بينما أظهرت آخر إحصائية صادرة عن الإدارة المركزية للإحصاء في الكويت لعام 2022، أن عدد السكان في البلاد يبلغ 4 ملايين و200 ألف، الكويتيون منهم قرابة مليونين و800 ألف، الأمر الذي أثار جدلا واسعا، حول وجود اختلالات بالتركيبة السكانية وسوق العمل إثر وجود أعداد كبيرة من العمالة الأجنبية في البلاد؛ تحاول الحكومة الكويتية إيجاد حلول سريعة وذلك من خلال تشكيل لجنة لتعديل التركيبة السكانية وتنظيم سوق عمل الوافدين.

منذ تشكيل الحكومة الكويتية، في 9 أيلول/سبتمبر 2021، لجنة لبحث آليات معالجة الخلل في التركيبة السكانية، اتخذت الأخيرة جملة من القرارات الهادفة إلى تحقيق تغيير سكاني على حساب الوافدين، وأظهرت اللجنة، التي يرأسها وزير الداخلية الكويتي الشيخ طلال الخالد، جدية عالية للتعامل مع ذلك، من خلال القرارات العاجلة التي أعلنتها بعد عقد اجتماعها الأول في شباط/فبراير الماضي.

اللجنة، وفق خالد، قد وضعت نصب عينيها الاهتمام بمعالجة الاختلالات في التركيبة السكانية وسوق العمل في دولة الكويت فور بدء أعمالها، ورفعت توصياتها باعتماد مشروع اللائحة التنفيذية للقانون 74 لسنة 2020 بشأن تنظيم التركيبة السكانية إلى “مجلس الوزراء”، بحيث تضمنت أوائل القرارات التي أعلنتها اللجنة، إلزام الجمعيات التعاونية بسرعة تكويت جميع الوظائف القيادية والإشرافية.

خطوات حكومية للحفاظ على التركيبة السكانية بالكويت

بالإضافة إلى رفع نسبة العاملين، بما يتيح خلق نحو 3 آلاف فرصة وظيفية للكويتيين في القطاع التعاوني وفق سلم مميز للرواتب والحوافز المالية، كما شملت القرارات الأولى خلق عدد من الوظائف الاستشارية للمواطنين المتقاعدين في مجالس إدارات الجمعيات التعاونية.

على هذا الأساس، أن فريق العمل في وزارة الشؤون الاجتماعية، بدأ الخطوات التنفيذية لوضع آلية العمل الخاصة بتكويت الوظائف في الجمعيات التعاونية، بالتعاون مع “هيئة القوى العاملة” و”اتحاد الجمعيات الاستهلاكية التعاونية”، هذا وتندرج خطة تكويت الجمعيات التعاونية ضمن خطوات تم السعي إليها منذ سنوات طويلة، لكنها تأخرت بسبب وجود بعض العراقيل لتنفيذ القرارات، وفق رئيس “نقابة العاملين بالقطاع التعاوني”، جمال الفضلي.

بحسب أحدث إحصائية، فإن عدد العمالة غير الكويتية “الأجنبية” لعام 2022 مليونا و600 ألف، باستثناء القطاع العائلي “عاملات المنازل”، ومن بين ذلك العدد الكبير؛ تحتل الجنسية الهندية المرتبة الأولى من حيث أعداد العمالة في الكويت، لتبلغ 500 ألف فرد تقريبا، فيما تحتل الجنسية المصرية المرتبة الثانية لتبلغ 480 ألف فرد تقريبا.

بينما يبلغ عدد المتعطلين عن العمل المسجلين في ديوان الخدمة المدنية لعام 2022 في الكويت، 8 آلاف و318 مواطنا كويتيا، في حين يبلغ عدد الأجانب العاملين في القطاع الحكومي في الكويت 93 ألفا، وفي القطاع الخاص قرابة مليون و500 ألف.

جاء تشكيل لجنة تعديل التركيبة السكانية وتطوير سوق العمل، في خطوة لتحقق توازنا داخل الطبقة العاملة، بما يوفر للمواطنين الكويتيين فرصة عمل مناسبة، ويضمن لهم حقوقهم كمواطنين من الدرجة الأولى في بلادهم، لاسيما في ظل الأعداد الكبيرة من الكويتيون الباحثون والمتقدمون على فرص عمل.

وفقا لذلك، وجهت اللجنة تعديل التركيبة السكانية وتطوير سوق العمل، بإجراءات تخص محاصرة العمالة العشوائية، وشن حملات مكثفة لضبط المخالفين، ومحاربة تجار الإقامات والشركات الوهمية، وعلى هذا الأساس زادت وزارة الداخلية من قراراتها الهادفة إلى معالجة التركيبة السكانية، من خلال إطلاقها تطبيق “كويت فيزا” الإلكتروني؛ بهدف تنظيم دخول العمالة والوافدين إلى الكويت، وحماية البلاد من عبور أصحاب السوابق أو المطلوبين قضائيا، أو المصابين بالأمراض المعدية إلى البلاد.

التطبيق سيعمل على التحقق من سمات دخول العمالة والزائرين إلى البلاد والمصادقة على تأشيرات الدخول بشكل إلكتروني سريع ودقيق قبل الصعود إلى الطائرة ودخول البلاد، بحسب ما أكدته وزارة الداخلية عند طلاقها للتطبيق في شباط/فبراير الماضي.

تحركات فعالة تتطلب رعاية

وسط ذلك، وفي الوقت الذي تصاعد فيه الحدث عن جدوى عمل اللجنة، يقول المهتم بالشأن السياسي الكويتي عادل التميمي، إن تشكيل اللجنة وأعمالها أمرا لا بد منه، في ظل الأرقام الصادمة التي أوضحت حجم الهوة بين العمالة الأجنبية والأيدي العاطلة الكويتية، وهو ما يتطلب عملا جادا لمعالجته، بما يحقق توازنا، ويضمن مستقبل آمنا للسوق الكويتية.

الكويت تتخذ عدة خطوات لتحقيق التوازن في التركيبة السكانية وتنظيم سوق العمل/ إنترنت + وكالات

التميمي وفي حديث لموقع “الحل نت”، بين أن، انتشار الأيدي العاملة الأجنبية وسيطرتها على سوق العمل يعد أمرا غير صحيا بالنسبة لمستقبل الاقتصاد الكويتي، وقد يؤدي في مرحلة معينة إلى صعود طبقة مسيطرة على سوق العمل وتتحكم بمصيريه، في وقت يجهل الكويتيون الانخراط في السوق وإيجاد فرصة عمل لهم، وذلك ما يؤثر على الاستقرار العام للدولة، حيث يمكن أن ينسحب الأمر على قضايا السكن وغيرها.

إن تشكيل اللجنة، التي تبدو من خلال خطواتها الأولى جادة في تحقيق تطلعات الشعب الكويتي، أمرا في غاية الأهمية، كما يرى التميمي، بما يؤشر رغبة حكومية في خلق فرص عمل للكويتيين، والحفاظ على توازن التركيبة السكانية فق ما يعكس وعيا ناضجا، لكن ما لا يمكن القبول به، هو عمل اللجنة بقرارات قد تعكس حالة من العنصرية أو التميز، مشيرا في الوقت ذاته، إلى أن التميز بين المواطن والوافد هو أمرا طبيعيا، لكن أن ينسحب ذلك الأمر على مستوى تقديم الخدمات الصحية وغيرها سيكون أمرا غير مقبولا، وهو ما يجب أن تراعيه اللجنة.

كذلك، أن تطبيق القرارات يجب ألا يلجأ إلى السرعة القصوى، فالعل ذلك ينعكس على مستوى حركة السوق وإدارته، إذ إن الاستغناء عن أيدي عاملة محترفة ومتمرسة واستبدالها بأيدي فتية من الطبيعي سيكون له أثره على السوق والحياة، كما لن يوفر الفرصة الكافية للأيدي العاملة الفتية لاكتساب الخبرات المطلوبة، بالتالي أن تطبيق قرارات اللجنة يتطلب التأني والدراسة، بما يضمن الاستقرار ويخدم الأيدي العاملة الفتية.

التميمي اختتم حديثه بالقول، إن الخطوات الحكومة في شكلها العام جيدة وتستحق التقدير فيما يخص تشكيل اللجنة وتفعيلها، لكن الحكم في الوقت الحالي على نجاح طرق العلاج المتبعة قد يكون أمرا فيه عجالة، وهو ما يتطلب وقتا لظهور النتائج، لكن مع الحرص على متابعة التطبيقات وتوجيه الملاحظات لها، بما يخدم المصلحة العامة.

أقدمت وزارة الداخلية الكويتية، مطلع العام الحالي، على ترحيل 30 ألف وافد خارج البلاد؛ بسبب ارتكابهم جرائم ومخالفات متنوعة، وضمن قرارات السلطات معالجة التركيبة السكانية، وبلغ عدد الرجال الذين أبعدوا 17 ألفا، وفق ما أوردته صحيفة “الراي” المحلية في كانون الثاني/يناير الماضي، مقابل 13 ألفا من النساء، وينتمي غالبية المبعدين للجنسية الهندية بواقع 6400 منهم، و3500 بنغالي، و3000 مصري.

إلى جانب قرارات اللجنة ووزارة الداخلية، استغنت وزارة التربية عن أكثر من 2000 معلم وافد ورئيس قسم في 14 تخصصا، ضمن خطتها لإحلال مواطنين بدلا منهم، وتكويت قطاع التعليم، في حين أعلنت السلطات الأمنية الكويتية في آذار/مارس الماضي، إبعاد 9 آلاف وافد من عدة جنسيات إلى بلدانهم؛ بينهم نحو 4000 امرأة، وذلك منذ بداية العام الحالي 2023، أي بمعدل 3 آلاف وافد شهريا.

إحصاءات كويتية

في حين كشفت بيانات حكومية رسمية عن إلغاء إقامات 1.150 مليون وافد خلال 3 سنوات، بينهم 67 ألفا غادروا البلاد ما بين كانون الثاني/يناير 2022، ونسيان/أبريل 2023، كما شهد العام الماضي إلغاء إقامات 56279 وافدا، وفي نهاية نسيان/أبريل الماضي، أبعدت وزارة الداخلية الكويتية 11 ألف مخالف لقانون الإقامة من رجال ونساء ومن جنسيات مختلفة، من بداية يناير الماضي وحتى 28 أبريل.

ارتفاع عدد سكان الكويت خلال العام 2022/ إنترنت + وكالات

الحكومة الكويتية، تريد من وراء تعديل التركيبة السكانية، الوصول إلى المعالجة الكاملة بجعل التركيبة تساوي 70 بالمئة كويتيين، مقابل 30 بالمئة غير كويتيين، ليكون الوضع مثاليا.

جدير بالذكر، أن مع استمرار قرارات لجنة معالجة التركيبة السكانية، ارتفع عدد سكان الكويت خلال العام 2022 بنسبة 8 بالمئة على أساس سنوي، في أسرع معدل نمو سنوي يتم تسجيله منذ 17 عاما.

تقرير صادر عن “بنك الكويت الوطني”، في نسيان/أبريل الماضي، قال إن عدد سكان الكويت ارتفع خلال 2022، عاكسا بذلك التراجع الذي سجله على مدار السنوات الثلاث الماضية بالقرب من مستويات الذروة المسجلة في عام 2019.

حيث أصبح عدد السكان الآن أقل من مستويات الذروة المسجلة في عام 2019 بنسبة 0.8 بالمئة فقط، كما تراجع معدل نمو عدد المواطنين الكويتيين إلى 1.9 بالمئة على أساس سنوي في عام 2022، في حين تسارعت وتيرة زيادة الوافدين إلى 11.1 بالمئة، وذلك بعد عامين متتاليين من التراجع بسبب “كورونا”.

وفقا لذلك، فإنه لا يزال أمام لجنة تعديل التركيبة السكانية وتنظيم سوق عمل الوافدين، عملا مضني، يتطلب مراعاة جنبات اجتماعية وإنسانية وحتى اقتصادية، بما يخدم الكويتيون ولا يتجاوز حقوق الوافدين، بخاصة أولئك الذين قدموا خدماتهم للكويت والكويتيين للسنوات طويلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات