لا شك أن حضور الرئيس السوري بشار الأسد، لمؤتمر القمة العربية قبل أيام، وسط ترحيب من العديد من الدول العربية، يعتبر نقطة تحول في ملف التقارب العربي مع دمشق المستمر منذ أشهر، الأمر الذي يعتقد العرب أنهم سيستطيعون من خلال تغيير قواعد المعادلة في المنطقة، لا سيما فيما يتعلق بملفي الأمن والاستقرار من جهة، والملف الإيراني من جهة أخرى.

ملف التقارب العربي مع دمشق، حقق العديد من الخطوات الجدية خلال الفترة الماضية، ذلك على الرغم من استمرار الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، في التحذير من مغبة التقارب مع الحكومة السورية، ذلك ما يطرح التساؤلات حول مدى قدرة التصريحات والتحذيرات الغربية من عرقلة أو تأخير خطوات التقارب العربي مع دمشق.

على الرغم من تراجع الدور الغربي والأممي في سوريا، وفيما يبدو مؤشرا على استلام العرب الملف السوري، تواصل الدول الغربية رفضها التقارب الإقليمي مع دمشق، محاولة تحذير العرب من مغبة هذه الخطوات، في حين أنه وبعد انعقاد مؤتمر القمة بحضور الأسد، بدأت بعض الدول بالحديث عن شروط لمواصلة التقارب مع دمشق، فهل تعرقل هذه الشروط عملية عودة العلاقات بين الدول العربية والحكومة السورية.

شروط غربية

قادة مجموعة “الدول السبع”، اشترطت في آخر اجتماع لها لاستمرار عمليات التقارب مع دمشق وإعادة الإعمار في سوريا، تحقيق تقدم حقيقي بالعملية السياسية في سوريا، في تأكيد غربي واضح على القرارات الأممية وخصوصا القرار 2254 المتعلق بالحل السياسي في سوريا والانتقال السلمي للسلطة.

المجموعة التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان، أكدت بعد اجتماعات في مدينة هيروشيما اليابانية في بيان السبت الماضي، على دعمها الكامل والمستمر لعمل منظمة “حظر الأسلحة الكيميائية”، مشددة على التزامها بمحاسبة المسؤولين عن الهجمات الكيميائية في سوريا وملاحقتهم.

موقف الدول السبع جاء في ظل ارتفاع وتيرة التقارب العربي مع دمشق، خاصة بعد حضور الرئيس السوري بشار الأسد لمؤتمر القمة العربية، وتفعيل مقعد سوريا في “جامعة الدول العربية”، في وقت لا يبدو أن الخطوات الغربية من شأنها أن توقف هذا التقارب، لكنها قد تعرقله عبر بعض القنوات الدبلوماسية في الشرق الأوسط.

على الرغم من إعلان الدول الغربية رفضها التقارب الإقليمي مع دمشق، لكن على ما يبدو هنالك العديد من الأسباب التي تدفع الغرب إلى غض الطرف عن عمليات التقارب هذه من قبل الدول العربية مع دمشق، أبرزها ربما محاولة وقف تقارب الأسد مع كل من روسيا وإيران، إضافة إلى محاولة قطع الطريق على روسيا التي تسعى إلى إنجاح وساطة من شأنها إعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق.

قد يهمك: هل يتراجع الدور الأممي في سوريا بسبب الحضور العربي؟

الباحث في العلاقات الدولية الدكتور عبد اللطيف مشرف، استبعد أن يكون هنالك اعتراض غربي حقيقي على التقارب العربي مع الحكومة السورية، متوقعا أن يكون هناك بعض الأمور التي قد تعرقل هذا التقارب، إضافة إلى فرض بعض الشروط، لكن قضية التقارب العربي مع دمشق، تصبح أقرب للواقع مع مرور الزمن.

عراقيل حقيقية؟

مشرف قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “من الممكن أن تعرقل الدول الغربية التقارب العربي مع دمشق، ولكن لا أظن أنها ستوقف هذه العملية، حيث أن الأسد لا يذهب إلى السعودية إلا بضوء أخضر دولي، الدول الغربية تعمل على فكرة المناورة السياسية، هناك فعلا على ما يبدو مصالح غربية من مرور هذا التطبيع، وذلك حتى لا يرتمي الأسد أكثر فأكثر في الحضن الروسي وخصوصا بعد المبادرة التركية الروسية بالمصالحة بين أنقرة ودمشق برعاية روسية”.

برأي مشرف فإن احتمال أن يكون الغرب جدّيا في وقف التقارب مع دمشق هو ضعيف بالنظر إلى المعطيات الراهنة، بمعنى أن أمر التقارب مع الحكومة السورية، سيكون متروكا للدول السبع، ولكل دولة على حدى، بحيث تستطيع كل دولة الاختيار بناء على مصالحها القومية والاستراتيجية، فيما إذا كانت تريد التواصل مع دمشق.

على الرغم من الاعتراض العلني، وتقديم مشاريع في مجلس الشيوخ الأميركي بعدم التعامل مع سوريا، لا يبدو أن هناك معارضة حقيقية من قبل الغرب على التقارب مع دمشق، لكن بالتأكيد فإن الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية يؤكد على تمسكه بالقرارات الأممية، المتعلقة بالحل السياسي في سوريا.

خاصة وأن الدول السبع أعلنت مطلع شهر أيار/مايو الجاري، إنها لا تعترف بفكرة “التطبيع” مع الحكومة السورية، وأنها ملتزمة بقرار 2254 الصادر عن الأمم المتحدة عام 2015 والذي ينص على أن الحل السياسي هو الحل الرئيسي للقضية السورية.

مشرف رأى كذلك أن هناك ضوءا أخضرا لبعض الدول العربية، من أجل المضي قدما في التقارب مع دمشق، وأضاف “الدول العربية لن تجرأ صراحة على الاستمرار في عمليات التقارب مع دمشق، إلا إذا حصلت على ضوء أخضر غربي، في ظل أن كثيرا من الدول لها علاقات مع واشنطن، وفي اعتقادي فإن نجاح التقارب جاء من استمرار قبضة النظام السوري على الحكم في سوريا”.

قد يهمك: ما فائدة الأسد من حضور اجتماع القمة العربية.. المصالح والتبعات

يبدو جليا أن الدول العربية رأت أن عزل دمشق هو إجراءٌ لا طائل منه، بل على العكس، فهو يفاقم الأوضاع في المنطقة ويضيف تعقيدات كثيرة إلى الملفات الإقليمية، بما في ذلك الملف السوري نفسه، حيث ارتمى الأسد في أحضان إيران ثم روسيا وسلم البلاد إليهما، وبالتالي ربما كان خيار الاحتضان هو الطريق الأفضل بالنسبة لهم في هذه المرحلة لما يحدث من التحولات الدولية، التي يتطلب فيها الاستقرار وإنهاء التوترات بالمنطقة أكثر من أي وقت مضى.

ملامح عودة دمشق إلى الدائرة العربية

عودة دمشق إلى الجامعة العربية، قد تمثّل عامل تفاؤل للعديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما المملكة العربية السعودية التي بذلت جهودا للوصول إلى هذه المرحلة. وهي الدولة التي تسعى لتقديم نفسها كشريك إقليمي فاعل وله دور في نشر الأمن والاستقرار في المنطقة، لكن هذا التفاؤل يواجهه بالتأكيد تحديات عديدة تتعلق بما يمكن أن يقدّمه الأسد للعرب خلال الفترة القادمة.

الدعم الاقتصادي ومساهمة الدول العربية في عمليات “إعادة الإعمار”، ربما هي من أبرز المصالح التي يسعى الأسد لتحقيقها من خلال عودته إلى الدائرة العربية، خاصة في ظل الضعف الاقتصادي الذي تعاني منه دمشق خلال السنوات الماضية، تزامنا مع انخفاض الدعم الاقتصادي المقدَّم من كلِّ من روسيا وإيران.

كذلك فإن عودة سوريا إلى المحيط العربي، يعني اجتماع العرب بطريقة أو بأخرى لمواجهة الأخطبوط الإيراني داخل سوريا، خاصة في ظل وجود بعض الخلافات بين طهران ودمشق، حيث أن الأخيرة لا تمانع التمدد الإيراني في سوريا والهيمنة الاقتصادية، لكن بنفس الوقت فإن دمشق تعترض على هيمنة طهران على القرار السياسي في سوريا، وهنا تكمن نقطة الخلاف.

على الرغم من تبادل الزيارات والجهود المكثفة من قبل حكومات الدول العربية، إلا أن عمليات “التطبيع” لا يمكن القول إنها تمّت، وذلك في ظل تعقيدات الوضع في سوريا وآلية التطبيع وشروطه، هذا فضلا عن الرفض الغربي لأي عمليات “تطبيع” مع دمشق، بدون تطبيق البنود الأممية المتعلقة بالقرار 2254.

لكن يبدو أن هناك رغبة عربية في ضمان استقرار منطقة الشرق الأوسط، وذلك عبر ضمان عدم التصعيد في سوريا، وهي المنطقة الأكثر عرضة لاحتمالية اندلاع التصعيد العسكري، والسعي لدعم جهود الحل السياسي للأزمة، هذا فضلا عن الرغبة بمحاولة كبح جماح النفوذ الإيراني، الذي تمدّد كثيرا خلال السنوات التي قطعت فيها الدول العربية علاقاتها مع دمشق.

من جهة أخرى فقد تعرضت العديد من الدول العربية لأضرار اقتصادية ولوجستية، جراء قطع العلاقات مع سوريا، خاصة وأن الأخيرة تمتلك موقعا جغرافيا هاما، كونها معبرا للحركة التجارية بين الدول الخليجية وواحدا من أهم مصادر مشترياته وهي السوق التركية.

يبدو أن عمليات التقارب مع دمشق من قبل العرب، تمضي بدون عراقيل واضحة حتى الآن، ولا يبدو أن الدول الغربية تسعى بشكل جدّي لمنع هذا التقارب، سوى تأكيدها وإرسال رسائل إلى الدول العربية، أن هذا التقارب يجب أن يكون مقترنا بالتقدم بالعملية السياسية في سوريا، إضافة إلى مراعاة القرارات الأممية في البلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات