بينما لم يستفق العالم بعد من المعركة ضد جائحة فيروس “كورونا” الذي حجب البلدان عن بعضها وقتل ما لا يقل عن 6 ملايين شخص، دعا تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لـ “منظمة الصحة العالمية”، الدول الأعضاء إلى الاستعداد لمواجهة وباء وشيك، وحثهم على تكثيف الاستعدادات وتخصيص المزيد من التمويل للمنظمة.

تذكير كئيب بأن التفشي الكارثي القادم قد يكون قاب قوسين أو أدنى، خصوصا وأن العالم لا يزال يعاني من آثار “كورونا”، حتى يلوح شبح وباء آخر في الأفق، يطالب باتخاذ إجراءات سريعة وإجراءات وقائية قبل أن يتفشى، نظرا لظهور المصدر والمركز المحتمل لهذه الكارثة الوشيكة في أكثر الدول كثافة بالسكان، وعلى وجه الخصوص الكهوف الغامضة بالبرازيل التي تعيش فيها الخفافيش.

ما علاقة خفافيش البرازيل بالوباء؟

في اجتماع لـ “منظمة الصحة العالمية” في جنيف السويسرية، يوم الاثنين الفائت، أطلق المدير العام إنذارا بأن وباء “كوفيد 19” لم ينتهِ بعد، مشيرا إلى أنه لا يزال هناك خطر ظهور نوع آخر يتسبب في اندلاع موجات جديدة من المرض والوفاة، والتهديد هنا من مرض آخر ينشأ مع إمكانية أن يكون أكثر فتكا.

الخفافيش في غابات البرازيل - إنترنت
الخفافيش في غابات البرازيل – إنترنت

مستشار “المركز المصري للحق بالدواء” في القاهرة محمد عز العرب، أرجع تحذير منظمة الصحة الآن إلى سعيها لتجهيز تنسيق دولي لمكافحة أي وباء قادم “قد يغزو العالم في فترة قصيرة”.

ضمن هذه الاستعدادات تجهيز المعامل، وجمع التمويلات، ودراسة نمط حياة الحيوانات الناقلة للفيروسات وعلى رأسها الزواحف والخفافيش؛ وبناء على ذلك وضع سيناريوهات شاملة للمواجهة، حسب توضيح عز العرب.

منذ عام 2009، اكتشف العلماء الأميركيون أكثر من 900 فيروس جديد، ويأتي أحد التهديدات المحتملة من التعدي البشري على موائل الخفافيش الطبيعية. لذا حذر الخبراء من أن مثل هذه المواجهات تزيد من خطر انتقال العوامل الممرضة من الخفافيش إلى البشر، مما قد يؤدي إلى انتشار الأوبئة في المستقبل.

نائب رئيس تحرير صحافة البيانات في “رويترز”، رايان ماكنيل، قال إن أكثر من مليار شخص معرضون للخطر بسبب معركة بين النظام الاقتصادي العالمي والطبيعة. في غرب إفريقيا، يعيش شخص واحد من كل خمسة أشخاص في منطقة عالية الخطورة، والتي تصفها “رويترز” بأنها المناطق التي يُحتمل أن تنتقل فيها الفيروسات من الخفافيش إلى البشر.

أيضا أجزاء من جنوب شرق آسيا هي مناطق مثيرة للقلق. إلا أن إزالة الغابات التي تعيش فيها الخفافيش في أميركا الجنوبية وخصوصا بالبرازيل خلقت مناطق عالية الخطورة أكثر من أي مكان آخر في العالم.

كيف سيؤثر الوباء على العالم؟

وفقا لإحصاء “منظمة الصحة العالمية”، فقد توفي أكثر من 6.9 مليون شخص على مستوى العالم بسبب وباء “كوفيد 19″، في حين أشار غيبريسوس إلى أن جائحة “كورونا” أظهرت أن كل شخص على هذا الكوكب بشكل أساسي بحاجة إلى حماية أفضل.

مخابر كشف تفشى فيروس كورونا الجديد - إنترنت
مخابر كشف تفشى فيروس كورونا الجديد – إنترنت

الدول الأعضاء في المنظمة العالمية البالغ عددها 194 دولة تعمل على اتفاقية عالمية بشأن الوباء، ومن المقرر أن تستمر المفاوضات خلال العام المقبل، إذ وصفها غيبريسوس، بأنها مبادرة مهمة للحفاظ على العالم أكثر أمانا. 

“منظمة الصحة العالمية” حثّت على التركيز على البحث عن عدد قليل من الأمراض المعدية المحددة، إذ تشير المنظمة إلى أن هذه العوامل الممرضة، بما في ذلك فيروسات “الإيبولا” و”ماربورغ” وحمى “لاسا” وفيروسات “نيباه وزيكا”، تشكل أكبر خطر على الصحة العامة بسبب احتمالية انتشارها الوبائي . 

في حين أن الطبيعة والخصائص الدقيقة لهذا التفشي المحتمل لا تزال غير مؤكدة ، يجب عدم نسيان الدروس المستفادة من أزمة “كوفيد-19”. لا يمكن المبالغة في الحاجة إلى تدابير استباقية وأنظمة مراقبة قوية والاستثمار في البنية التحتية الصحية العالمية. يقف العالم عند مفترق طرق ، حيث يمكن أن يؤدي التهاون والتأخير إلى عواقب وخيمة.

بحسب حديث المختص في الأمراض المقاومة للمضادات الحيوية، حسن القواسمي، لـ”الحل نت”، فإنه يمكن أن يؤثر الوباء المحتمل الذي نشأ من الخفافيش البرازيلية على العالم بطرق مختلفة، مع عواقب بعيدة المدى على الصحة العامة والاقتصاد والاستقرار الاجتماعي. ففي حين أن الطبيعة الدقيقة للوباء وشدته تظل غير مؤكدة، فإن الاعتماد على الدروس المستفادة من الأوبئة السابقة يمكن أن يوفر نظرة ثاقبة للآثار العالمية المحتملة.

الشاغل الأكبر يكمن في الخسائر المحتملة في الأرواح، وذلك اعتمادا على ضراوة وانتقال العامل الممرض، حيث يمكن أن يؤدي الوباء إلى زيادة كبيرة في الأمراض، والاستشفاء، والوفيات في جميع أنحاء العالم. وسيكون الضغط على أنظمة وموارد الرعاية الصحية هائلا، ومن المحتمل أن يعيق القدرة على توفير الرعاية المناسبة لجميع المتضررين.

من ناحية أخرى وبحسب القواسمي، فإن الاقتصاد العالمي سيواجه حتما اضطرابا شديدا، إذ سيكون تأثير الوباء على إنتاجية القوى العاملة وسلاسل التوريد والتجارة الدولية والسياحة كبيرا. ومن المرجح أن يتبع ذلك إغلاق الأعمال، وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي، وزيادة معدلات البطالة، مما يتسبب في ركود اقتصادي أو حتى كساد في المناطق المتضررة. يمكن أن تمتد الآثار المتتالية على مستوى العالم، مما يؤثر على الصناعات التي تتجاوز نطاق الرعاية الصحية وتؤدي إلى تفاقم التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية القائمة.

البيئة تغضب على البشر

تأثير الوباء الواسع النطاق سيمتد إلى ما هو أبعد من الصحة والاقتصاد، مما يؤثر على الديناميكيات الاجتماعية والرفاهية العقلية. فقد ينشأ الخوف والقلق والاضطراب الاجتماعي بسبب تصارع الأفراد على تفشي المرض. ويمكن أن تؤدي القيود المفروضة على التجمعات العامة وإجراءات التباعد الاجتماعي وبروتوكولات الحجر الصحي إلى زيادة الضغط على الروابط الاجتماعية والمساهمة في الشعور بالعزلة.

احتمال ظهور وباء جديد وبين التعامل الشاذ مع الطبيعة مرتبطان ببعض، حيث إن تصحير البشر للغابات؛ وكشف حيواناتها يجعل البشر أكثر عرضة للتفاعل مع الأنواع الحاملة للفيروسات، كما أن إزالة الغابات تقلل وجود الحشرات والكائنات التي تتغذى عليها الخفافيش.

عند استيطان البشر في أماكن الغابات المزالة، سيكون هناك تعامل مباشر مع الخفافيش التي تتغذى على دماء البشر والحيوانات والفواكه، وتترك فضلاتها على الفواكه التي يأكلها الإنسان. فضلا عن أن خلايا الخفافيش تحمل فيروسات قادرة على النمو وإحداث العدوى منها للإنسان.

علماء لفتوا إلى أن الجائحة التالية في العالم يمكن أن تبدأ من كهف في غابات الأمازون المطيرة في البرازيل، لأن الدولة اللاتينية تمتلك ثالث أكبر عدد من أنواع الخفافيش في العالم، كما تمتلك مساحات أراض شاسعة تزيد فرص تنقّل العدوى من الخفافيش للبشر.

عمق بعض الكهوف في البرازيل على 1.5 كيلومتر، وتعد موطنا لآلاف الخفافيش، فيما ظهرت بعض أكثر الفيروسات فتكا في العالم من الخفافيش. لذا فإن إزالة الغابات تسبب إجهاد الخفافيش، والخفافيش المجهدة يمكن أن تحمل المزيد من الفيروسات، وتلقي المزيد من الجراثيم في لعابها وبولها وبرازها.

كما أن نشاط الإنسان هناك في قطع الأشجار والوجود قرب كهوف الخفافيش، يرفعان احتمال الاحتكاك المباشر ونقل العدوى.

جائحة فيروس “كورونا” التي تفشت عام 2019 للمرة الأولى في مدينة ووهان الصينية شكلت حالة طوارئ صحية عامة دولية، حيث أُبلغ عن أكثر من 668 مليون إصابة في أكثر من 188 دولة ومنطقة حتى تاريخ 22 كانون الثاني/يناير 2023، فضلا عن أكثر من 6.73 مليون حالة وفاة، فيما تعتبر الولايات المتحدة أكثر الدول تضررا من الجائحة، حيث سجلت أكثر من ربع مجموع عدد الإصابات المؤكدة.

تفشي وباء جديد سيتطلب استجابة عالمية منسقة، على غرار ما شهدته جائحة “كوفيد 19″، لذا يمكن أن يكون التحذير الحالي من الوباء الجديد بمثابة دعوة للتيقظ وتعزيز التأهب العالمي والاستثمار في أنظمة رعاية صحية قوية للتخفيف من تفشيه في المستقبل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات