داخل الحكومة التركية تتصاعد التوترات مع احتدام الجدل حول الخطة الاقتصادية للبلاد. قبل أيام فقط من الانتخابات الرئاسية، انقسم حزب الرئيس المنتهية ولايته رجب طيب أردوغان، حول التمسك ببرنامج اقتصادي غير مستدام أو التخلي عنه تماما. 

مصادر مطلعة كشفت أن هذا الخلاف تسبب في انقسام داخل حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، حيث بات الأعضاء في مواجهة بعضهم البعض في معركة دراماتيكية وصدامية على كيفية تبني الحزب سياسة اقتصادية جديدة، حيث مع تزايد الضغط على الليرة التركية، أصبح مصير اقتصاد تركيا ومستقبلها السياسي معلقا.

هذا الصدام بين أعضاء الحزب ومع اقتراب موعد الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي لم تُحسم في جولتها الأولى، فإن السؤال الذي يدور في أذهان الجميع هو، هل ستؤدي هذه الخطة الاقتصادية إلى تقسيم حزب أردوغان وتؤدي في النهاية إلى فوز خصمه كيليتشدار أوغلو.

انقسام في وضع حرج

حاليا تتجه الأنظار إلى تركيا، حيث تشهد البلاد جولة انتخابات رئاسية جديدة، والتي تزامنت مع انقسام داخل “حزب العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا حول الخطة الاقتصادية التي يجب اتباعها، حيث أقام أفراد من الحزب تجمعات لبحث هذه الخطة وكيفية تبنيها. 

رجب طيب أردوغان خلال إلقاء كلمة أمام أعضاء حزبه - إنترنت
رجب طيب أردوغان خلال إلقاء كلمة أمام أعضاء حزبه – إنترنت

في الأسابيع الأخيرة، ووفقا لمصادر لم تسمها وكالة “رويترز”، عُقدت تجمعات لأفراد من حزب “العدالة والتنمية”، وذلك لمناقشة الخطة الاقتصادية المقترحة وكيفية تبنّي الحزب لها، حيث تتضمن هذه الخطة رفعا تدريجيا لأسعار الفائدة واعتماد برنامج محدد الهدف للإقراض.

هذه الخطوة تأتي في ظل تحديات اقتصادية كبيرة تواجه تركيا، حيث تشهد البلاد تضخما عاليا وانخفاضا في قيمة الليرة التركية، فيما تسعى الحكومة التركية إلى اتخاذ إجراءات اقتصادية لمواجهة هذه التحديات، خصوصا أن الجولة الأولى حُسمت لصالح رجب طيب أردوغان، لكن الجولة الثانية ستشهد منافسة قوية بين أردوغان ومرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو.

الخلافات داخل الحزب الحاكم يبدو أنها ستؤثر على نتائج الانتخابات الرئاسية، لا سيما وأن أردوغان لم يشترك بشكل مباشر في المحادثات التي حضرها بعض أعضاء الحزب الذين لا يشغلون مناصب حكومية لكنهم شغلوا مناصب كبيرة في الماضي.

أشياء كثيرة باتت على المحك بالنسبة لتركيا ذات الاقتصاد الناشئ الكبير والتي تعصف بها أزمة تكلفة المعيشة وسلسلة من تراجع قيمة العملة. ومع تراجع الاحتياطيات الأجنبية، يرى الأتراك أن بلادهم ربما تواجه أزمة اقتصادية أخرى في هذا العام على أقرب تقدير ستؤدي إلى ارتفاع التضخم مرة أخرى، ولذا بات من المفضل تغيير الواجهة السياسية للبلاد.

أمل جديد يحسم الانتخابات؟

يبدو أن الغالبية العظمى من أعضاء حزب “العدالة والتنمية” يؤيدون الخطة التي كانت تسير عليها تركيا قبل سنوات؛ لكن مع إعلان الرئيس أردوغان أن “أسعار الفائدة هي أم كل الشرور”، يعني أن التحولات في الاتجاه العام للسياسات الاقتصادية قد تواجه معارضة شديدة حال فوزه في الجولة الثانية.

المرشح الرئاسي التركي كمال كليجدار أوغلو - إنترنت
المرشح الرئاسي التركي كمال كليجدار أوغلو – إنترنت

الباحث السياسي المتخصص في الشؤون التركية طوزون باهشيلي، أوضح لـ”الحل نت”، أن هناك انقسام متزايد في الحزب بين مؤيدي الرئيس الحالي أردوغان وآخرين، حيث ظل الحزب دائما مؤيدا بقوة لسياسات أردوغان الاقتصادية، لكن الكثيرين داخل الحزب يسعون الآن إلى خطة محددة لمعالجة معدلات التضخم المتزايدة، ويمكن تحقيق ذلك طبقا لوجهة نظرهم من خلال زيادة تدريجية في أسعار الفائدة واعتماد برنامج مستهدف للإقراض.

وسط هذه التطورات، يرى أكثر من 45 بالمئة من الشعب التركي وخصوصا الشباب بحسب باهشيلي أن مرشح المعارضة كمال كيليجدار أوغلو ربما يكون الحل من أجل الضغط على حزب “العدالة والتنمية” للعودة إلى سياسات اقتصادية تعيد تركيا وعملتها إلى وضعها سابقا.

استطلاعات للرأي قبل الانتخابات كانت قد أشارت إلى وجود منافسة شديدة لكنها أعطت كليجدار أوغلو، الذي يرأس تحالفا من ستة أحزاب، تقدما طفيفا. وأظهر استطلاعان للرأي يوم الجمعة الفائت، أنه سيحصل على أكثر من 50 بالمئة من الأصوات.

نتائج استطلاع رأي أجراه مركز “أو آر سي” للأبحاث بأنقرة، أظهر توقع فوز كليجدار أوغلو بنسبة 49.3 بالمئة مقابل 42.4 بالمئة لأردوغان. وفي المقابل، توقع الكاتب والمحلل السياسي التركي فائق بولوت، تقدم كليجدار أوغلو على أردوغان بحصوله على 48-49 بالمئة مقابل 42-43 بالمئة لصالح أردوغان.

بول كيربي، محرر “بي بي سي” الرقمي لأوروبا، نقل عن رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، قوله إن سبعة ملايين من الأصوات تم حجبها عن عملية الفرز، بسبب هذه الاعتراضات، وقد جاءت جميعا في معاقل المعارضة. مضيفا أنه تكتيك استخدمه حزب أردوغان في آخر سبعة أو ثمانية انتخابات، على حد تعبيره.

موثوقية متأرجحة

الآن باتت المنافسة محتدمة ونسبة تصويت خيالية، فنقلا عن هاكان بيركتشي مدير مؤسسة “سونار” للاستطلاعات الرأي، فإن “أحدث استطلاع رأي أجروه كشف أن 1.25 بالمئة من أصوات سنان أوغان المرشح الثالث الذي خسر الجولة الأولى وتحالف مع حزب “العدالة والتنمية” ستتجه إلى أردوغان، في حين ستتجه 1.8 بالمئة منها إلى كيليجدار أوغلو.

المرشح الرئاسي التركي رجب طيب أردوغان - إنترنت
المرشح الرئاسي التركي رجب طيب أردوغان – إنترنت

طبقا لحديث باهشيلي، فإن الوضع الحالي للخطة الاقتصادية في تركيا يشهد انقساما داخل حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، وتعود العوامل الرئيسية التي تسببت في هذا الانقسام إلى التحديات الاقتصادية الكبيرة التي تواجه تركيا، ومنها تضخم عالي وانخفاض قيمة الليرة التركية.

هذا الخلاف بحسب الخبير التركي حول البرنامج الاقتصادي سيؤثر حتما على الجولة الثانية في الانتخابات الرئاسية المقبلة في تركيا بشكل كبير، حيث يبحث المرشحون عن حلول للتحديات الاقتصادية وتحسين الوضع الاقتصادي في البلاد فيما يصرّ أردوغان على سياسته، وقد يؤثر هذا الخلاف على قرارات الناخبين.

الاقتصاد تبعا لحديث باهشيلي يؤثر على ثقة الجمهور التركي بالحزب الحاكم قبل الانتخابات وخصوصا الشباب الذي يحاول أردوغان استقطابهم كونهم النسبة الأكبر حاليا في المجتمع التركي، في حين يتوقع أغلبهم من كليجدار أوغلو تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد وتوفير فرص العمل والاستقرار الاقتصادي.

التداعيات المحتملة على الاقتصاد التركي إذا تم تنفيذ خطة اقتصادية جديدة تتضمن رفعا تدريجيا لأسعار الفائدة واعتماد برنامج محدد الهدف للإقراض، يمكن أن تشمل تحسين الوضع الاقتصادي في المدى الطويل، ولكن قد تؤدي إلى تدهور الوضع الاقتصادي في المدى القصير.

بطبيعة الحال توفر الانقسامات الداخلية للحزب الحاكم الحالي في تركيا فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية فرصة لأحزاب المعارضة، خصوصا أنهم لا يهدفون إلى التخفيف من مخاوف الجمهور بشأن حالة التضخم الرهيبة في البلاد، ولكنهم يقترحون بدائل لا تعطي الأولوية للاستراتيجيات التي تولد النمو والاستقرار. 

في هذه المرحلة، بات من السهل على كليجدار أوغلو إقناع الناخبين بالنظر إلى الصعوبات الأخيرة التي يواجهها الاقتصاد في تركيا باعتبارها انعكاسا لسيطرة الرئيس أردوغان على تركيا، خصوصا مع النتائج التي خلُصت إليها دراسات جديدة بأنّ الحكومة التركية تسعى لتنفيذ سياسة خارجية عنوانها “تركيا أولا”، وهي سياسة ستنتج توترا مع سياسات الولايات المتحدة، في وقت لا يُتوقع أي تغيير كبير في السياسة الخارجية التركية وهو ما يفرضه أغلب الشعب التركي حاليا لأنها ستنعكس على اقتصادهم المتهالك.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات