج إلى 3 سنوات على أقل تقدير لتصل إلى إنتاجية عالية، والكمية التي تصدرها الإمارات الآن إلى السوق الدولية لا تشكل نسبة تُذكر مقارنة بالاحتياجات السنوية للسوق الأوروبية أو الصينية. لكن على المدى المتوسط والبعيد وبما تمتلكه الإمارات من احتياطيات ضخمة من الغاز قد تصبح مصدرا هاما في سوق الطاقة الدولية، ومنافسا قويا للمنتجين الكبار.

من الواضح أن الامارات تعمل على رفد اقتصادها بدخل جديد، وسيكون الغاز المسال موردا مهما للاقتصاد الإماراتي، بسبب حجم الاحتياطي الضخم الذي تمتلكه أبوظبي، ولموقع البلاد على ساحل الخليج العربي الذي يجعلها تتوسط أسواق الاستهلاك العالمي بين دول الاتحاد الأوروبي ودول شرق آسيا، وستمنح تجارة الغاز المستقبلية الإمارات قوة اقتصادية قوية قد ترفعها لتكون أحد أعضاء نادي “G20” مجموعة العشرين لأكبر اقتصادات العالم، ومن الواضح أن الإمارات تسعى إلى تثبيت موقعها كـ “مصدر للغاز المسال” في أوروبا ولزيادة نفوذها تدريجيا في السوق العالمية للغاز ولحجز حصة في السوق الألمانية أكبر مستهلك في القارة الأوروبية. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات