المشهد الدرامي السوري في رمضان 2023 شهد ظهور مسلسل جديد بعنوان “الزند” والذي يبدو من وجهة نظر المراقبين وكأنه يذكرنا بمشروعات بيئية سابقة مثل “الفهد” و”الثريا”ما يعني أن المسلسل الذي جسد بطولته الفنان تيم حسن هو تكرار للدراما السورية القديمة، لا سيما فيما يتعلق بقصص محلية غير مكتملة.

المخرج والكاتب سمير طحان، أثار جدلا في حديثه عن الدورة الرمضانية بأنها شهدت أعمالا فنية بيئية تكملة لمشاريع بيئية لم تكتمل، إلا أن اللافت بالأمر هو عودة عدد من شركات الإنتاج إلى العمل، وظهور شركات جديدة برأسمال جيد وتوجه فكري مختلف. 

ما يلفت في حديث المخرج السوري، أن المشاريع الفنية الحديثة مجتهدة في تطوير أعمال البيئة الشامية، وهو نمط درامي مطلوبا من قبل القنوات  التي تشتري الأعمال الدرامية لخوض السباق الرمضاني، والتي أخذت تقع في فخ النمطية والاستسهال خلال السنوات الماضية.

استمرارية المشاريع المكررة

في حديثه لصحيفة “الأنباء” الكويتية، أمس الاثنين، أشار الطحان إلى أن الموسم الرمضاني لهذا العام تميز بالدخول إلى عوالم البيئات السورية نظرا لغناها بصريا وفكريا، لكن كان هناك تقصير وخجل في الولوج إلى تلك البيئات وسبر أغوارها وجماليتها البصرية والربانية.

لقطة من مسلسل "الثريا" - إنترنت
لقطة من مسلسل “الثريا” – إنترنت

الدورة الرمضانية بحسب الطحان شهدت أعمالا فنية بيئية منها مسلسل “الزند”، الذي أعتبره من وجهة نظره تكملة لمشاريع بيئية لم تكتمل، حيث في الماضي كانت هناك مشاريع فنية تشبه بعضها البعض من خلال ما يعانيه المكون الذي يعيش في تلك البيئة التي عانت الكثير، خاصة بالنسبة للفلاح ومعاناته من تواجد المستعمر العثماني والانتداب الفرنسي.

أبرز هذه المسلسلات “الثريا” و”هجرة القلوب إلى القلوب” والتي جسدت علاقة الفلاح بالإقطاعي، لكن “الزند” حظي بفريق عمل متكامل بدءا من المخرج سامر برقاوي مرورا بشركة “الصّباح” للإنتاج الفني وكبار نجوم الصف الأول.

وفقا لرأي المخرج السوري فإن أي عمل يتكرر بأجزاء هو حالة من الاستسهال، وسوريا تمتلك الكتاب والمخرجين والفنانين وفي حال توافرت الشركة المنتجة كشركة “الصباح”، فلماذا هذا الاستسهال وتقديم نفس القصة بأجزاء أخرى.

سبق وأن قدمت الدراما السورية أعمالا شبيهة بـ”الزند” مثل فيلم “الفهد” للكاتب حيدر حيدر، ومسلسل “الثريا” من تأليف نهاد سيريس وإخراج هيثم حقي، و”هجرة القلوب للقلوب” تأليف الكاتب عبدالغني حجازي وإخراج هيثم حقي، وتناولت هذه الأعمال انتفاضة الفلاح البسيط في وجه الباشا والإقطاعي لنيل حريته وحقوقه المغتصبة.

لكن الشركة عندما اختارت الفنان تيم حسن اختارته لأنه نجم مميز له جمهوره الواسع عربيا، ويمتلك مهارات كفنان ميّزته عن الكثير من الفنانين السوريين والعرب، بالإضافة إلى إمكانات الشركة المالية الضخمة واختيارها للمخرج والإكسسوارات والديكورات، بالإضافة إلى النجاح بتحقيق شارات العمل الأولى والثانية.

تكرار حضور الاحتلال العثماني والفرنسي

 كسر النمطية في القصة والصورة وتقديم أعمال أشبه بالملحمة الدرامية الشعبية، وإفساح المجال أكثر لنجوم هذه الأعمال لتقديم أداء تمثيلي مختلف مع مساحة أكبر لمشاهد الأكشن، هذا الاجتهاد أصاب في مواضع وأخفق في أخرى، ما يحتّم على صنّاع أعمال البيئة الشامية إعادة حساباتهم والتمحيص في كل تفاصيل ما يقدمونه.

بوستر لفيلم "الفهد" - إنترنت
بوستر لفيلم “الفهد” – إنترنت

قصة “الزند” وتكرار ربط الأعمال السورية بفترة وجود العثمانيين والفرنسيين بلغ حده، إذ تكررت هذه القصة منذ سبعينيات القرن الماضي، عندما تناول المؤلف حيدر حيدر والمخرج نبيل المالح ذات القصة في فيلم “الفهد” الذي أدى بطولته كلا من الفنانة إغراء وأديب قدورة وأسعد فضة وخالد تاجا وأحمد طرابيشي.

قصة الفيلم الذي عرض عام 1972، كانت تتمحور حول فلاح بسيط، يكتشف أن السلطة الإقطاعية هى امتداد للسلطة الاستعمارية حين انتزعت منه أرضه، يدخل السجن، ويعذب، ويهان، وتضيع كرامته ويعامل بوحشة من قبل أدوات القمع ممثلة بالدرك، يهرب من السجن ويتمكن من الحصول على بندقيته، وهناك يبدأ صراعه الدامي مع الدرك وعصابات الإقطاع.

أيضا مسلسل “ثريا” تناول القصة ذاتها عام 1994 بحسب طحان، حيث صور المسلسل حياة أسرة باشا من أصول تركية أدى دوره خالد تاجا عشية وصبيحة خروج العثمانيين من سوريا ثم دخول الفرنسيين. ويعتبر المسلسل ملحمة عن البطولة الفردية والعشق، فيرصد قصة حب نادرة بين ثريا، ابنة الباشا التي جسدتها سوزان نجم الدين و عكاش، أحد قطاع الطرق المناوئين للأتراك والتي جسدها جمال سليمان.

قاطع الطريق الذي صورتها دراما “ثريا” هو نفسه “كرو” الكردي الشخصية الشهيرة التي اشتهرت في ولاية حلب بقطع الطريق ونهب الأغنياء ومساعدة الفقراء، وقد تحدثت الكاتبة والمستشرقة البريطانية الليدي آن بلنت في كتابها قبائل بدو الفرات التي مرت من المنطقة عام 1876. و”كرو” بالكردية تعني “الذئب”.

في كاتبها ذكرت بلنت أن “كرو” كان جنديا سابقا في الجيش العثماني وتحوّل إلى قاطع طريق، ولكن عندما وصلت الليدي إلى حلب كان “كرو” قد اعتقل ونقل إلى مدينة يافا في فلسطين وحكم عليه بالسجن 15 عاما.

“الزند” له جوانب فريدة

في استطلاع لآراء الشارع السوري، فيما يخص أفضل المسلسلات الرمضانية وأقربها لهم حتى الآن، اتجهت معظم آراء الجمهور نحو “الزند – ذئب العاصي”، حيث يؤدي الممثل السوري الوسيم تيم حسن دور البطولة فيه. 

تيم حسن في شخصية عاصي الزند - إنترنت
تيم حسن في شخصية عاصي الزند – إنترنت

مجمل آراء الشارع السوري اجتمعت حول مسلسل “الزند”، وأنهم الأفضل ويشاهدونه في موسم دراما رمضان 2023، رغم اختلاف بعض الناس حول الأفكار التي تدور في العمل، فيما يتعلق بأعمال قطاع الطرق وغيرهم. لكن المسلسل من وجهة نظرهم يقدم نوعا جديدا من الدراما ويروي حكاية شعبية تاريخية معينة، وباللهجة المحلية “الساحلية”، وهذا ما شدهم وجذبهم للمتابعة، حسب الآراء.

بالنسبة للهجة المسلسل، وبحسب مخرج العمل البرقاوي، فقد كانت مغامرة حقيقة، مضيفا “لكن دعونا نسأل الجمهور، هل تتخيلون اليوم أن يتكلم عاصي الزند بلهجة بيضاء أو لهجة أخرى في المسلسل”. لافتا إلى أن خصوصية الشخصية من حيث اللهجة، والبيئة، والمكان تتطلب ذلك، وأردف البرقاوي “أعتقد أننا أردنا صناعة عمل يشرح فيه المنطقة ولكي نكون صادقين في تقديمها ولكي يتم تصديقها أيضا، يجب تقديمها بمثل هذا النوع من المغامرة”.

وبالنسبة للممثل فايز قزق الذي أدى شخصية الشيخ إدريس في المسلسل، يرى أن “المسلسل وجبة دسمة، يتناول المرحلة التاريخية التي تعود للعقود الأخيرة من القرن الـ19 مع انحسار الاستعمار العثماني وبدء الصعود الأوروبي، وتجسيد هذه المرحلة كان تحديا كبيرا لأنها فترة مليئة بالتناقضات، إذ تفشى في المنطقة الفقر والجهل، وغابت الجامعات والمدارس، وسط أجواء غير مستقرة، ليعيش المواطن ضائعا بين مستعمر عثماني يزول وبديل أوروبي له خططه وأطماعه”.

قزق خلال حديثه لـ”صوت بيروت إنترناشونال”، أمس الاثنين، قال إن مسلسل “الزند”، يعد إضافة مهمة للفن السوري، خاصة أنه جمع عددا كبيرا من الممثلين السوريين بقيادة المخرج سامر البرقاوي، وعن ذلك يقول: “أي عمل الآن يكون في طريق صحوة درامية لسوريا، وهذا العمل كان مهمًا في الوضع الفني لسوريا”.

حسب استفتاء منصة “إي تي بالعربي”، كان اختيار أفضل ممثل في مسلسل سوري، لصالح تيم حسن، من خلال تصويت الجمهور لمسلسله “الزند- ذئب العاصي”، الذي عُرض خلال موسم دراما رمضان 2023، وحظي بنسبة مشاهدة عالية جدا على مستوى الوطن العربي وسوريا تحديدا، واتجهت معظم آراء الجمهور في سوريا نحو أفضليته، حيث أدى تيم حسن دور البطولة فيه.

مسلسل “الزند” يعتبر بمثابة عودة قوية للمسلسلات السورية، أما بالنسبة كونه مشروع تقليد لـ”الفهد” و”الثريا” وأن الدراما السورية تكرر نفسها يبقى موضع جدل يحدد نجاحه من فشله الجمهور وحده، فالعديد من الأعمال الدرامية والسينمائية كررت ذات القصة، لكن الحبكة والإخراج وفريق التمثيل كان لهم بصمة أخرى.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات